بتاريخ ٢٥ / ١٢ / ١٤٤٠ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )


الملخص:

مع بداية العام الجديد وانتهاء مواسم الطاعات تمر بنا موجة الخواطر ونتسائل:

ماهو الشيء الذي أريد تغييره في حياتي ؟ كيف سأحافظ على القرارات التي اتخذتها؟

كيف سأنتفع من عام مضى من عمري بكل ما مر به من : دروسه/أحداثه/ مسراته / أحزانه للعام القادم؟

هذه الخواطر دائمًا ما تجول في دواخلنا وتولّد لدينا لحظة ارتباك قبل أن ندخل في السنة الجديدة، وثمة أناس منظمون يضعون لأنفسهم أهدافًا طويلة الأجل، وأهدافًا قصيرة الأجل، وأهدافًا كبيرة في الحياة وأهدافاً لهذه السنة ماذا يريدون أن يحققوا فيها.

لكل خطة قادمة، لكل هدف جديد، نستعرض حديثان هما بمثابة النبراس الذي تستطيع على ضوئهما أن تقدم أشياءً وتأخّر أشياء أخرى.

الحديث الأول:

عن ابن عمر رضي الله عنه: “أخَذَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمَنْكِبِي، فقال: كُنْ في الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ أوْ عَابِرُ سَبِيلٍ” [أخرجه البخاري]

كل ما تذكرت هذا الحديث اذكره مع شدّة يد النبي ﷺ لمنكبي ابن عمر، شَدّةِ يده لكتفك! هذا الحديث ليس مجرد موعظة أو وصية عابرة، بل منهج حياة.

》فماذا يقصد النبي ﷺ من هذه الكلمات ؟

▪ الغريب :

هو الغريب عن أرض ليست بأرضه فهو لا يملك شعور الانتماء لتلك الأرض و لا لمن عليها من ناس، بل هو عندهم لفترة ليعمل ثم يعود لوطنه الأصلي، فلا تشعر بالانتماء للدنيا ولا تستهلكك فتشعر أنها هي أقصى أمانيك و أقصى أحلامك.

▪عابر سبيل :

هو الإنسان المسافر، وهذا تشبيه أشد من الذي قبله، فالغريب قد يستقر في أرض الغربة لكن  عابر السبيل لا يستقر بل يمر مروراً، وقد يتزود بماء من أرضهم ويذهب، فهو لا يهمه أصلًا أن يجلس معهم، ولا يهمه أن يحقق أي أشياء أو أي إنجازات؛ لأن هذه الأرض ليست أرضه هو فقط جاء ليتزوّد بالماء وسيخرج.

فكن دائمًا على جناح السفر، فدار الدنيا ليست بدارنا ولا مقرنا، كما قال مؤمن آل فرعون:

(يا قومِ إنَّما هذه الحياة الدنيا متاع وإنَّ الآخرة هي دار القرار)

[39، غافر]

وكان ابن عمر بعد حديث النبي صلى الله عليه وسلم له يقول:” إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح “.

فهذا الحديث بالإضافة لكلام ابن عمر يعلمنا أن لا نؤجل قراراتنا لوقت لاحق، فربما لا ندركه.

ليست القضية أن تنتظر الموت، القضية هي كيف تجمع أكبر قدر من الأعمال الصالحات لتأخذها إلى المقر الأصلي.

فحي على جنات عدن فإنها * ** منازلنا الأولى وفيها المخيم

سأل الفضيل بن عياض رجل فقال له : كم آتى عليك؟ فأجاب: ستون سنة . فرد عليه: ستون سنة و أنت تمضي إلى ربك توشك أن تصل فقال الرجل : إنا لله و إنا إليه لراجعون فقال الفضيل: أتعرف ما تقول ؟! إنك تقول أنك عبد لله و أنك إليه راجع، فمن عرف أنه راجع فليعرف أنه موقوف ومن عرف أنه موقوف فليعلم أنه مسؤول و من عرف أنه مسؤول فليعد للسؤال حواباً. فقال الرجل : مالحيلة ؟ فرد الفضيل : “يسيرة، أصلح ما بقي من عمرك يغفر لك ما مضى، فإنك إن أسأت فيما بقي أخذت فيما بقي و فيما مضى . “

وقال الرسول ﷺ: “نِعمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ.” [صحيح البخاري] ما معنى الغبن؟ أي أنك تبيع بخسارة، فتشتري شيئا غاليًا، ثم تعرف أن ثمنه كان رخيصًا، فهذا هو الشعور في يوم التغابن، فأما الكافر فيشعر بالغبن لأنه ضيّع دنياه في الكفر وأنه لم يؤمن بالله، وأمّا المؤمن فيشعر أيضًا بالغبن على ساعة مرّت لم يذكر الله فيها، فلا يندم أهل الجنة إلا على ساعة مرت عليهم في الدنيا لم يذكروا الله عزّ وجلّ فيها.

 لذلك فكرة أنك غريب أو عابر سبيل من المفترض أن تتحول إلى شيء عملي في حياتك تجعلك طوال الوقت وأنت زنبرك من الأعمال الصالحات.

قال الله عز وجل:{ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } .

قال قتادة في هذه الآية :  “وهذه حالاتك كلها يا ابن آدم”  اذكر الله في جميع حالاتك، و ليس المقصد فقط ذكر الله باللسان وإنما أن يكون قلبك معلق دائماً بالله عزوجل أينما كنت.

الحديث الثاني:

قال رسول الله ﷺ:  ” اغتنِم خمسًا قبل خمسٍ : شبابَك قبل هَرمكِ، وصحتَك قبل سقمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شغلِك، وحياتَك قبلَ موتِكَ .” [أخرجه الحاكم في المستدرك، قال الألباني: صحيح]

كلمة الاغتنام تدل على أن تكثر الأعمال الصالحة التي تستطيع أن تعملها وأنت مازلت في مرحلة شبابك وصحتك وحياتك عموماً.

النبي عليه الصلاة والسلام يرشدنا إلى ما هو أشد من قضية الاغتنام وكأنه يقول لا تستهلكك الدنيا ولا تستهلكك حتى الأحداث الجارية ولا تنشغل أصلًا بأن ليس ثمة فائدة أو ثمة فائدة أو أصلا لماذا أنا أفعل هذا أو الناس لم تعد تفعل هذا الشيء وأنا الوحيد الذي أفعله والناس مختلفين عني فيقول: “إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها” [أخرجه أحمد في المسند، وقال الألباني: صحيح] ” ربما تكون هذه الفسيلة هي الأمان لنا عند الله من دخول النار، و دخولنا للجنة.

كان يقول أحدهم : “الدنيا ثلاثة أيام أما الأمس فقد ذهب بما فيه و أما الغد فإنك ربما لا تدركه و أما أنت فإنما لك هو اليوم فاعمل فيه.” ويقال اليوم : لا تحدثني عن إنجازاتك الكبيرة بل حدثني عن إنجازاتك الصغيرة أو البسيطة اليومية. فمثلاً في يومك : كم هي صدقاتك، نوافلك، صيامك، تفريجك لكرب و حاجات الناس،  قراءة القرآن، بر بوالديك … وغيرها من الطاعات .

يقول ابن مسعود رضي الله عنه: ” ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت فيه شمسه نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي”

 قاعدة [ إن لم يصح يومك فلن يصح عمرك]

ختاماً:

يقول الرسول ﷺ : “بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ، فِتَنا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيْهَا مُؤْمِناً وَيُمْسِي كَافِراً، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِناً وَيُصْبِحُ كَافِراً، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا قليل” أي أعدوا عدة الأعمال الصالحة لتستطيعوا أن تواجهوا فيها فتن كقطع الليل المظلم من شدة سوادها.

فلا تنتظر، و لا تؤجل، و إنما أنت في مستهل عام جديد فضع أهدافك التي تريد تحقيقها لهذا العام و اجعلها على ضوء أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وضع أولوية لتلك الأهداف التي لابد أن نُبَادِر فيها قبل نُبادَر .

هذا و أسأل الله أن يغفر لي و لكم، والحمد للّه رب العالمين


* تنويه: مادة المحاضرة جُمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.