بتاريخ ٠٦ / ٠٢ / ١٤٤٣ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )


 كثيرًا ما نتعرض لمواقف يكون اتخاذ القرار فيها يتضارب بين الحق و الباطل ويتطلب منك اتخاذ قرار حالاً، فإما أن تقدّم أمر الآخرة وإما

أن تقدّم أمر الدنيـا، إما أن تقدّم أمر الله وإما أن تستمع لأمر الشيطان، فماذا تختار في مثل تلك اللحظة؟

الغالب بإذن الله- سيختار ما  أمر به الله عز وجل.

 لكن تمر كثيرًا من المواقف وأنت تعلم ما يُرضي الله عز وجلّ، وتعرف حُكم هذا الشيء الذي ستتخذ القرار بشأنه وقد يترتب عليه غضب

أو طرد من رحمة الله، ومع ذلك لا تقدّم ما عند الله عز وجلّ، بل تقدّم هوى نفسك!

وتفعله مع سابق الإصرار والترصّد.

مثل هذه المواقف تجعل الإنسان يتساءل أحيانًا..

لماذا نعرف كثير من الآيات أو الأحاديث أو مواقف من الصحابة -رضوان الله عليهم- ومع ذلك لا نعمل بذلك العلم الذي نحفظهُ في صدورنا؟


لماذا نعلم ولا نعمل؟ 

ينادي الله عز وجل المؤمنيـن فيقول لهم : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا”

(الأنفـال: ١٣٦)

وصفهم بالإيمان لكنه قال:”آمَنُوا آمِنُوا” أي لابُد أن تقوموا بعمل الإيمـان وشعائره. 

قال تعالى:”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ”

(الحشر:١٨)

الله عز وجل نادانا بالإيمان لكي ننطلق منه للعمل. أنزل هذا القرآن للتطبيق، وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- يعقلون هذا المعنى فيحفظوا ويطبقوا.

لاحظ أسئلة الصحابة للنبي ﷺ في الأحاديث التالية:

١- عن أبي بكر -رضي الله عنه- أنه قالَ لِرَسولِ اللهِ ﷺ: “عَلِّمْنِي يا رَسولَ اللهِ، دُعَاءً أَدْعُو به في صَلَاتِي، وفي بَيْتِي”

المصدر: صحيح مسلم


٢- عن أبي برزة -رضي الله عنه- أنه قال قُلتُ لِرَسُولِ اللهِﷺ:”يا رَسُولَ اللهِ، إنِّي لا أَدْرِي، لَعَسَى أَنْ تَمْضِيَ وَأَبْقَى بَعْدَكَ، فَزَوِّدْنِي شيئًا يَنْفَعُنِي اللَّهُ به”  

المصدر: صحيح مسلم


٣- عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: “يا نَبِيَّ اللهِ، أيُّ الأعْمالِ أقْرَبُ إلى الجَنَّةِ؟”

المصدر: صحيح مسلم


٤- أتى أبو ذر -رضي الله عنه- إلى النبي ﷺ فقال: “أيُّ العَمَلِ أفْضَلُ؟ قالَ ﷺ: إيمَانٌ باللَّهِ، وجِهَادٌ في سَبيلِهِ، قُلتُ: فأيُّ الرِّقَابِ أفْضَلُ؟

قالَ ﷺ: أعْلَاهَا ثَمَنًا، وأَنْفَسُهَا عِنْدَ أهْلِهَا، قُلتُ: فإنْ لَمْ أفْعَلْ؟ قالَ: تُعِينُ ضَايِعًا، أوْ تَصْنَعُ لأخْرَقَ، قالَ: فإنْ لَمْ أفْعَلْ؟

قالَ: تَدَعُ النَّاسَ مِنَ الشَّرِّ؛ فإنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بهَا علَى نَفْسِكَ”

المصدر: صحيح البخاري


٥- أتى رجل إلى النبي ﷺ ، فقال: كيفَ أَقُولُ حِينَ أَسْأَلُ رَبِّي؟ قالَ: “قُلْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَعَافِنِي، وَارْزُقْنِي وَيَجْمَعُ أَصَابِعَهُ

إلَّا الإبْهَامَ فإنَّ هَؤُلَاءِ تَجْمَعُ لكَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ”

المصدر: صحيح مسلم

إذن لابد أن يكون لديك مفهوم العلم للعمل، والتلقي للتنفيذ؛ لأن الأوامر التي وردت بالقرآن هي لنا

وليست لغيرنا، كما أن التنفيذ يزيد الإنسان ثباتًا وإصرارًا، قال تعالى: “وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا”

(النساء: ٦٦)


ما هي الأسباب التي تجعل الإنسان لا يُطبق ما يتعلمه من الخيرات؟ 

١- عدم معرفة الأجر المعقود على العمل.

عملك قد يترتب عليه أجور عظيمة، وعدم معرفتك بالأجر يجعلك زاهدًا بهذا العمل ولا تستديم العمل به. وهناك أجور كثيرة وردت في السنة النبوية تحمسنا للعمل، منها:

قال النبي ﷺ:”من توضأَ مثلَ وضوئي هذا، قام فصلَّى ركعتينِ، لا يُحَدِّثُ فيهما نفسَه بشيءٍ، غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبِه”

المصدر: صحيح الجامع

قال النبي ﷺ:”إذا أَمَّن الإمامُ فأَمِّنوا؛ فإنه من وافقَ تأمينُه تأمينَ الملائكةِ غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبِه”

المصدر: صحيح الجامع

قال النبي ﷺ:”من أكلَ طعامًا فقال: الحمدُ للهِ الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غيرِ حولٍ مني ولا قوةٍ غُفر له ما تقدم من ذنبِه”

المصدر: سنن الترمذي


٢- من ضعف التطبيق أنه لا يمتد إلى المستحبات بل يقتصر على الواجبات.

أليس في المستحبات أجر؟ هل أنت مستغنٍ عن الأجر؟

لماذا تضاءلت مكانة السنن والمستحبات؟ الصحابة -رضي الله عنهم-

كانوا لا يفاضلون ما بين السنن والواجبات، بل يعملون السنة ويحرصون على تطبيقها.

عَنِ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ رأيت ابْنَ عُمَرَ ـرضى الله عنهما- اَتَى عَلَى رَجُلٍ، قَدْ أناخَ-أقعَدَ وأضْجَعَ- بَدَنَتَهُ -ناقته- يَنْحَرُهَا، قَالَ: ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً-واقفة مقيدة اليد اليسرى-، سُنَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ.

المصدر:سنن البخاري

عن أبي رَافِعٍ-رضي الله عنه- قال صَلَّيتُ مَعَ أبي هُرَيرَةَ -رضي الله عنه- صَلاَةَ العَتَمَةِ -العشاء- فَقَرأ قوله تعالى:

” إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ” (الإنشقاق:١)

فَسَجَدَ فِيهَا عند آية السجدة، فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذِهِ السَّجْدَةُ؟ فقَالَ: سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أبي الْقَاسِمِ ﷺ فَلاَ اَزَالُ اَسْجُدُ بِهَا حَتَّى اَلْقَاهُ.

المصدر:سنن البخاري

اجعل بينك وبين النار مسافة من السنن النبوية التي بها أجر عظيم! 

قال الله تعالى في الحديث القدسي:”مَن عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي

بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ

سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ

عن شَيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ المَوْتَ، وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ”

المصدر: صحيح البخاري

هناك عدة مصادر لمعرفة حياة النبي ﷺ والسنن التي يجب علينا الاقتداء بها؛ حبًا للنبي ﷺ ورغبةً في الإحسان! 

من أجمل الكتب التي يمكن أن تقرأها هي: الشمائل المحمدية، الكتاب عبارة عن وصف دقيق للنبيﷺ. 

-سيتم إرفاق الكتاب PDF في خِتام الدرس- 


٣- عدم وجود قدوات جيدة من حولك. 

أن يكون لك قدوة يُحتذى بها هي من الأمور المهمة في هذا الزمان، الزمان الذي كثرت فيه الفتن والملهيات والمحرمات. 

كما أن تأثير البيئة التي يتربى بها ويكبر فيها الإنسان لا يمكن لأحدٍ أن ينكره، سواءً على

طبائعه، تصرفاته، مبادئه واعتقاداته بل حتى مستوى تعليمه! ذُكر في القرآن الكريم عن الملكة بلقيس، قال تعالى:

“وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ ۖ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍۢ كَٰفِرِينَ”

(النمل:٤٣) 

ما الذي صدَّ بلقيس عن عبادة الله تعالى؟ لماذا كانت تعبد من هم دون الله؟ لأنها كانت بين  قوم كافرين، كانت مشركة

وكافرة وتأثرت بمن حولها رغم رجاحة عقلها! فتأثرت وكفرت ثم لما جاء سليمان -عليه السلام- ودعاها للإسلام أسلمت.


٤- أن الإنسان يرضى بالدون! 

غالبًا في أمور الآخرة بالتحديد يرضى الإنسان بمستواه الحالي، ويعطي لنفسه العذر في تأخره عن المسير

واللحاق بأهل الخير، فيضع تارةً المشاغل عذرًا له، أو من حوله .. 

لا تتعذر بانشغالك في أمور الدنيا عن الآخرة!

كلنا لدينا مشاغل، لكن الفطين من قدّم أمر الآخرة على الدنيا. 

لا تتعذر ببيئتك التي لا تعينك على الأعمال الصالحة، فهذه امرأة فرعون كانت في بيت سوء ومع ذلك آمنت

وأعلنت إيمانها حتى صلبها فرعون فماتت وهي تقول في قوله تعالى:”وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ”

(التحريم :١١)

لم تتراجع وإنما كانت تنظر إلى السماء وتقول:”رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ”؛ لأنها عرفت أن الدنيا ستنتهي وأن الملاذ عند الله عز وجل وحده. 


٥- الخوف من انتقاد الناس. 

خوفك من انتقاد الناس لن يعصمك من انتقادهم!

ضعها قاعدةً أمام عينيك حينما تُقبل على الخير وتترك الشر، افعل الخير وقلبك مليء بالرضا والثقة. 

قال النبي ﷺ:”مَن أرضى النَّاسَ بسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَه اللَّهُ إلى النَّاسِ ومن أرضى النَّاسَ برضاءِ اللَّهِ كفاهُ اللَّهُ” المصدر: صحيح الجامع 

رِضا اللهِ عزَّ وجلَّ مِن أجَلِّ ما يَسْعى إليه كُلُّ مُؤمِنٍ حَصيفٍ، فمَن رضِيَ اللهُ عَنه غفَر له ورَحِمَه وأدخَلَه جنَّتَه، والفائِزُ حقًّا هو مَن فاز برِضا اللهِ سُبحانَه وتَعالى.


٦- عدم تصديق الجنة والنار تصديقًا يقينًا. 

مستوى إيماننا بالحساب فيه نقص، ولذلك نستغرب عندما نقرأ أنَّ أبا بكرٍ تصدَّق بكل ماله!

وعمر بنصف ماله!  ما الذي دفعهم إلى هذا المستوى العالي من التطبيق؟ الدافع هو الإيمان بالجنة والنار والحساب وما أعده الله للمتقين.

فلو كان مستوى الإيمان عندنا عاليًا لرأيت اتباعًا عظيمًا لأوامر الله ونواهيه. 

عمير بن الحمام -رضي الله عنه- سمع النبي ﷺ يقول:

“قُومُوا إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ، قالَ: يقولُ عُمَيْرُ بنُ الحُمَامِ الأنْصَارِيُّ: يا رَسولَ اللهِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ؟

قالَ: نَعَمْ، قالَ: بَخٍ بَخٍ، فَقالَ النبي ﷺ: ما يَحْمِلُكَ علَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟ قالَ: لا وَاللَّهِ يا رَسولَ اللهِ، إلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِن أَهْلِهَا، قالَ:

فإنَّكَ مِن أَهْلِهَا، فأخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِن قَرَنِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ منهنَّ، ثُمَّ قالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حتَّى آكُلَ تَمَرَاتي هذِه إنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، قالَ:

فَرَمَى بما كانَ معهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حتَّى قُتِلَ”

المصدر: صحيح مسلم 


٧- ضعف الارتباط بالقرآن الكريم والسنة النبوية. 

يقول بعض العلماء: نزل القرآن ليُعمل به، فاتخذ الناس تلاوته عملًا. وهذا غير صحيح! 

افتح القرآن وأنت طالب الهدى من الله بصدق؛ سيهديك الله وستجد في القرآن بغيتك!

سترى الآيات وكأنها تتكلم عن مشكلتك أنت بالذات!

حتى لو كنت تقرأ في آيات أحكام ستجد أن في نهايتها حديث لك، مثل قوله تعالى:

“وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا” (الطلاق:٢)، وقوله تعالى:”سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا” (الطلاق:٧)

هذه الآيات مثل البلسم على القلب في أي ضائقة تمر به.

اعرض نفسك على القرآن؛ لأن القرآن له قدرة عجيبة على احتوائنا والسنة كذلك!

تأتيهم بفرحك فيزيدونك فرحًا على فرحك، تأتي لهم بحزنك فتجدهم كالبلسم على حزنك.. 

القرآن له هذه الصفة العجيبة فهو كلام الله المعجز.


٨- أن الإنسان يتعلق بأحاديث الرجاء دون الخوف!

 القضية الآن أننا لا نعبد الله على خوف فقط، ولا نعبد الله على رجاءٍ فقط! 

بل يجب أن نعبد الله بالرجاء والخوف معًا، فلا نغلّب أحدهم على الآخر، وهذا ما ذكره الله في قوله تعالى:”نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ *وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ”

(الحجر:٤٩-٥٠)

نتعلق بآية الرجاء قال تعالى:”إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”

(الزمر:٥٣)

ونغفل  عن أخوف آية في قوله تعالى:”مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا”

(النساء:١٢٣)  

قال الله عز وجل:”وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ”

(الزمر:٤٧)

ربما الآن مرّت معصيتين أمام ذهنك! لكن هناك سيل كبير أنت لا تعلم أن الله يحاسبك عليه..

إذن يجب علينا أن  نعبد الله عز وجل بجناحيّ الرجاء والخوف.


٩- طول الأمل بالدنيا. 

 قال تعالى:”إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ” (يونس:٧) 

إن التسويف قد أساء لنا كثيرًا!

كل ما جاء طارق الخير صرفه بواب (لعل وعسى) (غدًا سأبدأ).

طول الأمل يمنعنا من العمل مع أننا سمعنا ونحفظ أحاديث النبي ﷺ، مثل:

قال النبي ﷺ:”اغتنمْ خمسًا قبلَ خمسٍ: حياتَك قبلَ موتِك، وصحتَك قبلَ سقمِك، وفراغَك قبلَ شغلِك، وشبابَك قبلَ هرمِك، وغنَاك قبلَ فقرِك”

المصدر: الجامع الصغير

وقال النبي ﷺ:”بَادِرُوا بالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا..”

المصدر: صحيح مسلم

 ومن الناس من لا تعمل الخير؛ لأنهم جعلوا الصلاح كُلًّا لا يتجزأ! فإما أعمل بالدين كله، أو أتركه كله!

وهذا غير صحيح، بل عليك أن تزاحم الشر بالخيرات.

جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ ﷺ فقالَ: إنَّ فلانًا يصلِّي باللَّيلِ، فإذا أصبحَ سرقَ! فقالَ ﷺ:”إنَّهُ سيَنهاهُ ما يقولُ” المصدر: الصحيح المسند

فقالوا لم يلبث حتى تاب توبةً نصوحة لله تعالى!  إن صلاته في الليل نهته عن السرقة في النهار.  إذن لا تضيق على نفسك

بأن تفعل كل شيءٍ بشكلٍ صحيح أو تتركه كله، ولكن حاول بقدر ما تستطيع فعله، والله سيرى جهدك في بذل الطاعات وترك المعاصي. 

قال النبي ﷺ:”لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوف شَيْئًا”

المصدر: صحيح مسلم


كيف نُعالج إشكالية عدم العمل بالعلم؟ 

1- الإحساس بقيمة المعلومة. 

كان وقع المعلومة على السلف عظيمًا، لذلك كانوا يقدرونها حق قدرها وكأنهم حصلوا على كنز عظيم!

لكن نحن اليوم نسمع الكثير من المعلومات ولا نحس بأننا قد حصلنا على شيء كثير! 


2- التفكر كيف كان السلف يعملون بعد أن يعلمون. 

يقول المروذي -رحمه الله-: قال لي أحمد -رحمه الله-: ما كتبت عن النبي ﷺ حديثًا إلا وقد عملت به، حتى مر بي في

الحديث أن النبي ﷺ احتجم، وأعطى أبا طيبة دينارًا للحجام، فأعطيت الحجام دينارًا حين احتجمت.

كان أبو داوود السجستاني -رحمه الله- على شاطئ النهر، فسمع رجلًا داخل النهر عطس وحمد الله، فاستأجر قاربًا وركبه إلى أن وصل إليه فشمّته وقال: سنة رسول الله ﷺ.

•الخطيب البغدادي -رحمه الله- قال: من لم يكن بعلمه عاملًا لا يعد عالمًا. 

وكان يقول: لا تأنس بالعلم إذا كنت مقصرًا في العمل، ولا تأنس بالعمل إذا كنت مستوحشًا من العلم.

•كان بعض السلف يقول: أخشى ألا تبقى آية في كتاب الله عز وجل إلا وتسألني فريضتها، إن كانت أمراً فهل فعلت، زجرًا فهلا انتهيت؟

•كان أبو بكر النشهلي-رحمه الله-يحتضر، وكان يومئ برأسه يصلي، فقال له من حوله:

سبحان الله وأنتَ على هذه الحالة!

فقال: أُبادر طي صحيفتي. أي أن صحيفته سوف تُطوى بموته وهو يتبادرها بالعمل الصالح، لكن كيف لو جاءت فجأة مثل العشرات من

الشبّان والشابات الذين فقدناهم خلال الأسابيع الماضية! 

فماذا تريد أن تفعل وأنت تعلم أن صحيفتك سوف تُطوى وأن الأقلام سوف ترفع؟

قال الحسن بن علي -رضي الله عنهما-:

ولا تُرْجِ فِعلَ الخيرِ يوما إلى غدٍ

لعلّ غدًا يأتي وأنت فَقيدُ

فيومُك إن أَعْتَبْتَه عاد نَفعُه

عليك، وماضي الأمسِ ليس يعود

أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الذين يعلمون العلم فيعملون وينتفعون به.. 

تحميل كتاب الشمائل المحمدية للترمذي -رحمه الله-:

https://cutt.us/HoEjh


* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.

10 تعليقات

التعليقات مغلقة