بتاريخ ١٨ / ٢ / ١٤٤٢ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

(كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )


” في الصحيح أن رسول الله ﷺ دخل علَى أعرابي يَعُودُهُ، فَقَالَ: “لا بَأْسَ طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ” فَقَالَ: كَلَّا، بَلْ حُمَّى تفور، علَى شيخٍ كبير، كيما تزيره القبور، قَالَ النبيُّ ﷺ: “فَنَعَمْ إذًا.” والبلاء موكلٌ بالنطق فمات هذا الشيخ. ”

إذاً شفاء الإنسان أو بقاؤه على مرضه غالباً لا يكون إلا بما يحسن الإنسان الظن بربه وبما يستخرج من قلبه أثناء المرض.

قال الله عز وجل في كتابه ليفتح باب الأمل:“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ“

سورة غافر  60

ويعلمنا الطريقة للدعاء فيقول الله: ”وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ“

سورة الأعراف 180

ومن أهم أسماء الله الحسنى التي سنستعرضها هذه الليلة هي اسم الله (الشافي).

فدعونا نغسل أرواحنا وأوجاعنا وأتعابنا مع هذا الاسم الذي علمنا إياه الله عز وجل ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام.

عن عائشة رضي الله عنها: ”أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، كانَ إذَا عَادَ مَرِيضًا يقولُ: أَذْهِبِ البَاسَ، رَبَّ النَّاسِ، اشْفِهِ أَنْتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا“

المصدر : صحيح مسلم 

هذه دعوات النبي عليه الصلاة والسلام لكل مريض يُبتلى بمرض أو شدة .


كيف نتعبّـد الله باسمِه الشافي؟

أولاً : لابُد أن تعتقد أساسًـا  أن لا شافي إلا الله، و هذه تأخذها عقيدةً ويقينًـا!

فحين تتداوى تعلم أن الله هو الشافي، وأن الله عز وجل لو لم يأذن لهذا الدواء أن يعمـل، لن يعمـل!!

الدواء بحدّ ذاته مجرد سبب، فيجب أن يعتقد قلبك يقينًا أن الشافي هو الله.

ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول في تعويذه للمريض: واشْفِ أنْتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا”

المصدر: صحيح البخاري

وحينَ نقول: “تعتقد يقينًـا” يعني أن تحوّلها إلى مصدر قوة وليس معرفة نظرية فقط، وهذا بأن تتعبد الله عز وجل وأنتَ ترجوه، ولو أذن بالشفـاء شفى من غير مسببات ومن غير دواء، وأننـا نتعبد الله عز وجل بأخذنا بالأسباب.


ثـانـيًـا:أن تـعتقـد أن هذا المرض هو جندٌ من جنـود الله

حينَ نقول ذلك: يعني أن الله يأتـي بهذا المرض ليُظهِرَ لك عزته وقوته، ويستخرج من قلبك عبوديـات لا تخرج في حالةِ السراء.

فيصيبنـا الله عز وجل، أو قد يصيـب من نحب، ليستخرج منـا عبوديات في تمام الذل والانكسار والاعتقاد واليقين بأن الله هو الشافي، وعدم اليأس، وانتظار الفرج -وهو عبادة لوحدهـا-.

أمـا اليأس، فـ:“إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا القومُ الكافِرون“ 

سورة يوسف:٨٧

متى قـالها يعقوب عليه السلام؟

 لم يقلها في أول الابتلاء عندما فقد يوسف -عليهما السلام- ، بل حين اشتد عليه! 

لما تكرر عليه الابتلاء واشتد عليه و فقد ابنه الثاني -بينيـامين- لم يقل: يارب لمـاذا؟ كان يكفـي يوسف، والآن أيضًا بينيـامين! وإنما قال :“ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ* يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ“

سورة يوسف:٨٦-٨٧


المرض يكون رحمة وكفارة للمؤمنين 

 دخل ابن مسعود على النبي ﷺوإذا هو يشدد عليه في المرض فَمَسِسه بيَدِه فقال: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّكَ لَتُوعَكُ وعْكًا شَدِيدًا؟ فقالَ رَسولُ ﷺ: “أجَلْ، إنِّي أُوعَكُ كما يُوعَكُ رَجُلانِ مِنكُم فَقُلتُ: ذلكَ أنَّ لكَ أجْرَيْنِ؟ فقالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ: أجَلْ، ما مِن مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أذًى، مَرَضٌ فَما سِواهُ، إلَّا حَطَّ اللَّهُ له سَيِّئاتِهِ، كما تَحُطُّ الشَّجَرَةُ ورَقَها.”

المصدر: صحيح البخاري

فعندما ترتجف من حمى أو حرارة فإن الذنوب تنزل من الجسد كما تنزل الأوراق من الشجرة.

المرض عذابٌ للمجرمين

حينما نقول أنه جند من جنود الله عز وجل فهو رحمة للمؤمنين وبالمقابل عذاب للمجرمين وهذا الجناح الثاني للمرض، قال النبي : ” لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ ؛ حتى يُعْلِنُوا بها ؛ إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا “

المصدر: صحيح الجامع


ثالثًا :أن تعلم أن المرض قد يكون سببًا لدخولك للجنة

قد لا تدخل الجنة بصلاتك ولا بصدقتك ولا بزكاتك ولكن تدخل بصبرك على مرضك، هذه الصفحة المؤلمة من حياتك ربما هي التي تثقل ميزانك يوم القيامة!

قال رسول الله ﷺ:” إنَّ اللَّهَ قالَ: إذا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ، عَوَّضْتُهُ منهما الجَنَّةَ يُرِيدُ: عَيْنَيْهِ”

المصدر: صحيح البخاري

البلاء الذي يبتليك الله به هو سبب دخولك للجنة وقد يكون السبب الوحيد! ليس لك جزاء على صبرك على البلاء سوى دخولك للجنة.


رابعًا :  أن تعلم أن هذا المرض ســبــب لمــعـية الله عـز وجـل

قال الله عز وجل في الحديث القدسي: “إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يقولُ يَومَ القِيامَةِ: يا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قالَ: يا رَبِّ كيفَ أعُودُكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قالَ: يا رَبِّ وكيفَ أُطْعِمُكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّه اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو أطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذلكَ عِندِي، يا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي، قالَ: يا رَبِّ كيفَ أسْقِيكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: اسْتَسْقاكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أما إنَّكَ لو سَقَيْتَهُ وجَدْتَ ذلكَ عِندِي..“

المصدر: صحيح مسلم

إذاً زيارة المرضى وتوجيبهم ومساعدتهم ليست واجبات اجتماعية فقط! 

فتخيل فوق كل الأجور التي تحدثنا عنها بزيارة المرضى تذكر أنك عندما تزوره فأنت تجد الله عنده، وستجد أجر هذا العمل يوم القيامة.


خامسًا: أن تتوكل على الله باتـــخاذ الأســبـاب 

قال رسول الله ﷺ:” يا عبادَ اللَّهِ تداوَوا فإنَّ اللَّهَ لم يضَعْ داءً إلَّا وضعَ لَهُ شفاءً أو دواءً”

المصدر: صحيح الجامع

فنحن ندفع قدرِ الله بقدرِ الله؛ فإذا قدر الله علينا المرض فندفع هذا القدر بالأخذ بالأسباب وبرجاء الشفاء. 

كما أنه يجب التنبيه أنه لا يجب على الإنسان أن يتداوى بالحرام مهما كان! 

“عن النبي ﷺ أن أم سلمة انتبذَتْ فجاء رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ والنَّبيذُ يهدرُ فقال ما هذا قلتُ فلانةٌ اشتكتْ فوُصِف لها قالت فدفعَه برجلِه فكسرَه وقال إنَّ اللهَ لم يجعلْ في حرامٍ شفاءٌ.” 

المصدر: السلسلة الصحيحة

وهذه قاعدة ومنهج نبوي وربّاني أنه لا يوجد في الحرام شفاء، فلا تظن أنه فيه شيء حرّمه الله علينا فيه مصلحتك، لا يمكن! لأن الله لم يحرم علينا إلا وهو فيه ضرر للعباد وإن قالوا ما قالوا.. 


بماذا نتشافى؟ 

١- بوحي السماء: 

وهو القرآن، قال الله عز وجل: ”وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا“

سورة الإسراء (82). 

فالقرآن شفاء، أنزله الله تعالى شفاء للأبدان وللأرواح وللقلوب؛ لأن أبداننا وأرواحنا تتعب وتمرض.

أصيب ابن القيم -رحمه الله- وهو في مكة بألم شديد  فيقول عن نفسه : ”فرقيت نفسي بالفاتحة فكنت آخذ قدحاً من ماء زمزم فأقرأ عليه الفاتحة مراراً. فأشربه فأجد به من النفع والقوة ما لم أعهد مثله في الدواء“.

٢- الأدوية التي أرشدنا إليها النبي ﷺ

كالعسل والحبة السوداء، وهي شفاء لكل داء إلا الموت، وكذلك العود الهندي، وزمزم ، وأيضًا الماء، قال النبي ﷺ: ” الحُمَّى مِن فَوْحِ جَهَنَّمَ، فابْرُدُوها بالماءِ..”

المصدر:صحيح البخاري


من السنن المهجورة في عيادة المريض: 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” مَن قالَ : لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ واللَّهُ أَكْبرُ ، صدَّقَهُ ربُّهُ ، وقالَ : لا إلَهَ إلَّا أَنا ، وأَنا أَكْبَرُ ، وإذا قالَ : لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحدَهُ قالَ : يقولُ اللَّهُ : لا إلَهَ إلَّا أَنا وحدي ، وإذا قالَ : لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ ، قالَ اللَّهُ : لا إلَهَ إلَّا أَنا وَحدي لا شَريكَ لي ، وإذا قالَ : لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَهُ الملكُ ولَهُ الحمدُ ، قالَ اللَّهُ : لا إلَهَ إلَّا أَنا ، ليَ الملكُ وليَ الحمدُ ، وإذا قالَ : لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللَّهِ ، قالَ اللَّهُ : لا إلَهَ إلَّا أَنا ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بي ، وَكانَ يقولُ : مَن قالَها في مرضِهِ ثمَّ ماتَ لم تَطعمهُ النَّارُ.”

المصدر:  صحيح الترمذي

فلنذكر بها أنفسنا ونذكر بها مرضانا وخصوصًا من عنده أمراض مزمنة، كلمات هينة سهله لكن الموفق من يتذكرها في تلك اللحظات.

ختامًا.. 

اذكر الله في الرخاء يذكرك الله في الشدة، وخذ من صحتك لمرضك ومن فراغك لشغلك ومن حياتك لموتك.


النص في الأعلى هي النقاط الرئيسية المذكورة في المحاضرة وسيرفع الملخص والتفريغ الكامل -بإذن الله-

* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.

5 تعليقات

التعليقات مغلقة