بتاريخ ٠٣ / ٠٣ / ١٤٤٥ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله

فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. 

قبل فترة سألتني واحدة من البنات وكانت في بحبوحة -كما يقال- من العيش، فثم بين لحظة وانتباهتها إذا بها

تتوالى عليها المصائب مصيبة وراء مصيبة، فكنت أكلمها لأطمئن عليه وأسألها عن حالها..

 فبثت شكواها، ثم قالت أنا عندي فقط سؤال واحد: لم المصائب حينما تصيبنا لا تجيء فرادى؟ لم يبدو وكأنها تُصب صبًّا؟

وهذا السؤال لعله مرّ على الأغلب حينما حدثت في حياته بعض المنعطفات، وكأنك كلما دعوت بالفرج تضيق أكثر، وكلما دعوت أن تخف تشعر

وكأنها تثقل أكثر، وهذا الشعور لا ينفك عن أي إنسان لأن الحياة مجبولة على الكدر.

وقد تأتيه أيضًا مثل هذه المشاعر حينما ينظر إلى أحداث كبرى تصاب بها الأمة، فلم نلبث أن نفيق من الزلزال الذي أصاب تركيا وسوريا، وإذ بنا نفجع الأسبوع الماضي

بزلزال المغرب وما حصل في ليبيا، فيشعر الإنسان بكم هائل من الآلام لا يستطيع معها أن يتفكر بالحكمة من ورائها..

بل وأن تظهر المحن من قلب المنح، فكم هو حجم الضرر الذي يمكن أن يخلفه الماء؟ فكيف أن الأمطار قد هطلت حتى بلغ ارتفاعها

واحدًا وعشرين مترًا، أي ما يعادل سبعة أدوار، فانهارت مبانٍّ معه وتساوت تلك المساحات بالأرض!

لما نتخيل أن هؤلاء الناس غرقوا في بيوتهم التي ناموا فيها، فلم يتخيل أي فردٍ منهم أن هذا المطر سيكون سببًا لئلا يستقيظ معظمهم ويصابوا بتلك المصيبة..

ولما يمر الإنسان على قصص الغارقين أو حتى الناجين ويشعر بألمٍ نابعٍ من قلبه عليهم، يتساءل: لماذا لم يحدث مثل هذا عند من أقروا الشذوذ، أو تجاوزوا وتعدوا على حدود الله؟!

حتى قيل أن هاتين المدينتين يسمونهم بمدن حفظة القرآن وفيهم الكتاتيب وفيهم المساجد، ومع ذلك قضى الله عز وجل عليهم بأن يصيبهم المصاب.

 هنا نأتي إلى الأصل الأهم من أصول الإيمان، وهو الذي يقول عنه ابن القيم:

 هو الأصل الذي يدور عليه رحى الإيمان كله، قال: أن تؤمن بالقدر خيره وشره.

أن تؤمن بالقدر، وأن ما حصل هو بقدر الله -عز وجل-، وهو مكتوب بأمر الله -عز وجل-، وهذا الذي يجعل المؤمن يستقبل البلاء بنفسية أخرى.

وتبدأ الإجابات عنده تتوالى من تلك الأسئلة التي كانت لتوها حاضرة. إذن لا يمكن أن يجعل الإنسان يصبر في مثل هذه اللحظات

إلا هذا الشعور فقط: بأن ما كتبه الله عز وجل هو الحاصل، وأنه لم يحدث شيءٌ هكذا قدرًا أو عرضًا، بل هو مكتوبٌ عند الله -عز وجل- من قبل خمسين ألف سنة منذ خلق السماوات والأرض.

الإيمان بالقضاء والقدر هو الأصل السادس من أصول الإيمان، وهي أصول تُثبت، وتظهر حقيقتها في مثل هذه المحكات.

 تذكر مشاعرك عندما فقدت قريبًا، أو فُجعت بتغير حال، كيف كانت المشاعر؟ وكيف أن التعافي قد يأخذ منك وقتًا

حتى تتجاوز لأجل أن تعود لحياتك العادية، فكيف بمن فقد عشرين من عائلته مرةً واحدة؟ 

 فقد لا يكون فقد أمٍّ فقط ولا فقد أبٍ ولا فقد ابنٍ ولا هو موتًا واحدًا، لكنه بلاءٌ بالجملة

يقول ابن القيم: ( الإيمان بالقدر هو أساس درجة الإحسان، أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) 


 ما الذي يعنيه الإيمان بالقدر؟ 

أي الإيمان بأربعة أركان رئيسية، وبعدها ندخل على الإيمان بالقضاء والرضا به..

١.  أن تؤمن بأن الله عز وجل كتب هذا الابتلاء وأحاط به علمًا، وعلِم ما كان وما سيكون وما لم يكن، لو كان كيف سيكون؟ ، فعِلم الله عز وجل سابق أبدي أزلي


٢. أن تؤمن أن الله عز وجل له مطلق المشيئة وكامل الإرادة، وإرادة الله عز وجل نوعين:
– إرادة كونية قدرية: وهي مشيئة الله الشاملة لجميع الحوادث، فهي تتعلق بكل ما يشاء الله تعالى

فعله وإحداثه، سواءً أحبَّه أو لم يرضه من الكفر والمعاصي.

 – أما الإرادة الشرعية : وهي إرادة الله المتضمنة للمحبة والرضا، فهي متعلقة بكل ما يأمر الله به عباده مما يحبه ويرضاه.

 إذًا ما يحصل في هذا الكون هو بإرادة الله ومشيئته.


 ٣. أن تؤمن بأن الله عز وجل خالق كل ما في هذا الكون حتى أفعال العباد.

فليس هناك شيء يحصل في هذه الدنيا إلا والله عز وجل يعلمه، وقد كتبه وأراده وشاءه. 

يقول النبي ﷺ :عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:

«‌ذَاقَ ‌طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا» ]أخرجه مسلم في صحيحه [،

فكيف لا نرضى مع علمنا بأن الرحمن هو الذي قدر، ومن صفات الرحمن أن رحمته بعباده رحمةً تغلب على

رحمة أمهاتهم لهم، فكيف لا ترضى والذي كتب عليك القضاء هوالعليم وهو الحكيم وهو الرؤوف وهو اللطيف؟


ما حقيقة الرضا بالإيمان بالقضاء والقدر؟ 

قيل: الرضا أن يتقبل ما حصل من غير ترددٍ ولا معارضةٍ وعُرّف الرضا فقيل : هو سكون القلب عند جريان الأحكام.

بماذا نرضى؟ 

١. ترضى بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبيًّا، ورضاك بالله ربًّا يلزمك أن ترضى

بأوامره امتثالاً، وبنواهيه تركاً واجتناباً، وترضى بأقداره المؤلمة وإن أوجعتك، وأن ترضى بالمنع والعطاء ، فلو أعطاك فرحت ، ولو منعك أيضا

تُسلم لله عز وجل وترضى بقضائه، وأن ترضى بالشدة و بالرخاء، وأن ترضى إذا عافاك، وأن ترضى إذا ابتلاك، وأن ترضى إذا أغناك وحباك، وأن ترضى إذا أفقرك وأحوجك.


٢. ثم ترضى بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبيه وهو أولى بك من نفسه، ترضى بسنته وتأتمر بأمرها وتدافع عنها ولا تتحاكم إلا لها .


٣. وأن ترضى بدين الله عز وجل حكما أمرًا ونهيًا وأن ترضى بتكاليفه ولو خالفت الناس.


٤. ثم ترضى بما أنت عليه وترضى بما قسمه الله لك.

ويقول النبي ﷺ: “عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ:

سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ” كَتَبَ اللهُ ‌مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ … “”

]أخرجه مسلم في صحيحه[

فتخيل أن كل آلامك، كل أحزانك، كل أوجاعك، كل لحظات الفرح وكل لحظات الحزن هذه كلها مكتوبة عند الله عز وجل

من قبل أن تخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فجزعك وحزنك هذا لن يغير في المكتوب شيئًا، وقدر الله نافذ.

 يقول الوليد بن عبادة الصامت رضي الله عنهما: دخلت على أبي عبادة وهو مريض أتخايل فيه الموت فقلت: يا أبتاه أوصني، واجتهد لي، فقال:

أجلسوني، فلما أجلسوه قال: يَا بُنَيَّ، إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ:

” إِنَّ أَوَّلَ مَا ‌خَلَقَ ‌اللَّهُ ‌الْقَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ قَالَ: رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ “.

]أخرجه ابي داود في سننه وقال الالباني صحيح [

قال ﷺ:” عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«‌الْمُؤْمِنُ ‌الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ

لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ»

]أخرجه مسلم في صحيحه [

روي عن عبد الله بن عباس في الحديث المشهور يقول: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ:

«‌يَا ‌غُلَامُ ‌إِنِّي ‌أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ

لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ»

]أخرجه الترمذي في سننه وقال الالباني صحيح [

 ولدا كانت من ثمرات الإيمان بالقضاء أنه يصيرّك بطلًا في مواجهة الأحداث، فالإنسان الذي يؤمن بهذا القدر لا يمكن أن يكون

إلا إنسانًا صحيحًا، متزنًا من الداخل، ومن الصعب أن يدخل في هلعٍ، أو جزعٍ، بل يقدر للأمور قدرها.

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لأن ألحس جمرة تشتعل، ألحس جمرة أحرقت، ما أحرقت وأبقت ما أبقت أحب إلي من أن أقول لشيء كان، ليته لم يكن، أو شيء لم يكن، ليته كان. 

وروي عن عروة بن الزبير رحمه الله في حادثته المشهورة في قطع رجله، لما أرادوا أن يسقوه الخمر، فقال: لا، لكن إذا صليت

فاقطعوا رجلي فإني أدخل في الصلاة، وبالفعل عندما دخل في الصلاة قطعوا رجله. وعندما وضعوا الزيت المغلي لكي

يوقفوا النزيف أغمي عليه، فلما استفاق وإذ برجله بترت، فلما رآها قال: اللهم لك الحمد أعطيتني أربعة، وأبقيت لي ثلاثة، وأخذت واحدًا، فلئن أخذت، فلكم أبقيت، ثم نظر إلى قدمه وقال:

اللهم إنك تشهد أني لم أمشي فيها إلى حرام.

هكذا يستقبل المؤمن أقدار الله عليه، الله كتبه، الله قدره، الله يعلم به؛ إذًا فهو الخير التام، سُئل يحيى بن معاذ عن مقام الرضى  فقال:

إذا أقام العبد على نفسه أربعة أصول يعامل بها ربه فيقول: إن أعطيتني قبلت، وإن منعتني رضيت، وإن تركتني عبدت، وإن دعوتني أجبت.

فكل حالٍ عنده -الشدة والرخاء- سواء.

ويقول الله عز وجل: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) -البقرة:  216 .

 ويقول الله عز وجل: (ما أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) -التغابن: 11 . 

قال النبي ﷺ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ ‌عِظَمِ ‌الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ

فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ»

]أخرجه ابن ماجه في سننه وقال الالباني حسن [

أصعب الصبر في الابتلاء أوله، لكن إذا مر عليه وقتٌ تعافت النفوس من أثره، لذا كان هو الاختبار، وكان من الذكر الوارد عن النبي ﷺ

حين يصبح وحين يمسي : رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد ﷺ نبيا، قال:

(من قالها صباحا ومساءا كان حقا على الله أن يرضيه يوم القيامة)

عنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:

«مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ‌رَضِيتُ ‌بِاللهِ ‌رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ»

أخرجه مسلم

قال عبد الواحد بن زيد: ما أحسب أن شيئا من الأعمال يتقدم الصبر إلا الرضا، ولا أعلم درجة هي أشرف ولا أرفع من الرضا.

قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)

الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)

سورة البقرة 

 قولك إنا لله وإنا إليه راجعون هي إذعانك بأنك لله ملكًا أو استحقاقًا، فله التصرف التام -سبحانه- فيما يملك، وإيمانك بهذا يهدئ من روعك عند المصاب.

عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ” مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللهُ:

{إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}

[البقرة: 156]

اللهُمَّ ‌أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا “، قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ، قُلْتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟

أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا، فَأَخْلَفَ اللهُ لِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

]أخرجه مسلم في صحيحه [

فلما توفي عنها أبو سلمة الذي كانت تحب، خبأ الله لها من العطاء ما هو خير من كل الخلق. وهو رسول الله ﷺ

ولتصبح أم سلمة -رضي الله عنها- من أمهات المؤمنين، ومن الذين يصطحبون النبي ﷺ في الجنة. 

أنت الآن لا تعرف ما هو قدر الله المُقبِل، ولا كيف يأتي شكل العوض، فقد يأتيك بعين المفقود

وقد يأتي بطمأنينة في القلب وسكينة و رزق وبركة، أو بشيء لا تتخيله، لكن المهم أن الصبر عند الله لن يضيع.

يقول النبي ﷺ عَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ ‌أَمْرَهُ ‌كُلَّهُ ‌خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ

سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»

]أخرجه مسلم في صحيحه [

فكل حالٍ هو خيرٌ على المؤمن بحسب حاله معه، إن شكر على ما أعطاه أو صبر على ما ابتلاه.

 وفي الصحيح عن  النبي ﷺ يقول (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ ‌نَصَبٍ وَلَا ‌وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ

وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ»

]أخرجه البخاري في صحيحه [.

حتى هم المؤمن له وزنٌ وحساب عند الله العليم.

ولو كنت تكره البلاء أو تخافه فاسمع ما يقول النبي ﷺ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

” ‌لَا ‌يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ، فِي جَسَدِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ، حَتَّى يلقى الله وما عليه خطيئة”

]أخرجه البخاري في الادب المفرد وقال الالباني صحيح [

ويقول النبي ﷺ( إذا أراد الله بعبده الخير ‌عجل ‌له العقوبة في الدنيا وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة)

]أخرجه الترمذي في سننه وقال الالباني صحيح [

فكل بلاءٍ هو تخفيفٌ من سيئاتك وطهرٌ لك حتى تلقى الله -عز وجل- وما عليك خطيئة.

يقول النبي ﷺ(إن العبدَ إذا ‌سبقتْ ‌له من اللهِ منزلةٌ لم يبلغها بعمله؛ ابتلاهُ اللهُ في جسده أو في ماله، أو في ولده، ثم صبّره على ذلك

حتى يُبْلغَه المنزلةَ التي ‌سبقَتْ ‌له من الله تعالى)

]أخرجه ابي داود في سننه وقال الالباني صحيح [

فلو أراد الله لعبده أن يبلغ منزلةً كتبها له، ولم يفها عمله الذي يعمل، نزلت عليه البلايا حتى يبلغها رحمةً من الله به وإرادةُ الخير له.

ويقول الله عز وجل ( نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)

سورة يوسف

 ويقول الله عز وجل(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)

سورة الزمر


ما للصابرين وللراضين من ثمرات؟

 ١.طمأنينةٌ في القلب بعلمه أنه لا شيء في هذا الكون خارجٌ عن إرادة الله عزوجل.

 يقول الله عزوجل (لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ (23)

سورة الحديد


٢. صبرٌ وثباتٌ عند المصائب، فالرضا بالقضاء والقدر يجعلك بطلٌ في مواجهة الأحداث، ولعلمك أن قدر الله نافذ. قال النبي ﷺ :

” إِنَّ ‌العَيْنَ تَدْمَعُ”

]أخرجه البخاري في صحيحه [

لما توفى ابنه إبراهيم آخر أبنائه والنبي ﷺ ليس عنده أولاد ماتوا جميعهم تباعًا قال النبي ﷺ :

” إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإن على فراقك يا إبراهيم لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا “

قد يحزن القلب، وتدمع العين، لكن يظل اللسان لا يخرج عما يرضي الله عز وجل حال المصاب.


٣.انعدام شعورك باليأس أو القنوط، كل الأحاديث حثت المؤمن على الرضا مع اتباع أسبابه ” المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف”

فقد لبس النبي ﷺ الدرع في الحرب، وحفر الخندق، وتداوى بالرقى، فبذل السبب مع تعلق قلبه بالله.


٤.الاعتماد على الله وحصول اليقين، أن توقن أن ما حصل لم يكن ليخطئك بتجنب أسبابه، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك.


٥.تفجير طاقاتك الموجودة في داخلك، فلن تعلم مدى يقينك بالله عز وجل إلا في تلك اللحظات الصعبة.


٦.استشعار النعم الصغيرة: نعمة الأمن والأمان، والصحة والعافية، وعلمك بأن الله موجود وأن الله قدر هذا.

سنمر بكل الابتلاءات الصعبة والخفيفة والسهلة، وستطرح أمامك مجموعة من الخيارات : اسخط، اجزع ، أواصبر على مضض، أو إرض، أو إرض واشكر. 

أسأل الله أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا وأن يثبتنا وأن يثبت قلوبنا على ما يحب ويرضى، وأن يرحم موتى إخواننا، وأن يجبر مصابهم، وأن يجبر كسرهم وأن يربط على قلوبهم وان يشبع جوعهم 

هذا والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.