بتاريخ ١٩/ ٦ /١٤٤٢هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )

الملخص


ما الهم الذي تحمله؟ 

حينما نقول (الهمّ) فأنا أقصد حقيقةً مايهمك، فلو سألتك: ما أكبر هم يشغل بالك؟ والهمّ الذي يجلسك ويقيمك؟ ماهو الهمّ الذي يشغل كل هذه المساحة في حياتك؟


الهمّ هو الذي يُهِم ويقلق، ولذلك كانت العرب تقول: همك ما أهمك، فما هو الشيء الذي يقلقك ويوترك بمجرد التفكير فيه أو التذكر بأنه موجود!؟

قبل أن نتحدث عن أنواع الهمّ، فلنقل: الهمّ هو كل ماتفكر فيه كثيرًا، وهذه خمس علامات لتميز الشي الذي يهمك:


١.تنام وتستيقظ وهو مرافق لك، وتفكر فيه كثيراً.


٢.تتأثر عند تذكره، إذا ذكره أحدهم تتغير ملامح وجهك وتتكدر.


٣.تسعى بقوتك لتحقيقه أو انفراجه.


٤.تلح بالدعاء لحصوله، وتسعى وأنت تعلم أن سعيك لايكفي، فتلح في صلاتك وسجودك وتدعو الله أن يفرج كربك ويكشفه.

٥.تذكره طوال الوقت، موضوع على لسانك وتطرحه دائما.



الاهتمامات حاليًا كلها بتطوير نفسك مهنيًا وعلميًا، هذا حديث الناس؛ فلا يتركون أحد يقنع بما لديه، فهم يظنون أن هذا طريق الأمان،

وأنك بذلك تأمن نفسك وأولادك في هذا الزمان. ظنوا أن هذا هو راحة البال والطمأنينة والسعادة،

ونسوا قول الرسول ﷺ لأصحابه وهم يربطون على بطونهم الحجر من الجوع :”ما الفقرَ أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسطَ عليكم الدنيا،

كما بُسِطتْ على من كان قبلَكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتُهلِككم كما أهلكتْهُم”المصدر: صحيح الجامع


ماكان النبي ﷺ يخشى علينا من الفقر، بل عكس ذلك، خاف من بسط الدنيا والتنافس عليها؛

لذلك دعونا اليوم نتحدث عن هذه الهموم، ونرحل في سفر حول الناس واهتماماتهم، ونأخذ جولة تاريخية في بيوت من سبقونا ونبحث عن اهتماماتهم في ذلك العوز وتلك الحاجة التي كانوا فيها..

وبالتحديد نسافر لزمن الصحابة-رضوان الله عليهم-ونرى ما كان يهمهم..

هموم أخروية أم دنيوية؟
ما هو الهم الذي كان يحمله عُمير بن الحمام-رضي الله عنه-؟


ذُكرت قصته المشهورة في بدر لما سمع النبي ﷺ يقول:”قوموا إلى جنَّةٍ عرضُها السَّمَواتُ والأرضُ

فقالَ عميرُ بنُ الحمامِ الأنصاريُّ: يا رسولَ اللهِ، جنَّةٌ عرضُها السَّمواتُ والأرضُ؟ قال: نعَم ، قال: بخٍ بخٍ ،

فقالَ رسولُ اللهِ وما يحملُكَ علَى قولِ بخٍ بخٍ؟ قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، إلَّا رجاءَ أن أَكونَ من أَهلِها ؟

قال: فإنَّكَ من أَهلِها، فأخرجَ تمراتٍ من قرنِهِ، فجعلَ يأْكلُ منْهنَّ. ثمَّ قال: لئِن أنا حييتُ حتَّى آكلَ تمراتي هذِهِ إنَّها حياةٌ طويلةٌ ،

فرمى ما كانَ معَهُ منَ التَّمرِ ثم قاتَلَهم وهو يقولُ : رَكضًا إلى اللَّهِ بغيرِ زادِ إلَّا التُّقى وعملِ المعادِ والصَّبرِ في اللَّهِ علَى الجِهادِ

وَكلُّ زادٍ عرضةُ النَّفادِ غيرَ التُّقى والبرِّ والرَّشادِ فمازالَ حتَّى قُتلَ َ”المصدر:فقه السيرة


سؤال: كم تمرة موجودة في حياتك تشكل لك عائق دونك ودون الله عز وجل؟ وتحتاج أن ترميها لكي لا يكون هناك عائق بينك وبين الله عز وجل؟

أنا وأنت ما الذي نحتاج أن نصفيه من جدول حياتنا لكي نخرج تلك التمرات من حياتنا التي فيها هذا التعلق بغير الله عز وجل؟


ما هو الهم الذي كان يحمله حرام بن ملحان-رضي الله عنه-؟ ذُكرت قصته حين طُعن غدرًا، وكان هو مرسول إلى أحد،

وأشار الأمير من الجهة المقابلة أن اقتله، فأخذ الرمح وطعن حرام-رضي الله عنه- في ظهره، وهذا الرمح الحديدي قد اخترق ظهره وخرج من قفصه الصدري،

فهذه الضربة مميتة. حرام-رضي الله عنه- يعلم الآن أنه في هذه اللحظة سيموت، لكنه لم يلتفت إلى من قتله ولم يصرخ من حرارة الألم،

وإنما أخذ الدم الذي ينفجر على صدره ومسح به وجهه وقال: فزت ورب الكعبة فزت ورب الكعبة.

في اللحظات الأخيرة لا يمثّل الإنسان، هو لم يفعل هذا الموقف لأن هؤلاء مشركين ويريد أن يريهم أنه قوي أو شجاع،

هو لا يمثل في هذه اللحظة الصادقة! ولذلك الذي قتله يقول فما زلت أقول فاز؟ فاز؟ بأي شيء فاز؟!

يقول: فلم تزل كلمته وصوته وهو يقول: فزت ورب الكعبة حتى أسلم القاتل،

فيُسلم ويبايع النبيﷺمن كلمة حرام-رضي الله عنه- حين موته: فزت ورب الكعبة، فزت ورب الكعبة.


ما هو الهم الذي كان يحمله جعفر-رضي الله عنه-؟ جعفر-رضي الله عنه-سقطت ذراعه الأولى في أرض المعركة، 

والمعتاد أن من يُصاب من المجاهدين يؤخذ إلى آخر صفوف المعركة ليُعالج بشكل عاجل.

لكن لم يكن هذا الهمّ هو ما يشغل جعفر-رضي الله عنه-، بل كان همه مسؤولية الإسلام بحمل هذه الراية التي بين يديه؛

لأن النبيﷺأعطاه الراية  وقال: هذه الراية يحملها جعفر -رضي الله عنه-، هذه المسؤولية كلفها النبي ﷺ لجعفر فهل يتراخى عند أول ضربة؟

عند أول نزعة يد؟ عند أول نزيف حقيقي؟ فعندما قطعت ذراعه التي يحمل بها الراية مسكها بيده الأخرى،

وقطعت ذراعه الثانية فمسكها بعضديه -كتفيه- المتبقية من ذراعه، فينحني عليها بعضديه حتى قُتل هو ورايته..

لو لم يكــن لجــعفـر-رضي الله عنه- الهــمّ لهــذه الأمــانــة..  

من سيقوم بهذا الموقف؟ لو حصل هذا الموقف الآن، من سيقوم بما قام به جعفر-رضي الله عنه-؟



ما هو الهم الذي كانت تحمله فاطمة الزهراء-رضي الله عنها-؟ في يوم من الأيام كانت فاطمة-رضي الله عنها-تفكر وهي صافنة وتتحدث بهمٍّ تحمله،

وقد أقلقها فسألها من هم حولها: ما بك؟ قالت: إني تفكرت أنني إذا مت فحملوني الرجال على الأعناق كيف ذاك؟! إذن ننكشف؟!

أي: أنهم سيلفونني بقطعة قماش وسيضعونني في المسجد أمام جميع الرجال ويصلون علي وبعدها سيأخذوني إلى المقبرة وسينظرون إلي وإلى تفاصيل جسدي!


فهل تنظرون إلى العفاف والفطرة! هي من الأساس ستكون جثمان، فهي ليست جسد امرأة يتحرك،

وليست امرأة متبرجة أو تلبس عباءة ضيقة لتبان ملامح جسدها أو تفتح عباءتها حتى يظهر جزء من جسدها، لا !

إنما هي جسد ملفوف بقطعة قماش لا يظهر منها شيء. لكن هي كانت تحمل هم اللحظة الأخيرة حتى بعد موتها،

يعني هي غير محاسبة بعد ما تموت، لكنها كانت تفكر في هم سترها وعفتها حتى يوم وفاتها.



ما هو الهم الذي كان يحمله سعد ابن خيثمة-رضي الله عنه-؟ استهم مع والده للخروج إلى بدر،وكان والده رجل كبير في السن

وليس لديه ابن سوى سعد وبقية أبنائه كانوا بناتًا، فلابد أن يجلس أحدهما في المنزل مع أهل البيت،

فأراد سعد أن يخرج وقال: يا أبتِ اجلس أنت وأنا أخرج مع النبي ﷺ، قال الأب: لا أنا الذي سأخرج وأنت الذي سيجلس،

اجلس مع أخواتك في البيت وأخرج أنا، قال سعد: يا أبي لو كان غير الجنة آثرتك،

إن الأنصار يعلمون أنه مامن أهل بيتٍ في المدينة أبر فيها بولدٍ بوالده مني،

أي: أن كل الأنصار يعرفون أنه ليس هناك من هو أبر مني ولكن لو كان أمرًا غير الجنة لكنت سمحت لك بالذهاب،

فقال الأب: فلنستهم-مثل القرعة-!الطريق إلى الجنة محفوف، قد لا يخرج من المعركة شهيد، وقد يخرج منها مشلول،

وممكن أن تفقأ عينه وهذا كله قد حصل مع كثير من المجاهدين، ومع ذلك يتنافسون على هذه الحرب وهذا القتال.

فاستهموا.. وخرج السهم لسعد، فخرج فقال له أبوه: مرة أخرى، يا سعد آثرني، أنا الذي سيخرج.


قال: يا أبي لو غير الجنة، فخرج سعد -رضي الله عنه- ومات شهيدًا في تلك المعركة. 

لما جاءت غزوة أحد، كان وقتها والد سعد خثعمة أكبر في السن، ولم يبقَ لبناته غيره ومع ذلك ما إن سمِع داعي الجهاد،

إلا سجل نفسه ضمن الجيش المسلم، فرآه النبي ﷺ فتبسم له تبسم المشفق، ففهم خثعمة أن رسول الله ﷺسيرده

فسابق وقال: يا رسول الله والله إني كنت حريصًا أن أنفر معك في بدر لكن ولدي سعد فاز بها دوني فرزقه

الله الشهادة والجنة، ولقد رأيته البارحة في نومي في أحسن صورة يسرح في ثمار الجنة وأنهارها

ويقول لي: يا أبتٍ الحق بنا وتعال رافقنا في الجنة فوالله أننا وجدنا ما وعدنا الله حقاً، وإني يا رسول الله أصبحت مشتاقًا إلى الجنة

وإلى مرافقة سعد في الجنة وقد كبر سني ورق عظمي وأحببت لقاء ربي.
فخلا رسول الله ﷺ بينه وبين أحد،

وقد قال خثعمة للرسول ﷺ: ادع الله لي أن يرزقني الشهادة، واستشهد يوم أحد.



ما هو الهم الذي كان يحمله البراء بن مالك-رضي الله عنه-؟ كان مغامرًا فارسًا شجاعًا،

إلى درجة أنه يُتعب الجيش معه حين يتولى القيادة من قوته وصلابته.

حينما جاءت المعركة مع مسليمة الكذاب، وصار جيشه متحصنين بحصن استعصى على المسلمين،

وكاد يكون النصر لهم. فلم يتحمل البراء-رضي الله عنه- ذلك، فقال:احملوني على أعقاب الرماح،

وركب فوقها إلى أن أشرف على السور فحملوه إلى مكان مرتفع ليذهب إلى حصن الأعداء، وقال: ارموني عليهم لأفتح لكم الباب،

ولم يكن أمام المسلمين أي خطة بديلة سوى ذلك، فأخذوا البراء ورموه. وما إن وصل ورموه إلا احتوشته السيوف،

فجرحوا بطنه حتى اندلقت أمعاءه! فمسك أمعائه مع بطنه بيده فما زال يقاتلهم بسيفه في يده الأخرى حتى اقترب من الباب،

ففتح الباب ودخل جيش المسلمين. كل هذا فقط لينتصر المسلمين في هذه المعركة.

وبعد كل هذا استشهد البراء -رضي الله عنه- في المعركة التي بعد هذه. 


تلك هي اهتماماتهم، وأما الذين ينشغلون بالدنيا، قال النبي ﷺ:”إنَّ اللهَ تعالى يُبغِضُ كلَّ جعْظَرِيٍّ جوّاظٍ ، سَخّابٍ في الأسواقِ، جِيفةٍ بالليلِ،

حِمارٍ بالنهارِ، عالِمٍ بالدنْيا، جاهِلٍ بالآخِرَةِ” المصدر : صحيح الجامع

جعْظَرِيٍّ: أي فض غليظ متكبر ويعتقد أن لديه مالم يُعط أحدٌ غيره، جوّاظٍ:يجمع الأموال، سَخّابٍ في الأسواقِ: يملئ المكان بالصخب،

جيفة بالليل: لايستقيظ إلا إذا أشرقت الشمس، حمار بالنهار: فهو حمار للعمل ولكن من أجل عمل الدنيا فقط،

عالم بالدنيا: يعرف كل شيء، جاهل بالآخرة: فحين تسأله ماذا أعددت للآخرة تراه لا يعلم؛ هؤلاء يبغضهم الله عز وجل .. 

لذلك أختم بالسؤال الذي بدأت به:ما الهمّ الذي تحمله؟ ما هو الهمّ الذي يقيمنا ويقعدنا؟ وما هو الشيء الذي نصحو ونموت عليه؟

في أبنائنا ماذا قدمنا؟ ما الذي قدمناه من أموالنا؟ماذا عملت لله؟ وإذا لم تفعل شيء إذن ماذا تركت لوجه الله؟


أسأل الله أن لا يجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا وأن يجعلنا ممن اصطفاهم لخدمة كتابه وسنة نبيه ﷺ.

أسأل الله أن لا يجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا وأن يجعلنا ممن اصطفاهم لخدمة كتابه وسنة نبيه ﷺ.

تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.