بتاريخ ٢ / ٣ / ١٤٤٢ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )


 لماذا لازلت بعيداً؟

ينشغل الكثيرون بالأسئلة الوجودية فيسألون ما هي الجدوى من الحياة؟ وما الهدف من خلق الإنسان؟ ومن الخير والشر؟ وكيف تكون بالنهاية؟

عندما يدخل النسان في هذه الأسئلة يشعر كأنه دخل في دوامة من الشكوى والحيرة، وفي الغرب يُقدِم البعض على الانتحار

لعجزهم عن إيجاد أجوبة لهذه التساؤلات، وهكذا فالإنسان حين لا يعلم لهذه الأسئلة أجوبة ولا يعرف ما الهدف من حياته

ولا كيف ستكون النهاية وماذا ينتظرنا في العالم الآخر يشعر أن الحياة صعبة وضيقة عليه كأنه يتنفس من خرمِ إبرة.

وحدهُ المسلم الذي يملك إجابات لهذه الأسئلة، وتصوّر كامل عما سيحدث في المرحلة القادمة، لدينا تفصيل كامل

عن ماذا سيحصل من اللحظة التي تخرج فيها الروح إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة..


فكيف يجب أن يكون استعدادنا؟

رحمة الله عز وجل -:

وقبل أن ندخل في التفاصيل، دعونا نتذكر رحمة الله عز وجل التي لا حدود لها وأن الله عز وجل أمسك عنده 99 رحمة

وأنزل إلى الأرض رحمة واحدة فقط هذهِ الرحمة التي يتراحم بها الناس أجمعهم، في الحديث القدسي:

«يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً»

فأيُّ رحمةٍ هذه؟ يُقابل الله – عز وجل – بقراب الأرض ذنوبًا، كمية هائلة من المعاصي، وما إن يستغفر حتى يُقابله الله – عز وجل – بالمغفرة!

نعلم هذا كُله ثم يكون أُناس يدخلون جهنم؟؟!!

أُناس من المسلمين والموحدين ويدخلون فوق ذلك كله في جهنم ويغلب الواحد فيهم العشرة، الحسنة

تضاعف بعشرة أمثالها والسيئة لا تجزى إلا مثلها..  فلماذا يدخل الناس النار؟ ولماذا لا زلت أنت بعيداً!! 

وهذا هو السؤال المهم الذي نحاول نحن نطرقه اليوم، لماذا لا زالت قلوبنا بعيدة؟

دعونا نتأمل العوامل الخمسة التي تجعل القلوب بعيدة عن الله – عز وجل – وتجعلها ترضى بالظلام فلا تذوق فُسحة النور وسرور الإيمان:

أولًا: الأمل

جميعنا نملك اليقين بأن يوم القيامة آتٍ في أي لحظة،و لكن الشيطان يلعب معنا لعبة الأمل وأن لا زال هناك متسع من الوقت، فكلما أراد الإنسان

أن يخطو خطوة ردده الشيطان وأغواه بالتأجيل.

ولذلك قال الله عز وجل في هذهِ الآية:

{ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}

وهنا تهديد لمن تقتصر حياته على الأكل والشرب واللهو، والله – عز وجل – لم يذكُر العقاب واكتفى بـ “سوف يعلمون” وهذا يدل على عظم الأمر وشدة التهديد!

وهذا هو العامل الأول الذي يجعل قلوبنا بعيدة عن الله – عز وجل – الأمل.  لا تنقصنا المعرفة لكن ينقصنا أخذ القرار.


ثانيًا: التهاون واستسهال المعاصي

كثير من الأمور أصبحت عادية لأن كثيرًا من الناس يقومون بها، وعندما يتهاون الإنسان بالمعاصي تصبح الطاعات أثقل عليه، عندما تهاون بالحرام دفع ثمنه من أعماله الصالحة!

بأي مقياس نحن نقيس ذنوبنا؟ كأن نقول إننا تركنا الذنوب الكبيرة من زنا وقتل وسحر وأن ما دونها صغائر هينة، فمن الذي قال إنها هيّنة؟

من الذي قال إن ذنوبنا اليومية بسيطة عند الله – عز وجل -؟

عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: «يَا عَائِشَةُ إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الْأَعْمَالِ، فَإِنَّ لَهَا مِنَ اللَّهِ طَالِبًا»


ثالثًا: العيوب الي خلقنا بها

قال الله عز وجل عن هذه العيوب:

{ … وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا }، وقال الله عز وجل: { خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ  …..}، وقال الله عز وجل: { وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ ……}

ففينا عجلة وفينا نسيان وفينا ظلم وفينا جهالة، هذه كلها وغيرها من العيوب التي قد تكون عيوب عامة للبشر

وهناك عيوب خاصة لكل واحد منا نشأنا وهذه الصفات فينا، هذه الابتلاءات بهذه العيوب توجب علينا أن نزكيها

ونصلحها لا أن نتعايش معها، فعلى الإنسان ألا يحكم على نفسه بأنه إنسان سيء ويتقبل نفسه هكذا، بل يجتهد ليصلح من نفسه.

لأن القلب إذا لم يصلح من الداخل لن يصلُح الجسد ولن يصلُح العمل، قالها النبي عليه الصلاة والسلام مرارًا وتكرارًا:

(أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ)


رابعًا: التهاون في الأخلاق

وكما قال أحدهم: الدين خلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين، فبين الدين والأخلاق ارتباط وثيق جدًّا

لا نستطيع أن نفصل هذا عن هذا، فأين نحن من الأخلاق الفاضلة هذه الأيام؟ أين من يدعو لهذه الأخلاق اليوم؟

الكثير يدعون لرد الإساءة بمثلها وأن المسامحة تؤدي إلى تمادي الآخرين، وينشرون مقولات مثل

” كن ذئبًا وإلا أكلتك الذئاب” وهكذا سنتحول فعلًا إلى مجتمع ذئاب كل واحد ينهش الآخر وكل واحد يدافع عن حقه

ولكن متى ما كانت أخلاقك سيئة فأنت تكون نموذجًا سيئًا لهذا الدين لأن هناك ارتباط كما قلنا أن النبي – عليه الصلاة والسلام – قال:

«إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ»


خامسًا: التهاون في أخذ العلم

ديننا لا يؤخذ بالحماسة، لا بد أن يكون للعلم في حياتك نصيب، كتاب الله وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم –

أهم شيء في حياتك فبهما تحيا وتعيش، فكيف لا تخصص لهما من يومك ساعة أو نصف ساعة؟!

هذه هي العناصر الخمسة وهي غيض من فيض

ونختم هذا الدرس بخطوات نعرف بها ماذا نفعل لكيلا نؤخذ بالأمور الخمسة السابقة:


قلة العلم:

إذًن تعلّم، قال الله عز وجل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ …}، فإذا أخذت الدين بالعلم لن يهزّك كلام الناس ولن تتأثر بأفعالهم.


الوقاية خير من العلاج:

سُئل الإمام أحمد، أيهما أحب إليك الرجل الذي يذنب ثم يتوب أم الرجل الذي لا يذنب؟ فقال الإمام أحمد: لا أعدل بالسلامة شيء!


اشغل نفسك بالحق تنشغل عن الباطل:

لا تجعل نفسك تعيش في فراغ، اكتب أفعال الخير التي تريد أن تفعلها في يومك، ولا تجعل يومك يضيع بحجة أنك

لا تحب الكتابة فتسير بك الأيام يومًا بعد الآخر وتمضي السنوات دون أن تحقق شيئًا.


اكتشف مرض الذوب مبكرًا:

واعلم أن الله – عز وجل – حذّرنا من خطوات الشيطان التي تبدأ بمجرد خاطر يجري في مجرى الدم، ثم يبدأ بعدها يزين لك الذنب، لذا احذر

من خطوات الشيطان واكتشف عيوبك مبكرًا، واحذرها قبل أن تتسرطن لأنها إذا ما تسرطنت تكاثرت، فيجب علينا أن نقوي الخير على الشر

ونقوي صوت الخير الموجود في داخلنا لكيلا يكون هو الصوت الأضعف، فكلما اكتشف الإنسان مرضه مبكرًا كلما استطاع معالجته بسهولة وسرعة.


أن تصبر على العلاج:

يقول أبو سفيان الثوري – رحمه الله – عالجت نفسي على الصلاة عشرين سنة واستمتعت بها عشرين سنة أخرى، فهو لم يجاهد نفسه

ليوم أو يومين أو سنة أو سنتين بل عشرين سنة، وهذا جهاد مهم جدًا فمرة قد يهزمك شيطانك ومرة تهزمه، ولذلك لا تسوف في علاج نفسك

ولا تنتظر إلى أن ينتشر الداء وحاول ألا تكون بعيدًا ولا ترضى أن تكون بعيدًا عن الله عز وجل.

إذا أحببت شخصًا في الدنيا فقربك منه، ألا تشعر بأن الدنيا كلها انفتحت لك؟ فكيف تكون العلاقة إذًا مع الله – عز وجل –

إذا شعرت أنه يحبك ويقربك منه؟ وقد يبتليك بمرض لأنه يريد أن يصطفيك له، أفلا تصبر على العلاج؟ أفلا تشتاق إلى الله – عز وجل-؟

فلماذا لازلت بعيدًا؟

إذا لم تكُن راضيًا عن علاقتك مع الله – عز وجل – ولا تريد أن تموت وتلقاه على هذه الحال، فأجب على هذا السؤال، لماذا لا زلت بعيدًا؟

فتّش عن الجواب في قلبك، واخطو الخطوات التي ذكرناها لكي تصل يومًا وتشعر بلذة القرب من الله – عز وجل-.

أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن يحبهم ويحبونه وأن يقربنا إليه وأن يصلحنا لنصلح أن نكون عبادًا له، هذا

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.

4 تعليقات

التعليقات مغلقة