بتاريخ ١٦ / ٠٨ / ١٤٤٥ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )

سورة عظيمة تقرأ في اليوم أكثر من سبعة عشر مرة، قال الله تعالى عنها في كتابه:

﴿كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ مُبَـٰرَكٌ لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَـٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلْأَلْبَـٰب﴾ [ص: ٢٩]

 سورة الفاتحة، السورة التي الكثير منا يقرأها عن ظهر قلب، ونقرأ كمية من الأدعية أثناء هذه السورة وفي نهايتها نقول آمين ونحن لا نعلم بما دعينا فيه وبما أمنا عليه.

لماذا؟ لأننا إنما قرأناها حفظًا دون أن ننتبه لتلك الأسرار. كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «ادْعُوا اللهَ وأنتمْ مُوقِنُونَ بالإجابةِ ، واعلمُوا أنَّ اللهَ لا يَستجيبُ دُعاءً من قلْبٍ غافِلٍ لَاهٍ» [صحيح الترمذي]

شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قال عن الدعاء الموجود في الفاتحة :

«وهذا أجل مطلوب وأعظم مسؤول، ولو عرف الداعي قدر هذا السؤال لجعله هجيرًا وقرنه بأنفاسه فإنه لم يدع شيئا

من خير الدنيا والآخرة إلا تضمنه، ولذلك فرضه الله عزّ وجلّ على جميع عباده.»

 يجب أن تجعل في نيتك أن يتواطأ قلبك مع لسانك، لأن الله عزّ وجلّ وصف المنافقين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم.

دائما في الصلاة نبدأ قبلها بشيئين، ما هما؟ دعاء الاستفتاح وقبله التكبير والبسملة والاستعاذة.  نستعيذ لأنه كل ما عظم المطلوب وعظم الخير

كان اشتداد الشيطان أكثر على العبد. حين تدخل في الصلاة وتقول هذا الدعاء ولأنه عظيم فيأتي الشيطان يريد أن لا تكسب من هذا الدعاء شيئًا، فتستعيذ بالله عزّ وجلّ لأنه لو خرج هذا الدعاء بقلب متيقن بالله عزّ وجلّ فلا يمكن أن يقوم للشيطان قائمة.  أن تقول بسم الله الرحمن الرحيم هذه التسمية هي استجابة لأمر الله عزّ وجلّ حينما قال:

﴿ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِى خَلَق﴾ [ العلق:١]

لا نعمل شيئًا في الشرع إلا وله مستند فعندما نقول بسم الله الرحمن الرحيم فإننا نتبارك باسم الله عزّ وجلّ، تبدأ باسم الله وكأنك تقول باسم الله اقرأ واستعين به.

فضائل الفاتحة:

أولاً لا تصح الصلاة إلا بها، فلا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب.


ثانيًا أنها أعظم سورة في القرآن، «مَرَّ بيَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَنَا أُصَلِّي، فَدَعَانِي فَلَمْ آتِهِ حتَّى صَلَّيْتُ ثُمَّ أتَيْتُ، فَقالَ:

ما مَنَعَكَ أنْ تَأْتِيَنِي؟ فَقُلتُ: كُنْتُ أُصَلِّي، فَقالَ: ألَمْ يَقُلِ اللَّهُ: {يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ} ثُمَّ قالَ:

ألَا أُعَلِّمُكَ أعْظَمَ سُورَةٍ في القُرْآنِ قَبْلَ أنْ أخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ فَذَهَبَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِيَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ فَذَكَّرْتُهُ، فَقالَ:

الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ. هي السَّبْعُ المَثَانِي، والقُرْآنُ العَظِيمُ الذي أُوتِيتُهُ.» [صحيح البخاري]


الثالثة أنها هي الشافية وهي الكافية والشافية «انْطَلَقَ نَفَرٌ مِن أَصْحَابِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ … فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عليه، وَيَقْرَأُ:

(الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ)، فَكَأنَّما نُشِطَ مِن عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَما به قَلَبَةٌ، قالَ: فأوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذي صَالَحُوهُمْ عليه، …  فَقَدِمُوا

علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَذَكَرُوا له، فَقالَ: وَما يُدْرِيكَ أنَّهَا رُقْيَةٌ؟ ثُمَّ قالَ: قدْ أَصَبْتُمْ، اقْسِمُوا، وَاضْرِبُوا لي معكُمْ سَهْمًا.

فَضَحِكَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.» [صحيح البخاري]

 مجموعةُ من الصحابة أتوا على حي من أحياء العرب في سفر فلم يقروهم من القرى كانو بخلاء، فبينما هم كذلك لدغ سيدهم، فذهبوا إلى هؤلاء الضيوف

فقالوا لهم هل معكم من دواء أو من راق، فإن سيدنا قد لدغ. فقال الصحابة، قالوا إنكم لم تقرونا، فجعلوا لهم قطيعا من الشاة فجعل الصحابي يقرأ

بأم القرءان ويجمع بزاقه وينفث عليه.  فقال الصحابة لا نذوق منها شيئًا إلا أن نذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام ونقول له الخبر وهذه

من تقوى الصحابة. وكان هذا قبل معرفة أن الفاتحة هي الشافية. حتى وصلوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام فضحك النبي عليه الصلاة والسلام عندما

قالوا نحن رفضنا نأكل هذا، وقال للصحابي الذي قرأ: وما أدراك أنها رقية؟

يمكن أن تخرج الفاتحة سم القلب من ذنوب ومن معاصي لو قرأ الإنسان الفاتحة على قلبه وعاش بها بنية الشفاء-

ليس الشفاء الجسدي فقط- لكان من أصحاب هذه السورة.


 رابعًا هي نور، «بيْنَما جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، سَمِعَ نَقِيضًا مِن فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقالَ:

هذا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ اليومَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إلَّا اليَومَ، فَنَزَلَ منه مَلَكٌ، فَقالَ: هذا مَلَكٌ نَزَلَ إلى الأرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إلَّا اليَومَ، فَسَلَّمَ، وَقالَ:

أَبْشِرْ بنُورَيْنِ أُوتِيتَهُما لَمْ يُؤْتَهُما نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ البَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بحَرْفٍ منهما إلَّا أُعْطِيتَهُ.» [صحيح مسلم]

إذًا هذا وعد من الله عزّ وجلّ أنه يعطي كل الدعاء الموجود في هذه السورة لمن قرأها.

إن عظم الشيء يستوجب أسماء عدة، لذلك الله عزّ وجلّ له تسع وتسعون اسمًا غير الأسماء التي لا نعلمها وأيضا

سورة الفاتحة هي الصلاة لأنه جاء في الحديث قسمت الصلاة بيني وبين عبدي الصلاة التي هي سورة الفاتحة. الحمد لله رب العالمين

أول ما يخرج من لسانك، هذا الاعتراف المحض أن يا ربي لك الحمد على كل شيء، الحمد القول والشكر الفعل. الحمد هو الثناء

على الله عزّ وجلّ بالقلب واللسان. والشكر ليس فقط الشكر، بل الشكر يحتاج إلى عمل الجوارح.

قال تعالى :﴿ ٱعْمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكْرًاۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ ٱلشَّكُورُ ﴾ [سبأ: ١٣]

فالنبي عليه الصلاة والسلام كما تقول عائشة قال:«إذا سأل أحدُكم رَبَّه مسألةً فتعَرَّف الإجابةَ، فليَقُل:

الحمدُ لله الذي بنِعمتِه تتِمُّ الصَّالحاتُ، ومن أبطأ عنه ذلك فلْيَقُل: الحَمدُ لله على كُلِّ حالٍ.»[الجامع الصغير]. وقال عليه الصلاة والسلام:

«عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له.» [صحيح مسلم]

الشكر يكون أغلبه في السراء ، لذلك عندما يموت للإنسان عزيز، يقول اللهم لك الحمد على ما أخذت، ولا يقول يا ربي لك الشكر

وهذا الملفت بينهم حيث أن الشكر ذكرٌ للنعم أمّا الحمد حمدٌ لله على كل ما حصل.

جاء في الحديث: «والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ المِيزانَ» [صحيح مسلم]

يوم القيامة تملأ الميزان وهي من أفضل الدعاء ولذلك هي أحق كلمة يقولها العبد.

أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا قال: سمِع اللهُ لِمَن حمِده قال: « ربَّنا ولك الحمدُ مِلْءَ السَّمواتِ ومِلْءَ الأرضِ ومِلْءَ ما شِئْتَ مِن شيءٍ

بعدُ أهلَ الثَّناءِ والمجدِ أحقُّ ما قال العبدُ…» [ صحيح ابن حبان]

قال الله عزّ وجلّ:﴿ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة:٣]

هنا الله عزّ وجلّ يعرفنا بنفسه فلك الحمد يا رب بأنك أنت الله رب العالمين أنت الرحمن الرحيم. هذا الرحمن الرحيم هو سبب من الأسباب

التي نحن نحمد الله عزّ وجلّ عليها وهذه الرحمة هي التي قال الله عزّ وجلّ عنها:﴿وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ‌ۚ﴾ [الأعراف:١٥٦]

«إنَّ لِلَّهِ مِئَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ منها رَحْمَةً وَاحِدَةً بيْنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الوَحْشُ

علَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَومَ القِيَامَةِ» [صحيح مسلم]

إذًا عندما نقول الرحمن الرحيم، الرحمن هي صفة عامة فالله يرحم عباده جميعهم كافرهم، مؤمنهم، مطيعهم، وأما الرحيم

فهي خاصة بعبادة المؤمنين فلهم مزيد من الرحمة قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾[الاأحزاب: ٤٣].

انتبه لا تظن أن الله هو الرحيم فقط لكن اعلم أيضا أنه هو مالك يوم الدين هذي فيها نوع من أنواع التخويف والوعيد.

مالك يوم الدين، ما معنى كلمة الدين؟ أي الجزاء والحساب، فمالك يوم الدين يذكرك أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً

منه ولولا يعوضك الله بالدنيا فعوض الله في الآخرة أعظم وأجل وأكبر ويمكن لو رأينا عوض الله في الآخرة لم نردها في الدنيا.

كان الصحابة يخافون أنهم ممن عجلت حسناتهم بالدنيا عندما كانوا يشربون الماء البارد يبكون ويقولون نخشى أن نكون ممن عجلت لهم حسناتهم بالدنيا، يريدون الأجر كله للآخرة.

المعاني كلها تأتي فقط في قول الله عزّ وجلّ: ﴿مَـٰلِكِ یَوۡمِ ٱلدِّینِ﴾ [ الفاتحة: ٤]

ولذلك قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَمَآ أَدْرَٮٰكَ مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ(١٧) ثُمَّ مَآ أَدْرَٮٰكَ مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ﴾ [الإنفطار: ١٧-١٨].

هذا سؤال استعظام ما أدراك ما يوم الدين؟ والسؤال الثاني ثم ما أدراك ما يوم الدين، قال تعالى:

﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْــًٔا‌ۖ وَٱلْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ﴾ [الإنفطار:١٩].

من أسماء الفاتحة أيضًا سورة المناجاة. «قالَ اللَّهُ تَعالَى في الحديث: قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وبيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، ولِعَبْدِي ما سَأَلَ، فإذا قالَ العَبْدُ:

{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ}، قالَ اللَّهُ تَعالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وإذا قالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، قالَ اللَّهُ تَعالَى: أثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وإذا قالَ: {مالِكِ يَومِ الدِّينِ}

قالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وقالَ مَرَّةً فَوَّضَ إلَيَّ عَبْدِي، فإذا قالَ: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قالَ: هذا بَيْنِي وبيْنَ عَبْدِي، ولِعَبْدِي ما سَأَلَ، فإذا قالَ:

{اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذينَ أنْعَمْتَ عليهم غيرِ المَغْضُوبِ عليهم ولا الضَّالِّينَ} قالَ: هذا لِعَبْدِي ولِعَبْدِي ما سَأَلَ.» [صحيح مسلم]

الحمد الأولى إذا كررت الحمد مرة ومرتين وثلاثة هذه ثناء، والثناء هو تكرار الحمد. والتمجيد معنى التعظيم. إياك نعبد وإياك نستعين

فالكافر يعبد الله اضطرارًا لا يؤمن بوجود الله لكن أمره ليس بيده. فالشرف الذي يسأل العبد في سورة الفاتحة ربه العبادة في الاختيار دليل المحبة.

لأن من عصى الله عزّ وجلّ لم تصح عبادته ولم يصح حبه.

قال الله عزّ وجلّ: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ‌ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [آل عمران: ٣١]

العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال ومن الأقوال الظاهرة والباطنة. إياك نعبد، مشتملة على كل ما يحصل 

للعبد من عبودية. والتأكيد على موضوع العبودية لأنها أشرف المنازل عند الله عزّ وجلّ، ولما امتدح نبيه صلى الله عليه وسلم في الموقف

موقف الشرف الذي تعرض له في حادثة الإسراء والمعراج، قال الله عزّ وجلّ عن هذا الحدث:

﴿سُبْحَـٰنَ ٱلَّذِىٓ أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِۦ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْأَقْصَا﴾ [الإسراء :١] وهي أشرف المنازل لأنها هي الوظيفة التي خلقنا الله عزّ وجلّ من أجلها.

قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِیَعۡبُدُونِ [ الذاريات:٥٦]

فشرف كل شيء بتحقيقه لوظيفته!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- : «تأملت أنفع الدعاء فإذا هو سؤال العونِ على مرضاته، فرأيتها في الفاتحة في قول الله عزّ وجلّ إياك نعبد وإياك نستعين»

أعظم آية في سورة الفاتحة ﴿ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ﴾  [الفاتحة:٦]

 وهذا مربط الفرس، يقول الله جل جلاله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل. أنت هنا تعلن لله عزّ وجلّ عبوديتك وتقول يا ربي أعبدك وأستعينك

فيا ربِ أهديني الصراط المستقيم، هذه الهداية التي من أجلها أرسلت الرسل، هذه الهداية فيها هداية الدلالة والإرشاد

وهداية التوفيق أي سمعت أذنك، و وصل العلم إليك، إلى هنا فقط؟ لا.. الآن، سوف أطبّق!

أنت هنا تحتاج إلى هداية “التوفيق والعمل” ولذلك امتن الله عزّ وجلّ على عباده فقال. قال تعالى :

﴿وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَیۡكُمُ ٱلۡإِیمَـٰنَ وَزَیَّنَهُۥ فِی قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَیۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡیَانَۚ﴾[الحجرات: ٧]

فعندما يقذف الله في قلبك النور يقذف في قلبك حب هذا الشيء، فيصبح جزءًا منك، لأن الله امتن علينا فهو الذي ﴿حَبَّبَ إِلَیۡكُمُ ٱلۡإِیمَـٰنَ﴾

“حببّ” جعلك تحبه وتشعر أنه هو جزء منك (وَزَیَّنَهُۥ فِی قُلُوبِكُمۡ﴾ و أحببته!﴿ وَكَرَّهَ إِلَیۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡیَانَۚ﴾ كرّه إليكم!

﴿ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ﴾  أي هذا الطريق المستقيم الذي ليس فيه اعوجاج، يقول الله عزّ وجلّ

﴿فَمَن یُرِدِ ٱللَّهُ أَن یَهۡدِیَهُۥ یَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَـٰمِۖ وَمَن یُرِدۡ أَن یُضِلَّهُۥ یَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَیِّقًا حَرجًا كَأَنَّمَا یَصَّعَّدُ فِی ٱلسَّمَاۤءِۚ﴾ [الأنعام:١٢٥].

يسأل المسلم هداية التوفيق، هداية الثبات، الإيمان، حسن الخاتمة.. الهداية الكاملة هذه مرتبة عالية!

العمل الصالح يتفاوت فهي مراتب، ولذلك قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَیَزِیدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ٱهۡتَدَوۡا۟ هُدىۗ﴾ [مريم: ٧٦].

يكفي أن الإسلام مرتبة وفوقها الإيمان وفوقها الإحسان، والإحسان، أنت تعبد لله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. ثم الخاتمة في قول الله عزّ وجلّ: ﴿صِرَاطَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمۡتَ عَلَیۡهِمۡ﴾ [الفاتحة:٧].

 يقول العلماء في هذه الآية: سأل الله الرفيق حينما سأله الطريق. سأل الطريق اهدنا الصراط المستقيم، فلمّا سألوا الله الطريق اهدنا

الصراط المستقيم استوحشوا من التفرّد فسألوا الله الرفيق، فقالوا يا رب صراط الذين أنعمت عليهم.  هم النبيين والصديقين والشهداء

والصالحين وحسن أولئك رفيقا. إذًا هؤلاء الذين أنعم الله عليهم بنعمة العلم والعمل.

هذه الهداية للطريق والهداية مع الرفيق هي أعظم أنواع النعم، فمن استقام على هذا الصراط المستقيم في الدنيا استقامت رجله على الصراط الحقيقي في الآخرة.

قال تعالى : ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة:٧]

فأما المغضوب عليهم فهم اليهود لأنهم علموا الحق ولم يعملوا به، يقول الله عزّ وجلّ عنهم في الآية :

﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾[البقرة: ٨٩]

لأنه عندما خرج النبي عليه الصلاة والسلام من العرب ولم يخرج منهم من بني اسرائيل كفروا به فكفروا به جحودا فقط، واختاروا ألا يكونوا من اهله سبحانه وتعالى .

وأما الضالين فضلوا عن الحق فلم يعلموه، فهم النصارى من تحريفهم ضلوا وابتدعوا في دين الله عزّ وجلّ، فأنت سألت الله الهداية

وسألت أن تكون مع الذين انعم الله عليهم فمن سأل الله لن يرد الله دعائه لأن الجزاء من جنس العمل ..

 وإذا انتهى المسلم من قراءة الفاتحة قال آمين، وآمين ليست آية، تعني اللهم استجب.

يقول شيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه الله-: هو أفضل دعاء دعا به العبد ربه وهو أوجب دعاء دعا به العبد ربه.

ويقول ابن القيم من علم أحوال الخلق علم ضرورته وفاقته إلى هذا الدعاء الذي ليس للعبد دعاء أنفع ولا اوجب منه عليه وأن حاجته إليه أعظم من حاجته إلى الحياة والنفس .


تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.