بتاريخ ١١ / ١١ / ١٤٤٢ هـ
لسماع المحاضرة صوتًا
(كرما المحاضرة الصوتية للنساء فقط)
” إنهم كانوا قبل ذلك مترفين “
هناك أحاديث قالها -النبي عليه الصلاة والسلام- يخبر فيها عن زمن سيأتي وستنفتح فيه الدنيا على هؤلاء الناس.
عن أبي هريرة قال: سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
“إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي الْعَبْدَ مِنَ النَّعِيمِ أَنْ يُقَالُ لَهُ : أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ وَنُرْوِيَكَ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ؟“
قد نكون أعددنا الإجابات لكثير من الأسئلة، كشيء من الحرام فعلناه، أو شيء من الحلال قصرنا فيه، ونسينا تلك الأسئلة التي سيسألنا الله عز وجل عنها
عن النعيم، ومنها هذان السؤالان اللذان أخبر عنهما النبي عليه الصلاة والسلام أنه سنسأل عنهما بالذات.
”ألم نصحّ لك جسمك؟“
أنت تظن أنه من الواجب أن تكون صحيحًا ولو مرضت فهذا أمر عارض! ونسيت أن هذه نعمة ورزق من الله عز وجل.
“ألم نرويك من الماء البارد؟”
قد نحمد الله عندما تكون هناك مائدة عامرة فيها شيء من الترف والنعيم، لكن حتى زجاجة الماء البارد التي تروي ظمأك هذا من النعيم الذي سنسأل عنه.
لنتحدث عن هذا النعيم، ونربطه بما يحصل في واقعنا الآن
وهل النعيم هو نفسه الترف؟
وهل كثرة التنعم محمودة أم مذمومة؟
وما هو المطلوب أساسًا من المسلم في حياته؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
«… فَوَاللَّهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُلْهِيَكُمْ كَمَا أَلْهَتْهُمْ»
نحن الآن نتحدث عن نعيم نعيش فيه في واقعنا المعاصر ربما لم يره أجدادنا وبعض الأحياء اليوم في بداية حياتهم، ولذلك من الضروري
أن نعرف كيف كنا، وكيف أنعم الله عز وجل علينا، لأنه بالشكر تزيد النعم وبكفران النعمة تزول.
أصبح الناس في شيء من الانغماس بملذات الدنيا إلى درجة أنه حتى الفقير يريد
أن يجاري أصحاب الطبقات المترفة، ولا أحد يريد أن يعيش حياة كفاف أو حياة قد تكون كما في الحديث:
عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
“اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ كَفَافًا”
كفافًا يعني مستوري الحال، لا نحتاج إلى سؤال وفي المقابل لا يزيد الرزق عن الحاجة.
التقنية سهلت الأمر ليكون كل شيء سهلًا وموجودًا ومتجددًا طوال الوقت
وأصبح هناك حمى مستعرة في هذا العالم من إعلام وقنوات على مدار الساعة تزين للناس شهوات متتالية
من النعيم الذي لا يتوقف، طعام ولباس وشيء من الترف المحرم ومن الترويح المحرم، المهم أن تظل طوال الوقت
تضحك وتنطرب وتظل في حالك دون أن تشغل بالك لا في أمر الآخرة ولا في رسالة أو في هم ومجد ولا في نصر أمة
ولا مستضعفين ومظلومين، كل هذا ضعه جانبًا وانشغل فقط بيومك وكيف تقضيه في ترف وليكن هذا الهم هو الهاجس .
ماذا عن العمل من أجل الآخرة؟ البعض لا يريد أصلًا أن يفكر بهذا كله ولا أن يشغل نفسه به، ولا يريد أن يشعر بتأنيب الضمير حيال ذلك.
هل هذا هو نمط الحياة الصحيح وما جاء به الإسلام؟ يخبرنا الله عز وجل عن فرعون، أنه من الترف
الذي وصل إليه عميت عينه عن رؤية الحق والباطل، فصارا متساويين عنده، بل على العكس
صار الباطل هو حق والحق هو باطل في نظره، وهذا أسوأ ما يمكن أن يؤدي إليه الترف. و لهذا تجد الطبقة المترفة دائمًا
هم الطبقة الأكثر صدودًا عن الحق وعن تعاليم الشرع والأحكام، ولا يكتفي المترف بالصدّ وحده بل يصدّ غيره عن الحق؛ لأن هذا سيفسد عليهم الترف
الذي يقومون به، وهذا الترف الذي خشيه النبي عليه الصلاة والسلام لأن أسوأ ما فيه أنه يعمي العين عن الحق، وهو كما ذكرنا قبل قليل الإغراق في التنعم.
والترف ينقسم لشقّين من المهم معرفتهما:
الأول:
الانغماس في التنعم. فلا يكفيك لذة واحدة بل تريد لذات لا تنقطع، ولا يهمك هي من المباح أم المحرم
بل المهم أن تستمتع طوال الوقت، فهذا هو الجانب المادي منه.
الثاني:
أن الترف قرين البطر. وهو الجانب المعنوي، فغالبًا الذين يعيشون في طبقة مترفة يصبح عندهم هذا النوع
من بطر النعمة و هو ازدرائها، مثلًا توضع أمامك سفرة بأصناف الطعام فتنظر لها بازدراء
لأنك لم تجد فيها ما تحبه، وكأنك لا تعلم أن هذه السفرة الممدودة نوع من أنواع النعمة التي أنعم الله عز وجل بها عليك بل هي من النعيم.
الله عز وجل حينما تكلم عن أصحاب الشمال وصفهم بوصف أليم ومخيف قال تعالى:
“وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44)”
والسبب ؟
“إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46)“.
يصرون على الحنث العظيم أي كان يصر على الكفر بالله والشرك به سبحانه، ولا يريد أن يشكر نعمة الله عز وجل عليه.
هذه الطبقة المترفة عندما ذكرهم الله عز وجل في القرآن فهي رسائل توجيهية أن علينا ألا نكون مثل هؤلاء، لماذا دائمًا تأتي كلمة الملأ في مواجهة الأنبياء؟
وافتح قصص الأنبياء دائمًا ستجد كلمة الملأ، وافتح كتب التفسير ستجد أن الملأ هم كبار القوم وأعيانهم، هم الوجهاء وأصحاب السلطان
وأصحاب القرار، هم الأثرياء والأغنياء. هم الذين يملكون المصالح ولا يريدون خرابها. وهذه هي الحال دائمًا، لا يأتي أهل الحق في أي زمن من الأزمان إلا
وتتولى هذه الطبقة المترفة مهمة الصد، ولذلك قال الله عز وجل: “وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ)
وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ”، وكأن لسان حالهم يقول: نحن الحمد لله في نعمة ولو كنا على باطل لما امتلكنا هذا الخير كله، فيرد الله -عز وجل- عليهم:
“وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ“
امتلاكك لخير الدنيا ليس دليلًا على أنك على حق، ولذلك قال العلماء: الله -عز وجل- يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، لماذا؟
لأن هذه الدنيا إنما هي استدراج وامتحان وابتلاء.
هذا الترف فيه مشكلتان:
الأولى/
على صعيد الفرد نفسه، أنه يشغله طوال الوقت ولايترك حيزًا في تفكيره للآخرة.
الثانية/
على صعيد الأمة، يقول الله -عز وجل- عنهم: “وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا”.
فإذا أراد الله أن يهلك قرية من هذه القرى قدّر عليها أن يكون من مسببات هلاكها أن الطبقة المترفة فيها بدأت بالفسق، هذا الفسق الذي يراه جموع من الناس والعوام
فيرضونه ويحبونه ولا ينكرونه ولا يشعرون أن هناك منكرًا في قومهم.
لوط -عليه السلام- لما أنكر على قومه فعلتهم لم ينكر على شيء كانوا يختبئون أثناء فعله، بل كانوا يجاهرون به
فالإسلام لا ينبش عما تفعله أنت لوحدك ومع نفسك فهذا ذنب بينك وبين الله، لكن لوط -عليه السلام- قال:
وتأتون في ناديكم المنكر، فلو كان قوم لوط -عليه السلام- يختبئون بفعلتهم ما نزلت عليهم الحجارة من السماء، نزلت الحجارة حينما صار
الأمر عاديًا وكل الناس تراهم ويصبح الإنكار ضعيف جدًا، وكثرة المساس تُميت الإحساس، فكثرة المنكر أمام عين المرء تجعله يحس
أن الأمر عادي وأن هؤلاء الناس هم الذين يفهمون ويعيشون الحياة و يواكبون العصر ونحن مازلنا متخلفين عنهم.
لنرى آيتين عن الذين يطلبون هذه النعم وقد تستغربون في أي سورة جاءت، قال الله عز وجل: ”
لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَال“
مملكة سبأ أنعم الله عليهم فكانوا في رغد من العيش فكفروا بأنعم الله و شرعه فماذا حدث؟ يقول تعالى:
“فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ“
تكررت كلمة كفور وكفروا فلما كفروا بالنعمة وكفران النعمة أنك لا تشكرها لا شكرًا قوليًا ولا بالجوارح.
فالتنعم بأن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده هذا واجب ونحن لا نتكلم عن الزهد ولا عن الرهبانية لكن نتكلم عن الشيء
الذي يزيد عن حده ونصبح أناسًا تستهلك دون شعور، قال ابن الجوزي: “كان السلف يلبسون الثياب الأجود”
أي يلبسون ملابس مرتبة “ويلبسون ثيابًا متوسطة لا مترفعة” يعني لا يلبسون شيئًا لا يلبسه إلا مثلًا الجبابرة والعظماء.
ولا يأخذون الثياب من الثياب الشيء المهترئ، بل يأخذون الشيء الجيد و يتخيرون أجودها للجمعة و للعيد و للقاء الإخوان فيتزينون لبعضهم.
ابن خلدون كتب في كتابه كلامًا عظيمًا عن سقوط الأندلس: أنه مقومات سقوط الدولة أن ينشأ أجيال ليسوا
كما الأوائل مثل أجدادهم، بل ينشؤون وقد غُذّوا بالنعيم وولدوا به إلى درجة أن يصبح فيهم من الرخاوة والنعومة
ما لا يستطيع معه حتى حماية نفسه فيستأجر من يحميه فتسقط دولته، إذًا عندما نتحدث عن النعومة والرخاوة التي يعيشها الإنسان وما يفعله الترف فيصبح مثل الداء المسموم على الإنسان.
نختم درسنا بسؤال مهم وهو:
كيف نعالج الترف؟ لدينا عدة نقاط نود ذكرها للعلاج:
1. يجب أولًا ألا تتعود على الكسل والعجز، وكان من دعاء النبي -عليه الصلاة والسلام-:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ …”
سأل الأسود عائشة -رضي الله عنها- قال لها: “ما كان يصنع رسول الله في بيته؟”
هل يجلس ويستريح و يقرأ القرآن ويصلي فقط؟ توقع أن هذا ما يفعله وأن هذه ستكون الإجابة، فقالت عائشة:
“كان في مهنة أهله”.
أي: في خدمة أهل بيته
2. أن تتقلل من الدنيا. لا تترك الدنيا وتزهد لكن قلل منها، جرب ألا تعطي نفسك
كل الذي تحب، جرب أن ترى ماتشتهيه وترغب فيه ثم تقول سأتركه لله.
3. أن تنظر إلى من هو دونك ولا تنظر إلى من هو أعلى منك. كان هذا منهج النبي -عليه الصلاة والسلام-
والعلماء دائمًا وكذلك السلف، واعلم أن هذه الدنيا بأكملها قد يعطيها الله لأي أحد، فلذلك قال الحسن البصري
“من نافسك في دينك فنافسه ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره “، خذها قاعدة ليس هناك ما يتحسف عليه في الدنيا.
4. قصّر أملك. واعرف أنها مسألة وقت ولحظات لا أكثر، قال عبد الله بن عمر أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنكبي فقال:
“كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ”، وكان ابن عمر يقول: “إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء
وخذ من صحتك لسقمك وخذ من حياتك لموتك”. لو عشنا بهذا المبدأ سيتغير الكثير في حياتنا.
5. عالج نفسك أن تترك بعض النعيم الذي تقدر عليه. النبي -عليه الصلاة والسلام- قال:
” مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ تَوَاضُعًا لِلهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ دَعَاهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ ، حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ حُلَلِ الْإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا“.
أسأل الله أن يبارك لنا في رزقنا وفي عمرنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يجعل رزقنا فيما يحب ويرضى، وألا يجعل فيه حرامًا
ولا مظلمة لأحد، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.
cheap cialis online pharmacy Clinical experience with sulfasalazine in children with UC has generally mirrored the adult experience
На сайте https://uae-auto.ru/ вы сможете заказать подбор и доставку авто из ОАЭ и воспользоваться калькулятором таможенных платежей. Исключаем все риски и доставляем автомобиль под ключ от растаможки до постановки на учет.
https://ramenskoebeton.ru/
اين تقام هذه المحاضرات ؟
На сайте https://anapa-vip-transport.ru/ вы сможете заказать такую услугу, как аренда автомобиля бизнес класса вместе с водителем. В компании также можно воспользоваться и такой услугой, как трансфер, заказ микроавтобуса, яхт. Вся техника исправная, работающая, а перед рейсом всегда проходит технический осмотр. Компания предоставляет услуги в данной сфере уже много лет. В парке только те автомобили, которые соответствуют самым высоким требованиям и комфортабельные. Ежегодно компания совершает более 10 000 перевозок.