بتاريخ ٢٧/ ٣/ ١٤٤٦ هـ
لسماع المحاضرة صوتًا
( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )
جُعلت ميقاتاً للقلوب، وموعداً ثابتاً للاتصال بالسماء ومناجاة الإله، لتأنس الروح وتهنأ في الحياة.
خلق الله -ﷻ- آدم من طين كالخزف، ثم نفخ فيه من روحه، هذه الخلقة لبني آدم المكونة من طين وروح لا يعلم أسرارها ولا كينونتها ولا ما يصلحها إلا الذي خلقها.
يمر الإنسان بمنعطفات حادة في الحياة ، كرب شديدة على ذاته الشخصية أو على مستوى الأمة، تمر الأمة بأحداث عظام، بفتن وحروب لا تتوقف ،
نرى المئات قتلوا في غزة أو سوريا ولا زال العداد لم يتوقف منذ سنين، نراهم أمواتاً وأشلاءً، بينما يخبرنا الله -ﷻ- عنهم بمقياس آخر، أنهم أحياء ولكن لا تشعرون.
لذلك دعونا اليوم نأتي إلى علاج أخبرنا الله -ﷻ- به في آيات ثِقال حين قال: (وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ *
وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) البقرة: 154-155.
هذه الآيات الثقال مالذي سبقها؟
قال تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ) البقرة: 153-154.
فالله -ﷻ- قبل أن يتحدث عن الموت في الآيات وعن الابتلاءات الشديدة والفتن المظلمة التي أخبر النبي ﷺ عنها،
حين قال: (بَادِرُوا بالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ) -صحيح مسلم، قطع الليل المظلم ونحن في وضح النهار،
لكن كقطع الليل المظلم تعمي الأبصار والقلوب، فلا يعرف الإنسان أين الحق من الباطل.
قال تعالى :(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) البقرة: 153.
لنقف عند معنى الصلاة ولماذا يأمرنا الله -ﷻ- بها.
لماذا نتحدث عن الصلاة؟
نريد أن نفهم الأمر من زاوية أخرى ، لماذا نحتاجها كعبادة؟ هناك أربع عبادات نمارسها يومياً، هذه العبادات يتقاطع الإنسان فيها بعلاقته مع الله -ﷻ-،
من خلال القرآن والذكر والدعاء والصلاة، عبادات لا تخلو منها أيامنا، فالذكر هو ذكر لله وحده، والقرآن هو كلام الله -ﷻ- وهو ذكر أيضا له وحده،
والدعاء أنت تدعو الله -سواء كان دعاء مسألة أو دعاء عبادة-، أما الصلاة فهي تشمل الأربعة جميعاً،
لذلك نفهم عندها قول النبي ﷺ: (الصَّلاةُ خيرُ موضوعٍ فمَنِ استطاع أنْ يستكثِرَ فلْيستكثِرْ) أخرجه الطبراني.
نتحدث عن الصلاة لأن الله -ﷻ- إنما جعلها ليحيي بها قلوبنا وليعيد بها لذة وحلاوة الإيمان.
قال تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ،
(وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ * وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) البقرة: 154-155.
لماذا تكلم الله سبحانه عن الصلاة و حلاوة الإيمان ولذته قبل أن يتكلم عن الابتلاء بالنقص الأموال والأنفس والجوع والخوف؟
لأننا دون الإيمان لا يمكن أن نصبر، وضعيف الإيمان لا يمكن أن يتحمل المصيبة، فيجزع ويتسخط من هولها، والله -ﷻ- سيسأل -ﷻ- عن صاحب هذا البلاء،
فيقول: (إذا مات ولدُ العبدِ قال اللهُ تعالى لملائكتِه : قبضتُم ولدَ عبدي ؟ فيقولون : نعم فيقول : ماذا قال عبدي ؟ فيقولون : حمدك واسترجَع،
فيقولُ اللهُ تعالى : ابنوا لعبدي بيتًا في الجنَّةِ، وسمُّوه بيتَ الحمدِ) أخرجه الترمذي.
فالإنسان الذي لا يملك رصيد من الإيمان تنزل عليه المصائب كبرى وعظيمة ، لا يستطيع أن يتحملها فيحتاج إلى أياماً وأحياناً إلى أدوية حتى يتعافى،
وأما من يملك رصيداً قوياً من الإيمان، من كان يذكر الله -ﷻ- في السراء، لا يتركه الله -ﷻ- وحده في لحظات الضراء، إنما يكون عنده رصيد من الإيمان يسحب منه.
ما الذي ينمّي هذا الرصيد؟ الصلاة، هذه العلاقة بينك وبين الله -ﷻ-.
ليست القضية فقط في الإكثار من عبادات الذكر وغيره، لكن هناك أيضا شيء مزامن معها: وهو إحسان العبادة وتجويدها، فالله -ﷻ- سيحاسبنا على الإحسان في العمل،
ومن أَولى العبادات الصلاة، مجرد استشعارك أنك ستتعبد فيها الله -ﷻ- فأنت لا تستطيع أن تقدمها إلا بالطريقة المثلى ،
ولذلك قال ﷺ: (ذاقَ طعمَ الإيمانِ من رضيَ باللَّهِ ربًّا وبالإسلامِ دينًا وبمحمَّدٍ صلَّى اللَّهُ عليه وسلم نبيا) صحيح مسلم. فالإيمان له طعم وله حلاوة وهذه الطعم والحلاوة من لم يذقها فلم يذق طعم الإيمان.
أرحنا بها يا بلال :
الصلاة التي ذاقها النبي- ﷺ -: كان إذا حان وقتها، يلتفت إلى بلال-رضي الله عنه- ويقول: “يا بلالُ، أرِحْنا بالصلاةِ.” -أخرجه أبو داوود.
من خلال الحديث نستشف ما في قلب رسولنا الكريم و كأنه يقول: قد شبعنا من الدنيا وأذاها و ثقلها فأرحنا بالصلاة، فتخيلوا أنه يتحيّن متى وقت الصلاة ليرتاح!
التعامل مع أعظم عبادة:
حينما نتعامل مع الصلاة، فإننا نتعامل مع أعظم عبادة لأعظم من يألهه القلب، فإذا كنا في حياتنا نحسّن أخلاقنا لأجل الناس أو لأي أجور أخرى،
فنحن في هذه العبادة بالذات لا ننظر فيها إلى مكارم أخلاق ولا يوجد بها تفريج كربات ولا صدقات، بل هي علاقة خاصة بينك وبين الله-ﷻ-فقط،
هي التي يريدها الله -ﷻ- منك ويريد منك فيها الإحسان، ولذلك نحن لا نقدم لله-ﷻ- إلا الأفضل و الأجمل و الأعظم، هذا المفهوم فهمته عائشة-رضي الله عنها-،
فكانت حينما تتصدق كانت تطيّب الأموال وتقول: أنها تقع عند الله قبل أن تقع في يد الفقير.
ولذلك أنت اجعلها منهجاً في حياتك ، أي شيء ستقدّمه لله-ﷻ-، قدّمه كأفضل شيء عندك.
الفزع إلى الصلاة:
كثير من الناس لا يدركون أهمية الصلاة في تفريج الكروب والهموم، و كشف الأحزان، و الهداية في أوقات الفتن، وهذا مدخلنا لليوم كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا حزَبَه أمْرٌ،
فَزِعَ إلى الصَّلاةِ. حزبه أمر: يعني نزلت به نازلة.
ولاحظوا من؟ هو النبي-ﷺ – المؤيد بالوحي، والذي يعرف أن الله-ﷻ- يهأ له المدد والعون،
وأن جبريل-عليه السلام- يأتيه بخبر السماء ومع ذلك قد يحزب النبي-ﷺ- الأمر وتنزل به النازلة، كما حدث في غزوة الأحزاب، وبدر، وأحد،
ومقتل حمزة وجعفر-رضي الله عنهما-، وغيرهم الكثير ، فعندما يحزبه الأمر، كان أول ما يفعله النبي- ﷺ – أنه مباشرة يتوضأ ويصلي، فلا يسأل عن تفاصيل المشكلة، بل يفزع إلى الصلاة.
الركعتان في الصلاة تفعل في القلب مفعول السحر، شيء من التثبيت ينسكب على القلب، وشيء يثبت الجنان، لا يمكن أن يصفه وصف.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) البقرة:١٥٣.
لا يثبّتك فقط في لحظات الكرب، على صعيدك الشخصي أو على صعيد الأمة، بل يثبت ويهديك في لحظات الشتات التي تمر بك، المحطات الفارقة،
المواقف التي تجهلين فيها الصواب من الخطأ، و يجعل عينينك تبصر للصواب ، لكن عليك أولاً أن تفزعي إلى الصلاة، التي قال عنه رسول الله ﷺ: (والصَّلاةُ نُورٌ) صحيح مسلم.
فما كانت هناك مشكلة يغتّم لها النبي- ﷺ -، إلا وكان يفزع لها، لا يوجد إنسان أُوذي كما أُوذي النبي- ﷺ – ولا خُوّف كما خُوّف النبي ﷺ ولا سُمّع كما سمع النبي ﷺ،
ومع ذلك هو الذي كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وهو الذي يقول له الله -ﷻ-: (ولَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ)الحجر:٩٧،
فماذا يقول له الله -ﷻ-؟ نعرف أن صدرك ضائق، وضيقة صدره ﷺ ليست بمثل ضيق صدورنا، لأنه يريد أن يبلغ دين الله-ﷻ-، ولا يوجد أحد يسمعه،
ولا يؤمن به، ولأنه ﷺ لا يعلم إن كانت ستمكّن له الأمة، ففي بداية انتشار الإسلام بمكة وتعذيب المسلمين،
ما كان له إلا أن يعد الصحابة-رضوان الله عليهم- بـ: صبرًا آل ياسرٍ، فإنَّ موعدَكم الجنةُ، فهو امتحان صدق البدايات.
بعد كل هذه المعاناة التي يعيشها النبي محمد صلى الله عليه وسلم ماذا أوصاه الله لتخفيفها ؟
قال تعالى: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ *وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩))الحجر:٩٨-٩٩،
أرشده الله-ﷻ- إلى أن يسبّح بحمد ربه وأن يصلي، فإذا بالمعانة و المشاكل تُحل !، أفلا تحلّ مشكلتك ؟ أفلا يزول بلائي وبلائك ،
إن كنا نتجه إلى الصلاة بهذا المفهوم أساساً؟ ولذلك هذه الصلاة هي دواء وهداية للعبد، وكشف لكربه وهمومه.
أحياناً ليس بينك وبين الحل إلا أن تتوضأ وتصلي، فيكشف الله-ﷻ- الأمر و تحل المشكلة.
قد يكون جزء من حل المشكلة أن يسكب الله-ﷻ- الطمأنينة في قلبك، ويسكب فيك الرضا والثقة، أنه ما قضى الله-ﷻ- فهو خير ،
قد يكون الحل هو في تثبيتك أنتِ وطمأنينتك حتى تمرّ المشكلة، لأن الله – ﷻ – كتب أنها لابد أن تمر،
فأنت لا تعرف الحل كيف سيكون لكن المهم أن تعمل بما أوصانا الله -ﷻ- به: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ)الحجر:٩٨.
الميثاق الأعظم:
هذه الصلاة هي أعظم صلة بينك وبين الله-ﷻ-، وهو الميثاق الأعظم، وهي أول موعد بيننا وبين الله -ﷻ-، وأعظم أركان الدين على الإطلاق،
وهو الركن العملي، فليس أعظم ولا أجل ولا أهيب من هذه الصلاة.
ولذلك يقول العلماء أن مقياس علاقتك وتدينك الحقيقي في علاقتك مع الله -ﷻ- هو في صلاتك.
كيف ندخل في الصلاة؟
الخشوع يبدأ من الأذان..
نحن لا نبدأ في الخشوع في الصلاة من اللحظة اللي نكبر فيها للصلاة بل من الأذان، ترديدنا مع المؤذن هو بداية الاستعداد القلبي والإعلان عن دنو الموعد ،
النبي ﷺ تقول عنه زوجته: (كانَ يَكونُ في مِهْنَةِ أهْلِهِ – تَعْنِي خِدْمَةَ أهْلِهِ – فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إلى الصَّلَاةِ) صحيح البخاري.
هذه الصلاة لم تشرع في الأرض بل في السماء ، فكل أركان الإسلام نزلت بالوحي، إلا الصلاة شُرعت في السماء لما أُسري بالنبي ﷺ إلى السماء السابعة إلى سدرة المنتهى إلى أعلى مكان.
تخيل رسول الله ﷺ، وهو يعرج به إلى السماء السابعة عند سدرة المنتهى، حتى يؤمر بهذه الصلاة، فكانت خمسين صلاة ثم صارت خمسة،
فهي خمس صلوات بالأداء، خمسون بالأجر، وهذا لا يعني أنها تتضاعف، بل هي تكتب خمسين صلاة، أي كل صلاة عن عشرِ صلوات.
فالأذان هو الشيء الأول الذي يبدأ فيه الإنسان بالاستعداد، ولذلك الشيطان يحاول أن يذكرك بكل مواعيدك وأن يشغلك بكل شيء موجود في حياتك، لأجل ألا تتهيأ للصلاة أو لا تدخلها متحفز مشتاق .
تفاعل النبي ﷺ مع الصلاة:
الصحابة –رضوان الله عليهم- يصفون صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بأن “ولجوفِهِ أزيزٌ كأزيزِ المِرجَلِ” صحيح النسائي.
فلم يكن النبي ﷺ يبكي في الصلاة نياحة ، بل كان يعبد الله -ﷻ- حبًا وشوقًا وخوفًا ورجاءً،و كان بكائه في صلاته كأزيز المرجل،
رجفة القلب من الداخل، وهذا غاية الصدق في غاية الخوف ، ومزيج بين أنك خائف من ربك وفي نفس الوقت محب له ،
و أوصى نبينا الكريم أن تكون صلاتنا كصلاته حينما قال النبي ﷺ: (وصَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) صحيح البخاري،
دل على أن أمر الصلاة لم يكن عادياً أبداً، ليس حركاتٍ تكرر بل أن تأتي بروحك.
–أبو بكر -رضي الله عنه- لم تكن صلاته عادية، بل أسلم أناس من قريش بسبب صلاته.
هل تتخيل أن أحداً قد يسلم بسبب صلاتك؟ هناك فرق بين من يصلي سريعاً على استحياء، وبين من يصلي فيخشع في صلاته فيحسن ركوعه وسجوده فيأخذ بلُب من يراه.
–سفيان الثوري –رحمه الله- كان إذا قرأ الفاتحة لا يكاد يُتمُها من كثرة بكائه ،معاني الفاتحة تأخذ بالقلب،
ليس أمراً عابراً أن يجعلنا الله -ﷻ- نكررها 17 مرة في اليوم في الفروض فقط، غير النوافل!
ولذلك اجعل من ضمن أهدافك لهذه السنة: أن تعرف أسرار الفاتحة، فتأخذ دورة في تفسيرها، في معانيها، في غرائبها،
و أسباب النزول، تقرأها متدبراً واعياً لتعيشها، ولتفهم شيئاً من رسالة الله -ﷻ- لنا من خلالها.
-أما سعيد بن المسيب –رحمه الله- فيقول: (ما أذن المؤذن منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد، وما نظرت إلى قفا إنسان وأنا أصلي)،
لم يصلِّ في الصف الثاني، لأن المؤذن لم يؤذن إلا وهو في المسجد.
-وكان يقال عن شيخ الاسلام ابن تيمية –رحمه الله-: “لو رأيت ابن تيمية وهو يكبر لأنخلع له قلبك”.
ينخلع له قلبك من الصدق واليقين والرهبة من الله -ﷻ-، والخشوع الذي يُعدي من يسمعه، ولذلك قد نسمع قارئاً يصلي، فنعرف أنه خاشع في صلاته،
وآخر وقد يكون أجمل منه صوتاً، غير أننا لا نستشعر منه ذلك، لأن ما خرج من القلب يدخل إلى القلب، وما خرج من اللسان لا يجاوز الآذان.
–علي ابن ابي طالب -رضي الله عنه-، كان إذا سمع الأذان تزلزل وقال: جاء وقت الأمانة. أي أمانة؟
قال تعالى :{ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ } الأحزاب : 72
–الحسن البصري –رحمه الله-، إذا توضأ اصفر لونه، فقيل له: يا إمام ما لك؟ فيقول:” أتدرون بين يدي من سأقف؟”
–ابن الزبير –رضي الله عنه- كان إذا صلى حسبوه سارية، يحسبونه عاموداً فوق السطح، وكان في قصته مع الحجاج، لما ضربوا مكة بالمنجنيق -حجارة من نار-،
وكان يصلي عند الحرم، فكان الحجر يأتيه ما بين لحيته وصدره فلم يتحرك له.
–البخاري -رحمه الله- كان يصلي فلدغه دبور سبعة عشر مرة، فلما انتهى من صلاته قال لأهله: “انظروا هذا فقد آذاني”،
فقالوا: لمَ لم تقطع الصلاة؟ فقال: “كنت قائم بين يدي ربي أفأتحرك لذبابة؟”.
لا عجب أن هذه المشاعر هي التي أعطتهم تلك الإيمانيات التي تجعل علاقة الانسان متينة بربه -ﷻ-، وتجعله أشد صلابة،
وتجعل كروبه وهمومه تنفرج، لأنها ليست صلاة عادية وليست عبادة عادية.
إن للعبد موقفين: موقف بين يدي الله -ﷻ- الآن عندما يكبّر ويصلي، وموقف بين يدي الله -ﷻ- في الآخرة، كلنا سنقف لهذا الموقف يوم الحساب،
فإذا حسن موقفه بين يدي الله -ﷻ- في الصلاة، وأتم ركوعها وخشوعها ما استطاع وجاهد في ذلك، حسن موقفه عند الله -ﷻ- وتشفع له هذه الصلاة.
الخشوع في الوضوء:
بعد التهيئة القلبية التي تبدأ من الأذان يأتي الوضوء، والوضوء هو نورك ونهرك الذي تغتسل منه، هو تطهيرك من ذنوبك، هو حليتك يوم القيامة.
يقول ﷺ: (تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِن آثَارِ الوُضُوءِ) صحيح مسلم. و”الغُرَّة”: بياضٌ في الوَجهِ والرَّأسِ، و”التَّحْجيلُ”: بياضٌ في اليَدَينِ والرِّجلَينِ.
عندما تتوضأ تكون هذه حليتك، وتبلغ حلية المؤمن ما بلغ وضوءه، وهذا نورك يوم القيامة على الصراط.
الله أكبر:
ثم تدخل في صلاتك فتكبر، عند قولك: “الله أكبر”، استشعر من الداخل حقيقة أن الله أكبر من كل شيء،
لذلك حركة اليد مقصودة، كأنك ترمي كل الدنيا خلفك وتقول أن الله أكبر، فالله أكبر من هذا الهم الذي يهمني، والله أكبر من المشكلة التي تضيق بها صدري،
والله أكبر من هذا المستقبل الذي أحمل همه، والله أكبر من كل شيء يحزنني، والله أكبر من المجتمع الذي أعيش فيه، ومن الكلام الذي أوذيت فيه، ومن القرار الذي أجلته.
ثم يبدأ الانسان بدعاء الاستفتاح، لديك كل أنواع الأدعية، تبدأ صلاتك بقول: اللهم باعد بيني وبين الذنوب والخطايا كما باعدت بين المشرق والمغرب،
اللهم اغسلني من الذنوب والخطايا بالماء والثلج والبرد.
لذلك من أهم ما يتعلمه الإنسان: أن يراجع ويحفظ أدعية الاستفتاح، حتى ينوع فيها.
بعد الاستفتاح يستعيذ ويبسمل ثم يبدأ بالفاتحة، فيقول: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الفاتحة:2، فإذا جاء للإنسان مسحة من خوف،
طمأنته هذه الآية: (الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ) الفاتحة:3، ثم يقول: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) الفاتحة:4،لأنه ركن من أركان الإيمان: الإيمان باليوم الآخر،
ولا شيء يحدد للإنسان وجهته في الحياة، مثل أن يعرف أن هناك يوماً آخر ينتظره، لذلك قال عمر ابن الخطاب –رضي الله عنه-: “والله لولا يوم القيامة لكان غير ذلك”.
وإذا قال: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) الفاتحة:5، هذي الآية التي كان السلف تختنق عبارتهم عند قراءتها، لأنها كأنما هي إعلان من أول لحظة في صلاتك،
أن يارب: إياك نعبد وهذه تمام الإخلاص، ولا نستطيع عبادتك إلا بعونك، فأنت تستعين بالله -ﷻ- في أمرك.
ثم يقول: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ *صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) الفاتحة:6-7، كل ما سبق من سورة الفاتحة،
هو من أجل هذا الدعاء، وهو الدعاء بالهداية إلى الصراط المستقيم، أي صراط؟ (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)الفاتحة:7.
المؤمن قوي بإخوانه ضعيف بنفسه، وهذه أهمية صحبة الخير ومجتمعات الخير، أن تُلحق نفسك بهم، فأنت دائماً ضع نفسك في مجموعة خير تحفظ القرآن،
تتدارس آياته، لا تكن وحدك أنت والشيطان، تواجهه طوال الطريق، أو تمشي في حياتك فرداً ،
لذلك قال: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ) الفاتحة:7، من المغضوب عليهم؟ اليهود، لكن ما الصفة التي استوجبت هذا الوصف؟
لأنهم عرفوا الحق وحادوا عنه، والضالين هم النصارى هم لم يعرفوا الحق أساساً ، ثم يقرأ ما أراد من السور الأخرى،
هنا نقطة مهمة في السور: عندما اسألك: ماذا قرأت في المغرب؟ غالباً المعوذات، وفي العصر؟ المعوذات، الفجر؟ سورة النصر، والغالب أننا لم نتجاوز هذه الصفحة!
وهذه خسارة، ليس تقليلاً من هذه السور بتاتاً، بل لأننا أصبحنا نقرأها مع الفاتحة، دون استشعار، وبهذه الطريقة لا نشعر بأثر الصلاة على ذواتنا ،
فإذا كنا نريد الخشوع فيها لابد من الإتيان بالسور المختلفة، الأطول، التي تلامس حالك .
اسال الله أن يجعلني وإياكم من الخاشعين في الصلاة وأن يجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم نلقاه
والحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آلة وصحبه أجمعين
* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.