بتاريخ ١٠ / ٠٣ / ١٤٤٥ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي 

عنوان هذا الدرس مستوحى من فكرة أن الله عز وجل قال في كتابه:

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي)

[المائدة:٣]

معنى الإكمال أن هذا الدين نزل تاما لا يعتريه النقص، وبالتالي أي شخص ينتمي لهذا الدين يجب أن يحمل جزء

من الإتمام والكمال في شخصيته، فنحن متعبدون لله تعالى بأن نكمل شخصياتنا وأن نسعى للتمام، وهذا السعي للتمام هو

عين ما جاء به الرسول ﷺ حينما قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)

“أخرجه الألباني وصححه”

فإنما بعث النبي ﷺ على عادة العرب، إن تحدثنا عن الشيم والمروءة والكرم فنحن نتحدث عن أن النبي ﷺ جاء إلى هذه الأخلاق الفاضلة الموجودة

عند العرب ليتممها ويكملها. واسمع حديث الرسول ﷺ حينما يقول:(مَثَلي في النبيِّينَ كمَثَلِ رَجُلٍ بَنى دارًا فأحسَنَها، وأكمَلَها، وترَكَ فيها مَوضِعَ لَبِنةٍ، لم يَضَعْها، فجعَلَ الناسُ

يَطوفونَ بالبُنيانِ ويَعجَبونَ منه، ويَقولونَ: لو تَمَّ مَوضِعُ هذه اللَّبِنةِ، فأنا في النبيِّينَ مَوضِعُ تلك اللَّبِنة).

“أخرجه الترمذي”

فيقول النبي ﷺ في آخر الحديث (فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة)

أخرجه الترمذي”

فموضع النبي بالنسبة لنوح وهود وعيسى وموسى وسليمان عليهم السلام موضعه بالنسبة للأنبياء كلهم كمثل الدار التي

بقي فيها شيء ناقص فجاء النبي ﷺ وهذا الكتاب الخاتم وهذا الدين الخاتم فأنهوا موضع النقص فيها فتم البنيان.

لنقرأ قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ )

[البقرة:٢٠٨]

السلم هو الإسلام، وكافة أي بكافة شرائعه، فلا تأخذ العلم دون العمل، ولا تأخذ العمل دون العبادة، ولا تأخذ العبادة

دون المعاملات، ولا تأخذ المعاملات دون أخلاق ولا تأخذ الجهاد دون آداب، فلا فائدة من هذه الأخلاق وهذه الآداب

إن لم تكن متزنة بعمل وعبادة وتوحيد يدعمها، ولا فائدة أيضًا إن لم يظهر أثر هذا الدين وهذا العلم في أخلاقك وفي تعاملاتك مع الناس.

نحن نتحدث عن دين تام ودين كامل لا يبنيك في جانب ويجعلك أعور أو أعرج في جانب آخر، هو يبنيك

بتمامك وكمالك، وكلما اقتربت من الدين أكثر؛ اتزنت شخصيتك وكنت أقرب للتمام والكمال.

يقول النبي ﷺ: (الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها

إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ) “أخرجه مسلم” وفي حديث آخر يقول النبي ﷺ:

(أربعونَ خَصلةً أعلاهنَّ مَنيحةُ العنزِ ، ما يعملُ رجلٌ بخَصلةٍ منها رجاءَ ثوابِها ، وتَصديقَ موعودِها ، إلَّا أدخلَهُ اللَّهُ بِها الجنَّةَ)

أخرجه البخاري”

ومنيحة العنز أن يأخذ الرجل من قطيعه شاة ويعطيها جاره يحلب منها ويتقوى بها هو وأولاده فترة حتى يقوم صلبه ثم يرجعها.

هذه فقط أعلى الخصال، ولو أراد النبي ﷺ لعدد هذه الخصال الأربعون أو الشعب السبعون، لكنه لم يفعل، لماذا؟

حتى يجعل الباب واسع أمام أبواب وأعمال الخير، أعطاك أعلاها وهو التوحيد فلا تجرحه بأي شيء

لا بشرك ولا هوى

ولا دورات طاقة وجذب وغيره، وأعطاك أدناها وهي إماطة الأذى عن الطريق، فهذا الدين يكملنا ويتمم أخلاقنا

حتى في هذا الشيء الصغير الذي لا يراه ولا يأبه له أحد. فالقضية ليست إتيكيت أو آداب أو حضارة، نحن نتكلم عن شيء في صلب الدين. 

يعلمنا النبي ﷺ أن الرضا بالنقص عيب، فيقول لصحابته أتدرون من المفلس؟

فأجابوا جوابنا المتوقع فقالوا يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له ولا دينار، فقال النبي ﷺ

” المُفلسَ من أُمَّتي مَن يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ ، وزكاةٍ”

أخرجه مسلم”

فالجانب التعبدي لديه ممتاز لكنه “ويأتي وقد شتَم هذا ، وقذَفَ هذا ، وأكلَ مالَ هذا ، وسفكَ دمَ هذا ، وضربَ هذا ، فيُعْطَى

هذا من حَسناتِه ، وهذا من حسناتِه ، فإن فَنِيَتْ حَسناتُه قبلَ أن يُقضَى ما عليهِ ، أُخِذَ من خطاياهم ، فطُرِحَتْ عليهِ ، ثمَّ طُرِحَ في النَّارِ”

أخرجه مسلم

فهو لم يكمل شخصيته ولم يحسن من نفسه في تعاملاته مع الآخرين، يأتي وقد ظلم هذا وكذب على هذا واغتاب

هذا وقذف هذا وسفك دم هذا، فتخيل أن كل حسناتك من أعمالك الصالحة تعطى لهؤلاء، وإذا فنيت الحسنات أخذت من سيئاتهم!

وقد لا تكون أنت عملت هذه السيئة لكن الميزان الآن هو حسنات وسيئات، فتؤخذ من سيئاتهم فتطرح عليه فيدخل هذا الإنسان النار.

فالمفلس ليس من لا درهم له ولا دينار، لكن المفلس الذي لم يكمل شخصيته، الذي لم يتمم

أخلاقه الحسنة، الذي لم يعمل على تغيير نفسه، لذلك كان هذا الحديث مهمًا.

السلف سطروا كتب فقط حول قضية الاتزان عند المسلم وأخلاقه، فهذا الإمام ابن بطة-رحمه الله-

في كتابه الإبانة الكبرى:

وصف المؤمنين في أكثر من ٣٥ صفة لأخلاقهم، يقول:

إن من أخلاق المؤمنين قوة في الدين، وحزم في لين، وإيمان في يقين، وحرص في علم، وقصد

في غنا، وتجمّل في فاقة، ورحمة للمجهود، وعطاءةُ في حق، ونهي عن شهوة، وكسب في حلال، وتحرّج

في طمع، ونشاط في هدى لا في بدعة ولا ضلالة، وبرّ في استقامة، لا يحيف على من يبغض، ولا يأثم

في الحب، ولا يدّعي ما ليس له، ولا ينابز بالألقاب، ولا يشمت بالمصاب، ولا يضرّ بالجار، ولا يهمز، إن صمت لم يغمّه الصمت، وإن ضحك لم يعلو صوته، في الزلازل وقور، وفي الرخاء شكور، لا يجمح به الغيظ، ولا يغلبه الشح، يخالط الناس ليعلم أو ليِعُلم، ويصمت ليسلم، وينطق ليفهم، إن كان مع الذاكرين لم يكتب من الغافلين، وإن كان مع الغافلين كُتب من الذاكرين، وإن بُغي عليه صبر حتى يكون الله-عز وجل- هو الذي ينتقم له يوم القيامة. 

ماذا لو لم أكمل نفسي؟ لو رضيت بعيوبي، ورضيت بأن ليس لي في الدين إلا هذه النقطة الصغيرة فقط

ولا أريد إكمالها، والحرام لا أريد تركه، ونقص الإيمان الذي لدي لا أريد إكماله

هل باعتقادكم سنعيش حياة طبيعية؟

ناقص الإيمان لو تصالح مع نقص إيمانه وتصالح مع عيبه هو لا يعيش حياة طبيعية، بل ما فيه من نقص

سيسبب له المتاعب، من أهمها شقاء الروح والنفس. فيبقى متململاً في حياته، منكّداً من غير سبب، أنت لا تعرف

لها سبب، لكن السبب عميق وموجود من الداخل! هو هذا النقص في شخصيتك

الذي لم يكتمل، كالوهن في الجسم لا تتلقاه من الخارج، بل هو شيء موجود في الداخل، بالتالي أثّر عليك!

تأتي أيضاً أهمية هذا الحديث بصفتنا مسلمين أن نكمل هذه الشخصية لأننا ورثة الأنبياء، ولأننا خاتمة الأمم، ونحن الذين يتعلم الناس

الإسلام من خلالنا.. أنت تمثّل هذا الدين شئت أم أبيت!

لابد أن نكون سفراء لهذا الدين، كنا شرقًا أم غربًا، بل حتى في عملك وفي بيتك، خاصةً عندما نتحدث

في الواقع الذي نعيشه، والعالم اليوم مأزوم ويتطلع إلى إنسان يقتدي به.

حينما جاءت فتنة خلق القرآن إلى كل بلاد الإسلام خلال فترة الدولة العباسية، من الصين شرقًا إلى الأندلس

غربًا كانت كلها تقول بخلق القرآن، وهذا مبحث عقدي فاسد. فجاء الإمام أحمد رحمه الله ليصحح ذلك

ويؤكّد على أن القرآن ليس مخلوقًا بل هو كلام الله عز وجل، على الرغم من أن من يخالف هذا المعتقد يسجن أو يعذب أو يقتل، مع ذلك بقي

الإمام أحمد بن حنبل ثابتًا صابرًا على الرغم من شدة تعذيبه وكبر سنه، إلى أن زالت الغمة وانجلت المحنة عن المسلمين. ولذلك سمي بإمام أهل السنة.

شخص واحد فقط ثبت، وهذا الثبات الذي ثبته الله عز وجل فيه ثبتت به الأمة بعده، ولو لم يثبته الله عز وجل في ذلك الوقت

قد يكون تغير شيء كثير في مفهوم هذا الدين. وهذا ليس المثال الوحيد؛ بل لو نعدد في أئمة المسلمين سيكون المنحى مختلف، منهم

(ابن تيمية) و(الشيخ محمد عبد الوهاب) الذين ثبتوا في وقت يكاد يكون فيه التوحيد معدومًا. 


كيف يمكن أن نكمل هذه الشخصية؟

أولاً: إكمال الشخصية بالتربية والصقل

يقول النبي ﷺ في الحديث القدسي، يقول الله عز وجل: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ)

أخرجه البخاري”

فأول ما نفعله حتى تكتمل شخصياتنا أن نبدأ بالفرائض، ولا يتقرب العبد بشيء أحب إلى الله عز وجل مما افترضه عليه.

اسأل نفسك في البداية؛ أوامر الله هل فعلتها أم لا؟ والنواهي هل تركتها أم لا؟ 

ثم يقول الله عز وجلّ (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)، إذن بعدما نترك النواهي ونفعل الفرائض نبدأ بالنوافل، والنوافل

هي سننك، هي صلاتك، هي الضحى، هي وترك، هي قيام ليلك، هي صيامك، ونستعين بالنوافل على الفرائض.

هذه التربية هي التي يُربينا الله عز وجلّ عليها.. أن تبدأ بالفرائض ثم النوافل.. ثم يقول الله عز وجلّ

(ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وكنت بصره الذي

يبصر به وكنت رجله التي يمشي بها وكنت يده التي يبطش بها)

“أخرجه البخاري”

يصبح الخير كأنه منغرس فيك، فعينك لا ترى إلا الحلال وسمعك لا يسمع

إلا الحلال ولا تتقبل سماع الحرام ولا يعد يغريك أصلًا!

ويدك لا تكتب شيئاً فيه حرام، رجلك لم تعد تساعدك في المشي إلى شيء من الحرام، لأنه لديك ملائكة تؤزك إلى الخير أزًا، وتبعدك أيضًا عن الشر.


ثانيًا: إكمال الشخصية بالتأثر والتفاعل مع الواقع:

قد تمر على إنسان وتجده اختلف عن العام الماضي، تغيرت مثلًا طباعه، تغيرت أخلاقه، تجده زاد عمّا كان عليه، في المقابل

تمر على إنسان وتجده هو هو! لم يتغير في طباعه أو أخلاقه ولم يترقّ في أي شيء، لا في دينه ولا في حياته ومجتمعاته، قد تتغير الأشكال

والأوضاع، لكن ما في الداخل بقي كما هو، والمشكلة مع من بقي بعيوبه وبقي بالأشياء السيئة فيه.

ما الذي يجعل الانسان لا يتأثر بالواقع ولا بأحداث الحياة التي يمر فيها؟

عائشة رضي الله عنها حينما ذهبت إلى الحج حاضت.. فتأثرت تأثرًا شديدًا وبكت فدخلت على النبي ﷺ فسألها فأخبرته وهي تبكي أنها حاضت وأنه كأنه سينقص أجرها!

فقال: (إنَّ هذا شيءٌ كتبَهُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ على بَناتِ آدمَ)

أخرجه البخاري”

هذا التأثر في عائشة رضي الله عنها لمجرد فواتها شيء من الخير، وبمثل هذا التأثر تكمل شخصية الانسان!

لأن الإنسان الحساس لفعل الخير وتجنب فعل الشر لا يدخله النقص من وجه من الوجوه.

ليس فقط عائشة رضي الله عنها لكن انظروا أيضًا إلى أسامة بن زيد رضي الله عنه..

كان شابًا في معركة من المعارك وأدرك رجل من الكفار لم يبقي أحد من المسلمين إلا وقتله، فلما وجده أسامة

رفع عليه السيف وسقط الكافر وسيفه، فقال له الكافر أشهد ألا إله إلا الله، لكن لم يقتنع أسامة بذلك فقتله.. ثم حاك في صدره

ما حاك فجاء إلى النبي ﷺ يخبره.. يقول أسامة: فلما قصصت القصة تغير وجه رسول الله ﷺ، وقال: (أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله!)

فيقول فقلت يا رسول الله ما قالها إلا اتقاء للسيف! قال: (أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟)  يقول أسامة: فما زال يكررها

ويقول النبي ﷺ: (فكيف تصنع بـ لا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة) فيقول أسامة: فقلت يا رسول الله استغفر لي.

أخرجه مسلم”

فما استغفر له النبي ﷺ، يقول فما زال يكررها، قال: (كيف تأتي بـ لا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة!)

يقول أسامة وأنا أقول له يا رسول الله استغفر لي! أسامة هو حب الرسول ﷺ، يسمونه “الحب ابن الحب”

ومع ذلك عاتبه الرسول ﷺ واشتاط عليه.

يحكي أسامة بن زيد هذا الموقف للتابعين من بعده وهو بتمام التأثر ولا زال يحس بالخطأ الذي ارتكبه.

هل نشعر بهذه الحرارة كلما مرت في خواطرنا بعضًا مما ارتكبناه؟

هل نعاتب أنفسنا بهذا العتب؟ لذلك جزء من إكمال الشخصية ومن إتمامها أن تكون إنسان متأثر وإنسان متفاعل مع واقعك. 

أحد أئمة السلف كان إذا مر بمنكر لا يستطيع تغييره يبول دمًا! من شدة التأثر سار الأمر فيه وفي داخله

وفي أحشائه إلى درجة أنه يبول دمًا! هناك فرق كبير بين من يمر بالمنكر ثم يلهو بالدنيا وبين من يتقطع من الداخل لأن هذا منكر ومعصية يعصى الله بها وهو لا يستطيع فعل شيء.

مالفرق بين الاثنين؟ الفرق أن الذي يتأثر سيكون دائما حي القلب. وأما من لا يتأثر سيجد نفسه مع الوقت أنه

هو من بدأ يتغير، والشيء الذي كان يومًا من الأيام يتركه سيجد نفسه يفعله، لأنه تعود على برودة القلب وبرودة المشاعر.

 مر على النبي ﷺ مجموعة من الصحابة، فلما دخلوا عليه لأول مرة، فإذا هم مجتابي النمار مقطعة ثيابهم ورأى ما فيهم

من الفاقة والفقر، فتغير وجه النبي ﷺ. وركب المنبر ﷺ ثم أمر الناس بالصدقة وقال: (تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِن دِينَارِهِ، مِن دِرْهَمِهِ، مِن ثَوْبِهِ، مِن صَاعِ بُرِّهِ، مِن

صَاعِ تَمْرِهِ، حتَّى قالَ: ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ) وبدأ يأمر الناس بالصدقة.

“أخرجه مسلم”

لما عرف النبي ﷺ أن هؤلاء مسلمين تغير وجهه! يقول الصحابة فلما رأينا وجه رسول الله تغير وسمعنا منه أن

يا أيها الناس تصدقوا ذهبنا إلى السوق فتحاملنا، أي أنهم يعملون حمّالين حتى يصبح لديهم مال فيعطونها النبي ﷺ ليتصدق بها على هؤلاء

فالمجتمع لا يمكن أن تكمل شخصيات أفراده إلا بمثل هذا التأثر والتفاعل.

 معاوية بن الحكم السلمي 

جاء إلى النبي ﷺ وقال يا رسول الله إنه كانت لي جارية ترعى غنم لي فاطلعت ذات يوم فإذا ذئب قد ذهب بشاة من غنمها و

أنا رجل من بني أدم آسف كما يأسفون، فصَكَكتُها صَكَّةً فعظَّمَ ذلِكَ عليَّ رسولُ اللَّهِ ﷺ، فقلتُ: أفلا أعتقُها؟ قالَ: ائتِني بِها، قالَ: فَجِئْتُ بِها، قالَ:

أينَ اللَّهُ؟ قالَت: في السَّماءِ، قالَ: مَن أَنا؟ قالت: أنتَ رسولُ اللَّهِ، قالَ: أعتِقها فإنَّها مُؤْمِنَةٌ.

“أخرجه مسلم”

تأثر معاوية السلمي من تعظيم النبي ﷺ لهذا الظلم، فما كان منه إلا أن أعتقها

هذا الرجل ذهب إلى أغلى ما عنده، الجارية هي رأس ماله كله، لكنه أعتقها تكفيرا للخطأ الذي ارتكبه..

كانوا يتأثرون ويتفاعلون مع الحدث ولذلك كملت شخصياتهم.


ثالثًا: إكمال الشخصية بالعلم والعبادة والأخلاق:

كان السلف إذا همّوا بتأليف كتاب يبدؤون بباب العلم، فيقولون إذا تعلّم العلم تعبّد، ثم يأتي بعده باب الصلاة

والزكاة والصيام، فيقولون إذا أكمل هذا الإنسان دينه بدأ في الدنيا فيؤلفون في باب المعاملات، فيقولون إذا باع واشترى

لا بد له من الأسرة ومن النكاح، فيأتي بعده باب النكاح، فيقولون إذا نكح وصارت عنده كل الأموال طغى وتجبر، فيأتي بعدها

باب القصاص وباب الحدود.. وهكذا.. كانت الكتب تؤلف وفي بالهم قصة حياة الإنسان، وما يُتوقع منه في حياته.

الخلاصة أن هذه هي ثلاثة أمور لابد أن يربي الإنسان نفسه فيها

الأولى أن يربيها بالتربية وأن يصقل نفسه

والثاني أن يكملها بالتأثر والتفاعل مع ما يحدث سواء من معصية مررت بها أو من خير يفوتك

والثالثة أن تكمل شخصيتك بالعلم وبالعبادة وبالآداب وبالأخلاق فلا تتصالح مع عيب نفسك. ولذلك قال المتنبي:

وَلَم أَرَ في عُيوبِ الناسِ شَيئاً          كَنَقصِ القادِرينَ عَلى التَمامِ

فأنت تعرف أنك بشخصيتك ومواهبك وقدراتك التي حباك الله بها تستطيع تقديم أفضل ما عندك، وأنت أفضل مما تتوقعه

عن نفسك، لكننا أحيانا نرضى بالواقع وليس لدينا استعداد للخروج من دائرة الراحة، ولا ترى في نفسك إلا أنك رضيت بالأدنى

وبالأقل لأنك لم تجاهد نفسك. ولو جاهدت قليلا قد تكون من الناس الذين قيل عنهم “واجعلنا للمتقين إماما”.

هذا وأسأل الله أن يجعلنا من عباده الصالحين، وأن يجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم أن نلقاه، والحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.