بتاريخ ١٠ / ٤ / ١٤٤٣ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله أما بعد: 

فحديثنا اليوم عن صفة من صفات الله عز وجل، وقد سبق لنا في دروس ماضية تناول عدد من أسماء الله الحسنى منها اسم الله الأعظم (الله)

واسمه الهادي والتواب والقريب والمجيب والفتاح والكافي والنور والحافظ  والرازق والقوي والمتين والعزيز والشافي والحي القيوم والواحد الأحد والكريم الأكرم والجبار والستير.

واليوم حديثنا عن الشق الثاني من اسم الله الستير الذي جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله حييٌّ ستّير)

 ففي الحديث: 

حينما رأى النبي عليه الصلاة والسلام رجلًا يغتسل في الفضاء، يعني في مكان مكشوف أمام الناس، كره النبي فعله واغتساله مكشوفًا

لا يستتر عن أعين الناس، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ»[أخرجه أبو داود في سننه، وقال الألباني: صحيح]

إذن نتحدث اليوم عن اسم الله (الحيي) سبحانه.

وجاء ذكره في حديث آخر مشهور: «إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ، أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا»[أخرجه أبو داود في سننه، وقال الألباني: صحيح]

فالله عز وجل إذا من صفاته ومن كمالاته أنه يستحيي وحياؤه يليق بجلاله وكماله. 

وفي حديث آخر شاهدٌ على حيائه سبحانه: حديث النفر الثلاثة الذين جاؤوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام في مجلس له مع صحابته، فوقف اثنان

ورجع الثالث، فالأول وجد فُرجة يعني مكانًا شاغرًا بين الناس فجلس، وأما الثاني فجلس بعيدًا لم يزاحم أو يأخذ موقعًا قريبًا من رسول الله، والثالث رجع.. 

فلما انتهى المجلس قال النبي عليه الصلاة والسلام:

«أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ»

[أخرجه البخاري، صحيح]

(وأما الثاني فاستحيا، فاستحيا الله منه) يعني جلس حياءً من الناس لا ابتغاء السماع.

(وأما الثالث)؟ فماذا؟ (فأعرض فأعرض الله عنه) فلم يقترب ولم يلقِ سمعه أو يهتم.

فكل واحد منهم جُوزي بنفس عمله الذي عمله. 

فالذي اقترب قربه الله عز وجل، والذي استحيا استحيا الله منه، والذي أعرض أعرض الله عز وجل عنه.

إذن سؤالنا المهم: ما هو هذا الحياء؟ وكيف يتصف الله عز وجل بهذه الصفة؟

نلاحظ عندنا أن الحياء مربوط بصفة الخجل، ودائمًا ما يطرأ في الذهن سلوكيات ضيقه من تطبيقاته في الحياة، ولكن لنرَ ماذا يقول العلماء عن الحياء؟

قالوا الحياء من مادة الحياة فلا حياة لمن لا حياء له. 

يعني من لم يتصف بالحياء فحياته ناقصة، لأنها من أصول أخلاق الإسلام وأرشد إليها النبي عليه الصلاة والسلام ووصّى بها. 

وقالوا أيضًا: أن الحياء صفة تعترض الإنسان، وانقباض في النفس من القبائح وفعل المعائب، كالحياء من التعرّي

والحياء من الكلام الفاحش ومن الكذب، والحياء من أفعال تعكس وجهًا من الخير وأريد به الشر، فهذا الانقباض هو الحياء، وهو شعور أيضًا بانكسار

في النفس من فعل القبيح، وتخوف من نظرات الناس تجاه الفعل القبيح.

كلّ ما ذكرناه هي معانٍ للحياء في حقّ المخلوقين، أما الحياء في حق الله تعالى ومعنى أن (الله حيي) فهذا حديثٌ يفسر:

قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ، أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا»

[أخرجه أبو داود في سننه، وقال الألباني: صحيح]

تخيل إنسانًا قام في الليل يصلي لله عز وجل، يقرأ من القرآن ما شاء الله له أن يقرأ قليلًا أو كثيرًا، ثم يرفع يديه للسماء متضرعًا

مبتهلًا يشكو ضعفه وقلة حيلته، ويعلم أن ربه ينزل للسماء الدنيا فيقول هل من سائل فأعطيه؟ هل من تائب فأتوب عليه؟

هل من مستغفر فأغفر له؟ وهو يعلم أنه العبد المخطئ كثير الذنوب، ولكنه يرجو ويطمع في فضل الكريم، فلا يملّ من تكرار 

يا رب يا رب يا رب لا تجعلني أشقى خلقك بك، ويا رب عبادك سواي كثير وليس لي رب سواك، وهكذا بمنتهى التذلل والانكسار

يرفع يديه إلى الله عز وجل، في هذا الموقف الله سبحانه يستحي أن يردّ يدي عبده صفرا، فلا يمكن أن ينزل العبد يديه

ويختم دعاءه وربه لم يستجب له، واعتقاد عدم استجابة الرب من سوء الظن به.

والآن تخيل كم الدعوات التي دعوتها الله فاستجابها لك..

ونعلم أن إجابة الله للدعوة يكون على ثلاثة أحوال:

إما أن يعطيك ما سألت، وإما أن يدخرها لك يوم القيامة، لأنه سبحانه أعلم بك منك أنه لو

أعطاك إياها في الدنيا فستكون شرًا لك، فتأتي يوم القيامة وترى أجورًا كثيرة هي ما خبأها الله لك من دعواتك في الدنيا

يعطيك إياها أحوج ماتكون لها، والثالث أن الله يصرف عنك من الشر مثل ما دعوت، يعني أن تدعو الله بشيء معين فما يستجاب لك، لكنه يصرف عنك من الشر ما لا تدري عنه ولا تعرفه.

والنبي عليه الصلاة والسلام لما أخبر أصحابه بهذا ابتهجوا وقالوا: إذن يا رسول الله نُكثِر، قال لهم: الله أكثر.

فأنت تكثر لأن الله كريم وعليم يعلم مصلحتك وما يحسن لك.

إذن حياء الله عز وجل هو ترك ما لا يتناسب مع كمال صفاته وكمال جلاله وجماله

 فإذا قلنا بأن الله هو العلي الأعلى في كل شيء، وإذا أعطى أعطى عطاء الكريم فعطاؤه الأعلى، 

وإذا رحم فالله عز وجل  يرحم وهو الأعلى فلا شيء فوق رحمته، ومن حيائه سبحانه من عباده أن يرحمهم وأن يعطيهم. 

وكذلك من صفات الله مع كمال قدرته وكمال جبروته على عباده أنه لا يفضح عبده من الذنب الأول، وهذا من حياء الله عز وجل فالعبد إذا أذنب ذنبًا لأول مرة فلا يمكن أن يهتك الله ستره.

ولذلك على قدر المشاهدة لله في قلبك على قدر ما يكون الحياء، وعلى قدره يكون الإيمان، 

ولذلك من زاد حياؤه زاد إيمانه، والحياء والإيمان قرينان إذا ارتفع الحياء ارتفع الإيمان. 

فعندما ترى إنسانا قد رمى الحياء فهناك مشكلة في إيمانه، وهذا ليس صفةً للجرأة، كما أنها ليست صفة يعتز فيها الإنسان، فمتى ما تلاشى

الحياء يصبح الإنسان لا يردعه قبيح أو عيب ولذلك كثر سماعنا لمثل هذا الكلمات: (أنا كذا، أنا متسقة مع نفسي، أنا ما أقابل الناس بوجهين)، إذا لم تستحِ من الله ولم تستحِ من خلقه زال الحياء وزال الإيمان.


الحياءُ شعبة من شعب الإيمان:

ولأجل منزلة الحياء هذه من الدين، يهمنا أن نضعها في الموضع الصحيح، وأن نراجعها في أنفسنا ونعلم أن الحياء كلما زاد زاد الإيمان

والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ – شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ»

[أخرجه مسلم، صحيح]

لاحظوا لم يقل والصلاة شعبة من الإيمان!

ولم يقل الحج أو الصيام شعبة من الإيمان فهذا معلوم، النبي عليه الصلاة والسلام نبّه إلى هذه الصفة بالذات: (والحياء)

ولذلك قال الرسول عليه الصلاة والسلام: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ». قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطْنَ

وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ المَوْتَ وَالبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ» [أخرجه الترمذي في سننه، وقال الألباني: حسن]

ومعاني العبارات:

فليحفظ الرأس وما حوى:

الرأس عبارة عن عقلك ونظرك وسمعك والحواس التي تمد العقل، فأول الحياء حفظ الرأس من المسكرات المادية والمعنوية، المادية:

خمر، مخدرات، حشيش، أي نوع يدمن العقل عليه ويذهبه. والمعنوية: أشياء تجرح في العقل، كمنظر تراه، أو كلام تسمعه، أو شهوات تتأجج عليك

ككلمات أو غيرها تفعل فعلها في عقلك فتسكره وتشغلك في صلاتك فتتذكر ذاك المقطع وتلك اللحظة، إذن عندنا مسكرات مادية ومعنوية تجعل عقلك في ضباب وعليه غمامة، وهذا المعنى الأول.


والبطن وما وعى:

يعني ما يدخل منطقة البطن من الأكل، فيحرص أن يكون حلالًا، وكذلك بعض العلماء أدخل فيها الفرج، فيحفظه من مقدمات الزنا.


وليذكر الموت والبلى:

ومن كان كذلك فإنه يكون إنسانًا قد عرف الحياة على حقيقتها، وأنها لا تدوم لأحد وليست دارًا للخلود، وإنا لا نزال

نفقد أحب الأحباب ونودعهم القبور، وتستمر الحياة بعدهم حتى يأتي يومنا المكتوب، فمن يفكر بهذه الطريقة ويتذكر هذه الحقيقة دومًا

ستكون قراراته أصح ونظرته للحياة أصوب، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: 

“…، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ»

[أخرجه الترمذي في سننه، وقال الألباني: حسن]

إذن الحياء ليس هو الحياء من أشياء معينة فقط أو رهاب اجتماعي، هناك معنى أدق وأعمق، حياء حقيقي بين العبد وربه، وهذا الحياء لا يأتي إلا بخير، ولنتذكر

لما مر النبي عليه الصلاة والسلام على رجل وهو يعاتب أخاه في الحياء يقول له:

(قد أضر بك الحياء)، يعني يحثه أن يأخذ حقه ولا يستحي، فيرد عليه أنه يستحي أن يطالب ويأخذ حقه من شيبة كبير، فمر النبي عليه السلام وسمع عتابه فقال له:

«الحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ»[أخرجه البخاري، صحيح]

يعني اتركه على هذه الصفة الكريمة.

فالذي يجعلنا نستحي من الله حق الحياء أن نعلم أن الله مطلع علينا، قال بعض السلف:

علمت أن الله مطلع علي فاستحييت منه أن يراني.

ذهاب الحياء من عقوبات المعاصي:

فإذا وجدت إنسانًا لا يستحيي من الله ولا من الناس، فاعلم أن من عقوبات المعصية أن يموتَ الحياء في القلب.


كيف نرى حياء الله سبحانه في كتابه؟

الله سبحانه وتعالى يكنّي عن الأشياء التي يُستحيا منها في القرآن، فيُعطيها أسماء أحسن وألطف، فيعرف القارئ مقصود الله سبحانه دون ذكر لفظ الشيء المعروف في حيـاة الناس.

منها مثلًا: ما يحصل بين الرجل وامرأته من معاشرة، فأنت لا ترى تصريحًا مباشرًا في القرآن، ولذلك الأطفال يقرؤون القرآن

فما يمرون على ألفاظ مشينة أو ناشزة أبدًا، ومع كون هذا القرآن منهج حياة لكل الناس كبارًا وصغارًا وذكورًا وإناثًا إلا أنه ليس فيه لفظة تشعر أنها ناشزة فقد عبّر الله عنها بأحسن تعبيـر.

مثالٌ آخر في قصة يوسف عليه السلام، وفيها ذكرٌ لقصته مع امرأة العزيز، فلما أتى مشهد مراودة امرأة العزيـز وما بها من ألفاظ {وَرَاوَدَتْهُ} – {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ}

[يوسف:٢٣]  

كان له ذكر وحيد في القرآن لم يُعد في مواضع أخرى، فتكرار الشهوات مما يلطّخ العفة.

فقصة يوسف من أجمل القصص وهي أصلًا مما يُربّي على العفّة، في هذا الموطن بالذات، وكم من فتـاة أو رجل تعرّضوا

لمثل هذا الموقف فقـالوا ما قال يوسف، تراءت لهم قصّة يوسف عليه السلام فقـالوا: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحسَنَ مَثوَاي}

[يوسف:٢٣]

ومما نلحظه في المجالس النسائية للأسف وتحت دعوى (كلنا متزوجات) أو (كلنا بنات) الحديث عن الخوادش كأنه أمر عادي، فيتحدثون

عمّا يؤجج الشهوات، وفي تفاصيلها، فتجد بينهم من ينطبق عليها وصف (المؤمنات الغافلات) التي لا تعرف عن هذه الأمور فتشتعل فيها الشهوة، وتنقلها لحالٍ أسوأ.

إذن  ليس عاديًا تناقل أخبار الفاحشة والفحش، ولا رؤية من يثير هذه الفواحش بحركات الجسم والتغنّج والاستعراض، ولا الحديث عنهم في المجالس والبرامج، فكلّ هذا مما يلطخ الحياء في أهل العفة.

فهذا القرآن حكى عن المشهد في آيتين، وبلفظ يكسوه الحياء، فكيف بمن يتحدث عن أهل الفاحشة في كل مجلس!!

فـلذلك قال ابن القيم -رحمه الله-: “للحيـاء عشرة أوجه” وهي:

١- أولها: حيـاء الجناية.

وهذا الحياء الذي حصل لآدم عليه السلام حينمـا أكل من الشجرة.


٢- الحياء الثـاني: هو حياء التقصير.

حيـاء التقصير يختلف عن حياء الجناية لمن فعل الذنب، أما حياء التقصيـر فهو لم يفعل ذنبًا، بل يفعل الصالحات، ولكنه يشعر أنها

في حق الله عز وجـل ليست شيئا وأنها قليلة في بحر نعم الله التي يغدق علينا بها.


٣- الحياء الثالث: حيـاء الإجلال.

هذا الحياء يتولد من معرفة الله عزّ وجل، ففي كلّ مرة نعرف فيها اسم من أسماء الله، نزداد له خشية وإجلالًا، فكلما كنت أعلم كنت أخشى قـال الله:

{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}

[فاطر:٢٨]

ولذلك من الجميل بين الفترة والأخرى مراجعة أسماء الله الحسنى، من دروس الرواء السابقة أو من شروحات  د. نوال العيد، وغيرها من المشايخ الثقة.


٤- الحيـاء الرابع: حياء الكرم.

وهذا حياء النبي عليه الصلاة والسلام وأخلاقه مع غيره، ومن القصص التي جاءت عن النبي عليه الصلاة والسلام، أنه كان يستحـي من الناس إذا كانوا في بيته

وأثقلوا عليـه في الجلوس أن يخرجهم من البيت، فيستحي منهم فيجلس، وهم الصحابة يطمعون مجلسه وقربه، ومن منهم سيخرج أصلًا؟!


٥- الحياء الخامس:

هو حياء الحشمة، وهذا الحياء يمكن فهمه من موقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع النبي ﷺ حينما أراد أن يسأله عن أشياء شخصية تخصُّ أحكام الطهارة

واستحيا أن يسأل النبي ﷺ، وذلك لمكانة فاطمة بنته عنده، يعني أنه زوج بنته ويستحي أن يسأله في بعض تفاصيل الطهارة، وهذا الحياء هو حياء الحشمة،  أن تهاب إنسانا فتستحي منه.


٦- الحياء السادس:

هو حياء الاستحقار واستصغار النفس وأن تظن في نفسك أنّك أقل من أن تدعو الله ببعض الأدعية، فمثلًا من تعوّد دعاء:

“اللهم أني أسألك الفردوس الأعلى ” أو”أسألك بوجهك الأكرم الفردوس الأعلى”

وأتى يوم وفعلت ذنبًا أو معصية، فتستحي من الله أن تدعوه بهذا الدعاء تستحقر نفسك، فكيف وقد فعلت هذه المصيبة ثم أدعوه أن أكون في الرتبة العالية في الجنة؟


٧-الحياء السابع:

هو حياء المحبة، يعتري المحبوب حينما يذكر محبوبه في غيبته، ونراه في نطاق المخلوقين مثلًا عند المتزوجين حديثًا، إذا ذُكر كل منهما عند الآخر.


٨-الحياء الثامن:

حياء العبودية وهذا الحياء ممزوج بين الحب والخوف، فحياؤنا من الله هو حياء عبودية، فنحن نحب الله ونخافه معًا، وهذان الأمران

لا يجتمعان في المخلوقين (الحب والخوف) هذا لا يجتمع إلا مع الله عز وجل.


٩-الحياء التاسع:

هو حياء الشرف، كإنسان يكرمه الله عز وجل بمنصبٍ وجاه أو مكانة علمية فيستحي من الله عز وجل أن الله يعطيه هذه النعم وهذا الشرف ثم يخون الله في هذه النعمة التي أعطاه إياها الله.


١٠-الحياء العاشر والأخير:

هو حياء المرء من نفسه، وهذا حياء أهل الشرف، حياء أهل النفوس العزيزة، فلا يحتاج لأن ينظر إليه أحد حتى يستحي منه، بل

هو يستحي من أن يكذب، أو يخون، أو أن ينهى عن شيء ثم يفعله، أو أن يأمر بشيء وهو لا يقوم به، فهذا الإنسان يستحي من نفسه قبل أن يستحي من أي أحد آخر.


بعد أن تعرفنا على أقسام الحياء، تبقّى لنا سؤال:

مِن مَن يجب علينا أن نستحي؟

أولاً: أن تستحي من نفسك، أن تستحي أن يخالف قولك فعلك،فتأمر الناس وتخالف أمرك ونفسك،

ولذلك أحيانا في مواقف معينة إذا خطر في بالك فُلان من الناس فتستحي لو رآك على ما أنت عليه، أو لو كنت تفعل شيئا

ما ثم دخل أحدهم تستحي منه فتنتهي عنه مباشرة، مع أن الله يراك ويراقبك!

ولذلك المروءة هي أن لا تفعل الشيء سرًا إن كنت تستحي من فعله جهرًا.


 ثانياً: أن تستحي من ملائكة الله الذين معك.

من المعلوم أن لكل إنسان لمّتين: لمة ملك ولمة شيطان، اللمة بمعنى الضمة، وجاء في الحديث:

«إن للشيطان لمة، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليحمد الله، ومن وجد

الأخرى، فليتعوذ من الشيطان» , ثم قرأ: {الشيطان يعدكم الفقر}

الآية [البقرة: 268].

[أخرجه ابن حبان في صحيحه، وقال الألباني: صحيح]

فلمة الملك تذكرك بالخير وتأمرك بالخير، ولمة الشيطان تؤجج فيك الشر وحب الذنب، وتلهب عليك الفعل القبيح..

وتذكر دائمًا أنك في خلواتك لست وحدك، فهناك ملائكة عن اليمين والشمال تحصي أعمالك، وهناك شيطان حاضر يؤزك على الشر، ويفرح بغفلتك عن ذكر الله.


الحياء الثالث: أن تستحي من الناس.

 لما فسّر النبي ﷺ الإثم عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ:

«إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ». قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا الْإِثْمُ؟ قَالَ: «إِذَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ شَيْءٌ فَدَعْهُ»

[أخرجه أحمد في مسنده، وقال الألباني: صحيح]

فأنت ترى من الناس أفحشهم أصحاب معاصي لا يستحيون من المجاهرة بها ولو أمام الآلاف، ولكن تراهم لو دخلوا في لقاء

مع شيخ دين فإن نوعًا من الأدب يلبسونه، كالتي تظهر عارية فإذا قابلت شيخًا وجدتها تلبس الأستر أو تضع شالا على رأسها، فلماذا يظهر مثل هذا التصرف منهم؟

لأن الله يأبى إلا أن يذل من عصاه، ولأنها تعرف في قرارة نفسها أنه خطأ فتستحي أن تكون عليه أمام الشيوخ.

قال النبي عليه الصلاة والسلام: «الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ»

[أخرجه مسلم، صحيح]

فهل نفهم من الحديث أنك إذا فعل الذنب وما رآك أحد أن تذهب وتجاهر به؟ ليس هذا المقصد بل المقصد أن تترك الذنب حتى في خلوتك، لأنك إذا جاهرت

فأنت جمعت على فعل الذنب والمجاهرة فيه، وصرت في ” كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ، …” 

[أخرجه البخاري، صحيح]

حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يقول: لا خير فيمن لا يستحي من الناس.


استشعار المعروف مع الناس دليل استشعار المعروف مع الله عز وجل:

في حديث للنبي عليه الصلاة والسلام قال: «لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ» [أخرجه أبو داود في سننه، وقال الألباني: صحيح]

جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين شكر الناس وشكر الله.

ففي معاملاتنا مع الناس تجد أن صاحب الأخلاق العالية يهتم بشكر الناس وتقديرهم، وعكسه الذي لا يهتم ولا يمتنّ فهو لا يستشعر المعروف مع ربه أيضًا، فيمده الله

بالصحة والمال والعافية، يستيقظ كل يوم من فراشه يقوم على رجليه كأن هذا هو حقه الطبيعي، ولا يستشعر أنها نعمة من الله متجددة عليه كل يوم.

وعلى نفس هذا النسق قال ابن مسعود: من لا يستحي من الناس لا يستحي من الله.

فأصحاب شعارات (لا تستحي من أحد) يجرِّئون الناس ألا يهمّهم شيء، لا مجتمع ولا أخلاق ولا أهل، المهم أن تستمتع

ولذلك كانوا يقولون إذا رأيت أن حياءك ميت، فأحيي حياءك بمجالسة من يستحيا منه. 

فإذا كانت المجموعة التي تجالسها لا تنمّي فيك الحياء، بل تجعلك إلى وضع أسوأ، فهذا يعني أنك محتاج لتغيير المجموعة إلى مجالسة من يدعوك للحياء من الله حق الحياء.


آخر أنواع الحياء وهو الأكبر والأعظم:

الإستحياء الأخير (الرابع) : وهو الاستحياء من الله.

أحد الصحابة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن جواز التعرّي إن كان في خلوة -جالسًا وحيدًا- فقال له صلى الله عليه وسلم:

«اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ»

[أخرجه البخاري، صحيح]

لذلك النساء حتى لو كانت تصلي لوحدها، فهل تصلي بدون حجاب؟ لا يمكن. 

فكيف بمن لا يستحيي أن يكشف عوراته أمام كثير من الناس!

قال كعب: استحيوا من الله في سرائركم كما تستحيون من الناس في علانيتكم.

كلٌ منا يجلس يراهُ الآخرون، ولكن لا يعرف ما بخلد كل واحد إلا الله سبحانه.


خطوات عملية:

في ختام الدرس نذكر خطوات عملية لنجيب على سؤال: 

كيف أكون عبد الله الحيي؟  وكيف أولد هذا الحياء عندي؟ 

وهذه نقاط مهمة يجب أن نراجع فيها أنفسنا:

١-قارن بين نعم الله عليك وبين جنايتك وذنوبك:

فحتى الأنبياء في حديث الشفاعة الطويل لما تطلب الأمم من أنبيائها الشفاعة، يعتذر كلٌ منهم بذنوبهم التي أذنبوها

وما ذنوب الأنبياء؟! وقد غفرها الله جميعًا، ولكنّه الحسّ المرهف للذنب وأثره! 

إذن فأول ما يولّد شعور الحياء هو أن تستحي من نعم الله عز وجل عليك.


٢- و يتولد من تعظيمك له وحبك له:

أنك كلما أحببت الله أكثر كان حياؤك منه أكثر

ولذلك لابن القيم كلمة ثمينة يقول:  إنما يتولد الحياء من امتزاج التعظيم بالمودة 

(يعني الحب والخوف) وهي تمام العبودية لله 

عزوجل. 


٣-أن تراقب الله وتعلم أن الله معك حيث ما كنت يراك ويسمعك :

في كل وقت ليلًا ونهارًا، مسافرًا ومقيمًا، تستشعر مراقبة الله لك التي تجعلك تستحي من نظره إليك.


 4-أن تزهد في الدنيا:

مما يولد الحياء أن تدرك على ماذا نحن نتنافس في الدنيا؟ وهي لا تستحق ولا تزن عند الله جناح بعوضة، والدنيا ليست للخلود، فالحي سيموت

والصحيح سيمرض والصغير سيكبر! ولا يوجد دواء اسمه أكسير الحياة، ولحظات السعادة لا تستمر لأحد كما أن لحظات الحزن لا تستمر.


وهناك مقولة: من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره.

ولذلك قال النبي ﷺ «حُلْوَةُ الدُّنْيَا مُرَّةُ الْآخِرَةِ، وَمُرَّةُ الدُّنْيَا حُلْوَةُ الْآخِرَةِ»

[أخرجه أحمد في مسنده، وقال الألباني: صحيح]

فما أُخذ منك في الدنيا أو زهدت فيه أو حرمت نفسك منه لأجل الله فهو الشيء الجميل

الذي سيكون لك في الآخرة، وحلاوة الدنيا التي لا نمنع عنها أنفسنا هي المر في الآخرة.

ولذلك أختم بما قالته فاطمة رضي الله عنها حينما شكت لأسماء رضي الله عنهم أجمعين قالت: يا أسماء إني أستقبح ما يفعل في المرأة بعد موتها ي

طرح عليها ثوب فيصف جسدها  فتحمل على أعناق الرجال .. واستشعروا حجم هذه العفة وهذا الشرف أن تفكر بحالها وحال النساء بعد موتها، حملت همّ

أن يراها الرجال وتفاصيل جسمها الذي حرصت على تغطيته وستره في حياتها يراه الرجال في أحرج أحوالها!  

فقالت أسماء ألا أنبئك بشيء رأيته في الحبشة؟ قالت لها: 

نعم ، فدعت بجرائد رطبة -سعف النخل- فقامت بثنيها ثم طرحت عليها ثوبًا، وهذه العادة موجودة للآن في مكة يضعون على جنازة المرأة

مثل هيكل الحديد بديلًا عن السعف، فقالت فاطمة: فإذا مِتُّ فاغسليني أنتِ وعلي (يعني زوجها) ولا يدخل عليّ أحد واصنعي بي كمثل هذا.

هذا حياؤها وسترها وعفّتها رضي الله عنها، وإذا حققت الحياء فاعلم أن الله يحبك، لأن الله سبحانه يحب من يتصف بصفاته

فهو  رحيم يحب الرحماء، جميل يحب الجمال، وحيي يحب من يستحي.

واعلم أن الخير يصيبك لأن النبي ﷺ قال:” دعه فإن الحياء لا يأتي إلا بخير” 

وإذا استحييت فاعلم أن إيمانك يزيد لأن الحياء والإيمان يقترنان، إذا زاد الحياء زاد الإيمان واعلم أن الحياء 

يحجزك عن الذنوب والمعاصي، واعلم أنك أيضا إذا تخلقت به فإنك تخلقت بخلق الإسلام، قال النبي ﷺ «إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَإِنَّ خُلُقَ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ»

[أخرجه ابن ماجه في سننه، وقال الألباني: حسن]

أسال الله أن يجعلني وإياكم من أهل الحياء، ومن أهل الله وخاصته، وأسال الله يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا

وأن يجعل خير أيامنا خواتمها وخير أيامنا يوم نلقاك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. 


* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.

1 عدد التعليقات
  1. ernovses says:

    На сайте https://mantovarka.ru вы сможете изучить изысканные и интересные рецепты, которые подойдут как на каждый день, так и праздники. Есть ароматные первые блюда, сытные вторые, а также изысканные десерты, которые идеально подходят для уютных вечеров. Все блюда готовятся из простых и при этом недорогих компонентов, которые есть почти в каждом холодильнике. Вы обязательно найдете блюдо на свой вкус. Постоянно появляются новые яства. Заходите сюда почаще, чтобы почерпнуть новый рецепт и накормить домашних вкусной и полезной едой.

التعليقات مغلقة