بتاريخ ١ / ١١ / ١٤٤١ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط)


الملخص:

ما الذي يدفعنا للعمل الصالح ؟

هذا السؤال له ألف إجابة وإجابة ولكن سنتحاور في ١٠ دوافع رئيسية تحثنا على العمل الصالح

أولاً : لمّة المَلَك ويُسميها بعض العلماء باللمّة الملكية 

قال رسول الله ﷺ: (ما منكم مِن أحدٍ إلا وقد وُكِّلَ به قرينُه من الجنِّ وقرينُه من الملائكةِ)

 المصدر: مسند أحمد

يقول ابن مسعود-رحمه الله- عن هذا الحديث: “إن للشيطان للمّة بابن آدم وللملك لمّة، فأما لمّة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمّة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق.” 

واللمّة : هي الهمة والخطرة التي تقع في القلب.

لمّة الشيطان:

هي الوسوسة، فيبدأ يُكذبك بالحق ويسوّف لك ويعدك بالشر: “أمامك ليل طويل فارقد، لا تتوب الآن، لا تأخذ قرارك الآن وأنت لست أهلاً لتحمله“.

لمة المَلَك:

هي إيعاد بالخير وتصديق بالحق، أي طوال اليوم يذكرك باليوم الآخر وما سيكون فيه من الجزاء ويعدك بالخير: “إن الله عز وجل سيجبرك وسيوفقك، ولا تخف فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيراً منه“.

لماذا تعتبر لمّة الملك من دوافع الخير؟

عندما تجد نفسك في لحظة تنوي فعل ذنب ثم تنتهي عن ذلك فجأة أو تشعر بتأنيب الضمير ، وكأن شيئاً في داخلك استيقظ ولا تعلم من أين! وقد تجد في نفسك أحيانًا نشاطًا لشيء من الطاعات لم تكن تتخيله. 

كيف جاء هذا الشعور؟  هذه لمّة الملك، وهي دفقة من الله عز وجل يرسلها لك ليثبت فيها إيمانك، قال تعالى: “ولَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ”

(سورة يوسف:٢٤)

ما الذي يقوي الشيطان وما الذي يقوي الملك؟ 

الذي تسمعه والذي تفعله فهُما من يغذيان قلبك فإما أن يقوى داعي الخير وإما أن يقوى داعي الشر، لذلك في بعض الأحيان تشاهد ضميرك يضعف تمامًا إلى أن يكون لا صوت له! وأحيانًا تسمعه بصوتٍ عالِ!

إذا جاءتك لمّة الملك وجاءك خاطر من الخير فلا تتردد ولا توقفه بل افعله! ابدأ الآن، ولا تُحمّل نفسك همّ المستقبل لأن الله عز وجل سيتكفل بكل شيء.

أما إذا جاءتك وسوسة الشيطان، تذكر قوله ﷺ:”الحمدُ للَّهِ الَّذي ردَّ أمرَهُ إلى الوسْوسةِ”

المصدر: مسند أحمد.

 أغلق باب الوسوسة، لا تستمر معه وحاول أن توقفه من الخطوة الأولى وسيقف بعدها كل شيء.


ثانياً: أن تفعل الخير لأنك ترجو ثواب الله


قال الله تعالى:”إِنَّ اللَّهَ اشترى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أوفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وذلك هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ”

(التوبة:١١١) 

حينما تعرف هذهِ الحقيقة تتغير لديك نظرتك للحياة فترجو من عملك الآخرة  ولا تريد به نفعًا دنيوي، والله لا يضيع لك شيئًا تتركه لأجله، فعندما تترك شيء لأجله سيعوضك خيرًا عنه لا محالة.

يقول النبي ﷺ:“إن العبد إذا سبقتْ له من اللهِ منزلةٌ لم يبلغهَا بعملهِ ابتلاهُ اللهٌ في جسدِهِ أو في مالهِ أو في ولدِهِ ثم صبَّرهُ على ذلكَ حتى يبلغهُ المنزلة التي سبقتْ لهُ من اللهِ تعالى”

المصدر: صحيح أبي داود

وكلّما ذكرت ثواب الله عز وجـل كل ما زاد لك عملك الصالح؛ لأن الإنسان عدو ما يجهل، فلا تستطيع أن تكثر من الأعمال إن لم يكن لديك منبع تستزيد به من عمل الخير.


ثالثاً : أن هناك جنّة ونار 


نحنُ سنسـافر، ولكنّ سفرنـا إما إلى جنـة وإلى نـار، فإذا كنـا نقرأ عن كل مكان سنسافر له في الدنيا، فمن باب أولى أن نقرأ عن المكـان الذي سنسافر له في الآخرة. 

من لم يسمع الموسيقى والمعازف، هل قرأت يومًـا عن ثوابهم وكيف تستقبلهم الملائكة؟ هل تعرف كيف يدخل الإنسان يوم القيامة للجنة؟ هل قرأت عن النـار؟ عن حرها وعذابها؟ القضية ليست تخويف فقط، لكن القضية أن نعرف ما الذي ينتظرنـا وما الذي نحنُ مقبلون عليه، فمن الغبن أن يمر علينـا العمر ولا زلنا جاهليـن فيما يستقبلنا في أمر الآخرة.


رابعًا : حب الله  عز وجل 


يحدوك للعمـل حبك لله، وإيثار ما عند الله على غيـره.

حينَ أصابنا الخوف من الفيروسات وغيرها الكل لبس الكمـام سواء كان لديه قناعة بتغطية الوجه أو لا، لم يختنق أحد ولم يقل أحد: لا أستطيع التنفس، رجالًا ونسـاءً، الكل فعلها!

أليس الله أحقّ بأن نحبه فنتبع أمره أكثر من أن يكون الأمر مجرد التزام للقانون ؟ ألا تشعر أن قَدْرَ الله ينبغي أن يكون أكبر عندنا ؟

هذا موقف بسيط لكن انكشفنا فيه ! كيف استطعنا فعلها فقط لأجل الدنيا ؟

ماذا عن أمر الله .. وحُب الله ؟

لو سألتك: من تحب أكثر ؟ جزمًا ستقول الله، لكنه سيبقى ادعاء ما لم يتبعه عمل.


خامساً: التلذذ بالطاعة


من جرّب عرف!

من جرب طعم الصيام حين تصوم يوم الاثنين أو الخميس لله عزوجل وحين يصيبك الصداع من بداية اليوم له لذة، وشعورك بالجوع لذة، وتفرح أنه لله عزوجل.

جرب أن تجلس في مصلّاك بعد الصلاة وتقرأ أذكار الصلاة وراقب ما تشعر به من خفة بعدها، جرب أن تقرأ سورة الضحى في صلاتك واستشعر آياتها، سورة الضحى لا يمكنك أن تخرج منها إلا بمشاعر الامتنان والحب لله عزوجل.


سادساً: المحاسبة


مما يدفعنا للعمل الصالح هو أن تحاسب نفسك، مهم أنك لا تترك نفسك.. لا تترك العمر يمضي وأنت لازلت في حيرة، حاسب نفسك على وقتك واحرص على ما ينفعك من مختلف الأمور. 


سابعًا : أن تتذكر الخير 


تذّكر الخير هو مثل هذه الحلقة التي نجتمع فيها،قد لاتكون فيها معلومة جديدة لكن احرص على حضورها لأن نفوسنا تتأذى وتحتاج إلى تذكير، ودروس الحياة تتجدد وكل ما كبرنا نشعر أن الطريق يصعب أكثر والتضحيات تحتاج منا أكثر، فمن يثبت إلى النهاية؟

والذكرى قد تكون في غير الكلام، فقد تكون بلحظة من الخير تراها أمامك، فعندما دخل النبي زكريا عليه السلام على مريم وجد عندها فاكهة في غير موسمها سألها، قال تعالى:”قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ”

(آل عمران:٣٧)

 وقد ذكر زكريا -عليه السلام- حاله وحال زوجته في سورة مريم وكيف أنه بحاجة لمعجزة ليُرزق الولد! 

لكن لمّا رأى ما عند مريم تحرك في نفسه الرجاء، قال الله تعالى: “هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ* فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ”

(آل عمران:٣٨-٣٩)

أنبياء الله ليسوا بحاجة لأن يعلموا عن قدرة الله ولكن زاد الرجاء فيه لما رأى ماعند مريم .


ثامنًا : أن نأخذ العِظة والعبرة من الآخرين وأن نتعظ من تقلبات الزمن


أم الوزير

قال محمد الهاشمي: “دخلتُ على أمي في يوم عيد الأضحى وعندها امرأة برزة وعليها ثيابٌ رثّة فقالت أتعرف من هذي؟ فقلت لها: لا ، قالت: هذه أم جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي (والبرامكة هم مجموعة من صدرت منهم أعمال فأجلاهم وعاقبهم هارون الرشيد فانقلبوا من غنى إلى فقر) فسلمتُ عليها ورحبت بها وقلت: حدثيني عن بعض أمركم قالت: هجم عليّ مثل هذا العيد وعلى رأسي 400 جارية ونحرت في بيتي 800 رأس وقد عطاني جعفر من الذهب وقال انفقيه في هذا اليوم وأنا أرى أن جعفر لي عاق والآن قد أتيتكم والذي يقنعني جلد شاتين اجعل أحدهما شعاراً والآخر دثاراً.“

هذهِ حال الدنيا ، وقد يُغير الله من حال إلى حال فلنسابق في فعل الخيرات 


تاسعًا : أن نتذكر الموت 


فراق المستشار الناصح

بالأمس فارقنا  د. سامي تيسير سلمان-رحمه الله-

سخّر علمه وجهده من اللغة الإنجليزية بترجمة الكتب للمكتبة الإسلامية في علم الإدارة والخطط الاستراتيجية ، هو عَلَمٌ على رأسه نار، وقامة من قامات العمل الخيري وأحد أعمدته. 

الكل يتكلم عن أخلاقه وبشاشته، و ما أتوه يومًا فردهم في ذلك ولم يبخل يومًا باستشارة ونصح في تخصصه، قال د.سامي -رحمه الله- :  “الفراق‏ ليس السفر ولا فراق الحب، حتى الموت ليس فراقًا؛ سنجتمع في الآخرة. الفراق هو أن يكون أحدنا في الجنة والآخر في النار ”

الموت يخطف ولا بد منه ، هو مجرد محطة وبعدها لقاء، لكن القضية أن نعمل حتى يكون لقاؤنا في الجنة.

اعلم  أن الذي يبقى ليس مجدك وسيرتك الذاتية؛ وإنما عملك الصالح الذي رجوت فيه الله، وكل عمل لم ترجُ فيه الله يصبح هباءً منثورًا.

قال الرسول ﷺ: (كنَّا معَ رسولِ اللَّهِ ﷺفي جِنازةٍ، فجلسَ على شَفيرِ القبرِ، فبَكَى، حتَّى بلَّ الثَّرى، ثمَّ قالَ: يا إِخواني لمثلِ هذا فأعِدُّوا)

حسنه الألباني

ويقول النبي ﷺ:(أكثروا من ذكْرِ هادمِ اللذّات).

ليست القضية أن يدخل المرء نفسه في دوامة الوساوس وإنما التأكيد على محاسبة النفس، فاحسب لحسابك العدّة.


عاشرًا : صحبة الخير


اجعل لك أخوة تتشارك معهم الخير ولاتمضِ في الطريق لوحدك، فالمؤمن قوي بإخوانه ضعيف بنفسه.

يُذكَر أن الشيخ ابن العثيمين – رحمه الله- : كان له صاحب يراجعون القرآن لبعضهم البعض يوميًا ولهم في ذلك أكثر من ٣٠ سنة!

وكان السلف والصحابة رضوان الله عليهم لما يسافروا من بلد إلى آخر كان من دعائهم حين دخولهم للبلد: “اللهم يسر لي رفيقًا صالحًا” لأن الرفيق إما أن يؤزك على الخير أو على الشر. 

ختامًا..

مــسـافـرٌ أنــت والآثــار بـاقـيـة

فاترك وراءك ماتحيي به أثرك 


* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.

5 تعليقات

التعليقات مغلقة