بتاريخ ٢١ / ٣ / ١٤٤١ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط)

الملخص:

بسم الله الرحمن الرحيم

سوف نتطرق اليوم لمجموعة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لننهل من هديه ونحاول أن نسترشد بهداه، وهذه الأحاديث لا يجمع بينها جامع سوى ترتيب المؤلف، وقد جاءت هذه الأحاديث في كتاب (بدء الخلق وصفات المخلوقات وشمائل النبي عليه الصلاة والسلام).

تحريش الشيطان للمسلمين:

يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ” إنَّ الشَّيْطانَ قدْ أيِسَ أنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ، ولَكِنْ في التَّحْرِيشِ بيْنَهُمْ “([أخرجه مسلم، صحيح])

لقد أيِسَ الشيطان أن يعبده المصلون وعلِم أنه من المستحيل أن ينقلب المسلمون فيعبدوه، قد تكون هناك استثناءات ولكن بشكل عام يستحيل أن يعبد المسلمون الشيطان، ولكن قد ينجح الشيطان في التحريش بين المسلمين، وهذا نراه في البيت الواحد أحيانًا فكل شخص يشتم الآخر أو يتهمه أو يعيب عليه، ونرى هذا كثيرًا في برامج التواصل الاجتماعي كتويتر فنحن نتعارك فيما بيننا ونحن نعلم وعدونا يعلم أنه لن تقوم لنا قائمة طالما نحن متفرقين، وأحيانًا تمر هذه المواقف دون أن نلاحظ حتى، فإذا اختلينا بأنفسنا صورها لنا الشيطان وشدد عليها فهو يحاول أن يُحزنك ويضيع وقتك بالتفكير في هذه الأمور فإذا بك يفوتك قيام الليل أو صلاة الفجر، وهكذا يعمل الشيطان بالتحريش بين المسلمين.

تقلُّب القلوب وحُب الله عز وجل:

 يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ يُقَلِّبُهَا»

([أخرجه ابن ماجه، وقال الألباني: صحيح.])

ويقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: «إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ»

([أخرجه الترمذي، وقال الألباني: صحيح.])

حين نقول أنها بين أصابع الله فهذا يعني أن يده تعالى لها أصابع ولا يمكن أن نتخيلها، يقول تعالى: ( … لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) سورة الشورى، فكما نتعلم في مادة الأحياء أن الكثير من الحيوانات لها أيدٍ ولكنها مختلفة لا تتشابه سوى في الاسم، فنحن هنا نتحدث عن الله عزو جل الذي ليس كمثله شيء.

إذاً يقلب الله عز وجل القلوب، فلا شيء ثابت على وجه الأرض، وهذا يعني أن نتخذ قراراتنا دائمًا للذي يدوم ونجعل رضى الله عز وجل نصب أعيُننا، فلا نسعى لرضى الناس، ومَن مِن هؤلاء البشر حولك يستحق أن تُسخِط الله عز وجل لأجله إن كان هو عز وجل يقلب قلوبهم جميعًا كيف شاء؟، وهنا نتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم:” إذا أحب الله العبد نادى جبريل: إن الله يحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض”

([أخرجه البخاري، صحيح.]).

مفاتيح الخير ومغاليق الشر:

في الحديث: «إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ، مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ»

([أخرجه ابن ماجه، وقال الألباني: حسن.])

فلله عز وجل خزائن خير مفاتيحها هم أشخاص بيننا على كوكب الأرض، وهناك أشخاص غير موفقين يفتحون أبواب الشر بأفعالهم ويغلقون أبواب الخير، وحين تعلم أن الناس ما بين هذين الإثنين فيجب أن يكون لك خيار، فحين ترمي بفكرة خيرة في أحد المجالس ترى البعض يقوم بتطبيقها وهكذا تكون مفتاحًا للخير كأن يجتمعوا لحفظ سورة أو تفسير آية أو قراءة كتب السنة أو تدارس كتاب، وقد تسافر من بلدٍ إلى آخر وتنشر الخير فيهم، أو بين أصدقائك حيث تجمعهم على الخير والأفكار الحسنة فتفتح لهم أبوب الخير وبكل باب خير تفتحه أنت تغلق بابًا للشر حين تُشغل وقتهم بالخير، وهنا نتذكر قول النبي عليه الصلاة والسلام «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، …»

([أخرجه مسلم، صحيح.]).

قلب المسلم:

يقول النبي عليه الصلاة والسلام تأكيدًا لهذا المفهوم إنما سمي القلب من تقلبه: «مَثَلُ الْقَلْبِ مَثَلُ الرِّيشَةِ تُقَلِّبُهَا الرِّيَاحُ بِفَلَاةٍ»

([أخرجه ابن ماجه، وقال الألباني: صحيح.])

فالقلب مثل الريشة على الشجرة تقلبها الريح ظهرًا لبطن، وفي هذا الحديث بشارة ونذارة.

فأما النذارة فهي أن الإنسان مهما وصل لمستوى عالٍ وظن أنه لا يمكن أن يتغير أو يميل عن طريق الحق، فهو لا يضمن ذلك، ولذا ينصح السلف الصالح بأن يقتدي الإنسان بمن مات على خير وصلاح لا بإنسانٍ حي لا نعلم إن كان سينقلب غدًا ولا نعلم كيف سيُختم له في آخر عمره.

وأما البشارة فهي ألا يختم الإنسان على نفسه بأنه لا يمكن أن يكون أفضل مما هو عليه اليوم، كأن يقول ليس لدي قوة بأس ، ورغم أني أحب الصالحين إلا أني لا أقدر أن أكون منهم، فقد يأتي يومٌ يصبح فيه أفضل منهم، وقصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه دليلٌ على ذلك، فكان الصحابة يقولون والله لا يُسلم عمر بن الخطاب حتى يُسلم حمار الخطّاب، وبعد إسلامه قالوا رضوان الله عليهم مازلنا أعزة بعد إسلام عمر، ولم يقولوا هذا الكلام إلا مما كانوا يرون من شدته وقسوته وصلابته فظنوا أنه لا يمكن أن يتغير، ولذا على الإنسان أن لا يحكم على نفسه بل يخطو ويعمل وعلى الله عز وجل الباقي.

المُسلم هو مَن يُرجَى خيرُه ويُؤمن شره:

يقول أبو هريرة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَى نَاسٍ جُلُوسٍ، فَقَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِكُمْ مِنْ شَرِّكُمْ؟» قَالَ: فَسَكَتُوا، فَقَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا بِخَيْرِنَا مِنْ شَرِّنَا، قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ يُرْجَى خَيْرُهُ وَيُؤْمَنُ شَرُّهُ، وَشَرُّكُمْ مَنْ لَا يُرْجَى خَيْرُهُ وَلَا يُؤْمَنُ شَرُّهُ»

([أخرجه الترمذي، وقال الألباني: صحيح.])

هكذا على الإنسان أن يكون، أن يُتوقع منه الصفح والعفو حين يُخطئ أحدهم في حقه أو يؤذيه، لا أن يكون ممن يعمل على إحباط الآخرين وتثبيطهم ولا يُتوقع منه إلا الشر.

مفهوم الجمال:

 يقول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث: ” كُلُّ خَلْقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حَسَنٌ “

([أخرجه أحمد، وقال الألباني: صحيح.])

من هذا الحديث نتعلم أن كل خلق الله حسن، ويجب أن يؤثر هذا على مفهومنا للجمال والرضى الداخلي، مالم يكُن في الإنسان عيب خلقي يحتاج إلى تدخل جراحي أو طبي، فقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، فكل تفاصيله من أنفٍ وفمٍ وعينان كلها موزونة، فلا داعي للتأثر بكلام الآخرين حين يشعرونك بالنقص أو يحثونك على تغيير ملامحك، ولا نغفل عن أن الله جميل يحب الجمال، ولكن الجمال الذي لا يستدعي الإنسان لعمل ما يحرمه الله عز وجل، أو أن يقضي الإنسان حياته والجمال هو شغله الشاغل، فحين يرضى الإنسان ويقنع بجماله داخليًا سيكون قلبه متفرغا لأمور أخرى أهم في الحياة.

لا يجتمع دينان في أرض العرب:

يقول النبي عليه الصلاة والسلام أو قال الصحابة كان آخر ما تكلم به يعني آخر الأشياء التي سمعوها من النبي عليه الصلاة والسلام قبل أن يموت: “قاتَلَ اللهُ اليَهودَ والنَّصارَى؛ اتَّخَذوا قُبورَ أنبيائِهِم مَساجِدَ، لا يبقيَنَّ دِينانِ بأرض العَرَبِ”.

([أخرجه البيهقي، وقال الألباني: صحيح.])

جاء هذا الحديث بأكثر من رواية، وفيه تمهيد لِألا يُعَظَّم قبر النبي صلى الله عليه وسلم كما فعلت اليهود والنصارى في قبور أنبيائهم، فقد حرفوا دينهم وعبدوا عيسى ابن مريم وغالوا في أنبيائهم بدل عبادة الله عز وجل، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم مؤكِدًا لا يبقين دينان بأرض العرب، وأرض العرب هي الجزيرة العربية تشمل المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر والكويت واليمن وإلى آخره، وهذه المنطقة التي هي قلب العالم لها أحكام تختلف عن أحكام العالم أجمع وعلى مر كل القرون السابقة لم تُبنَ فيها كنيسة أو معبد لغير المسلمين، فكلها مساجد يُعبد فيها الله عز وجل، فلا يجتمع دينان في أرض العرب لأنها أرض الإسلام، والعرب كانوا يعرفون دين إبراهيم ونحن نقول دين إبراهيم لأنه هو الذي بنى الكعبة، أما اليهود والنصارى فلم يعرفوا جزيرة العرب بل كانوا على أطرافها في الشام وغيرها من بلدان الشمال، فلا يجتمع دينان في جزيرة العرب أي لا يجتمع بناء كنيسة ومسجد في أرض المسلمين، وحين فتح المسلمون الشام وبيزنطة وغيرها لم يهدموا كنائسهم لأن الأرض كان فيها نصارى منهم من أسلم ومنهم من لم يُسلم وكان هذا الأمر تابعا لهم، وهذا أمر مختلف عن أن تأتي لأرضك أرض الإسلام فترفع فيها الصليب وتبني مبنى يُسَب فيه الله عز وجل، ولذلك أوصى الرسول عليه الصلاة والسلام قبل أن يموت ألا يجتمع دينان في أرض العرب.


* تنويه: مادة المحاضرة جُمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.