بتاريخ ٤/ ٢ /١٤٤٢هـ
لسماع المحاضرة صوتًا
( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )
الملخص
مقاومة الإغراء
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : “لمَّا خلقَ اللَّهُ الجنَّةَ والنَّارَ أرسلَ جِبريلَ إلى الجنَّةِ، فقالَ: انظُر إليها وإلى ما أعدَدتُ لأَهْلِها فيها .
فنظرَ إليها فرجَعَ، فقالَ: وعزَّتِكَ لا يسمَعُ بِها أحدٌ إلَّا دَخلَها. فأمرَ بِها فحُفَّتْ بالمَكارِهِ، فقالَ: اذهَب إليها فانظُر إليها وإلى ما أعددتُ لأَهْلِها فيها.
فنَظرَ إليها، فإذا هيَ قد حُفَّت بالمَكارِهِ، فقالَ: وعزَّتِكَ لقد خَشيتُ أن لا يدخُلَها أحدٌ. قالَ: اذهَب إلى النَّارِ وإلى ما أعدَدتُ لأَهْلِها فيها.
فنظرَ إليها فإذا هيَ يركَبُ بعضُها بَعضًا، فرجعَ فقالَ: وعزَّتِكَ لا يدخلُها أحدٌ. فأمرَ بِها فحُفَّت بالشَّهواتِ، فقالَ: ارجِع فانظُر إليها.
فنظرَ إليها فإذا هيَ قد حُفَّت بالشَّهواتِ، فرجعَ وقالَ: وعزَّتِكَ لقد خَشيتُ أن لا ينجُوَ منها أحدٌ إلَّا دَخلَها” (أخرجه أبو داود في سننه، وقال الألباني: حسن صحيح)
معنى حُفت أي حُجبت، أي لا يمكن الوصول للجنة، ولا يمكن الوصول إلى النار، إلا باجتياز تلك الأسوار المحيطة بها.
فحُفت الجنة بالمكاره وهي الأوامر الشرعية من أمر ونهي، وحفت النار بالشهوات وهوى النفس. هذه الشهوات ليست إلا مجموعة من الإغراءات
والتي لها أصناف وأشكال متعددة، فقد تأتي في شهوة مال، أو منصب وجاه، أو موضة متجددة أو الميل للجنس الآخر.
وقد توعَّد الشيطان بأن يغري ويغوي بني آدم في قوله -عز وجل-: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (الحجر : 39)
فما هو الإغواء؟ هو التزيين والتحسين للشر، أي عندما ترى أمراً محرماً فالشيطان يحسنه ويزينه لك حتى تقع فيه.
وأول ضحية لهذا الإغواء كان آدم -عليه السلام- حين أغراه الشيطان بأن يأكل من الشجرة في القصة المعروفة.
أنواع الإغراءات التي من الممكن حصولها للإنسان:
النوع الأول من الإغراءات والذي حذر منه النبي -عليه الصلاة والسلام- هو افتتان الرجل بالمرأة وافتتان المرأة بالرجل.
لابد أنك تلاحظ التهييج الحاصل الآن فيما بين الرجال والنساء، والمكر بالليل والنهار في جعل الشهوات متدفقة على الجنسين من كل طرف.
فترى عبايات تجمّل أكثر من كونها تستر، وحجاب ليس له أي علاقة بالحجاب الذي أمرنا الله به من عفة وستر.
أضف على ذلك أنك إذا دخلت غرفتك وفتحت شاشة هاتفك تجد تأجيج مستمر في الأفلام على قضايا الجنس والهوى، وهذا كله نوع من الإغراء الذي يتعرض له الإنسان.
الله -عز وجل- يعلم أننا ضعفاء وأننا لا نستطيع المقاومة، ولذلك يمنع الأسباب قبل أن يمنعك من الذنب نفسه.
ولذلك لم يقل الله -عز وجل- لا تفعلوا الزنا وإنما قال (ولا تقربوا الزنا) أي ابتعدوا عنه وعن كل ما قد يؤدي إليه.
من الذي يصمد في هذا الإغراء؟ كيف صبر يوسف عليه السلام؟ كيف صمد وهو شاب غريب أعزب أمام امرأة دعته ذات منصب وجمال؟
لم تكن قوته وعفته في تلك اللحظة فقط رغم أنها سبب كبير، لكن أيضًا التربية التي تعرض لها في بيت نبي الله يعقوب،
فلما تعرّض للموقف لم يُهزم. فعندما نتحدث عن هذا الصمود أمام الإغراء، فجزء منه التربية التي يتعرض لها الإنسان.
ولذلك ما تقوم به كل أم مع أولادها كل يوم له أثر قد لا يظهر إلا في اللحظات التي يتعرضون فيها للإغراء.
النوع الثاني : هو فتنة أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو المال والبحث عن المال.
يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: “لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا، …” (أخرجه مسلم، صحيح)
بمعنى أنه لا شيء يشبعه حتى ولو عنده واد من المال يكفيه هو ويكفي أبناءه إلى الجيل العاشر.
فقد افتتنت هذه الأمة بالمال وبكنز المال، ولذلك نرى الحُمى الشديدة في الأعمال والمشاريع الخاصة وريادة الأعمال،
منهم أصحاب حاجات وهذا من أروع الأشياء أن يكف الإنسان يده وأن يكون له مصدر دخل مادي.
لكن منهم من هي ليست سوى للكماليات وحاجات تحسينية لا أقل ولا أكثر وليست من أجل حاجة حقيقية.
ونرى من الناس من يضع أمواله في حسابات ادخار أو في حساب استثمار أو أسهم أو غيره دون أن يسأل عن الأحكام الشرعية، فالأهم لديهم كم تكون الأرباح والمردود السنوي.
قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: “تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمِ، وَالقَطِيفَةِ، وَالخَمِيصَةِ، …” (أخرجه البخاري، صحيح) سماهم كلهم عبيد، عبيد لأشياء محسوسة، عبيد للمال.
قال الحسن البصري: (لكل أمة وثن يعبدونه وصنم هذه الأمة الدينار والدرهم).
النوع الثالث – هو الإغراء بالمنصب والجاه:
كقصة هرقل ملك الروم لما علم بخروج النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يريد الإسلام لكن أغراه المنصب والجاه
وخاف أن يخسر ملكه بإسلامه فلم يسلم. وهذا الموقف يتعرض له الكثير من الناس فمن أجل الترقية يطلب منك أن تتنازل قليلًا
عن بعض المبادئ، وإن لم تقبل بذلك ترى الذين كانوا أدنى منك صاروا أعلى وتقلدوا مناصباً جليلة، فمن باستطاعته الصبر لولا تثبيت الله له -عز وجل-
النوع الرابع – هو الفتاوى المضللة:
وهي الفتاوى التي تحلل الحرام وتحرم الحلال وهذا نوع من أنواع الإغراء الذي نعاني منه كثيراً الآن.
تتميز الإغراءات الحالية بسهولة الحصول عليها، لا يحتاج أن تتعب نفسك فالحرام يأتيك بنفسه دون أن تتعب قدميك للذهاب إليه.
فإننا نتعرض للإغواء في اليوم والليلة في كل منظر، في كل مرة تفتح بها هاتفك، في كل مرة تفتح فيها مواقع التواصل الاجتماعي،
في كل مرة تذهب فيها إلى اجتماع أصدقاءك، أو إلى عملك.
كذلك الذي يقف وراء هذا الإفساد لم يعد الشيطان لوحده كما كان الوضع في السابق، بل أصبح لديه آلة إعلامية وآلة مهولة من الشركات التجارية والقنوات التي تأخذ دور الشيطان في ذلك.
كيف نقاوم هذه الإغراءات؟
1/ لا تشغلك الدنيا عن الآخرة، بقدر ما تدخل الدنيا في قلبك بقدر ما تخرج الآخرة منه، ولذلك يجب أن تقول لا للترف الزائد، وأن تضع حدًا للاستهلاك المادي الزائد.
2/ لابد من وجود قدوات في المجتمع، أناسًا ثابتة على المنهج والمبدأ الصحيح، ويجب أن يرى الناس أن هناك من لم تتغير مبادؤه،
ولم يبع دينه، و ليعلموا أن النجاح يمكن أن يكون دون تنازل عن مبدئك، وهذا أمر مهم؛ لأنه إذا غابت القدوات فمن سيربي؟
3/ اعرف حقيقة الدنيا وأنها لا تستحق شيئًا وأنها لا تساوي عند الله شيئًا.
4/ قاوم نظرة الحرام، فكل الذنوب مبدؤها النظر، وكل الحوادث مبدؤها النظر. فلا تستهن بالأمور التي تشاهدها، ولا تستهن بالنظر إلى العورات والمحرمات ولو بنظرة!
5/ أحط نفسك برفقة صالحة فإن الطباع نقالة. ابحث عن رفيقٍ صالح، حاول أن يكون هناك أناساً في حياتك يذكرونك بالهدف الأكبر وهمك الأكبر، يذكرونك بالله -عز وجل-.
6/ قدر الله حق قدره، لأن الإنسان ما يتهاون بذنب إلا حينما يقل قدر الله -عز وجل- في قلبه، ولذلك فإنه يجب على الإنسان أن يتفحص قلبه دائمًاً.
7/ املأ أوقاتك دائمًا بشيء نافع؛ لأن نفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية.
8/ ادعو الله بالثبات.
9/ ابتعد عن أماكن الإغراءات ولا تذهب إلى مكان قد لا تطيق ما تنظر إليه فيه؛ حتى ولو كنت أقوى البشر، لا تضع نفسك في موقف إغراء فقد تنجرف دون شعور.
10/ تذكر دائمًا أن العمر قصير وأن الأيام إلى زوال، فالشباب زائل ولا محالة، والحياة أيضًا زائلة ولا محالة.
فخذ من شبابك لهرمك ومن صحتك لمرضك، فاطوِ فراشك واعمل لآخرتك فإن الموت يأتي بغتة.
قال الله -عز وجل- يختصر هذا الحديث بثلاث آيات:
(أفرأيت إن متعناهم سنين * ثم جاءهم ما كانوا يوعدون * ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون) (الأعراف : 205-207)
سؤال مهمّ، ما الذي أغنى عنك عند الله ما كنت تتمتع فيه من تلك الإغراءات والإغواءات؟
لا ينفعك في تلك اللحظات إلا اللحظة التي قلت فيها معاذ الله! إني أخاف الله!
وكنت تمنع نفسك من الحرام وكنت تفعل الخير، عند ذلك ينتفع الإنسان من حياته ومن عمله الصالح.
أسأل الله أن يجعلنا من عباده الصالحين وأن يحبب لنا الأعمال والخيرات وأن يبعد عنا الكفر والفسوق والفجور.
تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.