بتاريخ ١٥ / ٠٤ / ١٤٤٥ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )

لا زلنا في اليوم الرابع والعشرين من أيام هذا العدوان الذي منيت فيه هذه الأمة.

ولا زلنا في اليوم الرابع والعشرين من قوافل الشهداء التي ترتقي كل يوم، ومن حمّام الدم النازف الذي لم يتوقف.

أربعة وعشرون يومًا على ناس محاصرة لا ماء لا دواء ولا كهرباء. ونحن نعيش هذه الأيام بلحظاتها وتفاصيلها.

ولو رجعنا إلى خمسة وسبعين سنة ماضية فإن ما نعيشه الآن هو ليس بالشيء الجديد في الأراضي المحتلة، وما يعيشه

أهل غزة اليوم عاشه أهل سوريا في إدلب ولا زالوا يعايشونه!

لكن هذه المرة يبدو أن الوحشية في ازدياد، ويبدو كأنها لحظة من اللحظات الفاصلة في عمر التاريخ.

ما يهمنا في كل هذه الأحداث هو أن نوقن بموعود الله عز وجل، وسنّته في كل ما يجري. وأن ننظر إليها

وفق ما يريده الله عز وجل، وبمنظار الوحي لا بمنظار الدنيا، وبموازين السماء لا بموازين الأرض.

ولنبدأ من موعود الله عز وجل الذي كثيرًا ما يتكرر علينا في هذه الفترة، وهو سؤال متى نصر الله؟

حينما نسأل ونستبطئ هذا النصر ونحن في أماكننا، ونقول إلى متى هذا الألم سيستمر؟

فمن المهم أن نعود إلى القرآن، ونرتدي النظارة التي نرى بها بمنظار الوحي حتى نستقرئ هذه الأحداث.

يقول الله عز وجل: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن تَنصُرُوا۟ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) سورة محمد – آية 7

هذا الموعود جازم، ولا يعني وعد لوحده لكن أين ما قلبت القرآن ستجد مثل هذا الوعد.

ويقول الله عز وجل: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ) سورة المجادلة – آية 21. ويقول الله عز وجل:

(وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ۝ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ) سورة الصافات – آية 171 -172.

 فعندما نتكلم عن عباد الله عز وجل، هذا العبد الذي أخلص دينه لله، هو منصور بوعد الله عز وجل، وهذا الوعد لا يخلف.

إذن أين المشكلة؟ ولماذا لم ينزل النصر حتى الآن؟

حينما قال الله عز وجل:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) سورة محمد – آية7

فالله عز وجل ناصر عباده، وناصر أتباع الرسل، ومن اتبعوا سنة نبيهم فالله سينصرهم، هذا وعد من الله حق.

لكن هل لذلك شروط؟ هل في التأخير حكمة؟

لنعد إلى سيرة النبي ﷺ وصحابته الذين ضحوا في سبيل الله بأثمن ما يملك الإنسان. ضحوا بأنفسهم

وبأموالهم، وبأوقاتهم وجهودهم، وبشهواتهم، وبديارهم!

والسيرة مليئة بقصص الصحابة وكيف ضحّى كل واحد منهم بالشيء الذي يحب. ومع ذلك متى جاءهم نصر الله؟

كم جلسوا؟ الهجرة كانت في السنة الثالثة عشر للبعثة، ولم يذوقوا طعم الانتصار إلا بعد غزوة بدر! يعني بعد ١٥ سنة من الإيذاء!

ونرى ذلك في أحداث ثانية أيضًا. موسى عليه السلام ذهب إلى فرعون ليدعوه لدين الله عز وجل، قال الله سبحانه:

(وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)

سورة يونس – آية 87

فلا مجال لأي نصر ننشده لو لم نقم أمر الله عز وجل في قلوبنا، ولو لم يقم هذا الإيمان في دواخلنا

فلا يمكن أن ينزل نصر، ولذلك ابتدأ موسى أولا بالصلاة. فلما بدأ في الدعوة واستطال فرعون عليهم وبدأ

في التنكيل بهم، قال الله عز وجل على لسان موسى عليه السلام: (وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا

فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) سورة يونس–آية 88.

(قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) سورة يونس–آية 89.

فلاحظوا كيف أنه في أعظم دعوة بين أكبر طاغية وبين هذا الملأ من بني إسرائيل، ومع ذلك يقول الله عز وجل

لنبيه فاستقيما، وفي المرة الأولى في بداية هذه الدعوة أقيموا الصلاة!

إذن لا يوجد مجال ولا طريق للنصر إلا إذا أقمت الإيمان أولاً في صدرك، ولذلك خلال استعراض الأحداث أطلب منك فقط

أن تتفقد الإيمان في قلبك، وطوال الوقت ضع هذا السؤال واجعله يمضي: 

إيماني في أي مستوى؟ وإلى أي درجه هو ثابت؟ هل عقيدتي صلبة؟

هل أحتاج أن أتعلم أكثر؟ أو أنا أتعلم الإيمان إلى أن نعيش حقيقة أم لا؟

ولذلك يقول الله عز وجل عن المؤمنين أنهم إذا اجتمعت فيهم سبعة صفات؛ نزل عليهم النصر. يقول الله عزوجل:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 45 وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ

إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ 46 وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ 47) سورة الأنفال45-47.

الصفة الأولى: الثبات:

هل يمكن النصر بدون ثبات؟ هل يمكن النصر لإنسان جبان؟ هل يمكن النصر لإنسان ضعيف مهزوز؟

لا يمكن! فالثبات مهم، وهو صفة من صفات النصر ولا يمكن للنصر أن ينزل على أناس مهزوزة أو ضعيفة.

الثبات هذا من أين يأتي؟  من إيمانك ويقينك بالله وموعود الله.

يقول الله عز وجل على لسان أوليائه الذين يقاتلون الكفرة: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ

أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ) التوبة- آية 52.

لكن من يصبر؟ الثبات عزيز، ليس شيئًا يستجلبه الإنسان في لحظة، ليس عندما يأتي البلاء نثبت، بل اعرف الله في الرخاء يعرفك في الشدة.

في مشهد الأم التي تودّع أبناءها وهي لاتزال تقرأ القرآن وتقول قول الله عز وجل: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ

اللَّه الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) سورة آل عمران – آية 142

وتكرر كل آيات الله التي بها موعود الله عز وجل تسلي فيها نفسها، هذه الآيات تسترجعها في أصعب لحظة.

فهذا الثبات لا يمكن أن يأتي إلا من الإيمان.


الصفة الثانية: ذكر الله كثيراً:

وليس ذكر الله قليلاً، لأن الله عز وجل لما وصف المنافقين قال:

(وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) سورة النساء آية 142.

فإذا رأيت من نفسك تفريطًا في أذكارك، فضع خطًا أحمر لنفسك! خصوصاً في هذه الأوقات، فأجور هذه الأذكار

هي كرم من الله لكل من يسبح ويهلل ويحمد الله، هذه أجور موضوعة لكل إنسان

لكن ما يفعله ذكر الله أعظم من ذلك بكثير!

هو يربطك بالقوي الذي لا يغلب، ويربطك هذا الذكر بالقدير الذي لا يعجزه شيء، ويربطك أيضا بالناصر أولياءه.. فمن يستطيع أن يغلبك؟

ومن يستطيع أن ينال منك لا في لحظة ألم ولا في لحظة حزن ولا في لحظة وجع، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما حمل ابنه بين يديه، وكان هذا الابن الأخير

للنبي ﷺ، ومات بين يديه فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ ‌يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ ” أخرجه البخاري في صحيحه


الصفة الثالثة: طاعة الله ورسوله:

وهذه الطاعة هي طاعة قلبية عميقة جدا! ومن السهل أن تطيع الله عز وجل في الأمور البسيطة التي يشترك فيها كل الناس، لكن هذه الطاعة

كلما كانت أعمق من الداخل، أي أن تخرج من دائرة الهوى إلى دائرة ما يريده الله عز وجل، هنا تكون الطاعة الحقة لله ورسوله.

هذه الصفة مهمة لأن النصر لا يأتي إلا لمن يستحقه، ومن لم ينتصر على معاركه الشخصية لن يستطيع الانتصار

على المعارك الكبرى، والتغيير الأول يكون من عندك، قال الله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)

سورة الرعد- آية 11. 

معركتك التي تخوضها كل يوم: صلاة الفجر، حجابك، غطاء وجهك، صلاتك، خشوعك، صيامك، نوافلك، عبادتك، قيامك بالليل، أذكارك

إذا لم تنتصر فيها؛ فلا يمكن أن ينزل هذا النصر. والطريق يبدأ أولا من دواخلنا، لأن صلاح الأمة بصلاح الفرد.


الصفة الرابعة: الصبر 

يقول الله عز وجل: (اصْبِرُوا) سورة آل عمران – آية 128. اصبروا لأن المعركة هي معركة صبر من يستحمل للنهاية؟ 

يقول أحد أهل غزة “نحن نعيش كأن رسول الله والصحابة بيننا، نحن نسينا أننا نعيش في دنياكم”، هم الآن في هذه الصعوبة

التي يعيشونها ومع ذلك يقول كأننا نعيش مع رسول الله ومع الصحابة، وكأننا نعيش في عالم آخر وهذا هو ما يسلينا

ويقوينا في هذه الأيام الصعاب، شعورهم بمعية الله، الله مولانا ولا مولى لهم. 

هذا الشيء هو الذي يجعل الإنسان يصبر، ولذلك نعود ونقول إن الإنسان دون إيمان لا يمكن أن يحقق هذه الصفات. 


الصفة الخامسة: التواضع ولين الجانب:

قال الله عز وجل: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا) سورة الأنفال آية 47، والبطر هو التكبر وغمط الحق، وغمط الناس

فعندما تأتي وأنت تبطر في أمر الله عز وجل، وتخرج من بيتك وأنت تدك الأرض كبراً وبطراً، فهذه

من الصفات التي يكرهها الله عز وجل، ويبغضها ويتأخر النصر بسببها.

ومن صفات المؤمنين التواضع واللين، ولذا لما كان النبي ﷺ يصفّ الصحابة للصلاة ويضع كتفه على

كتف الواحد في الصلاة، كان يقول لهم: «ولينوا ‌في ‌أيدي ‌إخوانكم» أخرجه احمد في مسنده وقال الالباني صحيح

ويقول ﷺ أيضاً: «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا ‌تَصُفُّ ‌الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا»أخرجه مسلم في صحيحه

ويقول ﷺ: «لتسون لصفوفكم في صلاتكم أو ليخالفن الله ‌بين ‌قلوبكم» اخرجه أحمد في مسنده وقال الالباني صحيح 

فلما تلين في جنب أخيك فهذه لها معاني إيمانية كبيرة.

وانظر إلى حديث النبي ﷺ حينما قال: «لا تَحاسَدُوا، ولا تَناجَشُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ

علَى بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا. المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ، ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هاهُنا. ويُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ.

بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ. كُلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ؛ دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ.» ]

أخرجه مسلم في صحيحه

[ هذا الحديث من الأحاديث العظيمة في حقوق الإخوان على بعضهم لبعض، وهذه من صفات المسلمين.

 ويقول ﷺ: «ما مِنِ امْرئٍ مُسلِمٍ يَخْذُلُ امرأً مُسلِمًا في موضِعٍ تُنتَهكُ فيه حُرمتُهُ، ويُنتقَصُ فيه مِن عِرضِهِ، إلَّا خذَلَهُ اللهُ في موطِنٍ

يُحِبُّ فيه نُصرتَهُ، وما مِن امرئٍ مُسلِمٍ يَنصُرُ مُسلِمًا في موضِعٍ يُنتَقصُ فيه مِن عِرضِهِ، ويُنتهَكُ فيه مِن حُرمتِهِ، إلَّا نصَرَهُ اللهُ في موطِنٍ يُحِبُّ فيه نُصرتَهُ»

أخرجه احمد في مسنده وقال الالباني :حسن

 فيجب أن تتفاعل مع قضية إخوانك، مع أنك لا تقدم شيء فضلا منك! بل هو واجبك، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول:

(لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ.) أخرجه البخاري في صحيحه

 يقول النبي ﷺ: «واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ. قيلَ: ومَن يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: الذي لا يَأْمَنُ جارُهُ بَوايِقَهُ»

أخرجه البخاري في صحيحه إذا كان هذا في الجار الذي بيت على البيت، فكيف بمن هو جارك في الدين؟

هذا قرب هذا الدين، وهذا بعد هذا عداوة لهذا الدين.

يقول الله عز وجل: (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ) سورة المجادلة – آية 22.

إذن لا يمكن أن تكون الموالاة بيننا هي فقط على الدم أو الجنسية، لكن الموالاة الأقرب هي مع من هم على نفس العقيدة ونفس الدين.

ويقول النبي ﷺ في الحديث: «كَمْ مِنْ جَارٍ ‌متعلقٍ ‌بِجَارِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ، يَا رَبِّ! هَذَا أَغْلَقَ بَابَهُ دُونِي، فَمَنَعَ مَعْرُوفَهُ!»

أخرجه البخاري في صحيح الادب المفرد وقال الالباني : حسن لغيره

يوم القيامة الجيران يتعلقون بجيرانهم ويقولون: يا ربي سل هذا لماذا أغلق بابه عني؟ ولماذا منعني فضله؟ ما كنت تعرف أن جارك خائف؟

ما كنت تعرف أنه جائع؟ ما كنت تعرف أنه محاصر! ما كنت تعرف أصلا أنه يعيش هذه الآلام! كل هذا أنت ستجيبه جواب فردي أمام الله عز وجل.

لو توفرت كل هذه الصفات الخمس السابقة، هل من الشرط أن ينزل الله نصره؟ الآن وفي هذه الساعة؟

النصر موعود الله متحقق.

أما متى؟ فهذه التي ليست من شأنك.

وكيف؟ أيضًا هي ليست من شأنك. فأنت لا تعرف إن كان النصر بحرب، أو بريح، أو بصيحة، أو ببرق، أو رعد.

لا أحد يعلم كيف؟ ولا متى؟ هو موعود الله، نازل نازل، ومتحقق متحقق.

ابن تيمية عندما واجهوا التتار قال: حاربوهم وجاهدوهم وأنتم منصورون، قالوا: إن شاء الله. قال: إن شاء الله تحقيقًا لا تعليقًا.

لماذا يقول الله عز وجل على لسان المسلمين في غزوة أحد لما حصل ما حصل، لما صارت لهم الهزيمة بعد أن اختلفوا:

(أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) آل عمران/ آية 165.

فهذه الجولة من الجولات قد لا تكون لأهل الحق. وجولة غزوة أحد لم تكن للمسلمين فكانت الهزيمة لهم، ولأسباب هم لم يعرفوها

إلا لاحقا. نزلت الهزيمة للمسلمين لتكون درس للأمة من بعدهم، لكي نأتي نحن بعدهم بألف وأربعمائة سنة نتدارس غزوة أحد، وحتى نعمل ونطيع

الله ورسوله، وحتى لا يختلف الصف، ولا نتنازع، ولا نفشل وتذهب ريحنا.

ولذلك هذا الباطل سيزهق ويكون من أمر الله، وقد يكون من حكمة الله عز وجل أنه يجعل أهل الشر يتمادون في غيهم.

وقد يجعل الظالم يطلق يديه على هؤلاء المظلومين، ثم يريد الله عز وجل أن تكون أوزاره أكثر ويكون عذابه أشد. فنحن نرى المشهد أن هذا العدو يده في كل شيء، ولا يوجد شيء يوقفه

نرى المشهد ونشعر أنه مؤلم، ويغيب عنا أن قوانين السماء مختلفة تمامًا عن قوانين الأرض.

ولنختصر ما سبق في أربعة قواعد رئيسية:

القاعدة الأولى: أن هذه الدنيا حقيرة زائلة

وهذه حقيقة كلنا نعرفها، قال ﷺ:

« … وَلَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ ‌جَنَاحَ ‌بَعُوضَةٍ، مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا قَطْرَةً أَبَدًا» أخرجه ابن ماجه في سننه وقال الالباني صحيح

 وأينما تقرأ في القرآن، يقول الله عز وجل:(وَمَا ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَا إِلَّا مَتَـٰعُ ٱلۡغُرُورِ) آل عمران/ آية 185.

كل نعيم الدنيا مهما عظم فهو لا شيء عند أدنى عذاب في النار، وأن أعظم البؤس في الدنيا لا شيء عند أدنى

نعيم في الجنة. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ:

يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً

فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ ‌بُؤْسًا ‌قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ»

[أخرجه مسلم في صحيحه]

يؤتى بأبأس أهل الأرض من أهل الجنة فيغمس غمس واحدة في الجنة، فيقال له هل ذقت بؤسا قط؟

-مرت بك سبعة عشر سنة من حصار، مرت فيك كل آلام الناس الذين فقدتهم. فيقول: والله لم يمر بي بؤس قط. ليس نسياناً -هو يذكرها-

لكنها ليست بشيء مع أدنى نعيم. إذن هذه الدنيا الحقيرة يؤتى بأبأسها فينسى، ويؤتى بأنعم واحد فينسى النعيم كله مع أول غمسة في عذاب الله في النار.


القاعدة الثانية: أن المؤمن كريم على الله.

والله ولي المؤمنين، وحرمة المؤمن عند الله عز وجل أعظم من حرمة الكعبة. أرأيتم لو رأينا أحداً يأخذ فأساً ليهدم الكعبة، تخيل كيف ستثور!

حرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمة الكعبة، ولأن تهدم الكعبة حجرًا حجرًا خير من أن يراق دم امرئ مسلم واحد، فالمؤمن كريم عند ربه.

فأنت كلما رأيت مقطع من المقاطع وشعرت في داخلك بالرحمة والشفقة عليهم، اعرف أنهم أكرم عند الله منهم عليك.

فالرحمة التي في قلبك وإحساسك بهم، الرغبة بعمل شيء لهم، وكل مشاعرك تجاههم، هؤلاء أكرم عند الله منهم عليك، فكن على ثقة ويقين.


القاعدة الثالثة: أن الكافر حقير ومهين عند الله عز وجل.

فالله لا يحب الكافرين، والله عز وجل غضب عليهم ولعنهم. قال الله عز وجل: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ

وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) سورة المائدة / آية 64

اليهود تجبرت وطغت حتى على الله عز وجل، ولذلك هم مهينين وحقيرين عند الله عز وجل.

هذه القواعد الثلاث توصلنا إلى القاعدة الرابعة التي تجمعهم وهي:

القاعدة الرابعة: أن الله لم يجعل الدنيا ثوابًا لحسنات المؤمن، بل هي تكفيرٌ لسيئاته

ولم يجعل الدنيا عقاباً لسيئات الكافر، بل تعجيلٌ لحسناته.

فهذه الدنيا ليست ثوابًا للمؤمن على حسناته، فلو أنت صبرت مثلا على ابتلاء مر بك، أو أطعت الله عز وجل، فماذا تريد الآن؟ 

تريد أجرك في الدنيا، بيت، أسهم، تريد أموال، فقط هذا الذي تريد؟ أو تريد شيء آخر في الآخرة.

نحن لا نستطيع أن نسأل أين النصر؟ أو لماذا لم ينزل؟ فذلك لا يكون بالطريقة التي نريدها نحن، لأن قوانين السماء مختلفة

تماما عن قوانين الأرض، وهذا الوعد -وعد الله عز وجل بنصره لأوليائه-، هو وعد لا يتخلف كأنه سنة كونية، أرأيتم كيف يتعاقب

الليل والنهار والشمس والقمر، هذا وعد الله عز وجل، وهذه سنّة ثابتة وستبقى. لا تتخلف، لكن لا أحد يعرف الموعد. وكلما عظم الإيمان داخل القلب كلما كان نصر الله أقرب.

والسعيد الذي يستعد دون أن تأتيه هذه المرارة وهذه الكسرة، يقول الله عز وجل: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا

وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) سورة آل عمران /آية 140

ولذلك قد يؤخر الله عز وجل النصر لأمة من الأمم حتى تستحق هذا النصر وحتى يكون أفرادها قد استفرغوا كل ما بوسعهم.

فهل استفرغت كل ما في وسعك؟ هل فعلت كل شيء تقدر عليه في نفسك وفي أبنائك؟

الشيخ ابن باز رحمة الله عليه كان يقول إن للهزيمة أسباب، وللنصر أسباب، وأسباب النصر لا تكون إلا باستكمال الإيمان

وأن تحمل الإيمان معك في مسجدك، ومعركتك، وفي بيتك. ولذلك ابتلاءات الله عز وجل قد تكون:

– مرة ابتلاء للصبر، يمتحن الله فيك صبرك.

-وقد يكون ابتلاء للشكر، يمتحنك هل تشكر أو لا تشكر.

-وقد يكون ابتلاء للأجر، فيعظم لك الابتلاء، الابتلاء ليكون أجرك أعظم.

-وقد يكون هذا الابتلاء للتوجيه.

-وقد يكون الابتلاء للتأديب، لتعلم من تكون أنت وما هي حقيقتك.

-وقد يكون الابتلاء للتمحيص، ليخرج أحسن ما فيك، أو ليستخرج منك عبوديات لم تكن لتخرج لولا إصابتك بهذا البلاء.

-وقد يكون الابتلاء للتقويم، لأن فيك بعض الأمور التي لابد من إصلاحها فيبتليك الله عز وجل لتصلح تلك الأمور.

أختم بقول الله عز وجل في سورة الصف حينما نادى المؤمنين، يقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ) سورة الصف/آية 14

وفي قوله تعالى: (إِن تَنصُرُوا۟ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ) سورة محمد / آية 7.

هذا الشرط: إذا نصرت الله ينصرك. فهو عز وجل في هذه الآية يناديك أنت، ويستحث إيمانك، فالله عز وجل عندما يناديك

لكي تكون من أنصاره كن من أنصاره، واجعل دين الله عز وجل هو نهجك القويم، وهو الشيء الذي تعيش عليه وتموت عليه.

أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أنصار الله ومن الذين يعملون بدين الله، وأسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين

وأن يذل الشرك والمشركين، وأن ينصر دينه. وكتابه، وسنة نبيه، وعباده الصالحين.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آلة وصحبه أجمعين.


تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.