بتاريخ ٢٤ / ٠٣ / ١٤٤٥ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )

لاشك أن الحديث عن سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحبه الكرام  ، وما صحب حياتهم وسيرتهم من عنت ومشقة وأهوال

وصعاب من أجل هذا الدين ونشره بين الناس، لهو من أعظم الأخبار التاريخية،  إذ أنها تقدم للمسلمين سجل أحوال

خير خلق الله -عز وجل  وتكشف لهم حجم التضحيات والجهد من أجل تبليغ الإسلام والدفاع عنه،و من  أهم الأحداث التاريخية هي غزوة بدر، التي سنتدارسها

 ليست من أجل الذكرى فقط ، وإنما من أجل التأمل والتدبر ومن ثم استلهام العبر والدروس منها وتطبيقها في الواقع المتجدد

“لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب”، فغزوة بدر هي منهج حياة لمن تأملها وتدبرها في سور القرآن والسيرة النبوية

التي كانت نصراً عظيماً للإسلام وأهله،و ضربة موجعة للباطل وحزبه ، رغم أن المعركة غير متكافئة

لا في العدد ولا في العدة ، ومع ذلك م­كْنَ  الله عزوجل لأوليائه النصر .

لقراءة قصة غزوة بدر كاملة عبر الرابط

 هذا الاستعراض العابر لبدر، لنعلم كيف بدأت حكاية الغزوة ؟ ومن صاحب الحق فيها ؟

و لماذا بدر هي بدر؟ ولماذا سماها الله يوم الفرقان؟

 ولماذا كانت معركة بدر بهذا الحجم عند الله عزوجل؟

لنجد الإجابات على هذه التساؤولات من خلال وقفات من غزوة بدر تَدعُونا للتفكر :

الوقفة الأولى:

 لماذا سمية معركة بدر بيوم الفرقان؟ لأن هذا اليوم ما قبله ليس مثل ما بعده، ولأن في هذا اليوم فرق الله عزوجل فيه بين الحق والباطل، فكان أمر الله عزوجل

وخيرة الله أن تقوم هذه المعركة بكل هذه التفاصيل التي لم يستعد لها الطرفين .


الوقفة الثانية:

 هذا اليوم كان فيه شرف البدايات، وشرف التأسيس، ويعظم الشيء إذا جاء في وقت حاجته، وجاء على أهميته، فحينما يأتي شيء

خارج وقته لا يكون مهم ، فلو أتى إنسان اعتذر بعد أن انتهى الموضوع فالاعتذارات ليس لها معنى ،  ولو كنت بانتظار

اتصال  في وقت محدد لكن لم يأثي ثم أتى الاتصال متأخر ليس له معنى، وحينما تستند على شخص لكن هذا الشخص

لا يأتيك الا في وقت متأخر فليس له معنى، فيه أشياء كثيره في حياتنا حينما تأتي بعد وقتها ليس لها معنى، ولذلك  أهل بدر اصطفاهم

الله عزوجل ليكونوا هم الأشخاص المناسبين في الوقت المناسب وفي وقت الحاجة، و لذلك قال الله عزوجل :

(لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)

(١٠– سورة الحديد)

المقصود في الآيه هم الذين جاهدوا مع النبي عليه الصلاة والسلام وقد كانوا قلة مستضعفة بدون سلاح.

و لنتمعن رد الصحابي الجليل سعد بن معاذ حينما قال الرسول عليه السلام أشيروا علي أيها الناس ،فقال:

يا رسول الله أنا أجيب عن الأنصار، فسل يا رسول الله ما تريد، ووصل ما شئت واقطع حبل من شئت، وخذ من أموالنا

وأرواحنا ما شئت، واترك منها ما شئت، فوالله لو استعرضت بنا برك الغماد لاستعرضوا، وخضت فينا البحر لخضناه معك، إنا لصدق

في الحرب، صبر عند اللقاء،هذي الكلمات التي قالها سعد، هي من أجلها اهتز عرش الرحمن حينما مات ، ولأجله حضر جنازته

٧٠ ألف ملك، لسعد ابن معاذ الذي لم يكن عمره بالإسلام الا خمس سنوات فقط ، لكن  حياته حافله بالمواقف، وفي الأزمات تظهر المواقف، وفي وقت الضيق  تظهر فيها المعادن.

ولذلك هؤلاء الناس خذوا شرف البدايات، وخذوا هم شرف التأسيس، في أول معركة كانت بين الحق والباطل.

من أسلم قبل الفتح وجاهد  أعظم درجة ممن أسلم بعد الفتح، لأنه أخذ شرف البدايات، و شرف الخطوة الأولى بإنك أنت الأول

في مجتمعك الذي تغيرت، وأنت الأول الذي حاربت، ولذلك الله عز وجل لا ينسى هذا الشرف لهؤلاء.


لماذ يوم بدر يوم عظيم؟

لأنه يوم قلبت فيه الموازين لأن كل المؤشرات الدنيوية تقول أن الهزيمة للمسلمين ،أي خبير عسكري يدرس

أطراف المعركة الخسارة للمسلمين حتماً ! ، ولذلك عمر ابن الخطاب كان دائما يوصي أهل الجيوش ويقول: إنكم لا تقاتلون بعددكم، ولا بعدتكم، وإنما تقاتلون

بالإيمان الذي في قلوبكم

ولذلك إذا كنتم تتسألون ما هو السلاح الحقيقي؟

 هو الإيمان ورباطة الجأش والقلب المتيقن بنصر الله عز وجل. وهذا القلب إذا امتلأ بهذا اليقين لم يقف أمامه شيء ، ولذلك إذا كنا نريد أن نربي

أنفسنا على شيء فنربيها على هذا الإيمان بالله عز وجل من الداخل.


الوقفة الثالثة: معركة بدر كانت فيها رايتين و فريقين  

الرايتين والفريقين هي قصة حياتنا إلى يومنا الحاضر ،فالراية الأولى هي إبليس و أتباعه  ، فذهب إبليس بهم  

إلى أرض المعركة، و أول ما بدأت المعركة ورأى  إبليس الملائكة ومدد السماء ذهب موليا، فذهب  حتى غطس في البحر .

والراية الأخرى النبي عليه الصلاة والسلام ومعه جبريل و أتباعهم.

هذه الرايتين هي التي لا تزال مرفوعة إلى يومنا هذا ،فريق في الجنة و فريق في السعير، ويوم القيامة

لا يوجد أي مكان في المنتصف إما أن تكون أنت من أهل الجنة، وإما أن تكون من أهل النار، فحدد أنت تحت أي راية؟

ابليس أم محمد صلى الله عليه وسلم؟ و الإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.


الوقفة الرابعة: أن الظلم والجبروت تعمي أصحابها

فلما كان العقل الواعي في قريش كان أبو سفيان، وقال لهم: يا قوم لنرجع لا حاجة لسفك الدماء و القتل

فالقافلة سلمت، فكان الظلم والجبروت الذي كان في أبو جهل  جعله يقول لا، لا نرجع والله حتى إنا نضرب الطبول

ثلاثة أيام ونشرب الخمور وتعزف القيان، حتى يتسامع العرب، لأنهم كانوا يظنون أن المسلمين هم قلة قليلة .


الوقفة الخامسة:من أهم الدروس اللي علمنا إياها النبي

عليه الصلاة والسلام، بإنك تتشاور  ولا تتفرد في الرأي .

 فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، قاصية بمعنى التي ابتعدت ،ومشكلة هذا الجيل أن كل

واحد منهم يظن أنه لديه الرأي السديد وإني بحثت البحث الكافي لا حاجة لمشاورة من هو أكبر و أكثر خبرة

وهذا غير صحيح،انظروا إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهو المؤيد بالوحي ،في تخطيط غزوة بدر جلس

واطال في مجلسه وهو يقول أشيروا علي أيها الناس، ويسمع منهم.


الوقفة السادسة: اعدل ولو في أحلك الظروف

 شاهدوا هذا الموقف الذي حصل لما اصطف الصحابة للمعركة ، جاء النبي عليه الصلاة والسلام وكانت الخطة الحربية للنبي

عليه الصلاة والسلام أن يصف المسلمين صفوفاً، فواحد من الصحابة اسمه كان سواد ابن غزية ، سواد كان بارزا

بمعنى برا الصف، فعدله النبي ووجهه ثم رجع سواد خرج برة الصف فقال النبي له استوي يا سواد ، وتكرر الموقف للمرة الثالثة

وقال له النبي استوي يا سواد وكان مع النبي عليه السلام عصا فوكزه في بطنه ورجع للصف ، فسكت سواد

وقال يا رسول الله أوجعتني فأقدني بمعني دعني اقتص منك ؟فنظر الصحابة إليه! كيف تتجرأ وتقول

أريد أن اقتص من النبي عليه الصلاة والسلام؟و في توقيت أن ممكن أي لحظة يفاجئهم الكفار بالهجوم!

فقال النبي عليه الصلاة والسلام: فأقد يا سواد، وكشف قميصه وكشف له لأن بطن سواد كان مكشوف، فقال فخذ

(بمعنى اقتص مني)، فأقبل سواد فمرغ وجهه في بطن النبي عليه الصلاة والسلام وأقبل يقبله فنظر إليه النبي عليه الصلاة وسلم قال له مه؟

(أي ماذا تفعل!)قال يا رسول الله قد حضر ما ترى، والآن نحن نموت، فأردت أن يكون آخر ما يمس جلدي جلدك

يا رسول الله ،ركز على عدل النبي عليه الصلاة والسلام الذي لم يتهاون بهذه اللحظة، ولم يكن يريد أن يدخل المعركة  وعليه مظلمة لأحد ، ماهذا العدل حتى في أصعب الظروف.


الوقفة السابعة:  أن اعقلها وتوكل وخذ بالأسباب..
 حينما نقرأ في سورة الأنفال و تفسيرها وفي السيرة النبوية عن غزوة بدر، ستتعلم كمية التفاصيل التي فعلها النبي

عليه الصلاة والسلام من الأخذ بالأسباب، سواء من العيون التي أرسلها قبله، أو من معرفة أعداد الكفار

و الاستعداد لهم، فطوال الوقت النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن غافلا، وهذا شأن المسلم، وشأن المسلمين

أن لا يكونون غافلين، ولا تقول أني أنا شاب وبالتالي عادي أنا أعيش حياتي وما علي من أحد، و أهم شيء

ماذا أكل و أشرب ، ويروح عليك شبابك بمثل هذا الضياع ،لا تُستغفل ولا ترضى أيضا أنك تعيش

حياة المغفلين فإنما أحب شيء على أعداء الله عز وجل أن تعيش أنت مغفل سادر في غيك غير آبه بما يحصل، ولذلك كلما كنت

متيقظ كلما كنت فاهم، تمر بك أحداث الحياة وتمر فيك الأخبار، و أنت تسأل نفسك أنا الآن ما هو واجبي و دوري؟

وأنا الآن كيف أنصر دين الله عز وجل؟ وأنا بقدراتي ومكاني  و بشخصيتي أنا ماذا يمكن أن أفعل؟

الأهم  لا تكن غافلاً و تضع عقلك  خارج الحديث.


الوقفة الثامنة:  لا تستهين بالدعاء

بدأنا الدرس ونحن كنا نقول دعوة النبي عليه الصلاة والسلام وهي عليك بقريش عليك بقريش عليك بقريش بعدها قال

اللهم عليك بأبي جهل، ثم قال: اللهم عليك بعقبة بن أبي معيط، اللهم عليك في الوليد بن عتبة، فجاءت الإجابة بعد كم؟

بعد أكثر من إحدى عشرة سنة الى أن رأى وشفى صدر النبي عليه الصلاة والسلام حينما رأى مصارع

هذا القوم أمامه للذين آذوه، لذلك لا تستعجل بالدعاء، يستجاب لأحدكم ما لم يستعجل ،فلابد من رفع اليدين بالدعاء والدعاء يفعل ما لا تفعله الأسباب المادية.


الوقفة التاسعة: هو قول نأخذه من موقف سعد بن معاذ، أن هذا النصر والمجد والتاريخ

لا يكتبه الضعفاء ولا المنهزمين، لا يكتبه إلا الأبطال والشجعان، كلمات صحابي سعد للنبي عليه السلام التي قالها :

صل حبل من شئت، واقطع من شئت، وخض بنا ما شئت،هذه الكلمات لا يقولها إلا قلب شجاع فدى رسوله صلى الله عليه وسلم بماله ونفس، ولذلك كانت له هذه المكانة في الإسلام. 

موقف بطولي من طفلين في غزوة  بدر:

 يٌحدث عن هذا الموقف عبد الرحمن بن عوف يقول: بينما أنا واقف في الصف -الذي صفهم النبي عليه الصلاة وسلم

يوم بدر- نظرت عن يميني وشمالي ،فإذا أنا بغلامين صغيرين من الأنصار، فيقول : فبينما نحن في الصف

إذ غمزني أحدهم – قرب جنبه وغمزه-، فقال له: يا عم هل تعرف أبا جهل؟ فقلت نعم ما حاجتك به يا ابن أخي؟

قال: أُخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي

سواده حتى أقتله، فقلت له: إن رأيته  غمزت لك. يقول بعد قليل : فغمزني الثاني من جنبي الثاني قال: يا عم؟

قلت له: نعم، قال: تعرف أبا جهل ؟ وما حاجتك به؟ قال: عرفته وبلغني أنه يسب رسول الله، هؤلاء من الأنصار لم يروا

 أبو جهل، وعبد الرحمن بن عوف مهاجري من أهل مكة فيعرفه، يقول: فلما انطلقت المعركة وهم بجانبي، فمر أبو جهل فقلت:

دونكم الذي تطلبانه، يقول: فانطلقا كالنسرين، هذا عن يمينه وهذا عن يساره، فلم يجاوزاه حتى قتلاه. 

 أبو جهل المتغطرس الجبار يكون قتلته على غلامين من الأنصار صغار أسمائهم معاذ ومعوذ أبناء عفراء، إذا سمعتم عنهم.

وينشأ ناشئ الفتيان فينا                    على ما كان قد عوده أبوه

فتسلم الأم التي تربي، ويسلم البيت الذي يربي.

  نحن نقول عن الشباب والهشاشة النفسية والاكتئاب، والمدلع، والمترف، وأن هؤلاء الناس الذين كان يُراهن عليهم أن

جيل المسلمين في انحدار، هؤلاء المواليد الصغار  هم الذين يسطرون تلك الملحمة التي نشهدها في فلسطين، اسأل الله أن يسدد رميهم.


الوقفة العاشرة: أنه على قدر المؤونة تأتي المعونة، وعلى قدر الجهد يأتي المدد، ولا يجمع على عبد عسرين.

قال الله عز وجل: { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) 6)} [الشرح:5-6].

 وقف المسلمون ثلاثمائة تقريبا كأنهم حفاة كأنهم عراة،  والذي أمامهم جيش مدجج معهم مئتين سلاح، ومعهم ألف بعير، فلما وقف المسلمون

وصدقوا مع الله عزوجل واستغاثوا الله عزوجل نزلت إليهم الملائكة ونزل إليهم المدد، يقول الله عز وجل:

{إذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُنزَلِينَ (124) بَلَىٰ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ

هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125)}

[ آل عمران: 124-125] ،

 جاءتهم المدد من الملائكة للمسلمين  فتغير وجه النبي عليه وسلم لما نظر إلى السماء لأنه كان يرى ما لا يراه المسلمون فقال:

أبشروا هذا جبريل قد أتى والنقع على وجهه، النقع من الغبار، جاء بفرسه. جاءت الملائكة بخيولها بين السماء إلى الأرض تقاتل مع المسلمين في تلك اللحظة، فلما نزلت الملائكة معهم، 


الوقفة الحادية عشر:

 أن الله عز وجل يبارك في الجهد القليل، المسلمين كانوا قلة، ولذلك يقول الله عز وجل في سورة الأنفال

(وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (17)

إذن هي ما هي رميتك ولا جهدك، هناك أشياء كثيرة هي ليست بالجهد الأرضي ولا بالتخطيط الأرضي

هي لها مدد سماوي ولذلك الله عز وجل يأتي بمدد من من عنده ويبارك بجهدك القليل .


الوقفة الثانية عشر:أن الخيرة فيما يختاره الله والله عز وجل إذا أراد شيء هيأ أسبابه

قلنا في التفاصيل التي ذكرناها ، إن النبي عليه الصلاة والسلام لم يختار هذه المعركة، ولم يختار المشركون

أيضاً المعركة،  إذاً نحن نريد شيء والله يريد شيء، ولذلك لو انكشف لك ستار الغيب ما تمنيت غير المقدور

حتى لو الذي أنكتب هو إن أبوي يموت أو أنك أنتِ تصابين بشيء ، فلو أنكشف ستار الغيب و شفت قصة حياتك

كلها لين الآخرة ،والله ما تمنيتِ غير المقدور لكن لا يعرف ذلك إلا الذي لديه يقين بالله عز وجل وبحكمته وأن الله لا يختار إلا ما فيه مصلحة عبده.


الوقفة الثالثة عشر:  أن الذي يربطنا ببعضنا كمسلين هو رباط العقيدة لا غير.

 جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام في بدر فلما رآه المسلمون تهللوا الأنصار عرفوا هذا الرجل الذي أتى

من أشجع الناس  من الأوس والخزرج  و أكثرهم بطولة فتهللت وجوههم ، فجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام معه سلاحه

مدجج قال يا رسول الله أنا معك، قال: أأسلمت؟ قال: لا،قال: فإنا لا نستعين بمشرك فرجعه النبي عليه الصلاة والسلام ،فجاء مره ثانيه قال

يا رسول الله أنا معك( يريد القتال مع قومه الأوس والخزرج، فالفارس الشجاع لا يستطيع رؤية الحرب أمامه ولا يقاتل) ، قال له النبي عليه الصلاة والسلام:

أأسلمت؟ قال: لا، قال: فإنا لا نستعين بمشرك ينصرنا الله عز وجل ولو كنا قله، فذهب فلما جاء الرجل للقتال في المرة الثالثة قال له

النبي عليه الصلاة و السلام: أأسلمت؟ قال: نعم أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، قال: الآن نعم فقاتل معهم حتى قتل”.

 الآن هذا الرجل لم يُستعان به ولو كان معهم في الدم وفي اللغة وفي الجنس وفي الأرض وهو منهم ، لكن المسلمين الذي يربطهم

بين بعضهم لبعض هي العقيدة لا شيء آخر ولذلك قال الله عز وجل عنهم

((لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ

أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ))

المجادلة-22-

الوقفة الأخيرة:  أن الله  لا ينسى لك موقفك الأول ولا خطواتك الأولى

 في البخاري من حديث أنس أن أم حارثة بن سراقة جاءت إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقالت يا نبي الله: ، بعد ما انتهت المعركة

وانتصر المسلمين ما قتل منهم إلا ١٤ رجل فقط من ٣٠٠ و منهم الحارثة بن سراقة ” فقالت أم حارثة :

يا نبي الله لا تحدثني عن حارثه وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غرب “، سهم غرب بمعنى سهم جاءه وهو لم يكن أصلا في داخل

ساحة المعركة بل كان يعاونهم خارج ساحة المعركة قالت : ” وقد كان قتل يوم بدر أصابه سهم غرب فإن كان في الجنة صبرت

و احتسبت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء ” أي لو مات موته عاديه وراح علي ولدي فأنا بجتهد عليه بالبكاء

لكن لو كان هو في الجنة صبرت و احتسبت فقال” يا أم حارثه إن الجنة جنان وأن ابنك أصاب الفردوس الأعلى منها.

 ” قال ابن كثير معلق على هذا الحديث : لم يكن حارثة في بحبحة القتال ولا في حومة الوغى بل كان من من الناس التي تعمل

خارج ساحة المعركة فأصابه سهم غرب  ، فمنزلته  في أعلى الجنان في الفردوس الأعلى يقول ابن كثير :

فكيف بمن كان في ساحة الوغى وكيف بمن قتل شهيد وهو مقبل غير مدبر هؤلاء أين منازلهم عند الله عز وجل ؟

فالله لا ينسى وقفتك الأولى وهذا ما نركز عليه شرف البدايات

إنك أنت تكون مفاتيح الخير في مجتمعك وفي بلدك إنك أنتِ

تكونين مفتاح الخير في مجتمعك وفي أسرتك وفي المكان الذي أنتِ فيه ما تنتظرين أحد يكون هو الأول أنتِ تكونين أول النبي عليه الصلاة والسلام :

” إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق لشر فطوبى لمن كان مفتاح للخير مغلاق لشر ” .

قصة الصحابي حاطب بن أبي بلتعه

مرت السنين بحاطب بعد معركة بدر وحاطب بن أبي بلتعة كان من أولئك الذين شهدوا بدر ،فبعد سنوات طويلة من هذا الحدث

حصل من حاطب خطأ والخطأ هذه خطأ جسيل في عرفنا الآن و هو عباره عن خيانة لأسرار الدولة فكان النبي عليه الصلاة والسلام

سيغزو قريش في فتح مكة و قال : “خبأوا عن قريش “، فقام حاطب بن أبي بلتعة بتسريب هذا الخبر برسالة وأرسلها لقريش ولما وصل النبي عليه الصلاة والسلام

عرفوا الخبر وأوقفوا هذه الرسالة قبل أن تصل إلى قريش فجاء بحاطب قال : يا حاطب ما حملك على هذا ؟

 فجاء عمر بن خطاب غضبان ، وأول ما رأى حاطب بن أبي بتلعة قال يا رسول دعني فلأضرب عنقه ”  قال حاطب :

“إني لي فيهم عيال “بمعنى أنا عيالي هناك وإن أغلب الصحابة الموجودين عندهم قبائل في مكة ولهم اسم وأنا ما عندي أحد “

وأني اعلم والله يا رسول الله أن الله ناصرك “يعني ما عندي شك ” فأردت ان يكون لي بينهم يد ” بمعنى أفعل لهم معروف حتى يحمون عيالي

إذا دخلنا مكة، لكن ليس تكذيبا ولا خيانة وعمر بن الخطاب لم يعجبه الجواب قال : يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه فقال له النبي عليه الصلاة والسلام :

وما أدراك يا عمر لعل الله أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ، هذا الذنب العظيم من حاطب غفر له  بوقفته الأولى من سنوات طويلة،هذا الدين العظيم

وهذا الرب الكريم الذي لا ينسى لك وقفاتك الأولى يوم كنت تنزف و يوم كان ضعف المسلمين ويوم كان لا يوجد أحد أصلا يقول لا إله إلا الله

وكنتم قله مستضعفة ،حاطب كان من أولئك الأوائل الذين وقفوا تلك الوقفة ووقفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم 

في لحظة الأسى و الضعف وفي تلك اللحظة التي كانوا يقاتلون فيها لا يعلمون سيعيشون أم لا ، يحملون أرواحهم و أكفانهم

على أيديهم سمعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاء هذا الموقف بعد سنوات وظن عمر أن حاطب نافق

قال النبي عليه الصلاة و السلام وما أدراك يا عمر لعل الله أطلع على أهل بدر فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم يا لشرف البدايات

وما أعظم أن تكون أنت من الأوائل الذي لا يخافون في الله لومة لائم وما أعظم أن تكون أنت الأول في مجتمعك

وأن تكون الأول فيمن ينصر دينة لهؤلاء ، فبعد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم  بكى عمر وقال الله ورسوله أعلم ”

ويأتي خادم لحاطب بعد الموقف وقال له يا رسول الله إن حاطب بالنار قال: كذبت والله لا يدخلها لا يدخل النار أحد شهد بدر ولا الحديبية .

أين هي بدر التي سجلتيها بموقفك وكنتِ من الأوائل الذين سجلوها؟

وما هو الموقف وشرف البدايات وشرف التأسيس الذي تكون أنتِ معهم فيه من البدايات؟

 ولذلك سهل جداً إن الكل يؤمن لما كل الناس آمنت والكل يتغير لما كل الناس تغيروا والمجتمع يتغير.

 لكن من الذي يتغير؟ لما يكون الإسلام مستضعف و محارب، ولما يكون الإسلام مو حلو ، وما فيه حياة ولا فيه مستقبل لأولئك

الذين تغير من أنفسها، من الذي يفعل ذلك؟ إلا بقلب مستيقن بالله عزوجل.

ولذلك أم واحد من الشهداء الذين رأيناهم في شاشات التلفاز في الأيام الأخيرة يبشرونها باستشهاد ابنها

فكانت تقول وتزغرد بشهادة ابنها وتقول والله ما في قلبي شيء فداء للقدس فداء لفلسطين و تنتقلين من هذا المشهد إلى مشهد

آخر لأب كبير في السن يكلمه ابنه بالجوال وابنه قد أصيب بجراح عظيمة، و عرف الولد أنه سيموت فكلم والده و المكالمة مسجلة يستسمحه  و يقول سامحني أبوي ، فقال له الأب

 أذكر الله ، أذكر الله الله معك ، الله معك ! ما هذا الثبات ؟ و ماهذه  القلوب؟

 هؤلاء أُناس كانت تعرف شرف البدايات، وتعرف أنك أنت ما تقدمه لله عز وجل لا يضيع عند الله.

 فلكل المترددين ولكل المتأخرين على اتخاذ قرار مهم في حياتك ماذا تنتظر؟ لا يفوتك شرف البدايات لكل قدم خطوة

ولكل قلب استباق فلا تفوتك خطواتك ولا يفوتك سباق القلب .


تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.