بتاريخ ٢٣ / ٢ / ١٤٤٤ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )



جاء في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال، قال رسول الله ﷺ:

(لمَّا خَلَقَ اللَّهُ الجَنَّةَ وَالنَّارَ ‌أَرْسَلَ ‌جِبْرِيلَ إِلَى الجَنَّةِ فَقَالَ: انْظُرْ إِلَيْهَا، وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيها، قَالَ:«فَجَاءَهَا وَنَظَرَ إِلَيْهَا

وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِهَا فِيهَا»، قَالَ: “فَرَجَعَ إِلَيْهِ، قَالَ: فَوَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالمَكَارِهِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا “، قَالَ:

” فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفَّتْ بِالمَكَارِهِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ ‌خِفْتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ، قَالَ: اذْهَبْ إِلَى النَّارِ فَانْظُرْ إِلَيْهَا

وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ، لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلَهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ، فَقَالَ:

ارْجِعْ إِلَيْهَا، فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا).

[أخرجه الترمذي في سننه، وقال: هذا حديث حسن صحيح]

حُفَّت الجنة بالمكاره وهي

مجموعة من التكاليف الشَّرعية التي كلفنا الله بها، والتي قد يكره الإنسان فعلها، فتُصعَّب عليه دخول الجنة.

وحفّت النار بالشهوات واللذات المحرمة، وجعل الله -عز وجل- للإنسان عقلاً يحكمه، لكيلا يسير وفق شهواته.

أعطانا الله -عز وجل- خارطة الطريق للجنة والنجاة من النار، ولكن قد تتساءل

لماذا لم يكن الطريق إلى الجنة سهلاً؟

لأن الدنيا لا يوجد بها طريقٌ سهل، يجب أن تعمل لتنال ما تريده. كذلك الحال في العبادات، لن تكون

من زمرة الفالحين مالم تجتهد، وهذا تمام العدل السماوي.

نحن مبتلون في هذه الدنيا بمجموعة من الإغراءات والشهوات، ومن أول هذه الإغراءات ما حصل لآدم -عليه السلام- في الجنَّة في القصة المعروفة.

فكانت أول معصية لآدم أنه انجذب لإغواء الشيطان. والشَّيطان أخذ العهد على نفسه منذ ذلك الحين أن يبدأ قصة الإغواء إلى يوم يبعثون.

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال، سمعت رسول الله ﷺ يقول:

(إِنَّ إِبْلِيسَ قَالَ لِرَبِّهِ: بِعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ لَا أَبْرَحُ أُغْوِي بَنِي آدَمَ مَا دَامَتِ الْأَرْوَاحُ فِيهِمْ، فَقَالَ لَهُ اللهُ: 

فَبِعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَبْرَحُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُوني).

[أخرجه أحمد في مسنده، وقال الألباني: حسن]

هذه هي معركة الشيطان، كلّما أغلقت باباً أتاك من آخر حتى لحظة خروج الروح! ليمتحن الله -عز وجل-

قوتك ويرى أنك انتصرت على أهواء نفسك وتركت الدنيا بما فيها واخترت الجنة التي أعدها الله -عز وجل- لعباده الصالحين.


إغراء الشيطان له صور كثيرة، أهم ثلاث منها…

إغراء الجنسين ببعضهما البعض (المرأة بالرجل، والرجل بالمرأة)

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (‌إِنَّ ‌الدُّنْيَا ‌حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا ‌الدُّنْيَا

وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاء).

[أخرجه مسلم: صحيح]

الشيطان مستعد لأن يستعين بكل شيء ليحقق لنا هذا الإغراء، بالصورة والصوت وأنواع التجميل والعطور. لذلك نهانا الله -عز وجل- عن اقتراب الجنسين

ببعضهم البعض لما قد يترتب على هذا الاقتراب من فتنة وفاحشة.


إغراء المال

عن عمرو بن عوف رضي الله عنه قال، قال رسول الله ﷺ:

(فَوَاللهِ مَا ‌الْفَقْرَ ‌أَخْشَى ‌عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ ‌أَخْشَى ‌عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ ‌عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُلْهِيَكُمْ كَمَا أَلْهَتْهُمْ).

[أخرجه البخاري: صحيح]  

يعيش الناس بالبذخ والترف والبطر والمنافسة والتكاثر إلى أن تهلكهم الدنيا كما أهلكت من سبقهم. فنجد

من يتوظف في بنك ربوي، ولا يقبل براتب أقل في مكان آخر ليضمن طهارة مصدر عيشه!

ونجد الأطفال يطمحون للشهرة عند كبرهم لأنها أسهل طريق للغنى!


إغراء الجاه

حال إغراء الجاه بين هرقل ملك الروم وبين دخوله للإسلام لأنه ما استطاع أن يترك الجاه الذي هو فيه!


لماذا هي صعبة مقاومة هذه الإغراءات؟

لأن لهذه الإغراءات سمتان؛ الأولى أنها كثيرة والثانية أنها سهلة. فالإنسان لم يعد يحتاج أن يبحث عن الحرام، بل أصبح الحرام

يتسلل إليه بكل سهولة؛ فإن لم يخرج من بيته ستصله على هاتفه، وإن أغلق هاتفه ستصله من أخبار الناس وهكذا.


كيف سنقاوم هذا الإغراء الكثير والسهل والمتتابع؟

١- لا تشغلك الدنيا عن الآخرة: فلا تكن شهوات الدنيا هي الأهم عندك، بل كل ما تذكرت شيئًا

من الدنيا تذكر معه الآخرة، واسأل نفسك لو فعلته ماذا سيكون لي في الآخرة؟


٢- قل لا للترف الزائد:

لابد أن تربي نفسك وتربي أبنائك على عدم الترف الزائد وألا يكون مطلب

وغاية تتشوّف إليها فالكثرة من المباحات لا يزيد قلبك إلا قسوة.


٣-كن قدوة في مجتمعك:

لابد أن يكون هناك قدوات في كل مجتمع، ولابد أن يتواجد حولنا من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

كن أنت منهم، كن قدوة ومنصة خير في أسرتك وفي عملك وبين أصحابك.


٤-أن تعرف حقيقة الدنيا:

إذا تكلم الناس بأمور الدنيا تذكر حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ مَرَّ بِالسُّوقِ، دَاخِلًا مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ، وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ

أَسَكَّ مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟» فَقَالُوا:

مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: «أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟» قَالُوا: وَاللهِ لَوْ كَانَ حَيًّا، كَانَ عَيْبًا فِيهِ، لِأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟

فَقَالَ: «‌فَوَاللهِ ‌لَلدُّنْيَا ‌أَهْوَنُ ‌عَلَى اللهِ، مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ»).

[أخرجه مسلم: صحيح]

فهذه الدنيا برمّتها هي هينة عند الله، أهون من هذه الجيفة الميتة.


٥-قاوم النظرة المحرمة:

لا تسمح لعينك أن تسرح في الحرام من لقطات عري وغيره، ولا تجعل النظر إلى فخذ أو بطن

او ظهر أو أي شيء من العورات أمرًا اعتياديًا، لأن العين إذا اعتادت فالقلب كذلك يعتاد ويقسى.


٦-قاوم تلك الأمور التي يكون فيها الزيت جانب النار:

قاوم أماكن اختلاط الجنسين وابتعد عنها قدر استطاعتك لأن

“كثرة المِساس تذهب الإحساس” الإحساس بأن هذا الأمر لا يرضاه الله.


٧-كن مع رفقة صالحة:

انتبه لرفقتك، لأنك مع طول الصحبة سوف تنظر للحياة من خلالهم، وتتشكل قناعاتك منهم.

الصاحب ساحب فانتبه لمن تصاحب.


٨-عَظِّم الله عز وجل وقدّره حق قدّره:

يقول الشاعر

“إذا خلوت بريبة في ظلمة.. فلا تقل خلوت والنفس داعية إلى العصيان

  فاستحي من نظر الإلهِ وقل لها.. إن الذي خلق الظلام يراني”

أي إذا اختليت في مكان ونفسك تهوى فعل الذنب، فقدِّر الله -عز و جل-

حق قدره وتذكَّر أنه يراك، ولاتسمح لنفسك أن تنجرف مع داعي هواها.


٩-تعلّم واملأ وقتك بعبادة الخلوات:

لابدّ من العلم، لأن الإنسان عدو ما يجهل، وطالما كنت فاقداً لخارطة الطريق إلى الله ولا تعرف

كيف الوصول إليه، سيكون الضياع أولى بك، فلا بد من فهم القرآن وسماع حديث

وسيرة النبي ﷺ لتدلّنا على التصرفات الصحيحة في مواقف الحياة.

واملأ وقتك بعبادة الخلوات، إما صدقة أو صيام أو صلاة أو دعوة لا يعلم بها أحدٌ سواك، فهي أصل التثبيت فاستكثر منها.


١٠ – ابتعد عن أماكن الإغراءات:

فالبعد عن الأماكن والصحبة التي تجعلك تزداد في المعاصي أمر مهم، خاصةً إذا عرفت أنه لا قدرة لديك على المقاومة.


لا تنظر إلى المترفين، لا تتابع المترفين:

لا تنظر لهم، لأنك حتى لو كنت أغنى الناس ستظل في تطلّع دائم لما عندهم، وسيكون همك مشترياتهم

ومقتنياتهم وسفرهم. ولكن أين الهم الأكبر؟

أين الرسالة الكبرى التي نعيش لأجلها؟

نحن أكبر من هذه التفاهات، فلا تضيِّع نفسك بمراقبة التافهين.


الحياة لن تدوم لأحد، والله عز وجل يقول:

﴿أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ *﴾ (الشعراء 205-207).

خذ من الدنيا ما تريد، سيأتي ذلك اليوم وتنتهي الحياة، وحينها ما تغني عنك قراراتك التي أجلتها؟ أو رغبتك المؤجلة في التوبة؟

أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يعمل في رضاه وأن يجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم نلقاه.


* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.