بتاريخ ٣ / ٧ / ١٤٤٢ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )


الأشهر التي نمر بها الآن هي بمثابة الاستعداد لشهر رمضان الفضيل، حيث أن رجب هو شهر البذر، وشعبان شهر السقيا، ورمضان شهر الحصاد.

لن نستطيع حصاد فضائل رمضان إلا عندما نتعرض لنفحاته، وهذا يكون بالاستعداد المسبق له. هذه المرة نريد أن نستعد ولكن بشكل مختلف، شهر البذر يجب

أن نضعه في سياقه الأكبر، فالدنيا هي مزرعة الآخرة، ولذلك دعونا نتحدث عن الاستعداد للدار الآخرة ، وأول مراحل الاستعداد لها هي: انتهاء الدنيا وإقبالنا على الموت. 

يجب أن نعلم بأننا سنرى الموت نراه حقيقةً كما رأينا الحياة؛ فالموت هو الذي يذل كل الناس وتذل له الجبابرة، ولذلك قضاه الله عزوجل على

كل الناس ليروا ضعفهم، فإلى أي درجة يتجرأ الإنسان على معصية ربه وهو يعلم أن روحه بين يدي الله! أمرنا الله أن نستعد لهذا الموت في قوله تعالى:

“حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا” (المؤمنون:99)

فما هو هذا الموت؟

 وما هو هذا الطريق الذي سنسلكه؟

حديثنا ليس مجرد حديث تخويف، الإسلام لا ينظر للموت بهذه الطريقة، ولم يخوف الرسول ﷺ الصحابة -رضوان الله عليهم- بالموت، فالأحاديث

التي سيق فيها البرزخ وحياة البرزخ والعذاب الذي فيه لم يكن منطقها تخويف الناس، وإنما نظرة الإسلام للموت هي نظرة منطقية عقلية، فيجعل هذا الموت

هو مبدأ للحياة، يعلمككيف تجعله نصب عينيك ليعلمك كيف تعيش؛ لأنك دون أن تعرف المآل لا يمكن أن تقرر قرارك الصحيح اتجاه الطريق الذي ستسلكه في حياتك كلها. إذن..

كيف استعددت لدنياك التي ستنتهي في أي لحظة

وقد غاب عنك مشهد الآخرة؟
هذا المشهد هو الذي نريد أن نضعه في إيطاره الصحيح، ولذلك إذا قضى الله عز وجل

الموت

على أي أحد فأنت لله وأنت إليه راجع فالأمر أمره والعبد عبده وأنت لست سوى واحد من خلقه، فهو الذي وهب الحياة وهو الذي ينهيها عز وجل متى ما أراد.
هذا الكلام كله يجعل الإنسان يستشعر ضعفه وذله أمام الله عز وجل، وأنه محتاج لله عز وجل ليس في دنياه

وقضاء حوائجه فقط، أنت محتاج إلى الله عز وجل في كل نفس يدخل فيك وفي كل نبضة قلب، يقول النبي ﷺ:

“أكثروا من ذكرِ هادمِ اللذاتِ” 

المصدر : إرواء الغليل
تذكرك للموت يرجعك لعقلك عندما تأتي أمام لذة ثائرة حاضرة تريد أن تمتع نفسك بها، فما الذي سيهدمها ويطفئها بداخلك؟
أنت ستموت، وإذا علمت أن هناك موت، وبعده بعث، وبعده حساب، وبعده قدوم على الله عز وجل، وبعده صحائفك، وسوف تجازى

على أعمالك. عندما تعرف هذه السلسلة التي تنتظرك

ستنطفئ اللذة الثائرة والشهوة الحاضرة أمام عينيك وتموت في مكانها وتنهدم، ولاحظوا أن النبي ﷺ يقول أكثر أي:

تذكر دائمًا، علمًا أن القضية ليست أن تتذكر فتعيش حزين وكئيب إنما أن تجعلك تستمتع بالدنيا وتعمل فيها وترى نعمة الله عليك. 

لماذا يجب أن نكثر من ذكــر هـادم 

اللـــذات في حياتــنا؟

ماذا سيبقى لك بعد أن تعطي نفسك فرصة للاستمتاع باللذة!

عندما تفعل ما يفعله الجميع وتتغير مبادئك! حدثني عن نفسك عندما تضع رأسك على الوسادة بعد يومٍ كامل لم تذكر الله فيه!

الشيطان يأتي بخيله ورجله وكل ما لديه من جيوش إلى أن يوقعك ويلطخك بالذنب، لُطخت؟جرجرك بسلسلته؟

سيتركك وستبقى أنت متلطخ بالــذنب، وستــبقى مشــاعر تـأنيب الــضمير التـــي لا يُذهبها سوى  الرجوع إلى الله والتوبة النصوحة.

من المكابرة أن يقوم المرء بتلطيخ نفسه أكثر ويمنع نفسه أن يشعر بتأنيب الضمير فما يخرج إلا ويدخل بالآخر فلا يستطيع أنه يفك نفسه.

قال البخاري -رحمه الله-: أن ابنا لزينب -رضي الله عنها- كان يحتضر فلما مات أرسل لها النبي ﷺ:

“إن لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل شيء عنده لأجل مسمى فاصبري واحتسبي”. 

كل شيء لله.. لكي تضع الموت في إيطاره الصحيح يجب أن تعي أنك لا تملك نفسك، فما بالك بالأخرين؟

ما هو تصور الإسلام للموت؟ 

الإسلام لم يصور الموت بأنه فانيًا وانقطاعا للحياة، إنما صوره وكأنه ممر بين حياتين، الحياة الدنيا والحياة الآخرة. الذي نقول عنه الموت هو في الحقيقة

مجرد تعبير عن انقطاع عمل الإنسان في الدنيا، لكن هو في قبره حي، هو لم يذهب منه الإحساس، لم يذهب منه موضوع التنعم وموضوع العذاب، الذي نتحدث عنه بأنه

مات هو في الحقيقة قام بتغيير المكان فقط، لكنه هو لم يمت بمعنى العدم، لم يصبح فناء لم تنقطع روحه، هذا هو التصور الصحيح لما نتحدث عنه في الموت.

قالت عائشة -رضي الله عنها- حينما سمعت النبيﷺ يقول:

“مَن أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَن كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ فَقُلتُ: يا نَبِيَّ اللهِ أَكَرَاهيةُ المَوْتِ؟ فَكُلُّنَا نَكْرَهُ المَوْتَ، فَقالَ:

ليسَ كَذَلِكِ، وَلَكِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا بُشِّرَ برَحْمَةِ اللهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ، أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، فأحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وإنَّ الكَافِرَ إِذَا بُشِّرَ بعَذَابِ اللهِ وَسَخَطِهِ، كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ”

المصدر: صحيح مسلم

الموت له طرفين لا ثالث لهما، إما تكون مع المؤمنين الصالحين أو تكون مع أهل الفجور والفسق، لا يوجد أحد بالمنتصف، إذن كيف سيتم تقرير أنت مع من؟

بلحظتك الأخيرة بماذا خُتم لك، واللحظة الأخيرة هذه هي إنما نتاج أعمالك، فمن عاش على شيء مات عليه، ومن أحب شيئا مات عليه. فانظر إلى نفسك كيف تعيش؟

ما هو أكثر شيء في حياتك قريب منك؟ تصبح وتمسي عليه، يشغل ذهنك وتفكيرك وقلبك؟ ستعرف بأنه هذا هو الشيء أقرب شيء ستُختم عليه في حياتك.

قال القرطبي-رحمه الله-: الموت ليس بعدم محض ولا فناء صرف وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته وحيلولته وبينهما وتبدل من حال إلى حال وانتقال من دار إلى دار. 

إذن الموت هو انتقال من حال إلى حال، فلا تشغلك دنياك التي أنت فيها ولو عمّرت، كم تظن أنك سوف تُعمّر؟ بالنهاية ستموت وتنتقل، لكنك لن تُعدم. لو أن الموت نهاية كل شيء لكان الموت راحة كل حي. 

سُمي الموت بالقيامة الصغرى..

ما السبب وراء ذلك؟

القيامة الكبرى هي النفخ بالصور ونزول الكواكب وتسجير البحار وغيرها من علامات الساعة الكبرى، لكن كما أخبر النبي ﷺ:”مَن مات فقد قامتْ قيامتُهُ” المصدر:  تخريج الكشاف

قال بعض السلف: الناس نيـام، فإذا ماتوا انتبهوا.هذا التعبير عُبر عنه في قوله تعالى:”لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ”(ق:٢٢)

كتب رجل إلى أخيـه فقال:إن الدنيا حلم، والآخرة يقظة، والمتوسط بينهما الموت، ونحن في أضغاث أحلام، والسلام.

ينبغي أن نعي أن لنـا أربعة دور ينتقل الإنسان بها:

الدار الأولى:

قبل حياتك الدنيا عندما كنت في بطن أمك طوال التسعة أشهر. 

الدار الثانية:

دار الدنيا، والتي تنتهي بالموت.

الدار الثالثة:

دار البرزخ، وهي ممر بين الدنيا والدار الرابعة.

الدار الرابعة:

هي دار الآخرة الأبدية. ما هو المـوت؟ وما هـي رحلة 

المــوت الحقيــقية؟

الرسول ﷺ يسرد رحلة الموت بتفصيل دقيق، فيحدّثنا  عن  اللحظة التي تنكشف لك فيها الحياتين وعن اللحظة الأخيرة في حياة الإنسان.

قال تعالى:”وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلً”

(الإسراء:٨)

روى البراء بن عازب-رضي الله عنه- فقال:”قال ﷺ:

استَعيذُوا باللهِ مِن عذابِ القبرِ؛ فإنَّ الرَّجلَ المؤمنَ إذا كان في انقِطاعٍ مِنَ الدُّنيا وإقبالٍ مِنَ الآخِرةِ نزَلَ إليه ملائِكةٌ مِنَ السَّماءِ

بِيضُ الوُجوهِ وكأنَّ وُجوهَهُمُ الشَّمسُ، معهم حَنُوطٌ مِن حَنُوطِ الجنَّةِ وكَفَنٌ مِن كَفَنِ الجنَّةِ، حتَّى يَجلِسُوا منه مَدَّ البَصرِ، ثمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الموتِ حتَّى يَجلِسَ عند رأسِه فيقولُ:

أيَّتُها النَّفْسُ الطَّيِّبةُ، اخرُجي إلى مَغفِرةٍ مِنَ اللهِ ورِضوانٍ، قال: فتَخرُجُ نفسُه فتَسيلُ كما تَسيلُ القَطرةُ مِن فَمِ السِّقاءِ، فيأخُذُها..” 

فيرى المؤمن وجوه الملائكة كالشمس، ومعهم أكفان من الجنة وحنوط وهو نوع من أنواع الطيب، فيأخذونه فينظر إليهم فيرى ملك الموت عند رأسه

فيسمع منه أعظم نص قد تسمعه. فترتج السماء كلها لموته من صلاة الملائكة ودعاؤهم له بالمغفرة والرحمة. 

“…فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: اكتُبوا عَبدي في عِلِّيِّينَ في السَّماءِ السَّابعةِ، وأَعيدوه إلى الأرضِ؛ فإنِّي منها خلَقْتُهم، وفيها أُعيدُهم، ومنها أُخرِجُهم تارةً أخرى..

يكتب كتابك -اللوح المحفوظ- الذي كُتب فيه كل ما عملت في الدنيا من خير في عليين، أي ستعلم أين سيكون اسمك فلست من أهل الشقاء والعذاب.

ثم تعاد روحه إلى الأرض، فينزلون الملائكة بهذه الروح بعد أن كتب اسمه في عليين. 

“… قال: فيُرَدُّ إلى الأرضِ، وتُعَادُ رُوحُهُ في جَسَدِهِ، قال: فإنه يَسْمَعُ خَفْقَ نِعالِ أصحابِه إذا وَلَّوْا عنه مُدْبِرِينَ، فيَأتيهِ مَلَكانِ-منكر ونكير- فيُجلِسانِه، فيقولانِ:

مَن ربُّكَ؟ فيقولُ: ربِّيَ اللهُ، فيقولانِ: وما دِينُكَ؟فيقولُ: ديني الإسلامُ، فيقولانِ: ما هذا الرَّجلُ الَّذي بُعِثَ فيكم؟ فيقولُ: هو رسولُ اللهِ، فيقولانِ: وما يُدرِيكَ؟ فيقولُ: قرَأْتُ كتابَ اللهِ فآمَنْتُ به وصدَّقْتُ..

قال: فيُنادي مُنادٍ مِنَ السَّماءِ أنْ صَدَقَ عبدي، فأَفْرِشوه مِنَ الجنَّةِ، وأَلبِسوه مِنَ الجنَّةِ، وافتَحوا له بابًا مِنَ الجنَّةِ، فيَأتيه مِن رُوحِها وطيبِها، ويُفسَحُ له في قَبرِه مَدَّ بَصَرِه، ويأتيه رجلٌ حسَنُ الوجِه طَيِّبُ الرِّيحِ، فيقولُ له: أَبشِرْ بالَّذي يسُرُّكَ، فهذا يومُكَ الَّذي كنتَ تُوعَدُ، فيقولُ: مَن أنتَ؟ فيقولُ: أنا عمَلُكَ الصَّالِحُ، فيقولُ: ربِّ أَقِمِ السَّاعةَ! ربِّ أَقِمِ السَّاعةَ! حتَّى أَرجِعَ إلى أهلي ومالي…”

 بعد كل تلك اللحظات التي عشتها في القبر لوحدك، هنا لن يبقى إلا عملك الصالح الذي يأتي على هذه الصورة ، فيقول لك:

أبشر، هذا يومك الذي أنت توعد، أنت كنت سريعا في طاعة الله بطيئا في معصية الله، اليوم حان موعد جني ثمار صبرك على الطاعة وصبرك عن المعصية.

فبعدما يفتح باب الجنة ويرى النعيم الذي هو به، يبدأ يتشوق لرؤية أهله فيقول:

ربِ أقم الساعة. وهذا النعيم سيــبقى به المؤمن إلـى ما لا نهاية. أما العبد الآخر الفاسق فيقول عنه النبيﷺ:

“…العبدُ الكافِرُ إذا كان في انقِطاعٍ مِنَ الدُّنيا، وإقبالٍ مِنَ الآخِرةِ، نزَلَ إليه مِنَ السَّماءِ ملائِكةٌ سُودُ الوُجوهِ، معهمُ المُسوحُ، حتَّى يَجلِسُوا منه

مَدَّ البصَرِ، ثمَّ يأتيه مَلَكُ الموتِ، فيَجلِسُ عند رأسِه، فيقولُ: أيَّتُها النَّفسُ الخَبيثةُ، اخرُجي إلى سَخَطِ اللهِ وغَضَبِه، قال: فتُفَرَّقُ في جسَدِه، فيَنتَزِعُها ومعها العَصَبُ والعُروقُ كما يُنتَزَعُ السفودُ مِنَ الصُّوفِ المَبْلولِ، فيأخُذُها، فيَجْعَلونَها في تلك المُسوحِ، قال: ويخرُجُ منها أَنْتَنَ مِن جِيفةٍ وُجِدَتْ على وَجْهِ الأرضِ، فلا يَمرُّونَ بها على مَلأٍ مِنَ الملائِكةِ إلَّا قالوا: ما هذه الرُّوحُ الخَبيثةُ؟! فيقولونَ: فلانُ بنُ فلانٍ، بأقبَحِ أسمائِه الَّتي كان يُسمَّى بها في الدُّنيا، حتَّى يَنتَهيَ بها إلى السَّماءِ الدُّنيا، فيَستَفتِحَ له فلا يُفتَحَ له، ثمَّ قرَأَ رسولُ اللــهِ ﷺ:

“لَا تُفَــتَّحُ لَهُــمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ”

(الأعراف: 40)

قال: فيقولُ اللهُ تعالى: اكتُبوا كِتابَه في سِجِّينٍ في الأرضِ السَّابعةِ السُّفلى، وأَعيدوا إلى الأرضِ..

“…فإنَّا منها خلَقْناهم، وفيها نُعيدُهم، ومنها نُخرِجُهم تارةً أخرى، قال: فتُطرَحُ رُوحُه طَرْحًا، ثمَّ قرَأَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:

{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ} [الحج: 31]

ثمَّ تُعادُ رُوحُه في جسَدِه، فيَأتيه مَلَكانِ، فيُجلِسانِه، فيقولانِ له:مَــن ربُّـكَ؟فيـقــولُ:هـاه هــاه لا أَدرِي! فيقـولانِ له:

مــا دِينُـكَ؟فيقــولُ:هـاه هـاه لا أَدري! فيقولانِ له: ما هذا الرَّجلُ الَّذي بُعِثَ فيكم؟ فيقـــولُ لهم:هاه هاه لا أَدرِي!فــينادي مُــنادٍ مِنَ السَّماءِ:

إنْ كذَبَ فأَفْرِشوهُ مِنَ النَّارِ، وأَلبِسُوه مِنَ النَّارِ، وافتَحُوا له بابًا مِنَ النَّارِ، فيَأتيه مِن حَرِّها وسُمومِها، ويَضِيقُ عليه قبرُه حتَّى تَختلِفَ فيه أضلاعُه، قال: ويأتيهِ رجلٌ قَبيحُ الوَجهِ مُنتِنُ الرِّيحِ، فيقولُ: أَبشِرْ بالَّذي يَسوءُكَ، هذا يومُكَ الَّذي كنتَ تُوعَدُ، قال: فيقولُ: مَن أنتَ؟ فوَجهُكَ الوَجهُ الَّذي يَجيءُ بالشَّرِّ، فيقولُ: أنا عمَلُكَ الخَبيثُ، فيقولُ: ربِّ لا تُقِمِ السَّاعةَ، ربِّ لا تُقِمِ السَّاعةَ” 

العبد الفاسق لا يود أن تقوم الساعة؛ لأنه عرف نتيجة أعماله بعد أن خرجت روحه الخبيثة منه، ويهوي إلى أن يصل إلى السماء الدنيا فيكتب كتابه في سجين أي في أسفل سافلين، ثم تعاد روحه لجسده فيسأله منكر ونكير، فلا يستطيع الكذب أثناء سؤال الملك، ولا يوفق في الإجابة، حينما يقول الله عز وجل كذب عبدي، فكيف كذب؟ هو بالفعل لا يعبد الله ولا يؤمن بنبيه فكيف كذب؟  

قال لأنه عرف الله فأشرك به، وتبين له الدين ولم يتدين به، وظهرت له رسالة النبي ﷺ فما صدق بها، ولأنها عرف الله فلم يطعه، وعرف الدين فلم يلتزمه، وعرف رسالة النبي ﷺولم يتبعها. هل ينتهي الآن حاله بعد أن يأتيه عمله الخبيث ولا يجد سواه في ذلك اليوم؟

لا.. 

 “…ثُمَّ يُقَيَّضُ لهُ أَعْمَى أَبْكَمُ مَعَهُ مِرْزَبَّةٌ من حَدِيدٍ لَوْ ضُرِبَ بِها جَبَلٌ لَصارَ تُرَابًا فَيَضْرِبُهُ بِها ضَرْبَةً يسمعُها ما بين المَشْرِقِ والمغربِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ فَيَصِيرُ تُرَابًا ثُمَّ تُعَادُ فيهِ الرُّوحُ…”

المصدر : شعب الإيمان

ابتداء الموت هو ابتداء الحساب، يسلط عليه أعمى أصم أبكم، كي لا يرحمه ولا يسمعه، فلو بكى لو استغاث لن يسمعه ولن يستعطف، ثم تعاد فيه الروح بعد كل هذا، ويضرب مرة ثانية، فيصيح هذا المــيت صــيحة يسمعـها كـل من على وجه الأرض إلا الثقلين!

يقول ربّ لا تقم الساعة؛ لأنه يعلم أن ما وراءه في يوم القيامة سيكون أشد وأعظم، وأن حريق نار جهنم أشد من حريق القبر.

هذه هي الرحلة الأولى والانتقال الأول إلى الدار الآخرة، لاحظ الفرق بين الحياتين وبين الموتتين، بينما موتة المؤمن كيف كانت لينة ومنيرة، وبين الآخر الذي جوزي بشر أعماله فيتحول موته لأولى مراحل هذه العذاب. 

ما يسعنا قوله أن الذي يخاف من الموت هو فقط من لم يستعد، ومن غابت عنه هذه الحقيقة، أن هذه الحياة الدنيا لابد لها من نهاية، وأن هذه النهاية ليست بمعنى الفناء وإنما هي ابتداء قيامتك وابتداء حساب، فالسعيد في موته هو من استعد لتلك اللحظات. 

اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة ونعوذ بك من سوء الخاتمة يا وليَّ الإسلامِ وأَهْلِه، ثبِّتْنا حتى نلقاك.


* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.

10 تعليقات
  1. عاليه محمد عبدالرحمن says:

    السلام عليكم ورحمه الله وبركاته صباح الخير الله يسعدكم جميعاً في الدنيا والآخرة ويجزاكم الجنة اللهم اجعل أمي وابويه من أهل الجنة وأجعل الحوض موردا لهما أللهم امين

    • فريق رواء says:

      وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

      نعم هي كذلك لكنها ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.

  2. رضا احمد ابراهيم فراج says:

    جزاك الله خيرا حبيبتنا.

    ونفع بك الإسلام والمسلمين

    ما شاءالله تبارك الله جمع للمادة طيب جدا. من أروع ما قرأت جعله الله في ميزان حسناتك

    وجمعنا الله معا في الفردوس الأعلى من الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا

التعليقات مغلقة