بتاريخ ٠١ / ٠٤ / ١٤٤٥ هـ
لسماع المحاضرة صوتًا
( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )
نساء عزل، شيوخ وأطفال، أرواح تزهق، قذائف ترمى في كل مكان، عمائر تدك على ساكنيها، ومساجد تسقط على
رؤوس مصليها، ومدارس تخلو من دارسيها، جرحى هناك وهناك، وأسر تفقد بالكامل تحت الأنقاض، مقابر جماعية لأجزاء من أجساد مجهولين في الأرض معروفين في السماء.
غبار يملأ المكان بعد سقوط الأبنية، لا ماء لا طعام لا كهرباء، شعب يباد بأكمله على مرأى
ومسمع من العالم، جوع وخوف، وأقنعة تتساقط، وشعارات تتكشف، صوت الإنسانية الذي صدح في كل مكان يغدو الآن صامتاً، عالم السلام
ليس بالعالم الذي نعرفه، أين نحن من نداء لا فرق بين عرق ودين وجنس؟ لا مجيب!
القضية قضية عقيدة ودين لا قضية بلد يحارب لوحده بل قضية العالم أجمع، تشغلنا التساؤلات أين الله عز وجل؟ ما الذي يجري؟
ما ذنب هؤلاء الأطفال والنساء؟ هل من شيء يوقف نزيف الدم الذي نراه؟ كما قال الله عز وجل:
{وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}
(الأحزاب:١٠)
لا إجابة من بشر بل إجابة من رب البشر، واستضاءاتٌ بنور الوحي لنعرف البلاء، ونعرف كيف يمكن للإنسان الصبر عليه؟
وما الحكمة من وراء أوجاع تدك الجبال؟
هناك تسعة قواعد قرآنية في كتاب الله تدلنا وترشدنا على تساؤلاتنا، لكل منها سبب نزول إلا
أننا نستضيء بالعموم، ولنستذكر سوياً بدايات مكة وحصار النبي صلى الله عليه وسلم وبنو هاشم أجمع مسلمهم
وكافرهم من قبل قريش؛ للقضاء على دعوته؛ حتى لا يسلم الناس من جديد، فيحاصر الجميع في شعب ضيق، ويمنع عنهم
الزاد والزوار، لا أحد يبتاع أو يشتري أو ينكح ثلاث سنوات متتالية، فيبلغ الجوع أقصاه، حتى أن أحدهم يذهب لقضاء حاجته
فيسمع من تحته صوت أوراق شجر بعد قضاءه الحاجة فيأخذ بها ويمسحها ويعصرها في فاه من شدة ما يجد، إلا أن نخوة العرب
ومروءتهم آنذاك لم تطب في أفواههم الطعام والشراب ولا الثياب على أجسادهم وبنو هاشم محاصرين في شعب، فتنقض تلك الصحيفة
من قبلهم وهم الذين لا دين يربطهم ولا قرابة بينهم فكيف بإخوان لنا؟! إخوان دم وعقيدة ودين.
القواعد القرآنية التي تجيب على تساؤلاتنا
القاعدة الأولى: يقول الله عز وجل: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم}
(النور:11).
حادثة الإفك، وبيت النبوة، عرض رسول الأمة الذي لاك به الناس، تبكي زوجته عائشة حتى تفلق كبدها، ويبكي لبكائها أبوها خليل
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتتنزل آية تتلى من فوق سماوات سبع لتعلن براءتها لا في ذاك الزمان فحسب بل في كل زمان حتى قيام الساعة، فيقول الله عز وجل:
{لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم}
(النور:11)
فتأتي هذه القاعدة القرآنية دالة على أن كل وجع وألم تظن أنك كبشر لا تستطيع حمله تخبرك أن وراء هذا
الألم العظيم أمل أكبر، وأن ما تستضيق به لابد منه لمستقبل مشرق أكبر من ظنونك.
نرى على الشاشات ملء البصر أولئك الممددين من الشهداء نحسبهم عند الله عزوجل، نرى على الشاشات
ملء البصر أولئك الممددين من الشهداء نحسبهم عند الله عزوجل، منهم الأطفال، و النساء، والشيوخ، والرجال، لا نعرفهم ولكن
الله يعرفهم، يقول الله عز وجل فيهم: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران:١٦٩)
لا يرزقون فقط بل يقول الله على لسان حالهم:
{فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (آل عمران:١٧٠)
إذن من مات منهم ليس بميت بل أحياء يرزقون حالهم حال الفرح بما أوتوا مستبشرين لقوله عز وجل : {يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} (آل عمران:171)
فعدم قدرتنا على رؤية أجسادهم المبعثرة أشلاء، فلنعلم أن ذاك الجسد شهيدٌ بُشر بالجنة، ورأى مكانه بها
مع أول دفقة في دمه، ولم يجد من ألم الموت إلا كألم القرصة، وقد حلي بحلة الإيمان، ووضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير
من الدنيا وما فيها، وشفع لسبعين من أهل بيته، وأجير من عذاب القبر، وأمن الفزع الأكبر، أفتظنه بعد كل ذاك يود أن يعود بعدما رأى من نعيم؟!
معاناة أهل غزة
سبعة عشرة عاماً وأهل غزة محاصرون لا يدخل لهم حتى الماء النظيف، فهم أهل العزة والكرامة، وعلموا علم اليقين أن
لحريتهم ولأرضهم المسلوبة ثمناً غالياً فما كان منهم إلا أن باعوا أرواحهم وأراقوا دمائهم، فجميع من قُتل منهم
ولد وتربى لهذا اليوم، قضيتهم ليست بقضية أرض وحسب بل قضية عقيدة ودين، ولذا فإنهم علموا أنهم إن أبيدت بيوتهم
ودكت عليهم فلهم في الجنة بيوت لا تبيد ولا تدك، فلا تحسبوه شراً لكم بل هو خير.
القاعدة الثانية:
وهي مستقاة من قول الله عز وجل للمسلمين بعد غزوة أحد: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (آل عمران:١٣٩)
حزن المسلمون في غزوة أحد على الهزيمة، ولقتل سبعين من خيرة الصحابة من بني الإسلام في المعركة منهم حمزة عم النبي
عليه الصلاة والسلام، ومصعب بن عمير، فكان مُصاب عظيم على المسلمين.
يخبرهم الله أن لا مكان للحزن في قلوبهم ولا لخفض رؤوسكم، فيبشرهم سبحانه أن من مات منهم فهو شهيد، ومكانه ليس في القبر
بل في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ويستجيب لها الرحمن ما تمنت، تأوي إلى قناديل في عرش الرحمن، ولما تجد من حلاوة الكرامة
تتمنى لو تعود إلى الدنيا لا لقصورها ونعيمها، بل لتجاهد في سبيل الله مرة أخرى فتقاتل وتقتل.
قصة بلال الحبشي الخادم العبد لأمية بن خلف الذي ما أن علم بإسلام خادمه
حتى استأسد عليه منكراً إسلامه، بل منكراً عليه اتخاذه لقرار وهو الأحق أن يكون صاحب القرار، فما كان منه إلا تعذيبه
فأخذ يجره على رمال مكة الحارقة ويوقد الجمر تحت ظهره، ثم يأتي بأكبر الحجارة فيضعها على صدره ليذوب شحم ظهره، فلا يجاوز بلال رضي
الله عنه أن يردد أحد أحد، أحد أحد، وكلما ازداد عذاباً زاد ثباتاً، فلم يكن من ذاك العذاب الذي استمر لسنوات حتى أتى الله بنصره
ووعده للمؤمنين من عباده فيكون أمية بن خلف ذبيحًا تحت أرجل بلال في غزوة بدر، فيقتل بيد بلال في يوم حار ينتفخ فيه جثمانه
ويتعفن في حينها فما استطاع ذويه نزع الدرع الذي يرتديه بغير انتزاع لحمه معه، فلم يُقدر لهم سوى دفنه حاملاً درعه معه
يرمون الحجارة من فوقه، فكيف يقدر أن يموت أمية بجنس عذابه الذي عذب به أصحابه؟ لا عجب وحده القادر المنتقم العزيز الجبار، أبى إلا نصر
عبدٍ صبر عند ابتلاءه، فشفى الله صدره وأذهب غيظه بانتقامه له، ولذلك قال الله عز وجل:
{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ ويذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} (التوبة:١٤-١٥)
الصهاينة جبناء يستقوون من وراء جدر ومن فوق طائرات على مدنيين ضعفاء عزل غير قادرين
على الإتيان بمعركة متكافئة، رجل أمام رجل وسلاح أمام سلاح، ولا تسأل عن الجبان والضعيف حينما يستأسد على إنسان
مستسلم له كيف يكون جبروته عليه؟ لذا هؤلاء يرد عليهم بالند وبالقوة لقول الله عز وجل: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (الأنفال:٦٠)
ولا قوة فوق قوة القلب وقوة الدين، معهم السلاح والطائرات وأما المقاومين فمعهم إيمانٌ وعقيدة موصولةٌ بالله فمعهم جيشٌ لا يهزم
وقوة لا تغلب، وركنٌ لا يُضام، فتغشاهم وتظللهم السكينة، ويملؤهم الصبر، فمن ذا الذي يُهزم والله معه؟!
القاعدة الثالثة:
يقول الله عزوجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض} (التوبة:٧١)
وما للمؤمن قيمة إن لم ينصر أخوة له يبادون ليلاً ونهاراً أمام مرأى من عينه، ونحدث أنفسنا ماذا أفعل؟
فلتعلم أن نصرتهم حق عليك، وأن الله كتب الخذلان على من لم ينصر أخ له في الله مصداقاً لقول رسوله عليه الصلاة والسلام:
(ما مِن امرِئٍ مُسلِمٍ يَنصُرُ امرأً مُسلِمًا في مَوطِنٍ يُنتَقَصُ فيه مِن عِرضِه، ويُنتَهَكُ فيه مِن حُرمَتِه، إلَّا نَصَرَه اللهُ في مَوطِنٍ يُحِبُّ فيه نَصرَه)
وقوله عليه الصلاة والسلام: (مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ
إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى) صحيح مسلم
فمن صميم عقيدة الإسلام الولاء والبراء، أن توالي في الله ولا تخذلهم، وتقدم كل ما في وسعك أن تقدمه، وقال الله عز وجل:
{الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِير} (الأنفال:73)
مصداقاً لقول الله رأينا كيف تداعى الكفار بعضهم لبعض، وكيف منع إبراز علم دولة فلسطين، وكيف أصبح ذاك العلم المعترف به
في هيئة الأمم المتحدة جريمة لا تغتفر ومدعاة للغضب وضد جميع الحقوق الدولية وليس هو بعلَم حركة ولا حزب ولا إرهاب بل دولة، وهم الذين كانوا ينادون
بحرية التعبير، وبلاده هي ذاتها البلاد التي نادت بحق الشذوذ، وشوارعهم هي ذاتها الشوارع
التي امتلأت بهم لنصر قضاياهم، تمنع الآن أي مظاهر لنصر فلسطين وشعبها وذاك ليس إلا لأنهم بعضهم أولياء بعض فصدق الله، فإن تناصروا هم على الباطل
فنحن أولى بنصرة الحق، ولذا وجب علينا نصرتهم بكل الطرق الممكنة.
القاعدة الرابعة:
يقول الله عزّ وجل {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ} (آل عمران:160)
لن يغلب جيش الله ولن يؤتى نصر بغيره مصداقاً لذلك قوله عز وجل: {وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ،} (آل عمران:160)
في غزوة الأحزاب حوصرت المدينة من قبل قريش واليهود والمنافقين وقبائل من غطفان وبنو سُليم، أكثر من عشرة آلآف مقاتل بعدتهم وعتادهم، وقد كان عدد المسلمين في المدينة
بنسائهم وأطفالهم والصحابة الكرام رضوان الله عليهم لا يتجاوزوا الثلاثة آلآف، حينها فتح الله على النبي صلى الله عليه وسلم
وصحبه حفر الخندق، فتعيقهم صخرة كؤود ما فتّتتها المعاول، فـاستفزعوا بالنبي عليه الصلاة والسلام، فجاء فأخذ المِعْوَلَ فقال:
(بسمِ اللهِ، فضرب ضربةً فكسر ثُلُثَها، وقال: (اللهُ أكبرُ أُعْطِيتُ مَفاتيحَ الشامِ) واللهِ إني لَأُبْصِرُ قصورَها الحُمْرَ الساعةَ، ثم ضرب الثانيةَ فقطع الثلُثَ الآخَرَ فقال:
(اللهُ أكبرُ، أُعْطِيتُ مفاتيحَ فارسٍ) واللهِ إني لَأُبْصِرُ قصرَ المدائنِ أبيضَ، ثم ضرب الثالثةَ وقال: بسمِ اللهِ، فقطع بَقِيَّةَ الحَجَرِ فقال:
(اللهُ أكبرُ أُعْطِيتُ مَفاتيحَ اليَمَنِ) واللهِ إني لَأُبْصِرُ أبوابَ صنعاءَ من مكاني هذا الساعةَ) أخرجه النسائي، أكبر ثلاث امبراطوريات موجودة في ذاك الزمن
يعد الله رسولَه بفتحها، وتمر بعدها عشر أيام صعاب على المسلمين تجمع فيها الصلوات، ولا تؤدى إلا صلاة الخوف لصعوبة الأمر وشدته، ويقول الله عزّ وجل فيمّا عاشوه:
{إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} (الأحزاب:10)
لحظات عصيبة وتضييق على المسلمين تجعل كل من هم دونهم يجهل ماذا سيكون غداً، هل هو نهاية الإسلام
وأنها آخر أيامه، لكن اليقين يملأهم ويزيدهم إيماناً كلما اشتدت عليهم، فيقول الله عزّ وجل عنهم: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا
اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} (الأحزاب:22)، إلا أن المنافقين قاموا بدورهم في نشر زعزعتهم بقولهم
محمداً يعد بكنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يستطيع أن يعود لبيته في قضاء حاجته، ويذكر الله قولهم في كتابه: {مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} (الأحزاب:12)
وبعد أن امتلأت قلوب المؤمنين بالإيمان، وملئت قلوب المنافين بالشكوك، أتى نصر الله بأضعف جند من جنوده، فينصرون بريح، ريح كفأت خيامهم
وقدورهم عليهم فما استطاعوا البقاء بأرضهم، ويقول أبو سفيان في ذاك اليوم: ”هذه ليست بأرض مقام، إني مرتحل فارتحِلوا“
وانتصر المؤمنون، ويقول الله عز وجل: {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ،} (آل عمران:160)
القاعدة الخامسة:
قال الله عز وجل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (غافر:٦٠)
الدعاء هو العبادة فلا تستهن به، وليكن دعائك دعاء ثكلى لا دعاءً بارداً أو جافاً، اجعلهم في صلاتك، خصهم في سجودك ووترك، لا تغفل عنهم
فخذلان للمسلمين أجمع أن يمر يومٌ لم تشملهم كلماتك، وإن لم تنصرهم بالدعاء فبم تنتصر؟
القاعدة السادسة:
يقول الله عز وجل: {وليعلمن ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَلَیَعۡلَمَنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ} ( العَنكَبُوت:١١)
حرب فاضحة كاشفة تمايزت فيها الصفوف ما بين منافق وكافر، وما بين مؤمن و صادق ومتخاذل، يردد لسان حالهم:
ما نفع الفلسطينيون صنيعهم هم من لا يستطيعون تحرير أرضهم، ويرد الله بقوله: {أُذِنَ لِلَّذِینَ یُقَـٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُوا۟ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِیرٌ (٣٩) ٱلَّذِینَ أُخۡرِجُوا۟ مِن دِیَـٰرِهِم
بِغَیۡرِ حَقٍّ إِلَّاۤ أَن یَقُولُوا۟ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضࣲ لَّهُدِّمَتۡ صَوَ ٰمِعُ وَبِیَعࣱ وَصَلَوَ ٰتࣱ وَمَسَـٰجِدُ یُذۡكَرُ فِیهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِیرࣰاۗ وَلَیَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُۥۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ}
( الحَجِّ: ٣٩-٤٠)
وليعلم من يخذل أخاه أن لسان حاله كلسان حال المنافقين، قال تعالى:
{ٱلَّذِینَ قَالُوا۟ لِإِخۡوَ ٰنِهِمۡ وَقَعَدُوا۟ لَوۡ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا۟ۗ قُلۡ فَٱدۡرَءُوا۟ عَنۡ أَنفُسِكُمُ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ} (آلِ عِمۡرَانَ:١٦٨)
أيترك اليهود والأرض مغتصبة؟ أيترك أقصى اقتحموه واستوطنوه ولطخوه بدناستهم ودناءتهم؟
من له إن لم نكن نحن؟ التمايز والثبات في الشدائد وإلا لتشابه الناس، ويقول الله عز وجل في ذاك:
{وَلَیَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَلَیَعۡلَمَنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ} (العَنكَبُوت:١١)
تذكر أن نصرهم محتوم بوعد من الله! واسأل أي الفريقين أنت؟ كن للحق ناصراً ومعيناً، ولتكن ممن قال الله فيهم:
{وَلَیَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُۥۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ} (الحَجِّ:٤٠)
القاعدة السابعة:
في قول الله عز وجل في سورة الإسراء: {سُبۡحَـٰنَ ٱلَّذِیۤ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ ليلاً مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا
ٱلَّذِی بَـٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِیَهُۥ مِنۡ ءَایَـٰتِنَاۤۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ} ( الإِسۡرَاءِ:١)
هناك علاقة وطيدة بين مسجد الله الحرام والمسجد الأقصى، فقد اختاره الله لتكون حادثة الإسراء والمعراج لا من مكة
والمدينة بل من الأقصى؛ ليبقى الأقصى عقيدة في قلوبنا، فيسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم وتربط دابة البراق في حائط المسجد، ويؤم عليه الصلاة والتسليم كل الأنبياء السابقين.
علم إسرائيل ذاك الذي يحمل في طياته خطين أزرقين ونجمة داوود يعني ما بين النهرين من النيل إلى الفرات، وهذه هي خريطة
إسرائيل الكبرى، كل الأراضي العربية، فلسطين ليست هدفهم بل هي بداية لطريقهم، وغزة وأهلها عقبة تقف أمامهم ويودون اجتيازها
ليكملوا ما ورائها، عندما نعرف هذا الشيء نعرف أن الله عز وجل هو القائل: {وَلَا یَزَالُونَ یُقَـٰتِلُونَكُمۡ حَتَّىٰ یَرُدُّوكُمۡ عَن دِینِكُمۡ إِنِ ٱسۡتَطَـٰعُوا۟} (البَقَرَةِ:٢١٧)
فهم لا ينقمون من المسلمين إلا لكونهم مسلمين، فالمعركة معركة عقيدة وليست معركة أرض وجنس.
القاعدة الثامنة:
يقول الله عز وجل: {إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِینَ ٱتَّقَوا۟ وَّٱلَّذِینَ هُم مُّحۡسِنُونَ} ( النَّحۡلِ:١٢٨)
قاعدة شرعية تنص على معية الله لكل من اتقى وأحسن.
رحمة الله عز وجل هذه لها حكاية نزلت على إبراهيم عليه السلام وهو يلقَى في النار فكانت برداً وسلاماً، ونزلت على يوسف في الجُبِّ
وهو طفل محاصر في ذلك البئر، فطمأنت قلبه الصغير.
القاعدة التاسعة:
حين يراودنا سؤال العجز ماذا نفعل؟
الجواب في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ} (سورة الرعد:11)
فإن أردت التغيير فلتبدأ بنفسك، ولتكن مؤثراً لا متأثراً، انظر إلى نفسك وانشغل بشيء من أمر الآخرة، ولا تكتف بملاحقة صورهم
وأخبارهم بل حرك الإيمان في قلبك وعش آلآمهم، انشر قضيتهم، مد لهم يد العون بما تستطع وبما تملك من قدرات، كن مسؤولاً عن توعية
من حولك بالقضية بكل ما تملك من لغات، كن أنت التغيير فلا تخذلهم بذنبك فذنبك هنا خذلان لهم هناك، وإن لم نتغير فكيف للأمة أن تنتصر.
سألت عائشة رضي الله عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنهلك وفينا الصالحون؟
قال النبي عليه الصلاة والسلام: نعم إذا كثر الخبث). أخرجه الترمذي
فإذا كثرت الذنوب المتصاعدة إلى السماء نزل الغضب والسخط من الله عز وجل على هذه الأمة، ولن يرفع بغير توبة، ولذا كان الكل مسؤولاً
أن ينظر لنفسه كيف له أن يرفع توبته ويمتنع عن ذنب يجلب الهلاك؟
الآن وليس غداً، تغير وأرضِ الله، واستجلب رحمته بصلاحك ودعائك .
ما هو ثمن توبتك الذي ستقدمه هنا ثمناً لإخوانك هناك؟ هم الذين قدموا دمائهم في سبيله.
في قول تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (سورة الأنفال:٦٠)
يتبادر في الأذهان أن القوة هي الرمي والسلاح والجهاد، وهذا صحيح، لكن القوة الغالبة هي قوة القلب واليقين، فما يفعل السيف
في يد جبان، وما يفعل السلاح في قلب ضعيف؟! إن القوة الحقيقية الواجب أن تُعدّ هي قوة الإيمان، وإن ظننت أنك في منأى
فلست بذاك، فالأيام دول، والعجلة تدور ولا تترك أحدا، فلا ضمان لكل ما هو آت.
نختبر الآن ونُبتلى لنمكن وننتصر، ابتلاؤهم ليس كابتلائنا، ابتلائهم في الداخل صبرٌ وثباتٌ عند الألم
والجوع والفقد، أما ابتلاؤنا فنصرهم وتأييدهم والدعاء، لهم وكل منا يُختبر على حسبه.
ستسأل: كيف نصرت المسلمين والقضية؟ وكيف نصرك في ذاتك وبيتك وكل من أحاط بك؟ أيتها الأم تختبرين في تربية أولادك، أيها المعلم
تختبر في تربية طلابك، أيها الموظف تختبر في وظيفتك ومع زملاءك، وكل واحدٍ منا يختبر فيمن حوله ومن معه وإن كانت نفسه.
موعودون بنصر الله بعد المقاتلة بيننا على لسان نبينا عليه الصلاة والتسليم: (لا تقومُ الساعةُ حتى يقاتلَ المسلمون اليهودَ ، فيقتلُهم المسلمون
حتى يختبيءَ اليهوديُّ من وراءِ الحجرِ و الشجرِ، فيقولُ الحجرُ أو الشجرُ: يا مسلمُ يا عبدَ اللهِ هذا يهوديٌّ خلفي، فتعالَ فاقْتلْه. إلا الغَرْقَدَ، فإنه من شجرِ اليهودِ) الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني،
لذا لم يكن من اليهودي الضعيف الخائف إلا أن يزرع الغرقد في الشوارع، ذلك لأنهم آمنوا بموعود ونحن مؤمنين به من قبلهم.
الشباب الذين يردد الآن ”جدي عاش النكبة، وأبي عاش النكسة، وأنا سأعيش التحرير بإذن الله” عرف
سنن الله عز وجل حق المعرفة، وأيقن أنه وإن طال العمر أو قصر فماهي إلا سنوات قلال باتت أقرب ما تكون، لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة،
وتقام الصلاة بإذن الله في المسجد الأقصى محرراً عزيزاً مطهراً من هؤلاء اليهود المغتصبين.
فلسطين قضية رويت بدمائهم، اروها معهم بدعائك، وإصلاح حالك، وانصر الله ينصرك.
تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.