الواحد الأحد

بتاريخ ١٣ / ٥ / ١٤٤٢ هـ

---

لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )

---

---

  لقاؤنا يحمل معاني وحدانية الله تعالى

وما سبب تكرر الأمر بتوحيد الله تعالى كثيرا في القرآن الكريم؟

فما هو هذا الاسم الذي نهلل به صباحًا ومساءً؟ ماهي مدلولاته؟ كيف نعيشه؟ كيف نحققه؟ ما هو أثره العملي في حياتنا؟

الجنة لا يدخلها  كافر ولا مشرك { إنّ الله لايغفر أن يُشرك به}، فالله عزوجل لايغفر إثم الشرك أبدًا، وإنما يغفر ما دون ذلك لمن يشاء.

فكان أوجب الواجبات في حياة المسلم :

توحيد الله عز و جل

ولأجل هذا سمّى الله نفسه بالواحد الأحد، قال الله عزوجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ}

.. ( كُن واحدا لواحدٍ على طريقٍ واحد) ..

ماذا تعني هذه العبارة؟ 

١- التوحيد يقترن بالإخلاص، فلا يمكن أن تكون مُخلصًا ما لم تكن موحّدًا، وإن وحدّت ربك فحقيقة التوحيد أن تُخلص أنت بعملك لله عزوجل. 

لذلك قال الله عزوجل : ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)) 

فلا يُقبل أي عمل إلا بهذين الشرطين

الإخلاص والمتابعة

فأما الإخلاص: فأن تكون لوجه الله عزوجل لا شريك له، وأما المُتابعة: فتكون على سنة النبي

عليه الصلاة والسلام، فالتوحيد هو في الشرط الأول اللي هو الإخلاص. 

---

٢- حينما نقول: الله الواحد الأحد فيجب أن يكون رقم واحد في حياتك. قال الله عزوجل: { قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ }، (ثم) للتعقيب وللترتيب

---

ماذا يعني أن يكون الله هو رقم واحد في حياتك؟

أن تؤثره على سائر المحاب وعلى أشكال الهوى، وهذا مايتمايز فيه الناس .

في الحديث:

((ثلاثةٌ يحبُّهمُ اللَّهُ ويَضحَكُ لهم ويستبشِرُ بِهِمُ : الَّذي إذا انكشَفت فئةٌ قاتلَ وراءَها بنفسِهِ للَّهِ عز وجل فإمَّا أن يُقتَلَ

وإمَّا أن ينصرَهُ اللَّهُ عز وجل ويَكْفيَهُ ، ويقولُ : انظُروا إلى عبدي هذا كيفَ صبرَ لي بنفسِهِ ! ؟ والَّذي لَهُ امرأةٌ حسنةٌ وفراشٌ ليِّنٌ حسنٌ فيقومُ منَ اللَّيلِ

فيقولُ يذرُ شَهْوتَهُ ويذكرُني ولو شاءَ رقدَ ، والَّذي إذا كانَ في سفرٍ وَكانَ معَهُ رَكْبٌ فسَهِروا ثمَّ هجَعوا فقامَ منَ السَّحرِ في ضرَّاءَ وسرَّاءَ))

فهؤلاء الثلاثة يجمعهم شيء واحد أنهم آثروا الله عزوجل على قيم أخرى عند ناس آخرين كانت هي رقم واحد، لكن هم جعلوا الله عزوجل رقم واحد !

و هذه تحتاج إلى مجاهدة وإلى مكابدة وإلى مكاشفة، وتحتاج دائمًا إلى البحث في أعماقنا حتى نتأكد أن لا شيء يزاحم الله  في قلبك. 

---

٣- مما يُستنبط من اسم الله الواحد الأحد، أن المسلم الرباني الذي يتعبد الله سبحانه وتعالى بهذا الاسم لا بُد أن يحمل تكاليفه على نفسه، فأن يكون هو أيضًا فردًا

مُتميّزًا واحدًا في مجاله، فكن متميّزًا بإيمانك بعقيدتك بمبادئك، وبأي موهبة أعطاك الله عزوجل إياها .

---

٤-  الوحدانية هي الأمر التي فطر الله عز وجل عليها قلوب العباد بأجمعهم، فإن الرسل ما أُرسلت إلاّ من أجله، ومن أجل

توحيد الله عز و جل ، وما أنزلت الكتب السماوية بأجمعها إلاّ من أجل هذين الاسمين أن يكون الله هو الواحد الأحد، ولا قامت الجنة ولا النار

ولا أدخل الناس فيهما إلاّ من أجل هذا الاسم أيضًا

قال الله عزوجل في كتابه على لسان نبيّه:

{ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ } 

{ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ } 

---

نأتي الآن إلى التطبيقات: .

 فاستقيموا إليه ، فله أسلموا. فمعناها أن ترتب حياتك فيكون الله عز و جل  هو الواحد في حياتك. 

عندما نطلب رضا الناس بسخط الله تعالى، هنا  ناقضنا الواحد الأحد، و ناقضنا لا إله إلاّ الله .

فليس بالأمر الهيّن أن نقدم غير الله عزوجل على رضى الله عزوجل.

يوسف عليه السلام حينما أراد أن يدعو أصحابه في السجن قال لهم :

{ يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهّار }

من أفضل ومن أحسن؟ هؤلاء المجموعة من الأرباب المتفرقين الذين لا تدرون رضا أي منهم مقدم على الآخر أم الله الواحد القهّار؟ .

قال عزوجل عن هذا الشرك، عن هذه الجريمة الكبرى التي صنعها المشركون :

{ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91)

وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا } 

تخيّل أنت أيّها المسلم حين تنضم إلى قوائم الشاتمين الذين يؤذون الله بهذه الكلمة، تخيّل أن تكون ممن ينزع عنك إسلامك وإيمانك لمجرد

أن تقول أو تضع هذه الجملة من كلمتين ميلاد مجيد !

ما تفعله ليس فقط جريمة في حقك أو في حق دينك؛ أنت تفعل ذلك جريمة حتى في حق النصراني

الذي أوهمته أنه على دين الحق، وهو ليس على حق أصلاً.

قال الله عزوجل من فوق سبع سماوات: { لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ }

هؤلاء يقول الله عنهم كفروا، من أنت لتشكك في كفرهم!

جيوش المسلمين حررت الدنيا من أجل هذه الحقيقة، ربعي ابن عامر يدخل على رستم فيقول له رستم : ما جاء بكم؟

– امبراطورية الروم أناس لم يعرفوا العرب إلا أنهم مُجرّد حثالة يأكل قويهم ضعيفهم، ويأتون إليهم أذلة قد انطرحوا على أبواب الروم 

يريدون شيئًا من المال والطعام، فيقول لهم :

أنتم أيّها العرب ما جاء بكم لبلادي ؟ ما الذي أوصلكم أنتم أيها الرعاع لأن تأتوا إلي بجيش تريدون مقاتلتنا !!! فماذا رد عليه ربعي ابن عامر؟

قال : جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.

تلك هي الحقيقة المتقررة التي يفترض وجودها راسخة في نفس كل مسلم

---

إذًا كيف نعيش التوحيد؟ 

ثلاثة أمور لابد أن تتأكد منها 

حتى نحقق التوحيد في حياتنا

١- لابد من تنقيحه وتجريده.

٢- لابد من تحقيقه.

٣- لابد من تجويده.

إذا أردنا أن نعيش حقيقة التوحيد فلابد أن نتأكد أن القلب قد أزيلت منه حظوظ النفس ، ولذلك قيل كي تَخلص لابد أن تُخلَص ، والكلام هنا ليس على حظوظ النفس

المباحة إنما الكلام هنا على حظوظ النفس المحرمة التي تزاحم الله تعالى في السمع والطاعة والعبودية .

---

عملان اثنان نستطيع بهما قياس قلوبنا ومعرفة ما إذا كنا قد حققنا التوحيد حق التحقيق :

١-  إدمان العمل الصالح الخفي  واستهوائه فلا يصير ثقيلا على النفس و عبادات الخفاء هي التي تثبت الإنسان في مواطن الفتن .

2-المؤشر الثاني أن تحتسب أعمالك كلها، تذكر في كل مرة تفعل عملًا أن تسأل نفسك لمن هذا؟ 

ومما يعين على تحقيق التوحيد تجويده فلا نبقى على الحال التي نحن  عليها دائمًا ولا نظن أننا في مأمن ولا نظن

أن الشيطان قد يأمن المحاولة ، الشيطان لن يدعك ولن يدع هذا الإخلاص يكون مستنيرًا وضيئًا في داخل قلبك، ولذلك تجويد الإخلاص بأن تتهم الإخلاص 

هل هو لديك أصلًا هل أنا مخلص في الحقيقة؟ اتهم إخلاصك أمتأكد أنك قد عملته  لله عز وجل أم لا ، لا نقصد في هذا

أن تدخل في وسوسة لا، لكن أن تتهم إخلاصك فتجعله تحت المجهر ، لأن آفة العبد أن يرضى عن نفسه وأن يرضى عن عبوديته، كل دورات تطوير الذات تقول لك:

افرح بنفسك، ارضَ عن نفسك هذا كله في الذات في أمر الدنيا أما مع الله عز وجل فلا ترض عن نفسك أبدًا، ولا ترض عن عبوديتك, فيجب أن نسابق إلى الله عز وجل

لأنه هو القائل: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) ولذلك تجويد الإخلاص بأن تتهم نفسك بالجناية.

    الكون كله يشهد بالواحد الأحد ويشهد له ذلك الترتيب والانسجام والتناغم الذي نراه في هذا الكون الله عز وجل يقول عن هذا:

(ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا) ويقول الله عز وجل: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون)

الغاية العظمى إذن من وجودنا في هذه الحياة هي تحقيق تلك الوحدانية (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) .

   أورد الإمام أحمد هذا الحديث إذا جمعَ اللَّهُ النَّاسَ يومَ القيامةِ ليَومٍ لا رَيبَ فيهِ، نادى مُنادٍ:

مِن كانَ أشرَكَ في عَملٍ عملَهُ للَّهِ أحدًا فليطلب ثوابَهُ من عندِ غيرِ اللَّهِ فإنَّ اللَّهَ أَغنى الشُّرَكاءِ عنِ الشِّركِ . موجع حين تسمع هذا النداء يوم القيامة :

يا من عملت عملا يراد به وجه الله لكنك أردت به غيره فاذهب لمن عملته لأجلهم !

---

نختم بهذه النقاط العملية:

–  أكثِر من تجويد التوحيد، وهذه نأخذها من قول النبي -عليه الصلاة والسلام-:

(إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فسلوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم)

– كيف نستطيع مجابهة الدنيا من غير مدد من الله؟ وردك من القرآن وردك من أذكارك وكل هذه الأشياء

يجب أن تحافظ عليها ولذلك سمي الورد وردًا لأنه يورد ويورق ويزهر بعد أن يرد وبعد أن يرد عليه الماء ، اعلم أن الشيطان لن يساعدك عليها

ولن يذكرك بها ولن يجعلها هينة عليك لأنها حرزك منه فإن لم يقدر على إبعادك عنها حاول أن يلهيك ويقطعها عليك ويضيع حبل انشغالك بهذه الأوراد

  ابن تيمية كان يجلس في مصلاه من صلاة الفجر إلى انتصاف النهار ثم يلتفت بعدها، كان ابن القيم أحد تلاميذه يجلس وراءه

فلما التفت ابن تيمية  نظر إليه فقال: (هذه غدوتي لو لم أتغدها لسقطت قوتي)!

فلا عجب أن يبارك الله في حياة شيخ الإسلام .

– أن تستعمل هذا الاسم في رجائك وفي دعائك وفي سؤالك .. دخل النبي -عليه الصلاة والسلام- على رجل فسمعه يقول:

(اللهم إني أسألك يا الله وأنت الله الواحد الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم، قال النبي -عليه الصلاة والسلام

(قد غفر له، قد غفر له، قد غفر له) فقط لأنه وحّد الله عز وجل .

---

* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.