كيف يغيرنا رمضان؟

بتاريخ ٢٥ / ٨ / ١٤٤٣ هـ

---

لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط)

يأتينا رمضان وقد جفَّت أرواحنا تمامًا وتصدعت، وباتت تحتاج إلى عملية ترميمٍ وإنقاذٍ، فيجيء هذا الشهر

مرممًا ما تصدع وجابرًا لتلك الشقوق التي ملأت الروح من الداخل.

---

فلنتحدث عن شهرِ رمضان ونطرحُ السؤال المهم ألا وهو:

كيف يغيرنا رمضان؟

ثبتت فضائل كثيرةً لهذا الشهر بالتحديد عبر أحاديثٍ وردت عن النبي ﷺ، وما عندنـا أدَّلُ من كلام رسول الله ﷺ

على فضلِ رمضان وأنه منارةٌ للتغيير، فمن الفضائل الواردة فيه:

١- تـصـفـد الشـيـاطـيـن

قال النبي ﷺ: “إذا كانَت أوَّلُ ليلةٍ من رمَضانَ صُفِّدتِ الشَّياطينُ ومَردةُ الجِنِّ..”

فبمجرد الإيذان بدخول الشهر، تُسحب الشياطين ومردة الجن من كل مكانٍ وتسلسل في مكانٍ لا يعلمه سوى الله عز وجل، ويقول ﷺ:

“وغلِّقت أبَوابُ النَّارِ فلم يُفتَحْ منها بابٌ وفُتِحت أبوابُ الجنَّةِ فلم يُغلَقْ منها بابٌ..”

أي: أن هذا الفتح على الحقيقة لا المجاز  ولا الكناية وفي هذا تشويقٌ للعباد أنه لا يحُول

بينك وبين الجنة إلا أن تموت “ونادى منادٍ…” خلال انشغالنا بالمباركات في الليل وغيرها من مشاغل الدنيا ينادي منادٍ في السماء

لكل الناس على وجه الخليقة ويقول:

” يا باغيَ الخيرِ أقبِلْ ويا باغيَ الشَّرِّ أقصِر وللَّهِ عتقاءُ منَ النَّارِ وذلِك في كلِّ ليلةٍ”

المصدر: صحيح ابن ماجه 

لذا تجد في تلك الليلة أن شيئًا ما في قلبك قد اختلف وأن روحك مُحلقةٌ يحفها شيءٌ

من السكينة والطمأنينة ولا عجب؛ فالعالم كله يختلف آنذاك فكيف لا نختلف نحن!

يقول النبي ﷺ:

“قد جاءكم شهرُ رمضان، شهرٌ مباركٌ افترض الله عليكم صيامه، يُفتح فيه أبواب الجنة، ويُغلق فيه

أبواب الجحيم، وتغلُّ فيه الشياطين، فيهِ ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهرٍ، من حُرِم خيرها فقد حُرِم”

المصدر : صحيح الجامع

وفي حديث آخر قال النبي ﷺ:”من قال لا إله إلا الله خُتِم له بها دخل الجنة، ومن صام يومًا ابتغاء وجه الله

خُتِم له به دخل الجنة، ومن تصدق بصدقةٍ ابتغاء وجه الله خُتِم له بها دخل الجنة”

المصدر : تفسير القرآن

بُشِّر عامل هذه الأعمال إن خُتمت بها حياته بدخول الجنة، ومنها الصيام وهي بركةٌ

من بركات الصيام متعلقةً بشرطِ ابتغاء وجه الله فيها أي إخلاصًا لله تعالى وله بُشرى دخول الجنة!

فحينمـا نعرفُ بعضًا من فضائل هذا الشهر نستشعر لمَ كان السلف والصحابة من قبلهم يحتفون

احتفاءً خاصًا بدخوله، لا احتفاء زينة ولكن عبادةٌ وإخلاص؛ لما تفرد به من فضائل لم تكن في سواه.

---

٢- تكفَّر فيه السيئات والذنوب 

كلنـا يعرفُ أن من فضائل الحج والتي تتمناها كلُّ نفسٍ هي التخليصُ من الخطايا

حتى أن العبد يعودُ كيومِ ولدته أمه، وهذا الفضل العظيم مُتحصلٌ في رمضان لكنه غائبٌ عنَّا..

يقول النبي ﷺ:

“الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفراتٌ ما بينهن إذا اجتنب الكبائر”

المصدر : صحيح مسلم 

ويقول النبي ﷺ:”من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه”

المصدر : صحيح البخاري 

أي: أنك ستخرج من رمضان بصفحاتٍ بيضاء، وموازين مختلفة فغدراتك وفجراتك وخلواتك وجلواتك

وأي شيءٍ يؤرقك مغفورٌ لك.. إن صمت رمضان إيمانًا واحتسابًا، ومن رحمة الله بنا أنه لم يجعل الصلاة هي المكفِّر الوحيد اليومي

بل لدينا تكفيرٌ أسبوعي في يوم الجمعة ثم التكفير السنوي في رمضان وهو لا يختصُّ بتكفير الشهور في السنةِ نفسها فقط، بل مُكفرٌ لكلِّ أعمالك.

وهو غيرُ مقتصرٍ على صيام رمضان فقط بل قال النبي ﷺ أيضًا:”مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ”

المصدر : صحيح البخاري 

فمن فوَّت تكفير السيئات في رمضان فمتى يرجو أن يُغفَر له!

صعد النبي ﷺ المنبر وقال: “آمين، آمين، آمين. قال: أتاني جبريل عليه السلام فقال: يا محمد، من أدرك أحد والديه فمات

فدخل النار، فأبعده الله. قل: آمين. فقلت: آمين. قال: يا محمد، من أدرك شهر رمضان، فمات، فلم يغفر له، فأدخل النار، فأبعده الله. قل: آمين. فقلت: آمين. قال:

ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك، فمات فدخل النار، فأبعده الله. قل: آمين. فقلت: آمين”

المصدر : صحيح الجامع

لأنهُ إن هُيأ لك الزمان والمكان وأوجب الله عليك ما يُنجيك، وسخر لك الأسباب الميسرة لمغفرة الذنوب

والعتق من النار ومع هذا أبعدتَ نفسك وآثرت ذنبك، كنتّ المُستحق لهذا الوعيد.

---

٣- تضـاعف فيـه الحـسـنات والأجور 

تبين العلماء هذا الفضل من حديث النَّبِيِّ ﷺ لمَّا رَجَعَ مِنْ حَجَّتِهِ فقَال لأُمِّ سِنَانٍ الأَنْصَارِيَّةِ:”مَا مَنَعَكِ مِنَ الحَجِّ؟”

قَالتْ: أَبُو فُلانٍ -تَعْنِي زَوْجَهَا- كَانَ لهُ نَاضِحَانِ حَجَّ عَلى أَحَدِهِمَا وَالآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لنَا. قَال:

“فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي”

المصدر : صحيح البخاري 

قال العلماء: وهذا فضلٌ عامٌ لأمة محمدٍ لا يختصُّ بالمرأة وحدها، -إذًا من يعتمر في رمضان

فكأن عمرته هذه تعدل حجة-، وفي هذا دليلٌ على مضاعفة الحسنات -الحسنات كلها فلا تقتصر المضاعفة على العمرة فقط- فكلُّ عبادةٍ

تتعبد الله بها في رمضـان تُسجل أضعافًا مُضاعفة لا يحصيها إلا الله عز وجل.

---

٤- شهر رمضان هو الذي يكثر فيه أن يعتق الله عز وجل عباده من النار..

قال النبي ﷺ : “إنَّ للهِ عُتُقاءَ مِنَ النَّارِ في كلِّ يومٍ وليلةٍ ولكلِّ مسلمٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ دَعوةٌ مُسْتَجابةٌ” ال

مصدر : مجمع الزوائد

انتبه لألفاظ الحديث فلكلٍّ لفظٍ معنًى، فحينما قال: “في كلِّ يومٍ وليلةٍ…”

أي أنَّ هنالك ثلاثين قائمة تُرفَع بعددِ أيام الشهر للمعتوقين من النار، وقيل: أن هنالك قائمتين في اليوم:

قائمةٌ في النهار وقائمةٌ في الليل، وهذا من كرمِ الله وفضله الذي لا يُعدُ ولا يحصى. 

هناك أُناس مكتوبة أسماءهم في قائمة العتقاء، يجب أن تعلم بأن القائمة هذه تبدأ من أول ليلة، قبل أن يبدأوا الناس بالصيام، من يوم الجمعة

ستخرج قائمة في تلك الليلة، فاحرص أن يكون اسمك في كل ليلة من ليالي رمضان. 

---

كيـف نحتـفي بـرمـضـان كمـا يجـب؟

كان النبي ﷺ يحتفي  برمضان احتفاءً شديدًا، وهو الذي كان يأتي للصحابة -رضي الله عنه عنهم- ويقول:

“قد جاءكم شهرُ رمضان، شهرٌ مباركٌ..” لذا كان من السنة مباركة إخوانك المسلمين بدخول شهر رمضان؛ لكونه من أعظم الشهور التي يفرح فيها المؤمن، قال تعالى:

“قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ”

(يونس:54)

فكم ممن شهدوا معنـا رمضان الماضي وقد غيبتهم المنيةُ عنَّـا هذا العام، فبلوغك هذا الشهر الفضيل نعمةً تستحقُ الشكر. 

لم يكن النبي ﷺ يقضي شهرَ رمضان بشكلٍ عادي بل كان يتغير وكذلك أصحابه -رضوان الله عليهم- يقول الصحابة

واصفين حال النبي ﷺ في رمضان:

“كان رسولُ الله ﷺ أجود الناسِ بالخير، وكان أجودَ ما يكون في شهرِ رمضان حتى ينسلخَ، فيأتيه جبريلُ فيعرضُ عليه القرآن، فإذا لقيه جبريلُ

كان رسول الله أجودَ بالخيرِ من الريحِ المرسَلَة”

المصدر:صحيح البخاري 

---

لماذا شُرع شهر رمضان؟

رمضان لم يُشرَّع لتحريك المشاعر ولا القلوب فقط.. بل شُرع من أجل التغيير. ومصداق هذا في أول آية نزل فيها

فرض الصيام، قال تعالى: “كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”

(البقرة:183)

أي أن التقوى حاصلٌ بالصيام، فإن وجدتَ هذه الثمرة فمعناها أن العمل صحيحٌ كما أراد الله. 

وقد قيل إن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سأل أبي بن كعب عن التقوى، فقال له:

أما سلكت طريقًا ذا شوك. قال: بلى. قال: فما عملت. قال: شمرت واجتهدت. قال: فذلك التقوى.

فالتقوى هي أن تتغير لتكون من المتقين الذين يجعلون بينهم وبين عذاب الله حاجزًا ووقايةً، أي لا يمكن

أن تكون ذات الشخص الذي  ينتهك الحرام قبل رمضان ويستمر عليه في رمضان ثمَّ ترجُ أن تكون من المتقين، لكنها بتركِ

ما كان عندك من حرامٍ عرفته بالدليل، وإتيانُ واجبٍ كذلك؛ فذاك التغيير. 

---

كيف نتغير ؟

لدينا خمسة مفاتيح أساسية وسهلة علينا أن نتواصى بها لكي نعيش رمضان الذي سيغيرنا، ولكي لا ندخل رمضان ونخرج منه ونحنُ بذاتِ الحال، حاول هذه المرة لكن بصدق!

المفتاح الأول: أن تدخل رمضان وأنت مستغفرٌ.. 

كل المشايخ يقولون لا تستقبل مواسم الطاعات إلا بالاستغفار، لماذا؟ لأن الذنوب حائلةٌ بيننا وبين التوفيق في رمضان وأنواع الطاعات. وتصيرُ عليك كالسلاسل المُقيدة

فلا تتمكن من إتيان الطاعة أو الاستمرار عليها، وعلاجُ هذا هو الاستغفـار.

اجعل لك مجلسًا يوميًا تستغفرُ فيه رجاءَ أن يعفو الله عنك، ولا تترك ورد الاستغفار في أيِّ يوم، واستحضر بهذا حال ذا النون -عليه السلام-   

الذي قال الله عزوجل عنه:

” وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِى ٱلظُّلُمَٰاتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبْحَٰنَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ”

(الأنبياء:87)

وهذا نوعٌ من أنواعِ الاستغفار ثمَّ قال الله عزوجل بعد استغفاره: “فاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ”

(الأنبياء:88)

أنت تريد أن تتغير منذ اللحظة الراهنة لأنه ليس في العمر متسعٌ للتردد والتأخير

فالأحباب يُتخطفون من حولنا، ولا ندري أيكون المُغادر القادمُ نحن؟ أو أحدٌ آخر..

---

من الكتب النافعة في صيغ الاستغفار الثابتة عن رسول ﷺ، والمعينة على أدب الدعاء: 

كتاب:أوراد الصالحين لأهل السنة والجماعة

ميزة هذا الكتاب تقسيمه إلى أوراد مرتبة بدءًا بـ:(ورد الاستغفار، ثمَّ الحمد، ثمَّ السؤالات، ثمَّ الاستعاذة)

وكلها مستمدةٌ من القرآن والسنة من أحاديث صحيحة.

قال الله عز وجل: “وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ”

(التوبة:46) 

تدخل رمضان بخطةٍ لهذا الشهر، ولكنك حين يدخل رمضان لا تلتزم بها لماذا؟

لأن نفسكَ تخونك في أصعب اللحظات.. الشياطين وقد صُفدت، فما الذي أخرَّك؟ هو عزمك وإرادتك. 

لذا أول أولوياتك أن تبدأ بالاستغفار وتستعين بالأعمال التي قال عنها النبي ﷺ:

“قد غفر له ماتقدم من ذنبه..” ومثال ذلك قوله ﷺ: “من أكَلَ طَعامًا فقال: الحمدُ للهِ الذي أطعَمَني هذا الطَّعامَ ورَزَقَنيه

من غيرِ حولٍ مِنِّي ولا قوةٍ، غُفِرَ له ما تقَدَّمَ مِن ذَنْبِه، ومَن لَبِسَ ثوبًا فقال: الحمدُ لله الذي كساني هذا ورَزَقَنيه

من غيرِ حَولٍ مِنِّي ولا قوةٍ، غُفِرَ له ما تقَدَّمَ مِن ذَنبِه وما تأخَّر”

المصدر : الفتوحات الربانية

اعرف ماهي الكدية الخاصة بك!

قال الله عز وجل: “أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّىٰ *وَأَعْطَىٰ قَلِيلًا وَأَكْدَى” (النجم: 33-34)

وهو عكس الذي أعطى واتقى.. فما هي الكدية؟ هي الصخرة غير قابلة للتكسير..

فاعرف ماهي الكدية التي تقف في طريقك.. ما الشيء الذي ما يزال يؤخرك عن الله؟ لأنك إن عرفت المرض فقد توصلت إلى العلاج.

---

المفتاح الثاني: أن تسأل الله الإعانة والتوفيق.. 

قد تظن أن العمل بسيط ولكن إن لم يعنك الله عز وجل فلن تستطيع حتى رفع كوبِ ماء.. فصلاة التراويح التي اعتدت صلاتها

لن تستطيع إقامتها، ختماتك .. لن تستطع إكمالها، ستبحث عن بدائل .. لذا عليك سؤال الله الإعانة، والسؤال على وجهين:

١/ السؤال المباشر

قال النبي ﷺ: “اللهمَّ أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك”

المصدر : الصحيح المسند 

هذه الوصية النبوية اختارها الرسول ﷺ لمعاذ الذي يحب.. فلو أعانك الله ستُساقُ

سوقًا لأعمال صالحات، وسترى من ألطاف الله مالا يخطر لك على بال، لأنك سألت الكريم وهو أكرم من أن يرد عبداً سأله.

وإعانة الله هي أن يزيل عنك العوائق:

(عوائق داخلية وعوائق خارجية)

فقولنا:”ربِّ اشرح لي صدري” طلبُ إزالةٍ للعوائق الداخلية، أما “يسر لي أمري” فهو طلبُ إزالةٍ للعوائق الخارجية، يقول ابن القيم -رحمه الله-: 

لا يزال العبد يعاني الطاعة ويألفها ويحبها ويؤثرها حتى يرسل الله إليه برحمته الملائكة تؤزه أزاً وتحرضه عليها وتزعجه من مجلسه إليها.

---

٢/أن تستعين بالعبادة على العبادة

حالُ الإيمان أنه يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فالطاعات تزيد وكلُّ طاعةٍ تنادي أختها.

فاستعن بالعبادة على العبادة، فحينما ترغب بقيام الليل بجزءٍ من القرآن، أعن نفسك قبلها بعباداتٍ أخرى ، كصدقتك صباحًا، أو برُّك بوالديك، أو تفطيرك لصائم، أو أيُّ عملٍ

من أعمالِ الخير بنية الإعانة من الله على هذه العبادة.

---

المفتاح الثالث: أن ترتب رمضانك.. 

 لا تدخل رمضان بدونِ خطة. راجع خطتك الرمضانية، وتأكد من أنها أقصى ما تستطيع أن تقدمه:

أولًا/ رتِّب ختماتك كم ختمةً تنوي أن تختم؟ وكيف ترتب جدولك ليتماشى مع الخطة؟

---

ثانيًا/ ضع لنفسك جدول يومي ما الذي تنوي فعله ابتداءً من السحور، صلاة الفجر، الإشراق، جلسة الإشراق؟

هل ستحفظ القرآن؟ أو ستجلس لجلسة تفسير؟ وعلى العائلة كلها أن تستوعب أن هنالك برنامجًا مختلفًا في رمضان.

وتذكر عِظَم أجر الجلوس في المصلى إلى الإشراق، قال النبي ﷺ:

“مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ”

المصدر : صحيح مسلم

---

ثالثًا/ جهِّز أذكارك من الآن

هل هي أذكارك السنوية ذاتها؟ هل زدتِ فيهـا ما يعينك على أهدافك الكبرى

من إصلاح القلب والنفس والذرية؟ هل تهيأت لأن تقرأها باستيعابٍ لمعانيها وبنيةِ الدعاء؟

---

رابعًا/ صلتك لرحمك

وهم كل من ستأخذ الأجر في وصلهم. أما الدعوات المستمرة طوال الشهر والتي تشغلك عن أوقاته الفاضلة فلست بملزمٍ بها، لأنك في وقتٍ نفيسٍ، فاستغل كل لحظاته.

---

خامسًا/ طرقُ تزكيةِ نفسك

كسماع محاضرة، أو حلقةِ تفسيرٍ أو درسٍ أسبوعيٍّ أو سلسلةِ أسماءِ الله الحسنى، أو أيُّ بابٍ قد يزيدُ إيمانك، أدرجه ضمن يومك. 

حين ترتّب رمضانك عليك أن تستذكر هذا الحديث القدسي: “ومن تقرب إلي شبرًا تقربت إليه ذراعًا، ومن تقرب إلي ذراعًا تقربت إليه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة”

المصدر : صحيح مسلم

---

المفتاح الرابع: جناحي الهداية الرمضانية.. 

إذا أردتِ سرَّ التغيير والتحول، فعليك بجناحي الهداية الرمضانية وهما:

١- القرآن

٢- الدعاء 

الدعاء عملٌ مركزي في الصيام ويسمّى بأقواسِ الصيام، فيبدأ الصيام بالدعاء عند السحر وينتهي بالدعاء عند الفطر.

قال الله عزوجل:

“وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي”

تدخل رمضان وأنت مكلومٌ مُتعبٌ مُتعطشٌ لرحمةٍ وهدايةٍ، تريد أن تقدِّم وتعملَ وتبذل في هذا الشهر لكنك لا تدري أيقبل الله منك أو لا.

فإذا بالله يُناديك بهذا النداء من ألفٍ وأربع مئة سنة إذا كُنت تبحث عني يا عبدي وبين جنبيك سؤالٌ ورجاء، قال عز وجل:

“وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ”

(البقرة:186) 

الله عزوجل في عليائه يبشرك بالقرب، يبشرك بإجابة دعائك. 

سيجيبك الله جزمًا بهذه الآية وبهذا اليقين، لذا ادخل رمضان بهذا اليقين.. بأن الله سيجيب لك الدعوات ويسوق لك الهدايات.
إضافةً لكلِّ الدعوات التي تعرفها، اختِر دعوةً محددةً تُلِّح فيها على الكريم سبحانه، في كلِّ لحظة

وفي كلِّ وقت، كررها وأعدها ولا تُسقطها من لسانك، ادعُ ببقية دعواتك، ولكن حافظ على تلك الدعوة المخصوصة

واجعلها من الدعـوات التي تكون مفتاحًا لإصلاح كلِّ شيءٍ آخر، كدعائك بصلاح قلبك مثلًا. 

وتحيَّن أوقات الإجابة: كدعوةِ الصائـم، وعند الإفطار، وما بين الأذان والإقامة، والدعاء في السحر، وعند قيام الليل، وقبل الفجر. 

---

المفتاح الخامس: التجارة العظيمة ختم القرآن..

أفردنا للقرآن درسٌ كاملٌ لذلك سأختصر الخطوات المعينة في خمسِ نقاطٍ مهمةٍ جدًا، لكي تكون لك علاقةٌ حقيقةٌ

مغيرةٌ مع كتاب الله عز وجل، خصصِّ مع قراءة الختمة قراءة تدبرية، وستُعان عليها بـ:

1/ تخصيص ساعةٍ يوميًا لقراءة جزءٍ وتدبره ووضع الأسئـلة حوله.

---

2/ قراءة التفسير، من كتاب: التفسير الميسر، والذي يوضح لك المعاني والكلمات حتى تتحقق من صحةِ معلوماتك ولتجيب عن أسئلتك التي وضعتها.

---

3/ استمع لشرحِ الجزء، مثل الاستماع لـ: ختمة التعارف لـ د. حازم شومان، سيفتح آفاقك على السور ومعاني آياتها والقصص فيها.

ستمرُّ عليك الآيات بعدها بطريقةٍ مختلفةٍ تمامًا لماذا؟

ببركة هذا العلم.

---

4/ أن تقرأ الجزء الذي سمعته وقرأت تفسيره وعشت معه وفهمت دروسه أثناء قيامك في الليل. 

لمَ نفعل ذلك؟

لأننا نريد من القرآن أن يغيرنا، ولا نستطيع أن نتغير إذا لم نعطِ القرآن فرصةً ليغيرنا، وحاول أن تختم هذه الختمة في ليلة العيد، تختم ختمتك الأخيرة

التي تقرأ فيها جزء عمّ وقل هو الله أحد والمعوذات في ليلةِ العيد.

كان يقول ﷺ للصحابة: “رمضانُ أتاكم رمضانُ شهرُ بركةٍ يغنيكم اللَّهُ فيه فينزِلُ الرَّحمةَ ويحط الخطايا ويستجيبُ فيهِ الدُّعاءَ

ينظرُ اللَّهُ إلى تنافُسِكم ويباهي بكم ملائكتَهُ فأروا اللَّهَ من أنفسِكم خيرًا فإن الشقيَّ من حُرِمَ فيه رحمةَ اللَّهِ عزَّ وجلَّ”

المصدر:مجمع الزوائد 

---

* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.