بتاريخ ٢٩ / ٠٤ / ١٤٤٥ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )

اقرأ الآيتين وحاول استشعارها في حياتك:

١- يقول الله عزّ وجلّ في كتابه: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة :٢٤]

٢- ويقول الله عزّ وجلّ في كتابه:﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة :٢٤٩]

الآية الأولى: لم يمكنّهم الله عزّ وجلّ في الأرض ولم ينصرهم إلا لمّا صبروا وآمنوا.

الآية الثانية: عند قراءة التاريخ، نجد أن عدد المسلمين في كل لقاء مع الكفار أو الصليبين أو الفرس وغيرهم هم الأقل عدةً وعتادًا

وعدداً من أعدائهم. ليس ضعفًا، لكن العدد أقل من الكفار. ففي غزوة بدر ٣٠٠ مقاتل في مقابل ألف، وفي فتح الأندلس مع طارق بن زياد ١٥٠٠ مقاتل في

مقابل ٧٠ ألف شخص.  ومثلها في القادسية واليرموك، ثم ينتصر المسلمون في تلك المعارك بالرغم من عدم التكافؤ العددي.

المعارك الشخصية التي تخوضها في كل يوم، بداية من صلاة الفجر تحتاج لهذا النصر، والقرارات اليومية التي ترهقك، والقيم التي تسعى

لفعلها وتطبيقها، والعلاقات التي تحافظ عليها مثل صلة الرحم، تحتاج لهذا الصبر!

ما هو الصبر؟ 

١الصبر في اللغة:

طعمه مر، الصبر عند العرب: نبتة اسمها نبات الصبر. وهو حبس النفس ومنع النفس. والمنع والحبس جاءت في هذه الآية حينما:

قال الله عزّ وجلّ : (وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [الكهف: ٢٨]. “واصبر نفسك” أي: احبسها وثبتها، أي امنعها

عن هواها، وامنعها عن لذائذها في هذه اللحظة، بالتالي: الصبر على طاعة الله عزّ وجلّ.

ما الفرق بين: هذا شخص صبر، وهذا شخص صابر؟

يقول الله عزّ وجلّ في سورة آل عمران: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)

[آل عمران : ٢٠٠]

  • شخص صبر: (اصبروا) تلقى حدث أو مصيبة وصبر عليها في البداية.
  • شخص صابر: (وصابروا) من وزن فاعل، بمعنى المصابرة: المداومة والتي لا تكون إلا بين اثنين، أي صَبّر نفسه للعدو أو الموقف حتى النهاية.

هل الصبر من الفطرة؟ أو هو سلوك يمكن أن يكون مكتسب؟

يوجد من فطرهم الله سبحانه وتعالى على الصبر، كما في الحديث الصحيح: (إنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُما اللَّهُ: الحِلْمُ، والأناةُ) [صحيح مسلم]

فالتأني والترّوي من الصفات التي يحبها الله عزّ وجلّ من الشخص. وفي الحديث الشريف: يقول النبيِِّّ -عليه الصلاة والسلام-

في الحديث الصحيح: (ومَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ) [صحيح البخاري] بالتالي ينقسم الناس إلى:

١- صبّارون: خلقهم الله سبحانه بفطرتهم بهم من الحلم والأناة

٢- صبورون: يحاولون التصبر ويصبرهم الله سبحانه

٣- جزعون: لا يحاولون التصبر ويستسلمون لما حل بهم

إثبات إن الصبر يمكن اكتسابه، فهو صفة مكتسبة. من قول النبيِِّّ -عليه الصلاة والسلام-: (ومَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ) حديث صحيح

المزاولات تُعطي الملكات: الملَكة هي المهارة والخلق المكتسب، المزاولات: هي الممارسات. 

بالتالي يحتاج الصبر للمزاولة والممارسة والتمرين من خلال المواقف المختلفة التي

تمر بك في حياتك، صغيرها وكبيرها كي يكون الصبر من صفاتك.

٢الصبر في الشرع:

الخلق الذي يربي الإنسان نفسه عليه حتى لا يفعل ما لا يحسن ولا يجمُل.

منع اللسان عن التشكي ومنع النفس عن الجزع ومنع القلب من الاضطراب. 

أي أن تمنع نفسك عن فعل الشيء مثل:

منع نفسك من الزنا، أو النظرات المحرمة، أو تصبر على ألا تكذب، ثم تدرب نفسك عليها حتى تصل للحلم.

أنواع الصبر:

صبر اختياريصبر اضطراري
صبر بدنيصبر بدني اختياريصبر بدني اضطراري
صبر نفسيصبر نفسي اختياريصبر نفسي اضطراري

يمكن تصنيف الصبر على أنه:

  • صبر بدني: كل ما له علاقة بجسدك.
  • صبر نفسي: كل أمر معنوي وله علاقة بنفسيتك.

ويمكن إضافة إلى ذلك أن يكون:

  • صبر اختياري: أن صاحب القرار (تصبر أو لم يتصبر)
  • صبر اضطراري: سيحدث الأمر ويستمر سواء صبرت أم لم تصبر.

ينتج عن ذلك كما في المصفوفة:

  1. صبر بدني اختياري: ممارسة الرياضة مثل حمل الأثقال أو المشي اليومي لساعات وغيرها، ويكون اختياري لأنك تذهب من أجله بنفسك ويمكنك التوقف إن أردت.
  2. صبر بدني اضطراري: الولادة للأمهات، أو المرض، فهو قائم ومستمر وليس لديك القدرة على إيقافه أو تركه والهرب منه.
  3. صبر نفسي اختياري: الغضب، يمكنك الاستمرار به أو مسك نفسك عن الغضب الآن. ومثل: ترك الحرام هو من اختيارك وفعلك بنفسك.
  4. صبر نفسي اضطراري: مصيبة أو فقد بالتالي حزنك عليها لأنها موجودة ومستمرة وأنت تقرر أن تجزع أو تختار الصبر عليها.

أنواع الصبر:

يقول ابن القيم الصبر ثلاثة (صبر لله وصبر بالله وصبر مع الله):

١ صبر لله: 

لأجل محبة الله سبحانه، قال الله عزّ وجلّ: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) [الإنسان: ٩]

لا تنتظر ردًا أو جزاءً من شخص آخر إلا من الله سبحانه.

يختلف هذا الصبر عن أي نوع آخر من أنواع الصبر، لأنه لله وليس لأمر من أمور الدنيا وسمعته الشخصية أمام الناس.


٢ صبر بالله: 

صبر الاستعانة به، إن لم يصبرك الله لم تتصبر، قال الله عزّ وجلّ: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ) [النحل :١٢٧].

في المعاملة مع الله عزّ وجلّ، هو الذي يرزقك لكن لا بد أنك تسعى في الأسباب، فالله عزّ وجلّ ينصرك لكن لا بد تنصره لينصرك. عَنِ النبيِِِِّّّّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ

يَرْوِيهِ عن رَبِّهِ، قالَ: إذَا تَقَرَّبَ العَبْدُ إلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِرَاعًا، وإذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ منه بَاعًا، وإذَا أتَانِي مَشْيًا أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً.[صحيح البخاري].

لا يمكن أن تصبر إلا أن يصبرك الله عزّ وجلّ، ادعو الله: اللهم ارزقني الصبر.. اللهم اجعلني مع الصابرين. 


صبر مع الله:

-صبر مع أوامر الله عزّ وجلّ، أي فعل ما يأمرك الله عزّ وجلّ: بالتالي البحث عن كيفية أداء هذه الأوامر بالصورة

الصحيحة، كالصلاة التي تؤديها وتصبّر نفسك عليها، الأداء الصحيح لها.

-صبر عن نواهي الله سبحانه وتعالى.

-صبر في الخلوات والتي لا يعلم عنها إلا الله عزّ وجلّ كالصلاة التي تصليها بلا خشوع فلا يعرف عنها أحد إلا الله سبحانه وتعالى الذي قال:

(فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون: ٤-٥]. 

مراتب الصابرين:

أفضل وأعلى مراتب الصابرين بعد تصنيف الصبر هو: النفسي الاختياري: لأنه قرارك.

اجتمعت الأنواع في قصة يوسف عليه السلام، حيث صبر على إخوته حين رموه في الجُب، ثم صبر على امرأة العزيز التي راودته عن نفسه وقالت (هَيْتَ لَكَ) [يوسف: ٢٣]، وصبر على السجن. ففي الجب هو (صبر جسدي اضطراري) بحبس جسده في مكان لا يمكنه الخروج فلم يجزع وصبر عليه، وفي السجن كانت سنوات من

(صبر جسدي/نفسي اضطراري) لا يمكنه الخروج منه، ولكن أعلاها مرتبة هي صبره على امرأة العزيز (صبر نفسي اختياري)، لأنه (قالَ مَعاذَ اللَّهِ) [يوسف:٢٣]

ولم يقبل المراودة أو الاستجابة لها وصبّر نفسه اختياريًا وامتنع عن الفعل معها بالرغم من أنها لحظات يسيرة من حياته.

ويمكن أن يكون (الصبر النفسي الاختياري):

  1. الصبر على طاعة الله
  2. الصبر عن معصية الله 
  3. الصبر على أقدار الله

(فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ):

عندما يؤذى المسلم في دينه، ويؤذى في إيمانه، ويؤذى في عقيدته، ويؤذى في حياته أو في قراراته التي يتخذها

من أجل رضا الله عزّ وجلّ، هذه من أعلى المراتب، فالنبيِِّّ عليه الصلاة والسلام أوذي وحبس في شعب أبي طالب لكنه لم يقل

عليه الصلاة والسلام أنا معكم وعلى دينكم حتى ينتهي الحبس، لكن النبيِِّّ عليه الصلاة والسلام حبس نفسه اختياراً، ولم يرض لنفسه ذلك

إلا من أجل دينه. قال الله عزّ وجلّ لنبيه: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ) [الأحقاف: ٣٥] ولم يقل كما صبر أيوب بالرغم من

صبره عليه السلام على مرضه في المدة الطويلة والتي تقدر بعشرات السنوات. ولكنه قال: (أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [ الأحقاف: ٣٥]

لأن صبر موسى وصبر إبراهيم وصبر نوح عليهم السلام – وهؤلاء أولو العزم من الرسل – صبروا اختياراً، وصبروا أنفسهم لله عزّ وجلّ.

الصبر في السراء والضراء:

قال العلماء في موضوع الصبر: قد يتصور الإنسان أن الصبر على لحظات البلاء والاضطراب هو المطلب، وهو الصبر في الشدة

دون الصبر على النعمة، حيث تلجأ إلى الله عزّ وجلّ في لحظة كرب، وتدعو، ولكن ليس عندما تنفتح الدنيا عليك بالرزق، والصحة، والعافية، والمال. يقول الله عزّ وجلّ يقول:

(فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ) [ الأنعام: ٤٤]

كأن النعمة لها أبواب، كأن السماء فتحت أبوابها على هؤلاء الناس وانفتحت من كل شيء، لا يتصبر منهم أحد على هذه النعمة ويصبر على أوامر الله عزّ وجلّ عند هذا الانفتاح.


يقول أحد السلف: ابتلينا بالضراء وصبرنا، ابتلينا في السراء فلم نصبر، لذلك كان أخوف ما يخاف الصحابة رضي الله عنهم

بعد موت النبيِِّّ عليه الصلاة والسلام هو تنافس الدنيا، جيء لعبد الرحمن بن عوف بطعام في صحفة واحدة وماءٍ بارد، فلما رآها بكى

وتذكر أيامه مع النبيِِّّ عليه الصلاة والسلام، ويقول: نخشى أن نكون ممن عجلت لهم حسناتهم في الدنيا. 


النعيم المقصود في سورة التكاثر في قول الله عزّ وجلّ:(ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [ التكاثر: ٨]

والذي سنُسأل عنه: قيل الماء البارد. فالصبر أيضًا في لحظات الرخاء ولذلك قال الرسول صل الله عليه وسلَّمَ: تَعرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يَعرِفْكَ في الشِّدَّةِ.[الراوي: عبدالله بن عباس]


سنن الله جارية، وسنن الله سبحانه جبلت على الكبد والكدر والهم، والدنيا تدور في منعطفات. فلا تنتظر البلاء حتى يأتيك، لا ننتظر الامتحان

كي تُسأل عن النعيم، واسأل الله عزّ وجلّ ألا يفتنك واسأل الله أن يديم الأمن والأمان علينا وعلى كل بلاد المسلمين.


قد يكون صبرك قوي في جوانب ويصعب عليك الصبر في جوانب أخرى وهذا من الابتلاء. وبعض الذنوب تزين لك وتستطيع

مقاومته والبعض الآخر يكون بعيدًا عنك فمن السهل الصبرعنها، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (إنَّ مِن ورائِكم أيامَ الصَّبرِ، لِلمُتَمَسِّكِ فيهنَّ

يومئذٍ بما أنتم عليه أجرُ خمسين منكم، قالوا، يا نبيَّ اللهِ أو منهم؟ قال، بل منْكم) [السلسلة الصحيحة]

هو يقول للصحابة لأن الصحابة يعرفون نفسهم أبو بكر وعمر وعثمان والمقداد وسعد بن معاذ.


صبر الشاب عن الفاحشة أعظم من صبر شيخ كبير، وصبر ذو السلطة عن الظلم أعظم من غيره، وصبر الغني عن اللذات والشهوات

لتوفر المال أعظم، وما فلعته في شبابك وصبرت عليه أعظم عند الله سبحانه وتعالى. كما قال النبيِِّّ عليه الصلاة والسلام:

(سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ في خَلَاءٍ

فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسْجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ

وَجَمَالٍ إلى نَفْسِهَا، قالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ

فأخْفَاهَا حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما صَنَعَتْ يَمِينُهُ)[ صحيح البخاري].


تعظيم الصبر وأجره:

يقول الإمام أحمد: عظم الله سبحانه وتعالى أمر الصبر في القرآن جدًا حينما قال الله عزّ وجلّ:

(وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ) [ النحل: ١٢٧].

فالصبر يكون بالله.


نهى عن ضد الصبر، وهو الجزع والسخط فقال الله عزّ وجلّ:

( وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ) [ آل عمران: ١٣٩]. 


الصابر يؤتى أجره مرتين، يقول الله عزّ وجلّ:

(أُولَٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا) [ القصص: ٥٤].


الصبر جزاءه بغير حساب كما قال الله عزّ وجلّ في المرتبة الأعلى:

(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) [ الزمر: ١٠].


يؤجر المسلم على كل أنواع الصبر إذا صبرها لله، مثل: صبر على مرض وصبر على موت إنسان عزيز

لكن المقصود إن أعلاها مرتبة في الجزاء هو الصبر النفسي الاختياري.


يضع أحد الصالحين رقعة في جيب ثوبه فيخرجها في كل يوم ويرجعها، مكتوب بها قوله تعالى: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) [ الطور: ٤٨].

وهذا نوع من اليقين عند الصبر لحكم ربك سواء كانت شدة وضرر وابتلاء أو كانت سراء، فاصبر لحكم ربك

واعرف أنك في عناية الله عزّ وجلّ ويحفظك الله عزّ وجلّ بعينه التي لا تنام.


جمع الله سبحانه على الصابرين ثلاثة أمور لم تجتمع لغيرهم. قال الله عزّ وجلّ:

(الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ () أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [ البقرة: ١٥٦-١٥٧].

فالله سبحانه يصلي عليهم، يعني أي يثني عليهم في الملأ الأعلى، ثم قال الله عزّ وجلّ:

(وَرَحْمَةٌ) وهذي الثانية، ثم قال سبحانه:

(وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) فالله سبحانه يهدي قلوبهم لما صبروا.


يدلك الله سبحانه وتعالى على الطريقة التي تلجأ بها إليه عند المصيبة: قال الله عزّ وجلّ: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) [ البقرة:٤٥]

ليس بأقربائكم وأهلكم وعلاقاتكم، بل بالصبر والصلاة.

يأتي عون الله سبحانه للكل إذا صبرت كما قال الله عزّ وجلّ:

(بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) [ آل عمران: ١٢٥]

وذلك للتمحيص وليميز الله سبحانه الخبيث من الطيب.

أول تهنئة لك عند دخول الجنة إذا صبرت هي السلام حيث يقول الله عزّ وجلّ: (سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [ الرعد: ٢٤]. 

معية الله سبحانه وتعالى للصابرين، كما قال الله عزّ وجلّ:(إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [ البقرة: ١٥٣]

فالله معك في كل موقف تصبر عليه وهي معية النصر والتأييد والتوفيق.

اسأل نفسك

على ماذا صبرت؟ وصابرت على ماذا؟ ما المقام الذي رابطت عليه؟

قال الله عزّ وجلّ:(لتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [ آل عمران: ١٨٦].

-ليست العدة والعتاد هي أول معاركك الشخصية وقراراتك في حياتك، كل الكيد والمكر من أهل الكتاب والمشركين والعالم على أهل الإيمان.

-تذكر قول الله عزّ وجلّ:(إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [ لقمان:٣١].

صبار أي لديه فعل الاصطبار، يعني صبر في الموقف الأول، وصبر في الموقف الثاني، وصبر في الثالث، وصبر إلى أن لقى الله عزّ وجلّ، فالحياة عبارة عن متتاليات لابد لها من الصبر.


تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.