بتاريخ ٢٠ / ٠١ / ١٤٤٥ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )

قد نواجه كثير من أمور الدين التي تكون صورتها واضحة لأحد ما، وهو عالم ومقتنع بحرمانية الأمر، ولكن لا قدرة لديه للمضي

في الطريق الصحيح. كذلك الحال في أمر الحجاب، فقد تكون كل الأدلة والحجج والبراهين

التبي تبين حكم الحجاب غير كافية للبعض لكي تقدم على ارتداء الحجاب.

فتأتي إحدى الفتيات وتقول أن كل ما هو ممتع في هذه الحياة محرم وممنوع، والحقيقة مغايرة لذلك، يقول الله -عز جل-:

{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}

(الأعراف، 32).

دائرة الحلال التي جعلها الله لعباده واسعة وكبيرة، لكن الشيطان يشيح بنظرك عنها، ويركز بتفكيرك على الممنوع فقط.

وقد حذرنا الله -عز وجل- من هوى النفس، فالنفس إذا تركتها لهواها أضرت بها. والقاعدة تقول:

“أن الله لا يضع سعادته في معصية أبداً”

فلا تجربي تلك الطرق في البحث عن سعادتك، حينها ستبحثين عن سراب.

نحن دوماً في جهاد مع هوانا. نعم ستبدو الحياة أجمل ومريحة أكثر باتباع الهوى. ولكن لو اتبعناه لأصبحنا مثل الغرب، فهم لا يؤمنون بجنة أو نار.

يعيشون حياتهم على مبدأ حب النفس والاستمتاع بالدنيا قدر المستطاع، لأنه بموت الإنسان ينتهي كل شيء في لعتقادهم.

يقول الشاعر:

” ولو أنا إذا متنا تُركنا

لكان الموت راحة كل حي 

ولكنا إذا متنا بعثنـــــــــا

ويسأل ربنا عن كل شيء “

ستأتي أخرى وتقول أنا لا أستطيع الإقدام على هذه الخطوة، فمجتمعي منفتح، وبيئة عملي تتطلب ذلك، لا أستطيع أداء

وإنجاز مهامي بهذه الطريقة، والتيار كله يسبح في هذا الاتجاه.

لنطرح عليها سؤالاً: هل أنتِ حرة أم عبدة لله؟

الحقيقة أننا كلنا عبيد لله اضطراراً، لأن الله -عز وجل- هو الذي خلقنا. فيأتينا المرض من دون اختيار، ويأتينا الموت في

لحظة لا نعرفها، والأشياء تتخطف من حولنا بغير مشورتنا، وأقدار الله -عز وجل- وسننه ماضية فينا.  وكذلك الكفار

عبيد لله اضطراراً، لأنهم غير قادرين على اختيار شيء بغير مشيئة الله. ولكن الله كرم الإنسان بكونه عبدًا لله اختياراً، وذلك بأن يختار العبد

طاعة ربه في أوامره، يقول الله -عز وجل-:

{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات، 56).

وظيفتنا في هذه الحياة هي عبادة الله كما يريد، وقبل أي طموح وخطط يضعها الإنسان لنفسه، يجب أن يحقق هذه العبودية لله عز وجل.

فحينما تتحججين بوجود خطط ومناصب تريدين الوصول إليها، والحجاب يمنعك من ذلك فسنذكر لك ثلاث نقاط:

لابد من الالتزام بالعبودية مع الله -عز وجل-، فلا تقدمي هوى نفسك على مراد الله. لأن المقصود

بأدب العبودبة ألا تقدم رأيك الشخصي على ما يريده الله -عز وجل-.


من سوء العبودية لله -عز وجل- ظنك أن رزقك بيد أحد آخر، وأن مجرد إقدامك على كشف وجهك أو نزع حجابك

هو الذي سيجلب لك تلك الأرزاق التي تتمنينها. من الذي له ملك تلك الأرزاق إلا الله -عز وجل- وهو بيده كل شيء، وبيده قلوب الخلق، وبيده

تصريف الأمور. لو كتب الله لك الخير والرزق لأتتك ولو لم يكتبها لم تأت.


لو آمنت بأن الله هو الرزاق يقيناً، لعرفت أن من ترك شيئا لله، عوضه الله خيراً منه. فلا يمكن أن يرى الله -عز وجل-

جهادك لنفسك، ورجفة قلبك، ودمعة عينيك، ثم لا يعوضك ويكرمك بكرمه الذي يدهش قلبك.


هل سيعذب الله من لم تلتزم بالحجاب، وهي على علم بذنبها، ولكنها بالمقابل على خير كبير، فهي مصلية، صائمة، قائمة، بارة بوالديها، وتحسن للقاصي والداني، فهل سيعذبها الله بعد كل هذا؟

يقول الله -عز وجل-: { مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ۖ وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُون}(الأنعام، 160)

صلاتك، وصيامك، وبرك، سيجزيه الله بعشرة أضعاف، والله يضاعف لمن يشاء، فلا يوجد أكرم من الله عز وجل. وأما السيئات

فسيجازي عليها دون مضاعفتها من رحمته -عز وجل-. ومع كل ذلك يأتي الناس يوم القيامة تغلب سيئاتهم حسناتهم، رغم عدم مضاعفتها، فتغلب الآحاد العشرات المضاعفة.

وحذار بهذا التفكير وهذه الخواطر أن ندخل في فئة المرجئة، وهذه فئة كالخوارج، يعبدون الله بالرجاء، يعتقدون بأن الله لن يعذبهم

ولن يجازيهم على سيئاتهم. وهذا فيه إنقاص لمقام الله -عز وجل-، فالذي لا يحاسب فيه ضعف، والله كامل الأوصاف، قال -عز جل-:

{ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} (الحجر، 49-50)

فنحن نعبد الله بالخوف والرجاء، ولو أردنا أن نرى حالنا، فلنحسب كم من الآحاد

وكم العشرات نكسب في اليوم الواحد، وكيف سيكون حالنا يوم الحساب.

أخيراً، يقول الله -عز وجل-:

{ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا } (النساء، 27-28).

عندما تقرأين قول الله تعالى: { وَاللَّهُ يُرِيدُ }، ارعي لها سمعاً، فالله  يريد طمأنتك بأنه يريد أن يتوب عليك ويسعدك ويسكن قلبك.

بخلاف من يريد لك الميل عن فطرتك، التي لن تجدي معه السعادة التي تبحثين عنها. ويريد الله أيضا أن يخفف عنك الحمل الثقيل على صدرك، فنحن دوماً

ما نشعر بأن تلك التكاليف التي شرعها الله لنا هي ثقل علينا، فالله في هذه الآية يصحح لنا هذه الصورة، فكلما تمسكت بشرع الله -عز وجل-، كلما خفت نفسك، وحلقت بها.

سؤال أخير؟ هل أنت مقتنعة أن هذا مراد الله -عز وجل-؟  وأن الحجاب، والغطاء، هو ستر لك؟

وأن ارتداءه طاعة لله -عز وجل-؟ وأنه الأفضل والأجمل والأكمل لك؟ فلو كانت قناعتك هذه نابعة من قلبك، فخذي قرارك

حالاً، ولا تترددي. ولن يتركك الله -عز وجل-، بل سيجعل كل مجاهدات الشيطان كي يردعك عن

اتخاذ القرار الصحيح في هذه اللحظة هباء، وما بعد اتخاذ القرار أسهل بكثير.

دعونا نتواصى، فلا تجعلي الخير يقف عندك، فرب مبلغ أوعى من سامع. ذكري من حولك بشروط الحجاب

وأهميته في حياتنا كفتيات. ولو غيرت من نفسك، لا تتوقفي وغيري من حولك أيضاً، دعي من حولك يشعر أن القرار سهل، وأن الحياة

بسيطة، والأمر عادي، فسأبقى جميلة أرتدي ما أريد، إلى أن أخرج فأرتدي عباءتي وحجابي ونقابي، رافعة رأسي، لأن ما أفعله لله، وفق مراد الله.

افتحي قلبك وارويه من آيات الله -عز وجل-، وسلي الله -عز وجل- أن يقوي عزائمك في رضاه، وأن يثبت قلبك على ذلك.


تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.