بتاريخ ٢٣ / ١٠ / ١٤٤١ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )

انتهى موسم الطاعات وعدنا لحياتنا وعدنا إلى زحام الأخبار وغيرها، فهنالك أُناس انشغلوا بأرقام انتشار الوباء والأحداث ، وانشغلوا هل هذه لعبة كبيرة أم حرب بيولوجية أم نهاية العالم !! 

وفي هذه المناوشات يجب أن نعلم أننا نحن ما بين موقفين: 

الموقف الأول: أنك لا تحمل نفسك همًا قد تكفل الله به

لقد وصف الله مكر هؤلاء، قال الله تعالى: ” وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا “(سورة نوح:٢٢)

كُبَّار: صيغة مبالغة بأن مكرهم كبير، وصف الله عز وجل بأن مكرهم تزول منه الجبال أي حتى الجبال الكبيرة الرواسي تزول من مكرهم، فهم يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، ثم الله يجيب عن هذا كله بآية واحدة

 قال تعالى:” قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوقهم وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ”(سورةالنحل:٢٦)

الموقف الثاني: أن تنظر للأمور بالمنظار الذي أمرنا الله أن ننظر فيه 

يُصاب الناس من البلاء والوباء والحروب وغيرها من هذه الأشياء التي تهمنا جميعًا فيجب أن يكون موقفك كما قال الله تعالى: ” ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ “(الروم:٤١)

الآية التي بعدها يرشدنا الله إلى التصرف الصحيح بقوله تعالى: ” قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ ۚ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ ” (الروم:٤٢) 

وماذا نفعل يارب بهذه الابتلاءات؟، قال تعالى:” فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ۖ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ”

إذًا لا تتوجس خيفة ولا تشعر باليأس والقنوط هناك شيء يجب أن تفعله وهو أن تقوم ببناء نفسك.

كيف يكون بناء النفس؟

بناء نفسك يحدث في أن تتحول من إنسان متأثر إلى إنسان مؤثر، من إنسان مُقاد إلى إنسان قائد. وهذا التحول هو جزء من مسؤوليتك تجاه نفسك وتجاه مجتمعك.

قال تعالى: “إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ “(الرعد:١١)

لا تسمح لنفسك أن تغرق في دائرة الاهتمام دون دائرة التأثير أو العكس

 ما هي دائرة الاهتمام وما هي دائرة التأثير؟

دائرةالاهتمام: تشغل كل ما نهتم به، من أخبار اجتماعية إلى اهتمامات شخصية وظروف ليس لنا سيطرة عليها. 

أمادائرةالتأثير: فهي تشغل كل ما هو مهم لبناء دينك ونفسك وعائلتك ومجتمعك. فدائرة التأثير تشتمل على الأشياء تستطيع أن تغير فيها 

وتحقيق التوازن بينهم مطلوب.

لم التربية الذاتية مهمة؟

١.لأنه في كتاب الله وسنة ﷺ نبيه أن مبدأ المسؤولية لدينا مسؤولية فردية

قال تعالى: ” كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ “(المدثر:٣٨)

لا ترمي مسؤولياتك على أي أحد،ولا تتعذر بالمجتمع الذي أنت فيه، هذه أعذار غير حقيقية، ليس بينك وبين الله عز وجل أي عذر. 

٢.حسابنا يوم القيامة حساب فردي.

قال الله تعالى: “وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا”(مريم:٤٥) 

٣.لأن الإنسان أعلم بنفسه؛ فلا أحد يعلم نقاط ضعفك وقوتك ولا أحد يعلم خلواتك بينك وبين الله إلا أنت ولا أحد يعلم ما الذي يدور في خاطرك وقلبك إلا الله وأنت. 

٤.الهدى ينزل للجميع، والبلاغ يأتي للجميع لكن وحدك أنت من تقرر كيف تتفاعل مع هذا الهدى المنزل عليك، قال تعالى: “فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ“(الرعد:٤٠)

الهُدى ينزل على الجميع والناس في ردود أفعالهم إلى ثلاثة، ما هي؟

١/أرض نقية طاهرة قبلت الماء تغيرت وأنبتت العشب والكلأ الكثير، فهذا أحسن لنفسه ولربه. 

٢/أرض أخرى لم تتغير فلم تُنبت عشب ولا أثمرت لكنها فعلت خيرًا بأنها أمسكت الماء، فأتى الناس والبهائم واستفادوا من هذا الماء، مثل من يُعلم و يحسن للناس ولم يحسن لنفسه.

٣/قِيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، يدخل الماء من جهة ويخرج من الأُخرى، فهذا كمن لم يُغير شيئًا في الحياة ولم يَتغير. 

 من أين أبدأ؟ 

حتى تكون إنسان متوازن لابد أن يكون لك   

أركان متوازنة مهمة، وهي:

أي إنسان يريد أن يُصحح من مسار حياته أو يبني حياته من جديد ليرضى الله عز وجل عنها فيحبه الله ويثني عليه، فيجب أن تكون هذه الأركان حاضرة لديه في عين الاعتبار. 

حياتك لا يمكن أن تتوازن إذا طغى ركنًا على الآخر، يجب أن تكون متوازية متعادلة كلها. 

فصّل وقتك كاملًا لتعلم ما يشغل بالك، وقسم كم تأخذ منك هذه الثلاثة لتعلم كيف تسير حياتك!!

الركن الأول: العلم

الإنسان دائمًا عدوّ ما يجهل، فلن يستطيع أحد منا أن يغير في حياته لو لم يكن يستند إلى المعرفة والعلم ولم يعلم أجر ما يعمل. 

  • اقرأ: في كل مرة تقرأ ستجد أنك تُعلّم نفسك وأنك تتعلم دروس في الحياة. 
  • غيّرمدخلاتك حتى تتغير مخرجاتك:إذا أردت أن تبني نفسك وأن تتغير يجب أن تُغير مدخلاتك والتي تتشكل في معرفتك لله عزو جل وسنة نبيه ﷺ، واعلم أن الذي يريد الشيء سيحصله لا محاله.
  • أسأل نفسك عن المحطات المهمة في حياتك: ما هي الأمور التي تشعر أنك غير راضٍ عنها؟ ما هو الأمر الذي إذا غيرته ستكون حياتك أفضل؟ ما الشيء الذي ليس لديك قناعة كاملة فيه أو تظن أن قناعتك غير مؤسسة على شيء متين؟ تعلّم الشيء والاقتناع فيه يجعلك تُدافع عنه.
  • احرص على أن يكون لك صحبة صالحة: لابد أن يكون لك حلقة ذكر لله عز وجل، حلقة تتعلم فيها العلم النافع وتتدارس فيها القرآن والسنة، وسيبدأ منظورك للحياة يختلف.

مقترحات لما يمكن تدارسه

  • كتاب تفسير للشيخ السعدي : 
  • https://bit.ly/2zNNy2i
  •  قراءة في حديث النبي ﷺ : 
  • قناة عليكم بسنتي | https://t.me/AlaykomSunnati 
  • قراءة سيرة ﷺ: 
  • https://bit.ly/2YZFMeu
  •  مقاطع صوتية لشرح التوحيد للشيخ ابن العثيمين: https://bit.ly/2CuhlOJ 
  • مقاطع شرح  كتاب رياض الصالحين للشيخ خالد السبت: https://youtu.be/OqR8utAVcS8 
  • سلسلة أعمال القلوب للشيخ خالد السبت: 
  • https://youtu.be/_91eiQBoVjU
  • لا تقبل أن تعيش بمُسلّمات تعودت عليها ولا تعرف مصدرها لا تتعود على الذنب لأنك كبرت عليه وأصبح متفشي في المجتمع ..

لا زال في العمر بقية ولا زلنا نستطيع التغيير

الركن الثاني: العبادة

عندما نتحدث عن العبادة فسنتحدث عنها من خلال عدة أركان رئيسية، وهي:

١- أن نعرف العبادة التي سنقوم بها.

٢- أن نعرف فضل هذه العبادة. 

٣- المسارعة إلى عمل العبادة، قال  تعالى “وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا  السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ”(آل عمران:١٣٣)

عندما تجد نفسك تُطاوعك وتريد الإقدام على الطاعة لا تؤخرها، لا تعلق عمل الخير على شيء.

٤- التنويع في العبادات، قال النبي ﷺ: “مَن أنْفَقَ زَوْجَيْنِ في سَبيلِ اللهِ نُودِيَ في الجَنَّةِ: يا عَبْدَ اللهِ، هذا خَيْرٌ، فمَن كانَ مِن أهْلِ الصَّلاةِ، دُعِيَ مِن بابِ الصَّلاةِ، ومَن كانَ مِن أهْلِ الجِهادِ، دُعِيَ مِن بابِ الجِهادِ، ومَن كانَ مِن أهْلِ الصَّدَقَةِ، دُعِيَ مِن بابِ الصَّدَقَةِ، ومَن كانَ مِن أهْلِ الصِّيامِ، دُعِيَ مِن بابِ الرَّيّانِ.“ المصدر : صحيح مسلم.

٥-الاستمرار على هذه العبادات، قال الله تعالى في حديث قدسي: 

”ما تقرَّبَ إليَّ عبدٌ بمثلِ أداءِ ما افترضتُه عليه، ولا يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافلِ حتى أحبَّه”

٦-الاجتهاد بالعبادات، نحن لا نعرف مع من نتسابق، فأحياناً نرضى على أنفسنا ونظن أننا على خير كثير، وفي أثناء ظننا هذا يكون غيرنا سبقنا إلى الله بمراحل كبيرة.

٧-استدراك ما فات، قال النبي ﷺ:” من نام عن حِزْبِهِ من الليلِ، فقرأهُ فيما بينَ صلاةِ الفجرِ والظهرِ، كُتب له كأنه قرأهُ من الليلِ”

الراوي: عمر بن الخطاب|  المصدر : البحر الزخار.

الركن الثالث: العمل

العمل هو أمر بينك وبين الله.

لا خير في صلاة أو صيام ولا في تغيير هيئتك إذا لم ينهك ذلك عن الظلم أو الفحش ولا عن الحرام فليست القضية في تغيير الظاهر دون الباطن ولا في تغيير الباطن دون الظاهر،هي شقين يجب أن يكونا متوازيين وهذا حال المسلم أن يتزن الظاهر والباطن.

قال النبي ﷺ :”إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنسانٍ، مِنْ بني آدمَ علَى ستينَ وثلاثَمائةِ مِفْصَلٍ، فمَنْ كبَّرَ اللهَ، وحمِدَ اللهَ، وهَلَّلَ اللهَ، وسبحَ اللهَ، واستغفرَ اللهَ، وعزلَ حجَرًا عنْ طريقِ الناسِ، أوْ شوْكَةً أوْ عَظْمًا عَنْ طريقِ الناسِ، وأمَرَ بمعروفٍ، أوْ نهى عن منكَرٍ، عدَدَ تِلْكَ الستينَ والثلاثمائةِ السُّلامَى، فإِنَّه يُمْسِي يومَئِذٍ وقدْ زَحْزَحَ نفَسَهُ عنِ النار.“ المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع

إذًا العمل ليس له باب واحد بل له أصناف كثيرة، لكن المهم أن تحسب النية في كل عمل.

والقصد ليس أن تعمل فقط! ولكن أيضًا أن تدعو إلى ذلك العمل؛ لأن الله أمرنا أن ندعو إليه حينما قال تعالى: “كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه“

 (آل عمران :١١٠)

لا تنتظر أن تصل إلى الكمال حتى تبلغ وتدعو إلى دين الله عزّ وجل! 

ولا تنتظر أن تكون أفضل إنسان لتبدأ بتحويل الأراضي القيعان إلى الأراضي المثمرة التي تنبت الكلأ..

اعمل وأصلح نفسك، وحاول أن تصلح من غيرك. فليس من الخير أن تعرف الخير وتكتم العلم لنفسك، وتقول: عليّ نفسي، ولا شأن لي في أحد، قال ﷺ: “لا تحْقِرَنَّ من المعرُوفِ شيْئًا“

 أخرجه مسلم (٢٦٢٦)

مراتب جهاد النفس

ذكر ابن القيم في المجلد الثالث في زاد المعاد عن مراتب جهاد النفس الأربعة، وهي:

  • الأولى: أَنْ يُجاهِدَها على تعلُّم الهُدى، ودين الحق الذي لا فلاح لها، ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به، ومتى فاتها عِلمُه، شقيت في الدَّارين.
  • الثانية: أن يُجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرَّدُ العلم بلا عمل إن لم يَضُرَّها لم ينفعْها.
  • الثالثة: أن يُجاهدها على الدعوة إليه، وتعليمِهِ مَنْ لا يعلمهُ، وإلا كان مِن الذين يكتُمون ما أنزل الله مِن الهُدى والبينات، ولا ينفعُهُ علمُهُ، ولا يُنجِيه مِن عذاب الله.

فلا تعتذر أن تبلغ بسوئك الصلاح لغيرك، قال النبي ﷺ :”فرُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعَى من سامِعٍ” أخرجه الترمذي

ولا يعذرك أيضًا أن تقتنع بسوئك وتقول يكفي أن يهتدي الناس بي، فذنوب الخلوات قد تهلك كل الحسنات التي تجري لك.قال ﷺ: “لكنَّهم أقوامٌ إذا خَلْوا بمحارمِ اللهِ انتهكُوها” صحيح ابن ماجه

  • الرابعة: أن يُجاهِدَها على الصبر على مشاقِّ الدعوة إلى الله، وأذى الخلق، ويتحمَّل ذلك كله لله. فإذا استكمل هذه المراتب الأربع، صار من الربَّانِيينَ، فإن السلفَ مُجمِعُونَ على أن العَالِمَ لا يَستحِقُّ أن يُسمى ربَّانيًا حتى يعرِفَ الحقَّ، ويعملَ به، ويُعَلِّمَه، فمَن علم وَعَمِلَ وعَلَّمَ فذاكَ يُدعى عظيمًا في ملكوتِ السماوات.

مختصر حديثنا هذا يتمثل في سورة واحدة في القرآن الكريم وهي سورة العصر، قال تعالى:” وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)”(سورة العصر)

اعملوا بالإيمان وتعلموه وعلموه وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، وتذكر بأنه لا يمكن للإنسان أن يدعو إلى دين الله وإلى دين الحق ثم لا يصاب له الأذى من الناس 

ختامًا ..

لم يعد العالم بحاجة لمزيدٍ من النسخ 

أحـدث فـرقًـا، اصـنَـع مجـدًا، شـرّف أمـة.


تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.