بتاريخ ٢٠/ ٤/ ١٤٤٤ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )


سنتحدّثُ في هذه المحاضرة عن السُّنن المهجورة أو المنسيّة التي كان يفعلُها النّبي ﷺ،

والتي لا بدّ لنا أنْ نتدارسَها وذلك لعدّة أسبابٍ، منها:

*الأجرُ العظيمُ: عن كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي،

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “‌مَنْ ‌أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي، فَعَمِلَ بِهَا النَّاسُ، كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا،

لَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ ابْتَدَعَ بِدْعَةً، فَعُمِلَ بِهَا، كَانَ عَلَيْهِ أَوْزَارُ مَنْ عَمِلَ بِهَا، لَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِ مَنْ عَمِلَ بِهَا شَيْئًا”[1].

*تحصينُ الفرائض:فالسّننُ بمثابة السُّورِ الذي يحيطُ بالعباداتِ المفروضة ويحميها،

فقد علّمَنا رسول الله ﷺ أنّ المُواظبةَ على السُّننِ تُعوِّضُ النّقصانَ الذي يقعُ فيه العبدُ في تأديتهِالفريضة.

*تمكينُ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنكَر:ذلك لأنّنا مأمورون بالأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكر، وإحياءُ السّننِ النّبويّةِ خيرُ طريقٍ لتطبيقِ تلك القاعدة.


    بعضُ السُّنَنِ المهجورة:

    السّنّةُ الأولى: إِتمامُ الوضوءِ:

    قَالَ رسول الله ﷺ: “أَسْبِغِ ‌الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا”[2].

    يبيّن هذا الحديث بعض من سنن الوضوء وهي “الإسباغ” أي إيفاء كل عضو حقه في الغسل،

    و”التخليل  بين الأصابع” أي المباعدة بين اًصابع اليدين والقدمين وتمرير الماء بينها، وإيصال الماء إلى أقصى الأنف وعدم الاكتفاء بإيصاله إلى أرنبة الأنف إلا عند الصيام.


    السّنّةُ الثّانية:سنن الأذان:

    عنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: “إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ‌ثُمَّ ‌صَلُّوا ‌عَلَيَّ،

    فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ،

    وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ”[3].وعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ،

    عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: “مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ‌

    رَضِيتُ ‌بِاللهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ”[4].فيا له من خيرٍ عظيمٍ!

    لذلك نلاحظُ أنّ بعضَ الصّالحين عندما يسمعونَ النّداءَ يقطعون أحاديثَهم لِيردّدوا وراءَ المؤذّنِ لِمَا في ذلك من الأجرِ العظيم،

    فما بالُ أناسٍ -أثناءَ الأذان- يستمرّونَ بِلَهْوِهم وغِيبتِهم واستماعِهم للأغاني!


    السّنّةُ الثّالثة: الصّلاة: سُنَنُ الصّلاة كثيرةٌ، منها:

    سَتْرُ الصَّلاة:عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي اللهُ عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: “إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي ‌فَلَا ‌يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ”[5].

    وعن ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تُصَلِّ ‌إِلَّا ‌إِلَى ‌سُتْرَةٍ وَلَا تَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْكَ …”[6].

    والغاية من هذه الأحاديث أنّ سَتْرَ المصلّي لصلاتِه سُنَّةٌ مؤكَّدةٌ لا ريبَ فيها، وإذا أراد أحدٌ أن يجتازَ بين يديهفليدفعه.

    إقامةُ الصُّفوف في الصَّلاة:عن أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “سَوُّوا ‌صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاة”[7].

    وعَنْ ‌أَنَسِ ‌بْنِ ‌مَالِكٍ، عَنِ النّبيِّ ﷺ قَالَ: “أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، ‌فَإِنِّي ‌أَرَاكُمْ ‌مِنْ ‌وَرَاءِ ‌ظَهْرِي، وَكَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ، وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ”[8].

    استواءُ الظّهرِ في الرّكوع:عن وَابِصَةَ بْنَ مَعْبَدٍ، يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي، “فَكَانَ إِذَا رَكَعَ سَوَّى ظَهْرَهُ، حَتَّى لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ ‌لَاسْتَقَرَّ”[9].

    دُعاءُ الوقوفِ مِن الرّكوع: عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ، قَالَ: “كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ:

    ‌سَمِعَ ‌اللَّهُ ‌لِمَنْ حَمِدَهُ”، قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: «مَنِ المُتَكَلِّمُ» قَالَ: أَنَا،

    قَالَ: “رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ”[10].

    دُعاءُ ما بين السّجدتين:إنّ الموضعَ الذي بين السّجدتين مِن مواضعَ استجابةِ الدعاء، ووردَت في السنّة بعضُ الأدعيةفي هذا الموضع.

    فعن حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيِّ ﷺ كان يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ:“رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي”[11].وعَنِ عبدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ:

    كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ: “‌رَبِّ ‌اغْفِرْ ‌لِي، ‌وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَارْزُقْنِي، وَارْفَعْنِي”[12].

    التَّشَهُّدُ:عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: “كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَعَدَ يَدْعُو، وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى ‌عَلَى ‌فَخِذِهِ ‌الْيُمْنَى،

    وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، وَوَضَعَ إِبْهَامَهُ عَلَى إِصْبَعِهِ الْوُسْطَى، ويُلْقِمُ كَفَّهُ اليُسْرَى رُكْبَتَهُ”[13].

    وسُمّي التَّشهُّد دُعاءً لاشتمالِه على الدعاء. والحكمة في وضع اليد على الفَخِذ مَنْعُها من العَبث.

    والحكمة في الإشارة بالسبابة إلى أنّ المَعبود سبحانه وتعالى واحدٌ؛ ليجمعَ في توحيده بين القولِ والفعلِ.

    التناسُب بين أركان الصّلاة:عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: “رَمَقْتُ الصَّلَاةَ مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْتُ قِيَامَهُ فَرَكْعَتَهُ، ‌فَاعْتِدَالَهُ ‌بَعْدَ ‌رُكُوعِهِ،

    فَسَجْدَتَهُ، فَجَلْسَتَهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجَلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالِانْصِرَافِ، قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ”[14].

    يصف البراء -رضي الله عنه- صلاةَ النبيّ ﷺ، فذكرَ أنّها متقاربةٌ متناسبةٌ، فإنّ قيامَه للقراءةِ وجلوسَه للتشهُّدِ يكونان مناسبَين للرّكوع والاعتدالِ والسّجود،

    فلا يُطيلُ القيامَ -مثلًا- ويُخفِّفُ الرّكوعَ، بل يجعلُ كلَّ ركنٍ مناسباً للرّكن الآخر، فلا يُخَفِّفُ واحداً ويُثقِلُ الآخر.


    السّنّةُ الرّابعة: السَّفَرُ:

    عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِﷺ قَالَ: “إِذَا خَرَجَ ‌ثَلَاثَةٌ ‌فِي ‌سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ”[15].يأمر الرّسولُ ﷺ المسافرينَ أن يُؤَمِّروا عليهم واحدًا منهم،

    يكون أفضلَهم، وأجودَهم رأيًا؛ ليتولّى تدبيرَ شؤونِهم؛ لأنّهم إذا لم يُؤَمِّروا واحدًا صارَ أمرُهم فوضى. 

    عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: “رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‌يُصَلِّي ‌عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ”[16].

    كان النبيّ ﷺ يصلّي راحِلته إذا كان في سَفَرٍ، سواءً كان في جِهةِ القِبلةِ أو غيرِ جهةِ القِبلة. فإذا كانتِ الصّلاةُ مفروضةً فإنّه يَنزلُ عن دَابّته، ويصلّي على الأرض مُستقبلًا القِبْلة.


    السّنّةُ الخامسة: التكبير حين الصُّعُودُ والتسبيح حين النُّزُولُ:

    عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: “كُنَّا ‌إِذَا ‌صَعِدْنَا كَبَّرْنَا، وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا”[17].شرع لمن يصعد إلى مكان مرتفع أنْ يذكرَ كبرياءَ اللهِ تعالى فيكبّره.

    ولكون المكانِ المنخفضِ محلَّ ضِيقٍ فيشرعُ فيه التّسبيح؛ لأنّه من أسبابِ الفرج،

    وبما أنّ النّزولَ سُفولٌ ودُنُوٌّ فيقول: “سبحان الله”،لينزّهُ اللهَ سبحانَه وتعالى عن السُّفولِ.


    السّنّةُ السّادسة: ردُّ السّلام:

    عَنْ صُهَيْبٍ، أَنَّهُ قَالَ: “مَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يُصَلِّي، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ إِشَارَةً»، قَالَ: «وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ إِشَارَةً بِأُصْبُعِهِ”[18].

    وهذا يدلُّ على عِظَم السّلام.وًا من السنن المهجورة صعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “إِذَا ‌انْتَهَى ‌أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَجْلِسِ، فَلْيُسَلِّمْ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُوْمَ، فَلْيُسَلِّمْ فَلَيْسَتِ الْأُولَى بِأَحَقَّ مِنَ الْآخِرَةِ”[19].إذن السّنَّةهي إلقاء السّلام عند المجيء إلى المجلس وعند مغادرته.


    السّنّةُ السّابعة:عندالدُّخولُ إلى النّاس، والانصرافُ مِن عندِهم:

    عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ “إِذَا أَتَى بَابَ قَوْمٍ ‌لَمْ ‌يَسْتَقْبِلِ ‌الْبَابَ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ، وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ، أَوِ الْأَيْسَرِ …”[20].

    وهذا التصرُّف غايةٌ في الأدب؛ فقد كان الرّسول ﷺ يفسحُ المجالَ من خلال ذلك لأهلِ البيت أنْ يرَوا مَن على بابهم، كما يدلّ على العفّة فلا يدَعُ مجالًا لرؤية أي شيءٍ ولو خطأً.

    وعن ابن عمرَ عن الرسول ﷺ قال: “إذا ‌زارَ ‌أحدُكم أخاه فجلسَ عندَه، فلا يقومَنَّ حتى يستأذنَه”[21].

    وهذا يدلُّ على احترام المُضِيف، وإجلالِ حُرمةِ بيته.


    السّنّةُ الثّامنة:عند النَّوْم:

    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: “إِذَا ‌أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ،

    ثُمَّ يَقُولُ: بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ”[22].

    عن البراءِ بن عازبٍ، يقول: كانَ رسولُ اللهِ ﷺ إذا أوى إلى فراشِه نامَ على شقّهِ الأَيْمَن، ثُمّ قالَ:

    “اللهُمّ أسلمْتُ نفسِي إليك، ووجّهتُ وجهي إليكَ، وفوّضتُ أمرِي إليكَ، وألجأتُ ظهرِي إليكَ، رغبةً ورهبةً إليك،

    لا ملجأَ ولا منجا منكَ إلّا إليكَ، آمنتُ بكتابِكَ الذي أنزلْتَ، ونبيِّكَ الذي أرسلْتَ”[23].

    في هذ الأحاديث المباركة يبيّن النبي ﷺ ما يُسَنُّ على العبد فعله وقوله عند النوم، من نفض الفراش والنوم على الشق الأيمن وأدعية ما قبل النوم.


    السّنّةُ التاسعةُ: عند الطّعام:

    فعن عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أنها سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: “التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ المَرِيضِ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الحُزْنِ”[24].

    فمِنْ هديِ النبيّ ﷺ أنّه كان يأمرُالنساءبأنْ يصنعْنَ للمريضِ أو للمحزون (التّلبينة)؛ وهي مُكوّنةٌ مِن الشُّوفان والنِّخالة والحليب والعسل.

    وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: “‌مَا ‌عَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ”[25].

    وعن جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: “إذا وقعت لقمة أحدكم، فليأخذها، فليمط ما كان بها من أذى، وليأكلها، ولا يدعها للشيطان،

    وَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ ‌بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ الْبَرَكَةُ”[26].أرشَدَ النَّبيُّ ﷺ إلى أنَّه إذا وقعَتْ مِن يَدِ أحدٍ اللُّقمَةُ على الأرضِ أنْ يُزِيلَ ما علَقَ بها مِن أذًى،

    ولا يَترُكْها لِلشَّيطانِ ليَأكُلَها، لما في تَركِها مِن إضاعةِ نِعمةِ اللهِ تعالَى واستحقارِها.وأن يلعق يده قبل أن يمسحَها؛ وفي هذا إدراكٌ لقيمة نِعَم الله عزّ وجلّوتقديرها.


    السّنّةُ العاشرةُ: الاستغفار:

    جاء في حديث الأغرّ المزني: أنَّ رسول الله ﷺ قال: “إنَّه ليُغانُ على قلبي، وإني لأستغفرُ الله في اليومِ مئةَ مرةٍ”[27].

    النبيﷺ قد غُفِر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، ومع ذلك يستغفر الله تعالى في اليوم أكثرَ من مئةِ مرّةٍ. واستغفارُه ﷺ لا يلزمُ أن يكونَ لذنوبٍ ارتكبَها ولكنَّ ذلك لكمالِ عبوديّتِه وتعلُّقِه بذكرِ الله تعالى،

    ولِيدلَّنا على السُّبُل التي نسلكها تقرُّبًا إلى ربنا جلّ وعلا.


    السّنّةُ الحاديةَ عشْرة:السّجود:

    السّجودُ اعترافٌ بأنّ اللهَتعالى صاحبُ الفضل والمنّة، وشكرٌ له. ووعدَ الله تعالى الشّاكرين بالزّيادة، قال جلّ جلاله:﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾(إبراهيم: 7).

    وأقل ما يفعله العبدُ إزاءَ تعرّضه لكرمِ الله تعالى هو الشّكر، والعبدُ أقربُ ما يكون لربّه وهو ساجدٌ.


    السّنّةُ الثّانيةَ عشْرة:ذِكرُ اللهِ كثيرًا:

    إنّ ذكرَ الله تعالى يُعد من أفضلِ الأعمالِ التي يمكن للإنسانِ أنْ يقومَ بها، وذلك لأنّها تزيدُ من قربه إلى الله تعالى وتثبّتُ قلبَه.

    وقد وردَ في القرآن الكريم العديدُ من الآيات التي تحثّ على ذكر الله وتُحدِّثُ عن فضله، كقوله تعالى: ﴿فَاْذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاْشْكُرُواْ لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾(البقرة: 152).

    أسألُ اللهَ العظيم أنْ يجعلَني وإيّاكم في زمرةِ النبيّ ﷺ، ومن المُسْتَنّيْنَ بسُنَّتِه وهديِه.


    [1] أخرجه ابن ماجة في سننه، وصحّحه الألباني لغيره.

    [2] أخرجه أبو داود في سننه، وصحّحه الألباني.

    [3] أخرجه مسلم في صحيحه.

    [4] أخرجه مسلم في صحيحه.

    [5] أخرجه مسلم في صحيحه.

    [6] أخرجه ابن حبّان في صحيحه، وصحّحه الألباني.

    [7] أخرجه البخاري في صحيحه.

    [8] أخرجه البخاري في صحيحه.

    [9] أخرجه ابن ماجة في سننه، وصحّحه الألباني.

    [10] أخرجه البخاري في صحيحه.

    [11] رواه النّسائي، وصحّحه الألباني.

    [12] أخرجه ابن ماجة في سننه، وصحّحه الألباني.

    [13] أخرجه مسلم في صحيحه.

    [14] أخرجه مسلم في صحيحه.

    [15] أخرجه أبو داود في سننه، وقال الألباني: حسنٌ صحيح.

    [16] أخرجه البخاري في صحيحه.

    [17] أخرجه البخاري في صحيحه.

    [18] أخرجه أبو داود في سننه، وصحّحه الألباني.

    [19] أخرجه أبو داود في سننه، وقال الألباني: حسنٌ صحيح.

    [20] أخرجه أبو داود في سننه، وصحّحه الألباني.

    [21] أخرجه الفردوس الديلمي في مسنده، وصحّحه الألباني.

    [22] أخرجه البخاري في صحيحه.

    [23] أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما.

    [24] أخرجه البخاري في صحيحه.

    [25] أخرجه البخاري في صحيحه.

    [26] أخرجه مسلم في صحيحه.

    [27] أخرجه مسلم في صحيحه.

    * تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.