بتاريخ ٢٤ / ١١ / ١٤٤٤ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )

بسم الله الرحمن الرحيم

أفضل أيّام الدنيا

إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلّا الله وأنّ محمدًا عبده ورسوله.

الإنسان بطبيعته خلقه الله عزّ وجل ما بين مدّ وجزر، لا يستقيم على حال واحد، فأحيانًا تجري بطاقة إيمانية عالية

تشعر أنّك ستغير الدنيا بأكملها، وتمرّ عليك فترات تشعر أنّك كالريشة بالكاد بالكاد تمنع نفسك عن الحرام وليس بينك وبينه إلّا شعره، وتمرّ بك في هذه الدنيا

لحظات سرور وسعادة ولحظات حزنٍ وانكسارٍ وتضاؤل، وهكذا الدنيا ما بين علوٍ ونزول، والله عزّ وجل يعلم حالك ويعلم أن هذه هي طبيعتك وأن ما منّا

إنسان يبقى على حال واحد، فمِن منّته عزّ وجل لم يجعل مواسم الخير موسمًا واحدًا في السنة كلها وإنّما فرّق هذه المواسم ليحتويك في كل لحظة من لحظات حياتك، فاللحظات الّتي ربّما تكون فيها محلّق إيمانيًا

يأتي رمضان فيرفعك، ولحظات ضعف إيمانك تأتيك عشر ذي الحجّة تنتشلك من الحالة الّتي كنت فيها رحمةً ومعية .

فنحن مقبلون على موسم طاعة عظيم بقسم من الله عزّ وجل، قال تعالى: ﴿وَٱلۡفَجۡرِ ۝١ وَلَيَالٍ عَشۡرٖ ۝٢

(الفجر) وبشهادة النّبيّ -عليه الصلاة والسلام- حينما قال: “ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ . قالوا :

يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجل خرج بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ”

(رواه عبدالله بن عباس).

بعد هذا الحديث نتساءل لماذا هذا التعظيم لعشر ذي الحجّة؟

لأنّها عشر الحُجاج ولأنّ فيها أعظم أنواع المناسك فيها طواف القدوم وسعي الحج، وفيها يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر، وفيها أنواع من المناسك عظيمة لا تكون إلا للحاج ويفوز فيها أهل الحج. لكن ماذا عن النّاس الّتي لن تحج؟ جعل الله عزّ وجل لهم هذا الموسم يشتركون فيه مع الحجيج بأبواب من الخير مفتوحة، يقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-:

ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ .” دقّقوا بالألفاظ لأن جزء من الشيء الذي يجعل الإنسان

يعمل معرفته ماذا سُيقبل عليه، “ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ ” يعني أي عمل ستعمله في هذه الأيّام هو من الفضائل الّتي يُحبها الله عزّ وجل

من عبده خصوصًا أن هذه الأيّام هي آخر مواسم الطاعات من هذا العام، وهي أفضل أيّام الدنيا كما ورد في الحديث لكن تكتنفها خمسة تحديات! سنسردها ثمّ سنعرّج على الأعمال الصالحة.


التحديات الّتي ستواجهنا في هذه العشر؟

أولًا: أنّها عشر! ليست شهر، يعني لو ضاع منك يوم ضاع منك العُشر! فلا مجال للتسويف.

ثانيًا: وقتها قصير ولا يحتمل التقصير، تسعة أيّام فقط، وسميت عشرة لأنّ العرب دائمًا تكمّل العدد، لكن في الحقيقة هي تسعة أيّام فقط.

ثالثاً: وهذا من أخطر التحديات: الشياطين غير مصفّدة في العشر ! فكلّما نويت فعل الخير سيوسوس لك ويحبط من عزيمتك، فاستعد لمجاهدة الشياطين.  

رابعًا: أنّ العُباد فيها قليل، فالنّاس ليسوا معك مثل شهر رمضان، ففي رمضان النّاس كلها صائمة لكن في هذه العشر لا، ربّما تجد ناس

يسألونك أصلًا لماذا أنت صائم؟ هنالك أناس لا يعرفون فضل العشر من ذي الحجّة، وأنّ الأجر فيها يتضاعف! 

خامسًا: أنّ عملك في هذه العشر أقرب للفردي من الجماعي، يعني أنك أنت من سيبادر ويجتهد، لن تكون هناك صلاة تراويح جماعة، بل عبادتك غالبًا في هذه العشر ستكون فردية. 

إذًا أنت ونفسك والهوى والشيطان، هؤلاء كلهم حاضرين معك، وهذه تحدّيات خمسة يجب على الإنّسان أن يضعها في الاعتبار.

فإذا عرفنا هذه التحدّيات وأنّ أمامنا عشرة أيّام وليست شهر، وأنّها قصيرة ولا تحتمل التقصير، الشياطين ليست مُصفّدة، وأنّ التشجيع عليها قليل، وأن كثير من النّاس لا يعرف شرف الموسم، وأنّ العمل فيها أقرب إلى الفردية وليس فيها تلك العبادات الجماعية،

فماذا نفعل؟ نستعد قبل العشر بهذه الأمور :

١– أنّك تستسمح الله عزّ وجل من كل ذنب

استسمح الله عزّ وجل من كل ذنب وأسعى جاهدًا للتوبة النصوح، واجعل هاجسك أن لا أدخل العشر وحالي مُلخبط بل أستقبلها وأنا تائب ووجهي أبيض عند الله عزّ وجل.


٢- استقبل مواسم الطاعات بالاستغفار

وتطهير المحل لابد من تطهير المحل، وأن يكون لديك ورد ثابت من الاستغفار، واستحضر قلبك

حينما تستغفر، فكل ما قلت استغفر الله يمر في بالك من الذنوب يا رب اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت

وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير، بالإضافة

إلى دعاء سيّد الاستغفار، ومن قاله في يومه فمات من ليلته دخل الجنة وهو:

” اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي، لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي

فاغْفِرْ لِي، فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ. إذا قالَ حِينَ يُمْسِي فَماتَ دَخَلَ الجَنَّةَ – أوْ: كانَ مِن أهْلِ الجَنَّةِ – وإذا قالَ حِينَ يُصْبِحُ فَماتَ مِن يَومِهِ مِثْلَهُ.”

(صحيح البخاري)


٣- ضع لك جدول عبادة خاص لعشرة ذي الحجّة، وضع العمل الذي تستطيع فعله في جدول من الآن واستكثر منه.


·      ٤- أنوي فعل الخير في العشر، لأن الإنسان يؤجر من اللحظة الّتي ينوي فيها الخير، وأكثر من الدعاء بالتوفيق والبلاغ، وقل

اللهم بلغني العشر بلاغ قَبول وتوفيق وأعني فيها على رضاك.

استعد واسأل الله العون، وقل:

“ربِّ أعنِّي ولا تُعِن عليَّ، وانصرني ولا تنصُر عليَّ، وامكُر لي ولا تمكُر عليَّ، وانصُرني على من بَغى عليَّ، ربِّ اجعلني لَكَ شَكَّارًا، لَكَ ذَكَّارًا

لَكَ رَهَّابًا، لَكَ مِطواعًا، لَكَ مُخبتًا، إليكَ أوَّاهًا مُنيبًا، ربِّ تقبَّل توبَتي، واغسِل حوبَتي.”إ لى آخر الحديث

(رواه عبدالله بن عباس).

فحينما نقول “انصرني ولا تنصُر عليَّ” أي انصرني على نفسي والشيطان ولا تعنهم علي. أخيرًا، نستقبل العشر باستحضار فضلها وثوابها، لذلك يفوز فيها

من عرف فضل وشرف هذه الأيّام، وتذكر معرفة فضلها من خلال القراءة وسماع المقاطع.


٥- هيأ القلب بالأعمال القلبية: حب الله ورجاءه والشوق إليه من العمل القلبي، والصبر على لحظة الألم أو الحزن.

فالصبر أيضًا عمل قلبي تؤجر عليه، والصبر في هذه الأيّام العشر أعظم من الصبر في غيرها.


٦- استحضر قلبك بفضل الحسنات: و هو الذي يعينك على التعبد في هذه الأيّام أن تستحضر فضل الحسنات الباقيات الصالحات، وأكتف بآيتين، لو قرأتها

بقلبك والله لذاب القلب حبًا وشوقًا لما يرضي الله عزّ وجل، قال تعالى: ﴿ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾

(سبأ: ٣٧)  

لا مالك ولا شكلك ولا شخصيتك ولا وجاهتك ولا شيء بل من آمن وعمل صالحاً فجزاؤهم في قوله تعالى:

﴿ فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ (سبأ: ٣٧)

العرب يسمون الغرفة وهي غرفة في مكان عالي، إذًا هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات يقول الله عزّ وجل أن جزاؤهم عنده جزاء الضعف

أي أن تضاعف كل أعمالهم  والله يضاعف لمن يشاء بما عملوا ﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ﴾ أي أنّهم في الجنة في غرفات أي طبقة خاصة هناك عالية جدًا منازل لهم هم فقط، ﴿ آمِنُونَ﴾ وهذا الامن الذي نبحث عنه الآن

في الدنيا حينما يصاب الإنسان فيها بالهلع  ويحس أن الدنيا لا يوجد لها أي قيمة، قال تعالى: ﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾

هناك المؤمنون في الجنة بمنتهى الأمن، الله يقول عنهم آمنون، فلا تحزنهم القيامة ولا يحزنهم القبر ولا يحزنهم العذاب، ولا تحزنهم فكرة، هذا كله هُم أصلاً لا يمرون عليه، لماذا؟ لأنهم عملوا صالحًا، ولذلك فكرة إنك تكون من أهل الصلاح وأن تعمل صالحًا تفضي بأن الله يتكفل فيك ويتكفل بجزائك، يقول الله عزّ وجل في آية أخرى:

﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ۝٩٩ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾

(المؤمنون) فلاحظ لعلّي ﴿أَعْمَلُ صَالِحًا﴾ فيا ربِّ اجعلني أعود واعمل صالحًا فنحن نعيش في أمنية كثيرين، من الذين وضعناهم

في القبور يتمنون لو ساعة لو لحظة من ما نتنفّسه الآن، فاذا الله امد لك في العمر وعشت هذا الموسم فاقدر هذا الموسم حق قدره .


من معينات التعبد كن جاداً مع نفسك: 

كن جاداً مع نفسك ولا تأخذ براحة ولا هوى، وقل أنا أريد أن أفعل واحد اثنان ثلاثة، ونفسي لابد أن أغلبها، وأجعل لديك شيء

أنت تستطيع فعله والزم نفسك فيه ولا تجعل لنفسك متسع أو خط للرجوع، ولو الإنسان استعان بالله عزّ وجل والله وفقه، سيستطيع ذلك لان الموسم أقصر مما نتخيل.

نتذاكر أعمال صالحة يفعلها الإنسان إن شاء الله تغير فيه :

العمل الأول من هذه الأعمال: الصلاة 

أولاً، وقبل أن نتكلم عن السنن دعونا نراجع معاً فريضة الصلاة، هل تصليها صلاة صحيحة؟ هل حققنا الخشوع؟

فالله سبحانه عزّ وجل يقول في الحديث القدسي:”… ما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه” إلى آخر الحديث (رواه أبو هريرة). 

فالإنسان لابد يبذل جهد بنفسه لإتمام الصلاة على أكمل وجه، فيها أمهات العبادات تشمل الركوع والسجود وتلاوة القرآن والدعاء والتسبيح والتنزيه، والصلاة نفسها

فيها ثلاث مواضع مستجاب فيها الدعوة، السجود وقبل السلام وبين السجدتين، فتخيل ثلاث مواطن فيها الدعاء مستجاب.

أجمل ما في الصلاة أن في كل سجدة ترتفعين منزلة في الجنة، تكفر سيئة وتكتب حسنة وترتفعين منزلة، ففي الحديث قال الصحابي:

” أسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ. قالَ: أوْ غيرَ ذلكَ قُلتُ: هو ذَاكَ. قالَ: فأعِنِّي علَى نَفْسِكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ.”

(صحيح مسلم).

فمن استطاع منكم أن يكثر فليكثر من ركعات قيام الليل والسنن الرواتب والضحى والصلاة

ما بين الظهر والعصر لأنه وقت غفلة يغفل عنه النّاس والصلاة بين المغرب والعشاء.

صلاة قيام الليل  : وقيام الليل لا يفعله الإنسان لأجره فقط بل أنت تتعبد الله عزّ وجل شكراً له ومنه، قال الله عزّ وجل :   

   ﴿أَمَّنۡ هُوَ قَـٰنِتٌ ءَانَاۤءَ ٱلَّیۡلِ سَاجِدًا وَقَاۤىِٕمًا یَحۡذَرُ ٱلۡـَٔاخِرَةَ وَیَرۡجُوا۟ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ قُلۡ هَلۡ یَسۡتَوِی ٱلَّذِینَ یَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِینَ لَا یَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا یَتَذَكَّرُ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ﴾ (الزمر:٩).

قيام الليل يغيرنا للأفضل قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: ” عليكمْ بقيامِ الليلِ فإنَّه دأبُ الصالحينَ قبلكمْ، و قربةٌ إلى اللهِ تعالى، و منهاةٌ عنِ الإثمِ، و تكفيرٌ للسيئاتِ، و مطردةٌ للداءِ عنِ الجسدِ.” (رواه أبو الدرداء)

لاحظ النّاس الّتي تقوم الليل أنّهم من أبيض الناس وجوهاً وأسعد الناس صدراً

لأنهم خلو بالله عزّ وجل ، و كفر الله لهم سيئاتهم ولذلك لما تكون خايف من ذنوب سابقة ومستحي من الله عزّ وجل

فعليك بقيام الليل فهو وحده يكفر من السيئات وينهى عن الإثم ولذلك الرجل الذي كان يسرق في النهار ويقوم يصلي بالليل “جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ – صلَّى اللَّه عليهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ – فقالَ :

إنَّ فلانًا يصلِّي باللَّيلِ ، فإذا أصبحَ سرقَ قالَ : إنَّهُ سيَنهاهُ ما يقولُ . وبالفعل لم تأت الأيّام عليه الاّ وتاب الرجل.


العمل الثاني: عمل يستغرق كل ساعات اليوم وهو الصيام

وهو من أفضل الأعمال خلال العشر ذي الحجّة وقد فعلها النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في حديث هنيدة ابن خالد، قال:

” كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يصومُ تسعَ ذي الحجةَ ” إلى آخر الحديث .كما قال الشيخ ابن باز والصيام من العمل الصالح فيهن العمل الصالح في هذه العشر. 

وعظم هذه العبادة لأنها العبادة الوحيدة الّتي أجرها متواصل من الفجر إلى المغرب نمت وقمت ورحت الدوام ورجعت كل هذا

وأنت صائم فأنت طوال الوقت مأجور حتى في نومك عداد الحسنات لا يتوقف إذاً هذا من أعظم العبادات، وقال تعالى عن الصيام في الحديث القدسي:

“قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: قالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ؛ فإنَّه لي، وأَنَا أجْزِي به” (رواه أبو هريرة)

والصيام يعوّدك الصبر يعوّدك التقوى وأنّك أنت تعلو بنفسك، ولا تصير أسير عادة أو مدمن شيء، لأنّك غالب وقت الصيام لا تقوم

بأي حرام وتجرح صيامك، فالصيام يعينك ويجعل اهتماماتك أعلى ويكفّر سيئاتك ويدخلك الجنة من باب الريّان.


العمل الثالث: وهذا من أعظم العبادات في العشر وهو ذكر الله عزّ وجل :

 يقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: “ما من أيَّامٍ أعظمُ عندَ اللَّهِ ولا أحبُّ إليهِ منَ العملِ فيهنَّ من هذِهِ الأيَّامِ العَشرِ فأَكْثروا فيهنَّ منَ التَّهليلِ، والتَّكبيرِ، والتَّحميدِ” (رواه عبدالله بن عمر)

ويقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في فضل الذكر: ” أَلَا أُنَبِّئُكم بِخَيْرِ أعمالِكُم ، وأَزْكاها عِندَ مَلِيكِكُم ، وأَرفعِها في دَرَجاتِكُم ، وخيرٌ لكم من

إِنْفاقِ الذَّهَب والوَرِقِ ، وخيرٌ لكم من أن تَلْقَوا عَدُوَّكم ، فتَضْرِبوا أعناقَهُم ، ويَضْرِبوا أعْناقكُم ؟ ! ، قالوا : بَلَى ، قال : ذِكْرُ اللهِ” (رواه أبو الدرداء).

ونحن في هذه الدنيا ننسى وتمر علينا أيّام لا نستكثر فيها من الخير.

لذلك هذه العشر يسن فيها الذكر المُطلق والذكر المُقيّد. والذكر المقيد يبدأ لغير الحاج من فجر يوم عرفه بعد

الصلوات قيل حتى قبل الأذكار وتكبر ما شئت ويحافظ الإنسان على كل الأذكار (أذكار بعد الصلاة، الصباح والمساء، الدخول والخروج) فليكن لسانك رطباً بذكر الله ولا تنس أذكار النوم، ويوجد ذكر مهم وهو (سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، الحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر أربعًا وثلاثين)

لماذا هي مهمة في العشر؟

لأن بدايتها أنّ فاطمة سألت الرسول ﷺ خادماً فعلمها هذا الذكر قبل النوم، فكانت فاطمة رضي الله عنها تشعر بالنشاط بعده، فقال العلماء منها

يستعد الشخص لمواسم الطاعات بهذه الأذكار نخدم أنفسنا ونستنهض.


الأمر الرابع: الإكثار من قراءة القران خلال عشرة ذي الحجّة :

نقرأ المصحف ونتدبر آيته ونحرك قلوبنا الّتي قست لو نصف ساعة في اليوم، نحاول أن نختم فيها، تحتاج لها مجاهدة لأننا لم نعتد المداومة على المصحف لكن لولا المجاهدة لتشابه النّاس.

كيف نفعل كل ذلك ؟ .. كيف نقول كل تلك الأوراد؟ .. كيف نقرأ القرآن بعشرة أجزاء؟  لا بد لنا من جلسة الإشراق،

وهذه جلسة مباركة فقد قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: “بورِكَ لأمَّتي في بُكورِها” (رواه عبدالله بن عباس).

ولو لم تكون من النّاس الّتي تجلس تلك الجلسة فخلال هذه التسعة أيّام نحاول الالتزام بها، اجلسها حتى

لو عملك يبدأ مبكراً، هي تسعة أيّام فقط! لن تموت من قل النوم، ومن فعل هذا قال عنه النبي -ﷺ-:

“مَن صلى الفجرَ في جماعةٍ ، ثم قَعَد يَذْكُرُ اللهَ حتى تَطْلُعَ الشمسُ ، ثم صلى ركعتينِ ، كانت له كأجرِ حَجَّةٍ وعُمْرَةٍ تامَّةٍ ، تامَّةٍ ، تامَّةٍ” (رواه أنس بن مالك).


الأمر الخامس: (الصدقة)

وهي تتباهى على سائر الأعمال وتقول أنا أفضلكم وهذه الصدقة من خيرها أن الله عزّ وجل جعل لها باباً خاصاً من أبواب الجنة هو (باب الصدقة)

ويدخل فيها من أهل الصدقة قال النبيّ -ﷺ-: “ومَن كانَ مِن أهْلِ الصَّدَقَةِ، دُعِيَ مِن بابِ الصَّدَقَةِ” إلى آخر الحديث (رواه أبو هريرة)

قد يكون الله غاضب على الإنسان من موقف أو من كلمة شر أنت فعلتها.. تصدقت سراً ابتغاء وجهه لا أحد يعلم عنها لتطفيء غضبَ الربّ لذلك في الحديث “سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: اتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ.” (صحيح البخاري)

وآخر عمل نتواصى به من هذه الأعمال 

أن تكون أنت دالاً على الخير

فدلّ أنت على الخير، وعصرنا هو من أكثر العصور الّتي من السهل أن تنشر فيها الخير وأنت جالس، فحين

تسمع درس أو معلومة أو حديث أكتب هذا الحديث وانشره بين النّاس، واكتب محتواه لمن يتابعك، وإن كان حولك أطفال

قد يتأثروا بك اكتب لهم هذا الكلام، فهناك أناس لا تفعل الخير ليس قصداً وإنّما لم يعرفوا بتلك الأجور، فتخيل لو كنت سبب لنشر الخير في مكانك أو مكان عملك، فبعض النّاس تنتظر من ينيرها ويخبرها أن الأجر موجود لذلك

من دلّ على خير فهو كفاعله ولأنّك تتعامل مع كريم سبحانه فلن تصدق كمية الحسنات الّتي تأتيك يوم القيامة

وتجدها أمامك لا من شيء إلا من خير قد علمته أو فعلته يوماً فتضاعفت الأجور لم تنقطع، لذلك هي أيّام معدودات

قالها الله عزّ وجل قصيرة جداً ولكن يوماً ما ستمر ونحن لسنا على وجه الأرض .. ستمر ونحن تحت الأرض ولن يكن لدينا أمنية أعظم من أن نكون أحياء ونعمل فيها صالحاً فمن يختم بخير يبدأ بخير.

فأسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن يبلغ العشر بلاغ توفيق وقَبول، وأسأل الله عزّ وجل أن يعيننا فيها على أحب الأعمال إليه

وأرضاها وأن يقيمنا في المقام الذي يحب، هذا والحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.

6 تعليقات

التعليقات مغلقة