بتاريخ ٠٩ / ٠٨ / ١٤٤٥ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )

القلب هو أهم عضو في جسم الإنسان وهو المحرك الأساسي لجميع أعضاء الجسم والحاكم عليها والمسئول عنها وهو محل نظر الله تعالى 

وهو العضو الوحيد الذي في صلاحه صلاح للجسد كله، وفي فساده فساد للجسد كله

و إذا أردت أن تستدل على ما في القلب، فاستدل عليه بحركة اللسان؛ فإنه يُطلع ما في القلب، شاء صاحبه أم أبى

قال يحيي بن معاذ: (“القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها ،فانظر الرجل حين يتكلم؛ فإن لسانه يغترف لك مما في قلبه “)

فاللسان نعمة من نعم الله العظيمة ولطائف صنعه الغريبة ،صغير جرمه عظيم طاعته وجرمه ،

وبه يستبان الكفر والإيمان ، فمن استعمله للحكمة والقول النافع ، وقضاء الحوائج ، وقيده بحدود الشرع

فقد أقر بالنعمة ووضع الشيء في موضعه ،ومن أطلقه وأهمله ،سلك به الشيطان كل طريق ،و عضلة اللسان

هي الجامع بين معظم الأعمال التي تبلغنا مغفرة الذنوب كالتوبة والاستغفار

لذا يجب أن يكون من ضمن استعداداتنا لرمضان. قال النبي ﷺ:

( تُفتَحُ أبوابُ الجنَّةِ يومَ الاثنينِ و الخميسِ، فيغفرُ اللهُ عزَّ وجلَّ لِكلِّ عبدٍ لا يُشرِكُ باللهِ شيئًا، إلَّا رجلًا كانَ بينَه وبينَ أخيهِ شحناء، فيقول:

أنظروا هذينِ حتَّى يصطلحا، أنظِروا هذينِ حتَّى يصطلِحا ،أنظِروا هذينِ حتَّى يصطلِحا ) أخرجه مسلم

ندرك من الحديث أنه حتى رفع الأعمال

منوط بهذا الصفاء القلبي، فترفع أعمال كل الناس، من بينهم تعكير لصفو قلبيهما، هذا التعكير لا يمكن أن تدخل رمضان به

ولذلك من ضمن الاستعدادات لرمضان أن تعيد لهذا القلب نقاءه وصفاءه. 

كيف أعيد صفاء قلبي؟ إما أن يتكلم (الإنسان بكلمة واحدة من رضوان الله عز وجل فيرتفع فيها بالجنات مراتب)

كما جاء في ذلك الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ

لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، ‌يَهْوِي ‌بِهَا فِي جَهَنَّمَ» ]أخرجه البخاري ، صحيح [

و نركز بأن هذه الدرجات أو الدركات إما جنة وإما نار فقط من هذه العضلة البسيطة، مالذي يمكن يقال منها؟

نعاود النظر في حساباتنا من أول وجديد في قضية ماذا نتكلم به؟ وما هي الطريقة التي نتكلم بها؟  وبماذا نتكلم في جمعاتنا؟

هذه الكلمة الواحدة التي يقولها العبد فيرضى عنه الله عز وجل بها إلى يوم القيامة أو أنه يستأهل فيها سخط الله عز وجل إلى يوم القيامة. 

ولذا تظهر أهمية التخلص من ثلاث آفات حارقة للأعمال الصالحة:

لمَ علينا التخلص منها؟ لقول النبي ﷺ:: «أَتَدْرُونَ ‌مَنِ ‌الْمُفْلِسُ»؟ قَالُوا: المُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ،

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِصَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ وَزَكَاتِهِ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا

وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا فَيَقْعُدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصّ مَا عَلَيْهِ مِنَ الخَطَايَا

أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» ]أخرجه الترمذي في سننه ، وقال الالباني : صحيح [فالحساب من الحسنات، والسيئات

كل واحد يؤدي ما عليه من الحقوق من حسناته فإن انتهت حسناته أخذ من سيئاتهم ،فلا يستقيم لنا إعمال اللسان في تكفير السيئات ثم الإتيان بحوارق تلك المكفرات!

الآفة الحارقة الأولى: الغيبة.

وهي كما قال ﷺ: (الغيبة ذكرك أخاك بما يكره) ]أخرجه ابي داود في سننه ذكرك أخاك في النسب أو في الدين

بصفةٍ يكرهها فيه أو فيما يخصه، سواء كان تصريحا أو تلميحاً أو إشارة. 

النبي ﷺ في حجة الوداع وقف على عرفة، من أعظم وأشرف المنازل، وخطب خطبة الوداع في تلك الحجة الأخيرة وقال لهم ولنا من بعدهم:

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «…..فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ

كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، ‌فِي ‌بَلَدِكُمْ ‌هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» ]أخرجه البخاري ، صحيح [

فحرمتك وحرمة أخيك كحرمة البلد الحرام في الشهر الحرام!

قالت عائشة رضي الله عنها في الحديث المعروف حينما جاءت تتكلم عن صفية من زوجات النبي ﷺ

وقالت في لحظة بشرية: قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‌حَسْبُكَ ‌مِنْ ‌صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ غَيْرُ مُسَدَّدٍ: تَعْنِي قَصِيرَةً، فَقَالَ:

«لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ» ]أخرجه ابي داود في سننه ، وقال الالباني صحيح [

 (حسبك من صفية. أنها كذا) أشارت بيدها إلى أنها قصيرة. فقال لها النبي ﷺ

(لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر) من مرارتها (لمزجته)

كل ما يعيب المسلم، فهو غيبة، ويدخل في ذلك قول: (فلان لا أودّ الحديث عنه، الله يستر عليه، الله لا يبلانا، فلان سيأتي؟ يالله)

حيث اتضح من كلامك ما أضمرته. ومنها أن تصف بلداً كاملاً أو قبيلة أو عائلة ونحوه، هنا يحاسب المرء عن بلدٍ كاملٍ يوم القيامة والعياذ بالله

تفاصيل صغيرة يجب أن ننتبه لها لأن الغيبة أمرها عظيم.

من الناس من إن نهيته قال: أستطيع مواجهته بكلامي هذا، ولكنه لا يعلم أنه لا يخرج من الإثم أيضاً فهو إن واجهته

ستكون قد شتمته وسببته، فالغيبة ذنب والشتم ذنب آخر، وليس من القوة مواجهة أخيك بما يكره إلا إن كان نصحاً بينك وبينه بأسلوبٍ فيه تودد ولطف.

الغيبة تنتشر سريعاً من مجلسٍ لآخر، خاصةً على وسائل التواصل والخوض مع الناس والـ(هاشتاقات). قال الله تعالى على لسان أهل النار:

(وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ) سورة المدثر -45، وقال عز وجل: (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) سورة الحجرات -12-

يا لبشاعة المشهد! هل يأكل أحدنا لحم أخيه ميتاً وهو بقواه العقلية؟

قال العلماء في تفسير الآية: فكما كشف سوءة أخيه كشف اللحم الذي يستر عظمه.

ومما ورد في ذلك عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم : ” لما عرج بي ربي عز وجل مررت بقوم لهم ‌أظفار ‌من ‌نحاس يخمشون

وجههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم»

[أخرجه ابي داود في سننه ، وقال الالباني : صحيح]

وهذا من عذاب البرزخ الذي قد نغفل عنه ولكنه آت

لِمَ كل هذا التشنيع على الغيبة؟

لأن القلوب تتغير على بعضها بالغيبة، ولأن الأواصر تنقطع بين الأهل والأرحام بكلمة قيلت في ظهر أحد ثم تناقلت

فيمتلئ القلب وتتغير النفوس. ومن أعظم الأمور -كما ذكرنا في درس الصراط- أن الرحم تقف عند الصراط فليست بالأمر الهين. أما “اعتزل ما يؤذيك”

وما شابهها فليست على إطلاقه، فلو كانت من تؤذيك أمك أو جدتك التي تحتاجك، هل تقطع برها ووصلها لأذىً عابر؟

يقول النبي ﷺ: “يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه: لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوْراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم

يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته فضحه ولو في بيته”. كلنا مغمورون بالعيوب والأخطاء، والله يستر عباده فلا تسعى لفضح من أرخى الله عليه ستره

وإلا لوجدت نفسك مفضوح بين الأشهاد في ليلةٍ وضحاها من حيث لا تحتسب!

ما دور من يستمع إلى الغيبة؟

يقول النبي ﷺ: “من رد عن عرض أخيه ” إن سمعت الغيبة فأوقفتهم وقلت بأنك لم تعلم عنه إلا خيراً ولعل له عذرا

وأنك لن تسمح لهم بالخوض في عرضه، ما جزاؤك؟ قال الرسول عليه الصلاة و السلام ” ‌مَنْ ‌رَدَّ ‌عَنْ ‌عِرْضِ ‌أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ القِيَامَةِ» “(أخرجه الترمذي في سننه ، وقال الالباني : صحيح )

تخيل أنك تأتي يوم القيامة وقد قربتك ذنوبك من النار، فتأتي تلك اللحظة التي دافعت فيها عن عرض أخيك فيرد الله عز وجل وجهك عن النار! .

العتق الذي نشتاقه في رمضان يأتيك في لحظة قوة توقف فيها مسلسلاً لنهش لحوم إخوتك.

كم وزراً حملناه على ظهورنا من غيبة إخواننا؟ إحدى الأخوات طبعت هذه الآية {ولا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا} سورة الحجرات-١٢

وألصقته في مجلس النساء الذي يجتمعن فيه بشكل دوري حتى خلى المجلس من الغيبة تماماً بفضل الله ثم بحرصها.

أما صمتك في مجالس الغيبة ففيه ثلاث ذنوب وإن لم تغتاب:

  • أنك لم تنكر الغيبة.
  • أنك رضيت بالمعصية في وجودك أنت.
  • سرورك بحديثهم عنها بسوء. 

ومن يتحدث فيك يتحدث في غيرك..

ولذلك أول علاج من علاجات الغيبة:

  1. أن تنشغل بنفسك عن عيوب الناس.
  2. أن تعاقب نفسك كلما اغتبت بما تعلم أنه رادع لك. وهب بن منبه رحمه الله قال: نذرت أني كلما اغتبت إنساناً أن أصوم يوماً فأجهدني الصيام، فرأى أن هذا لم يفلح معه، يقول: فنذرت كلما أغتاب أتصدق بدرهمين، فمن حب الدراهم تركت الغيبة.. أنت أدرى بما يشق عليك فاتخذه عقاباً يصرفك عنها

3- أن تتذكر دائما الوعيد الذي جاء فيمن يغتاب أخيه والجزاء لمن رد على أخيه.

هل تجوز الغيبة في مواضع؟

نعم، تجوز في مصلحةٍ أعظم ..

كالمظلوم الذي يشكي للقاضي عن ظالمهِ، أو من يتحدث مع حكيم عاقل يبحث عنده عن حل لمشاكله، قال الله عز وجل: {لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ }١٤٨ – سورة النساء

فلا يجوز أن يجهر بالسوء إلا من ظُلم، أو حتى التحدث إلى شخصٍ يوجهك وينصحك ويخفف عنك حتى يصفى قلبك.
المعول عليه هو نيتك من الحديث.

في تغيير منكر. في حال علمك بمنكر قائم في مكانٍ معين أو أشخاصٍ تود أن تغيره وتستعين في ذلك بمن هو أقدر منك

فيعينك على ذلك، ويندرج في ذلك قضية الإخبار بالعيب عند المشاورة، وفي الخِطبة تخبر الصدق ولا تخدع من يسألك

ولا يعد ذلك غيبة، فالمستشار مؤتمن فلا يخفي عيباً ولا يكذب في مدح، والمهم في هذا كله هو النية، وأن يخلوا القصد من التشفي والانتقام.

الآفة الحارقة الثانية: النميمة

والنميمة من أرذل الأفعال التي ممكن تحصل بين الناس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ:

«إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ مِنْ كَبِيرٍ»” يعني هم يعذبان في قبورهم وما يعذبان بشيء كبير مو من الكبائر يعني في أمر لم يقدرون أنهم يمسكون أنفسهم عنه   ثُمَّ قَالَ:

«بَلَى أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَسْعَى ‌بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ» ( أخرجه البخاري ، صحيح )

عنده مشكلة في طهارته فهذا المشكلة الثانية. 

 فتخيل أنه الآن في قبره يعذب من أجل هذه النميمة.

والنميمة من أرذل الأفعال التي تحصل بين الناس، وهي نقل الكلام بين الناس بقصد الإفساد بينهما، وأحياناً قد يكون الكلام

صحيحاً ليس كذباً لكنه يترصد السقطات والهفوات لينقلها حتى يوقع بينهما، قد يكون ذلك لمصلحةٍ شخصية للنمّامة وقد يكون إفساداً لغرض الإفساد لا غير.

قال العلماء: لو رأى شخصا يخفي ماله في مكان فأفشى سره، فهو من النميمة. 

النميمة أشد من الغيبة من وجوه، لأنها تقطع الأرحام، ولأنها تفسد بين الناس، وهي من أخبث الوسائل.

عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ ‌الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي ‌جَزِيرَةِ ‌الْعَرَبِ …” (أخرجه مسلم ، صحيح ).

عجز أن يعيد الشرك إلى جزيرة العرب فعمد إلى التحريش بين البلدان والقبائل والأفراد لتكون البيئة خصبة له أن يعيث فيها فساداً حين تقطع الأرحام وتنشأ العداوات وتفسد القلوب. 

وكما قال النبي ﷺ (إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) (أخرجه أبي داود في سننه ، وقال الالباني : حسن )

غنيمة الشيطان الخالصة هم المنعزلون الذين ينأون بأنفسهم عمّن حولهم.

أجمع العلماء على أن النميمة كبيرة من الكبائر، قال سبحانه:

(ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم) سورة القلم 10

يمشي بين الناس بالنميمة، قال النبي ﷺ :(لا يدخل الجنة نمام) (أخرجه مسلم ، صحيح )، ، وقال ﷺ: (لا يدخل الجنة القتات) (أخرجه مسلم ، صحيح )

النمام الذي يمشي بين الناس بالنميمة، أما القتات الذي يتجسس على الناس، يبحثون عن أخبارهم ويتتبعونها في وسائل التواصل

للتجسس عليهم والتحدث بأخبارهم في المجالس ونحوها مما يثير الفتن ويكشف الأسرار ويوقع الضغائن، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ:

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟ “. قَالُوا: بَلَى. قَالَ: ” الَّذِينَ إِذَا رُؤوا ذُكِرَ اللَّهُ، أَفَلَا أخبركُم بِشِرَارِكُمْ؟ “. قَالُوا: بَلَى. قَالَ:

” ‌الْمَشَّاؤُونَ ‌بِالنَّمِيمَةِ، المفسدون بين الأحبة، الباغون بالبراء العنَتْ” )أخرجه البخاري في الأدب المفرد ، وقال الالباني : حسن )

أي من يسببون العَنَت والمشقة للناس البريئة. لا يكون النمام صادقاً، وإن صدق فإن أوصله فهو شيطان

ولذلك لما جاء رجل إلى أحد التابعين، قال إن فلان يحكي فيك، قال: أما وجد الشيطان بريدا غيرك؟ فلا ترخي أذنيك لنمّام.

النميمة جعلت هي والسحر في باب واحد. فكأنها كالسحر في التفرقة بين الناس،  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ

رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ‌ذُو ‌الوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ» (أخرجه البخاري،صحيح)

فيأتي هؤلاء بوجه أنه معهم، ويأتي هؤلاء بوجه آخر أنه معهم هم، قال النبي ﷺ:

(من كان له وجهان في الدنيا، كان له يوم القيامة لسانان من نار) (أخرجه ابي داود في سننه ، وقال الالباني : صحيح).  .

ليس من السهل أن تغش الناس، أو تمشي بينهم بالنميمة، ينبغي لمن وصلت عنده النميمة أن يقول لموصلها اتقِ الله، وأن يعظه ولا يصدقه أبداً

وأن يحافظ على صفاء قلبه على أخيه، دخل رجل على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وذكر عنده رجلا، فقال له عمر: إن شئت نظرنا

في أمرك بالكلام الذي ذكرته، فإن كنت كاذبا فأنت من أهل هذه الآية، قال الله عز وجل: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) سورة الحجرات 6.

وإن كنت صادقا، فأنت من أهل هذه الآية، قال الله عز وجل: (هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)، سورة القلم 10. 

وإن شئت عفونا عنك، أي إما أنك كاذب أو صادق فاسقٌ أو نمّام أو لا ننظر في أمرك، فسكت الرجل ثم قال: العفو يا أمير المؤمنين، والله لا أعود.

النميمة قد تباح في مصالح: منها حالات الحرب، والحرب خدعة كالذي حدث في غزوة الأحزاب حينما ذهب الصحابي

نعيم بن مسعود لليهود محذراً من خطط غدر الكفار بهم، ثم ذهب إلى الكفار محذراً من غدر اليهود فيهم، وقد كان قد أخذ الإذن مسبقاً من رسول الله ﷺ فقال له:

((خذل عنا ماستطعت فإن الحرب خدعة))

ففي الحروب والمصالح العظمى، يجوز للإنسان فيها مالا يجوز في غيرها .


الآفة الحارقة الثالثة: الكذب

 و يكفي بالكذب سوءاً أن حتى الحيوانات والبهائم تأنف منه، الكاذب متوعد بالويل، جاء في حديث البرزخ عن الذين رآهم النبي ﷺ:

واحد من الثلاثة رآه النبي ﷺ يشرشر شدقه بكلوب من نار أي كلوب من حديد كأنه يقطع نفسه للأخير ثم يرجع إلى الجهة الثانية

ويقوم يشرشر نفسه ثم عينيه ثم أنفه أي يقطع نفسه، فلما سأل النبي ﷺ من هذا؟ قالوا: هو الرجل يغدو من بيته

فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق، يضعها في تويتر أو سناب أو انستقرام ولا في مجلس كبير فبلغت الآفاق، فليس من السهل الكذب

والآن مع الذكاء الاصطناعي وفيديوهات مصنعة وغيرها، أصبح الكذب على مرأى من العين والسمع ويصعب التفريق بين الصادق والكاذب.

 وأعظم الكذب أن يكذب على الله عز وجل بأن يفتي بغير علم أو أن يحل حراماً أو يحرم حلالاً، ومن هذا من يفتي بلا علم أو بظنه

أو بتوقعه وهو ليس بأهلٍ بل هو في مجلسٍ أو في لقاء عام، ومن الكذب ما يحدث فيما يسمى بالتسويق التجاري ويظنونها شطارة

ويجملون السلع بإعلاناتهم ووصفهم ومدى استفادتهم على عكس الحقيقة، هذا من الكذب الذي يبلغ الآفاق، قال ابن القيم -رحمة الله-:

والله تعالى يعاقب الكاذب بأن يقعده ويثبطه عن مصالحة ومنافعه ويثيب الصادق بأن يوفقه للقيام بمصالح دنياه وآخرته، لأن الله عز وجل يقول

(إنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28))سورة غافر.

فأي إنسان يرضى على نفسه أن يكون من أهل الكذب فقد جانب الهداية، جانب أن يوفقه الله -عز وجل-

فالكذب جماع كل شر قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ولا يزال الإنسان يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا))

فتخيل أن يكون الكذب من الممارسات اليومية، تكذب لتضحك الناس، وهؤلاء قال النبي ﷺ عنهم : (ويلُ) ويل وادي في جهنم

(ويلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ بالحدِيثِ لِيُضْحِكَ بِهِ القوْمَ فيَكَذِبُ ويلٌ لَهُ ويلٌ لَهُ) أخرجه أبو داود والترمذي

قال عمر بن عبدالعزيز : ما كذبت منذ أن شددت علي إزاري أي من أول ما عقل، وقال الشافعي رحمه الله: ما كذبت قط ولا حلفت بالله قط

ولا تركت غسل جمعة، وهو لم يتوفَ إلا وعمره أربعة وخمسون، أين نحن منه؟ لا يوجد شيء اسمه كذبة بيضاء أو كذبة إبريل، كلها من نفس السياق.

يجوز الكذب في مواطن: فعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَا يَحِلُّ الكَذِبُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: ‌يُحَدِّثُ ‌الرَّجُلُ ‌امْرَأَتَهُ

وَالكَذِبُ فِي الحَرْبِ، وَالكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ “(أخرجه الترمذي في سننه ، وقال الالباني صحيح.كأن تأتي للأولى قائلةً: صدقيني هي لا تقصد، وتقول للأخرى:

هي لم تنوِ ذلك قط، فالكذب للإصلاح بين الناس واحد من المواطن التي يجوز فيها، وكذلك الرجل مع امرأته والمرأة مع زوجها وذلك لإنبات الود بينهما وتأليف قلوبهما.

حكي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه كان يسير خلف رسول الله ﷺ في الهجرة، فتلقاه العرب وهم يعرفون أبي بكر ولا يعرفون وجه النبي ﷺ

فقالوا يا أبا بكر من هذا؟ وكان من الخطير أن يخبرهم بهويته خوفاً عليه، فقال: هذا هادٍ يهديني السبيل، هذه التورية ممدوحة عن الكذب

أنك وإن اضطررتِ فحاولي التورية بدللاً عن الكذب، وهي أن تكون الكلمة الواحدة تفهم بمعنيين.

أختم بقول النبي ﷺ لمعاذ بن لما قال: يا رسول الله ما النجاة؟ فقال له النبي ﷺ:(أمسك عليك لسانك) (أخرجه الترمذي في سننه ، وقال الالباني : صحيح لغيره )

تريد النجاة؟ امسك عليك هذا ((وليسعك بيتك تبكي على خطيئة))، أي انشغل بنفسك واحفظ لسانك لأنه هو من يوردك المهالك، فقال معاذ –رضي الله عنه-:

يا رسول الله أوَنحن مؤاخذون بما نتكلم به؟ قالﷺ: (ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على مناخرهم في جهنم إلا حصائد ألسنتهم)؟

أي أن هناك من يكبون على مناخرهم في جهنم فقط من حصائد الألسن.

نتحدث اليوم عن هذه الآفات حتى لا نقطع شوطاً من العمل الصالح قبل رمضان حتى إذا دخل رمضان إذا بتلك الآفات أحرقت كل أعمالنا

فنأتي رمضان مفلسين، ويوم القيامةِ كذلك، اسأل الله أن يطهر ألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة وأن يجعل خير أعمالنا خواتمها و خير أيامنا يوم نلقاه.


تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.