٢٩ / ٢ / ١٤٤١ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط)


الملخص:

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله الا الله وأن محمدًا رسول الله ….  أما بعد:

اليوم سيكون حديثنا عن سؤالين وهما: –

١-هل يُمكن أن نتغيّر؟

٢-كيف يمكن أن نتغيّر؟

لنعلم جميعًا أن السؤال هذا ليس سؤالًا عاديًا بل هو سؤال مصيري، لأنه بناءً على هذه الإجابة ستنبني عليها سعادة الأبد، وليست سعادة وقتية فقط، والجواب يجب أن يكون مصيري وجاد جدًا فيُؤخذ على محمل الجد، لأن هناك الكثير ممن يعيشون طوال حياتهم بعيدًا عن هذه الجدّية، فيبحث عن أي شيء لأجل أن ينسى؛ فيطمئن ويسعد.

طوال الوقت يعيش بشيء من التسفيه والتحقير لأي شيء جاد، فلذلك نجد ثقافة “خفّة الدم” حتى في المواقف الجادة!

متى سنبني؟ متى سنُحدث تغيير؟

أنا بالذات متى سأتغير ومتى سيتحول الأمر إلى “جِد” بالنسبةِ لي؟ 

لأننا بناءً على جوابك ومقدار تفاعلك أنت مع هذا الجواب، سينبني عليه إلى أي درجة نحن سنحدث هذا التغيير والذي يؤدي إلى

 سعادة الأبد

النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( بشّروا ولا تنفروا) بشروا بما لهم في الآخرة، وبشروهم أن الطريق إلى الله عزَّ وجل وأن الدين سهل وتستطيعه، وهذا الذي نحن نسعى لتطبيقه كل يوم، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يقول بنفسه: «يا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ واللَّهِ لو تَعْلَمُونَ ما أعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا ولبَكَيْتُمْ كَثِيرًا…ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون».

تجأرون بمعنى: أنك تركب فوق المرتفعات من أجل أن ترفع يديك وأن تدعي الله عز وجل: اللهمّ سلّم سلّم.

فالذي أمامنا ليس بالشيء السهل، والحياة لا تتوقف عند هذه النهاية.

الآن نسأل بوضوح: هل نستطيع أن نتغير؟

الجواب: نعم نستطيع، وإن كان طريقُ بلوغِه صعبًا!

ودليل هذا الكلام حديث مشهور: (ومن يتصبر يصبره الله). لم يقل النبي عليه الصلاة والسلام من يصبر! قال: ومن يتصبّر.

من الممكن أن لا تكون أقوى إنسانًا في هذه الدنيا، وإن كان فيك خصلة مذمومة كسرعة الغضب والانفعال؟ لا تستطيع 

أن تتمالك نفسك في موقف؟ النبي -صلى الله عليه وسلم-يقول: (إنما الحلم بالتحلم) فلا يمكن أن يخرج منّا إنسان ويقول أنا لا أستطيع وأنا مُختلف! وأنا طباعي خارج نطاق الترويض والسيطرة.

كل حياة الناس، أخلاقهم، عاداتهم ومعاملاتهم كلها ترجع لكلمة واحدة فقط هي السبب الرئيسي في كلامنا اليوم، هو” الشيء الذي اعتادت عليه“، أنت تستطيع أنك تُغيّر أو لا تُغيّر بناءً على ما اعتدت عليه، لذلك نحتاج حتى نتغيّر أن نكسِر قاعدة الثبات في العادات التي “يجب أن تُغير” حتى أُحدث التغيير الحقيقي في حياتي، وأكون أفضل مما أنا عليهِ الآن.

يقول أحد العلماء: تعودوا حب الله وطاعته، فإن المتقّين ألِفت جوارحهم الطاعة، فإذا أمرهم الشيطان بمعصيةٍ مرّت المعصية بهم مُحتشمة وهم لها مُنكرون.

من أين تأتي العادات؟ من أين نعتادها؟

نتعود العادات في حياتنا اليومية وفي كل شيء: ملابسنا ألفاظنا، ردود أفعالنا، فهناك عادات معينة نكتسبها من البيئة التي نُخالطها فعندما تعيش مع مجموعة من الناس تجد أنك لا شعوريًا مع كثرة الخُلطة بهم تتطبع بأطباعهم، 

إذًا هذه العادات لا تأتي من مكان غريب، هي تأتي من مجتمع نخلقه لأنفسنا، وهذا المجتمع إما عائلة، أو مدرسة أو كلية، أو عمل معين خالطت بسببه هذه الفئة من الناس، فكُل هذه المجموعات نتطبع ونكتسب فيها تلك العادات.

إذا لم تكن حريصا على نفسك، ومُتنبها لهذه الخُلطة ستصبح إسفنجة تشرب كل العادات وكل الأخلاق. 

ديننا يأمر بالسكون أم يأمر بالتغيير؟

الإسلام ذو طبيعة تغييرية فيُغيّر الأشخاص، بمجرد أن تفهم الصواب وتعتقده لا يمكن أن تبقى كالسابق.

المهم هُنا أن هذا التغيير أخذناه في قصص الصحابة رضوان الله عليهم، بكل إنسان كان يُسلم كانت تأتي كلمة مع إسلامهم. يقولون: فخلع رداءَ الكُفر، ولبس لباس الإسلام، نزع من قلبه كل شيء له علاقة بجاهليته الأولى.

لماذا نستصعب ترك العادات؟ ولماذا نشعر أننا لا يُمكن أن نتغيّر؟

باختصار أن الذي يتعود على الصدق لا يستطيع الكذب مهما هُوِّن عليه الموضوع وصيغت المُقدمات والطُرق المُلفَّقة من أجله، فنحن إذا اعتدنا أن نقوم بأمرٍ نجد أننا نُدافع عنه وبقوة حتى إن لم يكن صوابًا! 

فمثلًا مرارة القهوة التي لا يكتمل يومنا إلا بها، كيف استسغناه؟ من أين أتت فكرة أن هذا الشيء جميل؟ هذه المرارة اعتدنا عليها حتى أصبحت لذيذة في نظرنا، ومحرومٌ من لم يُجربها فالسؤال هل الصواب معك أم لا؟ 

لذلك قناعاتك تتغيّر وعوائدك أيضًا تتغيّر، لاحظ نفسك في أيام المراهقة مثلًا تأخذ القهوة بكراميل وكريمة وألف ملعقة سكر وتشعر أن هذه هي قمّة المتعة، وتشعر أن الإنسان الذي لا يُضيف السكر إنسان كئيب وأنه مسكين وحياته مُرّة. وعندما تكبر تجد أنك قد تخليت عن ذلك المذاق المُميز، وتطلق على الذين يُضيفون السكر عبارات الجهلِ عن مكامنِ اللذة الحقيقية!

ما الذي تغيّر؟ تجاربك في الحياة؟ خبرتك في الحياة؟ أنت هو أنت، لكن هي عاداتك التي تغيرت، معناها أن الإنسان من الممكن أن يتغيّر.

 علماء النفس لديهم قاعدة: أن كل إنسان يُريد أن يتعود على أمرٍ ما فيلزم نفسه فيها إحدى وعشرين يومًا فقط.

في أول أسبوع أو أسبوعين من تعويد نفسك على شيء من الأمور، في أول الأيام كل الحروب ستحصل فيها، وكل جيوش الشيطان ستأتي، وأنت حازم، وأنت مُتمسك بقرارك ولا تُريد التخلّي عنه، علماء النفس يقولون لو ثبت لو صبرت إحدى وعشرين يومًا انتقل الشعور النفسي من المقاومة إلى الاقتناع، ففي البداية تلمس اشتداد الأمر بعدها تخف الحرب؛ لذلك أغلب الناس ينهزمون في أول يوم، لكن إذا فرغتِ من الإحدى وعشرين يومًا بتثبيت وعون من الله عزّ وجل، ستجد أن الأمر بسيط، وأنك أعظمت الأمر وكأن الدنيا ستنتهي إن التزمت بالقرار! وستجد أن الأمر أسهل بكثير مما كنت تتخيل، هذا كله إجابتنا للسؤال الأول: هل يمكن أن نتغير؟ نعم يمكن أن نتغيّر.

-السؤال الأهم: كيف يمكن أن نتغيّر؟

هذا السؤال أجاب عليه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بـسبع خطوات إذا قمت بها في حياتك ستجد أنك تسير في خطوات التغيير بكل سلاسة وسهولة.

وهذا الإمام الموفّق كتب رسالة يقول فيها: ما واجبنا اتجاه ما أمرنا الله به؟ 

فحاول الشيخ أن يجد لك جوابًا ويجعلك على محجّةٍ بيضاء في حياتك.

١-العلم: أن تتعلم وتعلم ما أمرك الله به.

يقول العلماء: لا ينبغي لمسلم أن تغرب شمس يومٍ من أيامه إلاّ وقد اقترب خطوة من الله بعلمه.

لماذا العلم هو الخطوة الأولى؟

لأنَّ العمل طريقُه العلم، فكيف تتقِ ما لا تعلم؟ كيف أفعل ما لا أعرفه؟ وكيف أترك مالا أعلم أن الله عز وجل أمرنا بتركه؟

يقول الله عز وجل: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} مع أنها أبسط كلمة لا إله إلا الله، لكن الله أمر بكتابه لنبيه {فاعلم} أي: تعلمّها.

يقول النبي عليه الصلاة والسلام من ضمن أذكاره في كل صباح، يسأل سؤال لثلاثة أشياء (اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا طيبًا، وعملًا مُتقبلًا) فكر قليلًا هل هناك أمر في حياتك ترجوه وتتأمله لا يدخل في هذه الأمور الثلاثة؟  ليست القضية أن تكون موسوعة في كل علوم الدنيا، وتكون أمور الآخرة صفر؛ فأنت لم تستفد من علمك، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من: (علمٍ لا ينفع) ما الفائدة من علمك إذا لم يُقربك من الله عزّ وجل؟ لذلك قال الله عزّ وجل: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} فالعلماء هم الذين يخشون الله عزّ وجل حق خشيته؛ لأنك كل ما تعرفت أكثر كل ما رقّ قلبك وخاف الله عزّ وجل أكثر وأحبه.

فأول بدايات التوفيق أنك

تتعلم علمًا نافعًا.

٢-أن تُحب ما تعلمته مما أمر الله عزّ وجل به

المشاعر القلبية يؤجر عليها الإنسان! عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا» قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلاَةٍ وَلاَ صَوْمٍ وَلاَ صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ»

قالوا الصحابة الذين رووا الحديث والله ما فرحنا بشيء بعد الإسلام فرحنا بهذا الحديث، لماذا؟ لأنهم كما يحبون النبي عليه الصلاة والسلام ويفدونه بقلوبهم ويعرفون أنهم مهما عملوا لن يصلون إلى ما وصل إليه النبي عليه الصلاة والسلام. فقوله: (أنت مع من أحببت) أي: أنكَ ستحشر مع من تُحبهم وتجد أن قلبك يميل إليهم، فلا تتخيل أن ما تحمله بقلبك هو شيء بسيط جدًا، لذلك في الدعاء النبي عليه الصلاة والسلام يقول: «اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، والعمل الذي يبلغني حبك» ، فلا تعمل وأنت مُكره، أو تعمل وأنت مغصوب، أو تعمله مجاملة للناس الذين من حولك، بل تعمله وأنت مُحبّ وتشعر أن يومك ناقص بدونه.

هل تساءلتِ يومًا أيُحبّك الله عزّ وجل أم لا؟

لذلك دائمًا يقولون: ليس الشأن أن تُحِّب، لكنَّ الشأن أن تُحَبّ.

هل الله راضٍ عليك؟ هل يُحبّك الله عزّ وجل؟

(نادى في السماء يا جبريل إنّي أُحب فلانًا فأحببه) هل أنت ممن يُنادي الله عزّ وجل في السماء ويُشير إليك وأنت في الأرض تعيش في هذه الدنيا مع الناس؟ (فيُنادي جبريل في أهل السماء إنّ الله يُحب فُلانًا فأحبوه) فيحبه الملأ الأعلى ثُم يُنزل له القبول في الأرض.

النبي عليه الصلاة والسلام وهو خيرة الخلق عند الله عزّ وجل مع ذلك كان دعاؤه لله عزّ وجل: (اللهم إنّي أسألك حبك…)

ما الأمر الذي يجعلك تكره هذا الشيء أو تحبه؟

عندما تُفتش ستجد أنهُ في الغالب لا يوجد شيء حرمه الله عزّ وجل إلا وله حكمة، وأحيانًا مجرد معرفتك بأن الله السميع والبصير والرحيم والعفو وأنه الكريم وأنه الحكيم ومَن هذه صفاته لا يمكن أن يُعذب عباده، فإذا تعرفت على الله سبحانه وتعلمت من هو الله عزّ وجل قبل تعلّمك لأي شيء من أوامر الشرع، إذا تعرفت على من تتعبده جل جلاله، ستجد نفسك تسلم لا شعوريًا لأن لديك قناعة ويقين بأنه الأصلح فيزول الشكّ تمامًا من قلبك

نعود لعبارة: “تعودوا حب الله وطاعته فإن المتقين ألِفت جوارحهم …” ونتعلم من هذه الجملة أنَّه كان قبل الألفةِ معركة كبيرة، لكنهم ألِفوا لأنهم تعوّدوا حب الله وطاعته، ولأنهم اتهموا أنفسهم ولم يتهموا خالقهم سبحانه.

٣-أن تعزم عليه

عندما تنتقل من العلم إلى المحبة ثم إلى العزم على فعلِ ما أمر الله بهِ عزّ وجل، فاعزم على فعله ولا تتردد، لا تعطي نفسك فرصة للتأجيل وتقول أنَّ الوقت لم يأتِ بعد!

ففي كل أمور الدنيا نحن نقول لك وازن مصالحك ووازن المفاسد ولا تقدم على قرار إلاّ بعد دارسته بشكل صحيح، لكن في أمور الخير وفي أمور الآخرة لا تتأخر، متى ما توصَّلت للثقة بالدليل الصحيح الذي فيهِ أن هذا الشيء هو الواجب، وهو ما يُرضي الله عز وجل لا تتأخر ولا تحمل الهمّ وتُفكر في مآلاتِ هذا الإقدام فالله عزّ وجل لا يخذل من أقبل عليه. 

النبي عليه الصلاة والسلام لمّا قال لشداد بن أوس –رضي الله عنه-: (قال يا شدّاد إذا كنز الناس الذهب والفضة، فاكنز أنت هذه الكلمات. قال: اللهم إنّي أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك قلبًا سليمًا، ولسانًا صادقًا…) في هذا الحديث لم يربِّ النبي عليه الصلاة والسلام شداد –رضي الله عنه-أن يكون زاهدًا أو أن يكون مُنصرفًا عن الدنيا تمامًا، لا!  بل كان يعطيه الشيء الأمثل لعمارةِ حياته، وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-وأرحم الخلق بالخلق، ولو كانت سعادة شداد –رضي الله عنه-بالدنيا لأرشده إليها، لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يبخل علينا بنصيحة.

مشكلتنا أن العزيمة لا تأتي مُباشرة، نقول: نحنُ سنفعل لكن يا ربّ هَبنا العزيمة والإرادة! 

فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يعرفنا أكثر من أنفسنا، وكان يعلم أنَّ مُشكلتنا هي فكرة انبعاث العزم وانفعال الإرادة.

فالعزيمة على الرشد هي المرتبة الثالثة، اعزم على الخير والله سيدبرك، لا تتأخر! 

٤-العمل

تعلمنا، وعرفنا أمره سبحانه، وعزمنا على فعله، مجرد أن تعزم حرك عزمك بالعمل، انتقل مباشرة للعمل، لا تخلق فجوة من عندك كالاعتذار بعدم القدرة وغيرها، فلديك قرار تتخذه وحفَّك الله بالنعم التي تُمكنك من العمل، ولا يوجد ما يمنعك، اغلب شيطانك وأقدم على هذا القرار، 

ودائمًا خُذها قاعدة إذا قررت فعل الخير اذهب وارمِ نفسك في بحر، لأنك تتساءل هل الله عزّ وجل يريده؟ نعم؛ إذًا الله لن يضيعك، افعله ولا تفكر بمآلاته ربّما لن أعرس، ربّما لا تأتيني الوظيفة… لا تفكر في ذلك أبدًا.

الله عزّ وجل يصنع لك ما لا يمكن لك أن تتخيليه، الله عز وجل إن تركت شيئًا من أجله عوضك الله خيرًا منه.

فلا تأجل قرارك لأي خوف دنيوي، لا رزقك ولا العمل ولا الناس يستحقون منك تأخير هذا القرار.

٥-حافظ على هذا العمل أن يكون خالصًا وصوابًا “شرطا قبول العمل”

ليست القضية المُهمة في فعلك له بل:

أن لا تفعله لأجل الناس، ولا مجاملة لأناس أنت موجود معهم، بل تفعله لأجل الله عزّ وجل وابتغاء وجه الله سبحانه.

ومعنى صوابًا: أن تعمله على الوجه الذي يُرضي الله عزّ وجل، ولا تفعله بالهيئة التي تريدها وتشعر بأنه (ستايل) أكثر، أو مظهره أجمل! يجب أن تُحققه كما أمر الله عزّ وجل.

عندما نتحدث مثلًا عن بنت لم تكن محجبة، وقررت أن تتحجب، القرار الصحيح “سِتر الوجه” 

وضعت الحجاب عليها وشعرت أن مظهرها غير جيد، فرفعته إلى أن تحسّن قليلًا بعدما أخرجت أربع أشبار من الشعر، نحنُ قلنا: خالصًا صوابًا أي: يجب أن يكون على الوجه الذي أمر الله به، فأنت عندما تُخرجين جزء من شعرك فأنتِ حتى لم تتحجبي ناهيكِ عن سترك لوجهك، ومعنى هذا أنك خالفتِ أمر الله عزّ وجل الذي خلقك والذي أحبك والذي صنع لك الذي كنتِ تحلمين به، فكيف بعد هذا نُخالف أمر الله عزّ وجل!

فعندما تعمل تذكر أن لا تعمله بأي شكل كان، بل ليكُن خالصًا وصوابًا.

٦-احذر مما يُحبط عملك

ما هو الشيء الذي يمكن أن يحبط عملك؟

رياء، شرك بالله ولو كان شرك الهوى وصورته: أن الله يأمرك بشيء فتطبقه على مزاجك أنت ليس وفق ما يريده الله عزّ وجل؛ فيظهر الشيء على خلاف ما يريده.

حديث عظيم يقوله النبي عليه الصلاة والسلام ويحدّث فيه عن أقوام: (يأتون يوم القيامة بحسنات مثل جبال تهامة …) 

هؤلاء لديهم حسنات ليست بالقليلة، بل لديهم جبال من الحسنات، وأول ما يبدأ حسابه (يجعلها الله هباءً منثورًا)، الصحابة استهولوا هذا الأمر قالوا يا رسول الله: صفهم لنا؟ فقال لهم الرسول عليه الصلاة والسلام: ألا إنّهم منكم، يصلون كما تصلون ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوامٌ إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها). إذا لم يره أحد؛ انتهك حُرمات الله، معناها كل الخير الذي كان يفعله لأجلِ الناس فقط، وإذا ما أغلق عليه الباب، وأغلقت الأنوار وكان في أرض غير هذه الأرض، خلى بمحارم الله. انتهكها وهو يعلم في داخله أن الله يراه ويسمعه، يسمع أنفاسه ويراه ويرى عروقه، ومع ذلك يفعل وينتهك جرأةً ومعصية لله عزّ وجل، هؤلاء يأتون يوم القيامة بأمثال الجبال فتكون هباءً منثورًا، فعليك أن تحذر مما يُحبط عملك، قال عبد الله ابن ابي مليكة: أدركتُ ثلاثين من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-كلّهم يخشى النفاق على نفسه، ومنهم عمر -رضي الله عنه-عندما كان يمسك حذيفة ويقول له: أُشهدك الله هل سمّاني رسول الله من المنافقين؟

كان عمر يعرف معرفة حقيقية أننا لو عملنا من العمل ما عملنا فنحن لا نستطيع نرد ولا نعمة ولا طرفة ولا عِرق، كما قال أحد السلف: ولا بضربة عرقٍ في رجلك، فأنت كل الذي تفعله من عبادات، لا تستطيع أن ترد من نِعم الله عزّ وجل التي أحاطكَ الله بها في حياتك.

٧- الثبات.. “أن تثبت على أمر الله عزّ وجل”

استدل المؤلف بقول النبي عليه الصلاة والسلام: فَوَاللَّهِ إِنَّ أَحَدَكُمْ -أَوْ: الرَّجُلَ – يَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا غَيْرُ بَاعٍ أَوْ ذِرَاعٍ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، فَيَدْخُلُهَا. وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذِرَاعٍ أَوْ ذِرَاعَيْنِ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا “

الثبات بطريقتين:

١-أن تستعين بالله؛ وحدنا مع أنفسنا لن نستطيع، فلا بُد من العون والاستعانة بالله عزّ وجل.

٢-أن تُجاهد نفسك؛ قال الله عزّ وجل في البشارة العظيمة: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} ما يتركهم الله عزّ وجل، ولا يكلهم لأنفسهم، ولا ينظر إليك الله في تألمك ومقاومتك ومحاولتك ترويض نفسك ثم يتركك الله عزّ وجل فلم تعرفي من هو الله جل جلاله!

الله عزّ وجل تعهد في هذه الآية في الكتاب أنّك لو جاهدت سيهديك الله، والذين يهيدهم الله عزّ وجل إلى السبيل الحق فلا تسأل عن سكينة روحه، ولا اطمئنانه ولا فرحه بالله، فالقلب يفرح بالله كأنه لقي ما يبحث.

وإذا ما كنا بعيدين عن الله عزّ وجل سنظل قلقين، لأننا نعرف أننا عملنا أمر خاطئ، ومتى ما ركنّا الى الله عزّ وجل، ووصلنا إلى مرحلة من السكينة وفرحنا بالله وبأمر الله عزّ وجل وصلنا إلى ما نُريد، لذلك قال يعقوب لأبنائه: {فلا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون}، لا يملك إنسان أن يضع قصة نهايته، ولا يملك إنسان أن يُهندس طريقة موته، لكنه يستطيع فقط أن يعيش على الإسلام؛ 

فإذا عشت على شيءٍ متَّ عليه.

هذا وأسأل الله أن يجعلني وإياكم من الفائزين المفلحين، وأن يغفر لنا ذنوبنا وخطايانا وأن يُعيننا على أنفسنا، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


* تنويه: مادة المحاضرة جُمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.