بتاريخ ١٣/ ١٠ /١٤٤٥هـ
لسماع المحاضرة صوتًا
( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )
ويمضي رمضان بدعواته وختماته، بصيامه وقيامه، ويبقي الأثر، والكثير من الأسئلة، هل قبلنا؟ هل وفقنا؟ هل فزنا وعتقنا هل؟ وهل؟ وهل؟
الكثير من الأسئلة تدور بداخلنا.. ويبقى السؤال الأكبر والصوت الأعلى كيف هو الثبات؟ وكيف هو الحفاظ على قلوبنا من التقلب بعدما ألفت الطاعة واعتادت عليها؟
نعلم جميعنا أن الدين ليس بحماسة، وأن الله لا يُعبد بالمشاعر والعاطفة وأن النفس تحتاج لتهذيب وترويض، وأن عمله صلى الله عليه وسلم كان ديمة
ليس بالكثير المنقطع، ولكنه قليل دائم. فإن علمنا ما هو واجب علينا استنهضنا ما بداخلنا للعمل بعد العلم فعملنا عمل ذاك العبد الذي أحبه الله فأفهمه المغزى من خلقه له،
وحبب إليه عبادته، ويسر له دخول جنته.
يستنير القلب ويضيء حين يعلم أهمية دنياه وأنها ليست سوى مزرعة للآخرة، متى ما استقر ذاك الفكر في القلب، استقامت البوصلة،
وإن اختلف الاتجاه، وعلمت النفس مالها وما عليها في يومها وشهرها، بل في دقائق يومها وثوانيه.
أعمال اليوم والليلة ليست محصورة بأذكار الصباح والمساء، بل هي هاجس يملؤنا في كل لحظاتنا وسكناتنا،
هي كل الوظائف والسنن والتعبدات اللي نفعلها وجاء فيها هدي نبينا عليه الصلاة والسلام.
سبع مقدمات رئيسة علينا تعلمها ليهدأ صوت الأسئلة بداخلنا سبع مقدمات ستكون هي الممر وطريق العبور للوصول للأجوبة:
١.نية الافتقار إلى الوحي
شعور الازدحام بالنعم والامتلاء من كلام الدنيا وترفها والافتقار إلى الخالق طلبًا للآخرة بحثاً عن كلمة تحيي القلب وتنيره،
نيته حاضره وافتقاره بين عينيه، ولسان حاله يردد اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علماً.
ورد عن الإمام أحمد بن حنبل والإمام عبد الله بن المبارك أن طلابهما سألوا كلاً منهما ذات السؤال قائلين: إلى متى تطلب الحديث؟
فرد الإمامان بذات الرد قائلين: لعل الكلمة التي تنجيني لم أسمعها بعد.
٢. معرفة حقيقة الدنيا
وأن الله يعطيها من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن يحب فالدنيا شيء عرضٌ حاضر يشتغل فيها البر والفاجر
وكل الناس في سوق الدنيا لكن الله لا يعطي أمر الأخرة والاستعداد لها إلا من يحب.
حين يكون سؤلك كبير يكون الهم بداخلك أكبر لمرضاته، وحين يؤرقك ويشغلك ما اشغل صحب رسول الله من تساؤلات فاعلم أن الله أحبك واصطفاك بحبه
وشغلك به فيأتي صحب رسول الله له تملأهم الأسئلة وهاجس الطريق، وهاجس النجاة، وهاجس أفضل الاعمال، والهاجس الأعظم هاجس رفقة النبي في الجنة،
وماذا يحب الله من عمل يدخل به العبد جنته ويبعده عن النار، حين تملأك هذه الأسئلة وهذا الهم اعلم أنك عرفت حقيقة الدنيا وانغرست في قلبك
وستجد في الطاعة خفّة وفي العبادة يسر لأنك لا تسابق أحداً، بل تسابق نفسك فلا تكون الدنيا هي شغلك الشاغل.
النبي عليه الصلاة والسلام مرّ بقبر وكأن النبي عليه الصلاة والسلام سمع أو أُوحي له عن صاحب هذا القبر شيء
فقال: من صاحب القبر؟ قالوا يا رسول الله: فُلان، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «رَكْعتانِ خَفيفتانِ بِما تَحقِرُونَ وتَنفِلُونَ يَزيدُهما هذا في عملِهِ أحَبُّ إليه من بقيَّةِ دُنياكُمْ» [صحيح الجامع]
فإذا في الدقيقة الواحدة تردد سبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله تملأ بها الميزان
وتملأ ما بين السماء والأرض لهي حلم ذاك الميت في قبره ولا تزال الفرصة أمامنا.
٣. أهمية عمل اليوم والليلة
يقول الله عزّ وجلّ: { ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَوٰةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ} [٢-الملك]
الله يقلبنا في السراء والضراء يقلبنا في لحظات الفرح والحزن، ليبلونا أينا أحسن عملًا فتظهر له عبوديتنا.
قال النبي عليه الصلاة والسلام احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وهذا منهج حياة لعمل اليوم والليلة، فالنبي عليه الصلاة والسلام علمنا أرشدنا على الحرص على ما ينفعنا،
ولإن تركنا أنفسنا سدى عشنا عيشة البهائم واشتغلنا في كل وقت بما يضيع تلك النفس، فضاعت أوقاتنا وإن ضاع الوقت ضاع العمر والعمر هو رأس مالنا.
يقول الإمام ابن عبد البر: «خير العلوم ما ضبط أصله، واستذكر فرعه، وقاد إلى الله تعالى، ودل على ما يرضاه».
ويقول ابن القيم رحمه الله: «إذا أحب الله عبدًا اصطنعه لنفسه، واجتباه لمحبته، واستخلصه لعبادته، فشغل همه به ولسانه بذكره وجوارحه بخدمته».
انتهى رمضان والنفس تتوق لمعرفة علامات القبول ومقامها عند الله فإن أردت ذلك فاعرف فيما مقامك بعد رمضان وكل إنسان بما فتح الله عليه،
ولكلٍ منا مفتاحه الخاص فذاك يعلم طفلاً آيات تتلى، وذاك يفرج كرباً، وذاك اهتدى الكثير للإسلام على يده، والخير كثير لمن ابتغى.
٤. أهمية اليقين وكيفية تعلمه
وأنه بمنزلة الروح من الجسد من الإيمان كما قال ابن القيم: واليقين هو كمال جزم القلب بأخبار الله جلّ وعلا،
وأخبار رسوله صلى الله عليه وسلم كأنه يراها رأي العين، ووجب علينا تعلمه كما جاء في الأثر لقول خالد بن معدان: «تَعَلَّمُوا الْيَقِينَ كَمَا تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ حَتَّى تَعْرِفُوهُ فَإِنِّي أَتَعَلَّمُهُ».
قال النّبي عليه الصلاة والسلام: «سلوا اللَّهَ العافيةَ واليقينَ فما أعطي أحدٌ بعدَ اليقينِ شيئًا خيرًا منَ العافيةِ فسَلوهُما اللَّهَ تعالى» [الإيمان لابن تيمية]،
فكل عطاءات الدنيا تأتي بعد اليقين، سواء عافية البدن أو عافية الدين أو عافية الصحة، العافية تأتي جميعها في مرتبة ثانية بعد اليقين.
وقال ابن تيمية: والحسنة الواحدة قد يقترن بها من اليقين ما يجعلها تكفر الكبائر.
وليكن دعائنا كدعاء أبي بكر رضي الله عنه: «اللَّهُمَّ هَب لي إيمانًا، ويَقِينًا، ومعافاةً، ونيَّة».
٥. سبيل الانتفاع بالطاعة
يقول ابن القيم: بين العمل وبين القلب مسافة ويقول أيضاً: لو وصل أثر العمل إلى القلب لاستنار وأشرق.
فبعضنا يعمل لكنه عمله لم يثمر في قلبه محبة لله ولا شوقاً له، ولا رجاء ولا خوفاً، ولا زهداً في الدنيا، ولا رغبة في الآخرة، ولا تمييزاً بين الحق والباطل.
هنا يجب علينا مراعاة أمران:
صلاح القلب، بسؤال النفس لم قامت بذاك العمل؟ رضاً للذات أو استرضاء لخلقه أو أنه خالصاً لله، وسؤال النفس يجدد النوايا ويطهر النفوس ويجدد الإخلاص.
والأمر الآخر، علينا أن نعلم أننا لن ننتفع بالطاعة إلا بأن نأتيها على وجهها الذي يريده الله عزّ وجلّ بإتباع سنة نبيه في العمل لذا كان النور في القلب والإشراق يعقب كل عمل.
لا تستصغر عملك، ولكن أثبت عليه فالمداومة هي سر صلاح قلبك والنور الذي يملأه، لا بالكثرة والانقطاع.
٦. الانشغال بتحسين العمل لا بالإكثار منه
{لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [٢-الملك]
قال ابن القيم: «من علامات صحة القلب أن يكون اهتمامه بتصحيح العمل أعظم منه بالعمل؛ فيحرص على الإخلاص فيه والنصيحة والمتابعة والإحسان».
وقال بعض السلف تحسين الأعمال أحب إلى الله من تكثيرها، صلاتك التي لم ترض عنها وتحب تجويدها لا تكثر منها وأنت لم توفق لصفتها،
بل استزد بالعلم وتسلح به وأقرأ كتاب الشيخ الألباني صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام من التكبير إلى التسليم،
كأنك ترى نبينا وهو يصلي فتقوم لتصلي مثله فتؤدي حركاتها وسكناتها مثلما أداها وهناك الكثير من الأعمال التي ننشغل بكثرتها ولا ننشغل بتجويدها وهو من قلة الفقه في الدين فالسر ليس بالكثرة، بل بالجودة.
٧. سر الفتح في العبودية وسر توفيق الله عزّ وجلّ.
سر الفتح هو الاستعانة بالله والتوكل عليه لا على حولك وقوتك وأن تسال الله العون ونيل مرضاته
ولذا أوصى النبي عليه الصلاة والسلام معاذ بهذه الوصية «يا مُعَاذُ قُلْتُ: لَبَّيْكَ ، قال : إنِّي أُحِبُّكَ قُلْتُ : و أنا و اللهِ ،
قال : أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ تقولُها في دُبُرِ كلِّ صَلاتِكَ قُلْتُ : نَعَمْ ، قال : قُلْ : اللهمَّ أَعِنِّي على ذكرِكَ وشُكْرِكَ ، و حُسْنِ عِبادَتِكَ»[الألباني].
عبرنا الآن الطريق وأجبنا على تساؤلات ملأت عقولنا وقلوبنا فأسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يزدنا علماً.
الطريق لم ينته بعد، ولكن ذاك النور في آخره ينتظرنا إن علمنا حقيقة دنيانا وافتقرنا إلى من أحبنا فدلنا إليه
وعلمنا أن يومنا هو عمرنا فجعلنا نعمل فيه بعد استعانتنا به وتوكلنا عليه فاللهم اعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، آمين.
تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.