بتاريخ ١٠ / ٠٧ / ١٤٤٥ هـ
لسماع المحاضرة صوتًا
( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )
أشهرٌ استثنائية.. أشهرٌ حرم.. دعوة الله لك.. لكيلا تظلم نفسك..
حزم وعزم على التغيير.. تغيير إعدادات روحك وحسابات يومك بل حسابات دقائقك وثوانيك.. استعداداً للانضمام لقوافل المعتوقين.. لا في آخر ليلة
بل في أول ليالي شهر العتق شهر رمضان المبارك.. تخيل في أول ليلة يضم اسمك مع القوافل ويختم لك (عتق من النار) أي فوز ذاك وأي حياة!؟
وكيف ينال ذاك بغير عدة وعتاد!؟ وجبال من الحسنات!؟ (ولو أرادوا الخروج لأعدّوا له عدة …) التوبة ٤٦
رجب -أو كما قيل شهر مضر- الشهر السابع في أوسط العام، شهر لا قتال فيه.. شهر الله المحرّم والمعظّم.. شهر محاسبة النفس
والوقوف عليها.. شهر تضاعف الحسنات.. وتعاظم الذنب.. والظلم فيه ليس كالظلم فيما سواه.. وإن كان الظلم عظيماً على كل حال..
أعظم الظلم:
إن أعظم الظلم هو ظلمك نفسك وبخسك حقها.. أن لا تهبها فرص اقتناص الخير في شهور الخير، ورجب هو أحدها.. تطهيرك في رجب سبب
لنجاتك عند رفع أعمالك في الشهر الذي يليه وهو شهر شعبان الذي كان رسولنا ﷺ يكثر من الصيام فيه، حينما سألته عائشة رضي الله عنها:
(يا رسولَ اللهِ لم أرَك تصومُ من شهرٍ من الشُّهورِ ما تصومُ شعبانَ قال ذاك شهرٌ يغفَلُ النَّاسُ عنه بين رجبَ ورمضانَ
وهو شهرٌ تُرفعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين وأُحِبُّ أن يُرفعَ عملي وأنا صائمٌ). صحيح النسائي.
متى ترفع أعمال العباد لله سبحانه؟
أن أعمالنا ترفع يومياً بعد الفجر وبعد العصر، وترفع أسبوعياً في يومي الاثنين والخميس، وها قد علمنا أنها ترفع سنوياً في شعبان، فماذا عملنا حين علمنا؟
اليوم هو العاشر من شهر رجب لم يتبق الكثير لرفع أعمالنا فماذا أعددنا؟ وماذا سطرنا في ختام صحائفنا وتوديعنا لأعمال عامنا توديعاً يليق أن يرفع لخالقنا..
لنلتفت إلى الوراء ونقف قليلاً لنشاهد عاماً مضى من أعمارنا.. رمضاننا الماضي كيف كان؟ توبتنا كيف هو حالها؟
الذنوب التي استحدثت كبائر هي أم صغائر؟ اكشف سترك أمام نفسك وعرّها.. فليس هناك سواك لترى حقيقتك ماثلة أمامك ومن ثم داوِها.
نطرح أسئلة بين يديك اسمعها بقلبك لكن احرص أن يكون قلباً سليمًا يريد أن ينجو.. يريد أن يعود لما خُلق لأجله.. يريد أن يطهر
داخله قبل خارجه.. قلباً يعلم علم اليقين أن الدنيا دار مرور لا دار قرار..
ماذا قدمت لغدك؟ هل أعددت شيئاً للرحيل؟ هل أنت الكيّس الذي دان نفسه وعمل لما بعد الموت؟
أم أنك العاجز الذي أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني؟
لا يهم كم عمرك.. لا يهم رقمه.. ما يهم أن تكون كيّساً.. أنت تكون رقماً فارقاً.. تعمل لذاك اليوم الباقِ تاركاً اليوم الفانِ.. تحاسِب نفسك
قبل أن تحاسَب.. وظيفة عمرك هي التوبة.. تجددها كل يوم.
كما كان يفعل شيخ الإسلام ابن تيمية حين قال إني أجدد إسلامي كل يوم، وبعد لا أشعر بأني أسلمت إسلاماً جيداً..
هذا هو حال شيخ الإسلام فكيف بحالنا نحن؟ من أرضانا بإسلامنا؟ وكيف رضينا ونحن الذين ندعو في أذكار صباحنا ومساءنا:
“أعوذ بك من شر ما صنعت”! ما صنعت في يومي وليلتي.. ما صنعت من ذنب أنت أعلم به مني.. ولأني أعلم أنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فإني أعوذ بك..
إقرار بالذنب وعزم على التوبة في كل يوم وليلة.. استبراء من الذنب وتكرار التأكيد أنك على العهد والوعد ما استطعت.. فاستدرك ما فات وأصلح ما بقي يغفر لك ما قد مضى ..
دونك أسئلة ليس بينها وبينك حجاب ولا حائل:
رجب الماضي من ذاك الشهر وصولاً ليومنا هذا كيف كانت أيامك؟ أترضي الله؟ وهل أحبها منك؟ أهي سبباً ليبيض بها وجهك
يوم لقاءه فتلقاه مسروراً؟ حسناً.. ماذا لو قبضت في هذه الـ ٢٤ ساعة الأخيرة؟ هل الختام يرضيك ويجعلك من أهله وخاصته فيكون ختام خير؟
كيف هي محاسبتك لنفسك في عشر أشهر مضت؟ هل كنت تحاسبها بشكل يومي وبمعدل ثابت دبر كل صلاة؟ أم أنها أسبوعية؟
أم فاتك الكثير من الحساب لكونها شهرية؟ أم أنها كانت عند الحوادث والمصائب العظام؟ أم أنها غابت تماماً وخلى العام من الحساب والعقاب والثواب!
في هذا العام المنصرم هل كنت صخرة صلبة لا تزيحها شهوات المعاصي ولا تتأثر بانجراف من حولها؟
أم كنت ريشة تطير مع كائن من كان؟ هل ثبت على رضا الله أم أن ثباتك كان على المعصية؟
وأنت تقف ملتفتاً هل تلوح لك شهواتك؟ هل تلك الذنوب ذنوب معاصيك؟ كيف قاومتها إن كنت قد قاومت؟
أم أنك فتحت لها كلتا يديك فملأتك؟ وحين كان من حولك يلهثون نحو الشهرة والمال والمنصب هل سلكت طريقاً مغايراً أم سرت في ركابهم؟
وكيف كان عمق هروبك منهم؟ أم أنك طفت في السطح بجوارهم؟
هل كان انشغالك بآخرتك وكيف النجاة بها؟ أم كان انشغالك غوصاً في بحر ذنوبك وكيف هو الخلاص منها؟
هل كان الله نصب عينيك وطريقه سفينةً صنعت ألواحها بروحك؟ إذن.. ما هو عنوان عامك؟ وإن قلت إنه لا يستحق أن يعنون لما فيه من الذنوب والآثام والمعاصي فما هو عنوانك للختام؟
وأنت تقف في المكان ذاته.. يمر بك شريط الذكريات أحسرة على دنيا ضاعت منك؟ أم على طاعة فاتتك؟ وتلك الدموع التي أحرقت وجنيتك أعساها أيقظتك من غفلتك أم أنها انهمرت لدنيا فاتتك؟
حزن الرسول ﷺ على من فاتته صلاة العصر فقال عنه
(الذي تَفُوتُهُ صَلَاةُ العَصْرِ، كَأنَّما وُتِرَ أهْلَهُ ومَالَهُ) صحيح البخاري
فالحزن لدين لا لدنيا.. لصلاة هجرت لا على حبيب غاب عنك.. ومن منا لم يفقد حبيباً؟ ومن منا لم يواري جثمانًا غالياً؟
إلا أن ألم صلاة واحدة تتركها أكبر من كل خسائرك فهي كبتر المال والأهل جميعاً.. أغمض عينيك وتخيل بذهنك جاعلاً الصورة أمامك؛ لا بيت لا مال لا أهل..
لا مكان لتحزن فيه وتواري دمعتك.. لا يد تربت على كتفك وتساندك.. لا حضن ترتمي إليه لتلقي همومك.. ليس من شيء حولك يهون عليك
كل هذا لصلاة واحدة فاتتك! أيعادل هذا الفقد أي فقد؟ هل أجهشت بالبكاء حينما علمت عظيم مصابك وعظيم فقدك؟ هل تذللت لله ساجداً طالباً
عفوه أم أنه كان حديثاً عابراً كغيره في نهاية مروره أن الله غفور رحيم؟
وكأننا لا نعلم أنه ذاته عز في علاه شديد العقاب.. لنوقف الشريط هنا ونحاسب أنفسنا على حزنها وفرحها أكان لله وفي الله أم لغيره!؟
أكان الفرح فرحاً بتوبة وإقلاع عن ذنب؟ أكانت السعادة بقيام ليل وسكينة تعقبه؟ أم كان حزناً على دنيا ومال وشهوات فاتك شيئاً منها!
ما الذي شغلك وما هو الهم الذي أهمَّ روحك؟ ذاك انشغل بالبحث عن وظيفة مناسبة، والآخر كان تحت قدما والديه المتعبين، والآخر كان القرآن
وحفظه ولقاء الله به همّه ونصب عينيه، فكانت التوبة في عامه الماضي وظيفة حياته، فما الذي أهمّك أنت وكيف طهّرت روحك عن كل ما دنسها؟
طاعتك في عامك الماضي هل ازدادت أم نقصت؟ وإن ازدادت ففيمَ ازدادت؟ كيف هو وردك من القرآن وكيف هو قيام ليلك؟
حدثني عن سجودك كيف كان؟ أتنقره نقراً؟ حضور قلبك؟ أكنت خاشعاً بين يديه؟ حدثني عن الطمأنينة بعدها وهل نهتك عن منكر؟
فلتُعد جواباً للسؤال الأول والسؤال المؤكد وليكن شافياً
(لمَ قصّرت في صلاتك؟)..
الأخلاق أخت الحسنات، كيف هي أخلاقك؟ كيف هي تعاملاتك مع العباد؟ كيف هي حلاوة روحك ولين قولك؟
أم أنك كنت فظاً غليظ القلب فانفضوا من حولك؟ هل وضعت نصب عينيك أن قدوتنا وقائدنا ﷺ كان خلقه القرآن، فهل كان جهاد عامك في لين معشرك
وطيب لقاءك.. وطهر لسانك.. في جدك ومزحك؟ وفي حلك وترحالك؟ هل وقع الخوف في قلبك أن يعمك الويل في حديثك حين تكون مازحاً فتكذب؟
وماذا إن كنت مغتاباً نمّاماً؟ ما شكل توبتك؟
خلال العام الماضي وأنت تستذكره هل لمع بذاكرتك معاصٍ قد استحدثتها وقد كنت تائباً منها منذ سنين؟ ما الذي فتح معبراً للذنب فكان رجوعه سهلاً؟
وكيف تجرأت على الله وأنت تعلم علم اليقين مقدار معصيتك وعظمة من عصيت!؟
لنقف الآن مع قلبك كيف هو في عامك المنصرم؟ ومن كان يسكنه؟ وإن ذكرت تفاصيل يومك علمت ما يملأ قلبك
وروحك وعقلك فأنت تعلم أن المرء مع من أحب فمن أحببت أنت؟ كن صادقاً مع نفسك.. هل جمعت حولك من ستفخر بحشرٍ معهم؟
أم أنك أرهقت روحك بغثاء السيل يجرفونك معهم لدنياهم وما يثقلها.. قلبك الذي يتقلب بداخلك أمانة وأنت خير من يصون الأمانة..
ما الذي تعلمته في هذا العام من علوم ارتقت بك على مستوى روحك ودينك؟ هل طال وقوفك بين يديه خشوعاً وطمأنينة؟
هل كررت مراراً وتكراراً قصار السور في صلواتك أم أن عامك امتلأ بطوالها؟ أكان إلهك هواك؟ وهل جبت الأرض باحثاً عن علمٍ يقربك وعملٍ ينجيك؟
ماهي الصورة التي ملأت مخيلتك لعام مضى؟ هل كنت ممسكاً بكتاب التفسير ترجو بين طياته سكينة قلبك ونجاة روحك؟ هل ازددت حفظاً لحديث
من ترجو شفاعته والشرب من حوضه؟ هل ازددت له اتباعاً؟ هل تعقبت آثاره ومآثره؟ هل نقلت لصغارك بكل حب وشغف سيرته وبطولاته؟
ماهي أخبار غضك لبصرك؟ لمَ يغضب الله منك؟ أعساها عيناك تلاحق حفل هذا وذاك وقد ملأته الأجساد العارية؟
من الذي أباح ذاك لك؟ يوماً يتلو الآخر لحلقات من مسلسل أبطاله نساء ورجال لا يحلون لبعضهم البعض؟ من الذي جعل منه حلالاً جائزاً؟
وأي قلبٍ ستحمله بين أضلعك بعد هذه المشاهد؟ أي ندوبٍ وفجوات سوداء ستملأه؟ اسأل روحك متى هي آخر مرة نهيت فيها عن منكر
وأنت الذي جعلك الله من خير أمة لكونك تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ هل ختم على قلبك فأصبحت من المغضوب عليهم
لأنهم ألفوا المنكر واستحقوا لعنة الله عليهم؟ كيف تنشد وضوح الطريق وقد ملأته بالعتم؟
ولنختم حديثنا لأنفسنا لعامنا المنصرم بـ ماهي الذنوب التي تبت منها وعدت لها؟
ماهي آخر معصية أرهقتك وأقسمت أنك لن تقبل أن يختم لك الله بها؟ متى ستشبع روحك من امتلاءها بالحرام؟ بصوت الأغاني ومزمار الشيطان؟
من مدح الناس ثناءً ورياءً وكبراً؟ من مساحيق ملأت وجهك؟ من عباءة لا تستر جسداً ولا تعف روحاً؟ ويحك ألم تشتاق!؟
ألم تشتاق روحك للعفة؟ ألم يشتاق جسدك للحشمة؟ ألم تشتاق أن يغشاك ستر الله فوق أرضه وتتمنى على الله الأماني أن يغشاك تحتها ويوم العرض عليه؟
راجع نفسك واستحضر دعوتك (اللهم إني أعوذ بك من نفس لا تشبع) واعلم أنها لا تشبع بغيره فما الذي لم تشبع منه وتتركه فلم تخلق له وإن كان قد خلق لك..
أمامك عنوانان لعامك الماضي: (كنت لله أقرب وأطوع) أم (كنت لله أبعد وأعصى)؟ ولا زالت الفرصة أمامك لتغيير العنوان.. لا تألف روحك المعصية.. أشعل نار التوبة بداخلك لا تنطفئ..
الآن.. وليس غدًا.. الآن.. عاهد نفسك أن تقلع عن ذنبك وأن يكون صبح غدك مختلفاً عن يومك، وأي صباح أجمل من صباح العودة إليه!؟
قاوم صوت شيطانك بالتسويف لا ضمانات لغد.. اليوم اليوم وليس غد.. كن أول من يظلهم الله تحت ظله لأنك الشاب الذي نشأ في طاعته.. كن كيّساً.. كن فطناً
واجعل الليلة هي ليلة إحياء روحك ونجاتك.. أعلن توبتك.. أعلن توبتك لخالقك وادعوه وارجوه بأن يتقبلك.. ادعوه انكساراً.. ادعوه ذلاً
ادعوه أن يزين الإيمان في قلبك وعاهده.. عاهده أن لا تعود إليه أبداً.. فإن صدقت الله صدقك.. وقبل توبتك وغفر لك.. وملأك سكينة تملأ روحك.. وذاك شعور لا يضاهيه شعور.. فهنيئاً لك..
اذرف دموع الفرح، دموع أن قادك الله إليه قبل أن تهلك.. دموع الفرح أنه أحبك فدعاك.. ولا تسأل عن حياتك بعدها فهي بين يديه.. به ومعه.. اثبت على ذلك
واستعن بالدعاء وكرر.. وانصرني ولا تنصر علي.. نصراً على روحي التي تهزم أمام شياطينك.. انصرني ولا تنصر علي.. انصرني على شهوات
تضعفني وتشدني لنيرانك.. انصرني ولا تنصر علي.. واهدني ويسر الهدى لي واجعلني لك ذكّاراً.. لك شكّاراً لك رهاباً لك مطواعاً إليك أواهاً منيباً..
ربي تقبل توبتي واغسل حوبتي وثبت حجتي وسدد لساني واسلل سخيمة صدري واهدِ قلبي … واهدِ قلبي … واهدِ قلبي.
تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.