بتاريخ ٢٧/ ٢/ ١٤٤٣ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد…

قال الله تعالى: {قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ} (النمل: 65). لا يعلم الغيب إلا الله، وما نعرفه عن المستقبل هو ما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم. الغيب ثلاثة أقسام:

غيب يقيني:

كأحداث يوم القيامة، خروج الدجال، ويأجوج ومأجوج. فكل شيء أخبرنا به النبي -صلى الله عليه وسلم- أو جاء بالقران والسنة أنها ستحدث، فستحدث يقينًا.


غيب محتمل:

شيء من الغيب يتوقع حدوثه بالظن، ويكون بحسب استشراف المستقبل، ومؤشرات معينة، مثل قضية انهيار الاقتصاد وارتفاعه

أو تعداد الذكور نسبة للإناث، فهي أشياء قد تحصل وقد لا تحصل، ليست يقينًا وإنما استقراء، ويدخل فيها أعمال التخطيط للمستقبل

وهناك أمور قد تحدث دونما مؤشرات، وأحيانًا ما يكون لها إرهاصات على المستقبل القادم


غيب مفاجئ:

لا علم لنا بحقيقة حدوثه، قد يحدث فجأة وقد لا يحدث أبدًا والإنسان بطبعه مجبول على حب معرفة الغيب، فترى الناس دومًا ما تلجأ لأساليب الدجل والشعوذة، لكي تعرف

ماذا يخبئ لها المستقبل، ومما أخبرنا به الله عز وجل في كتابه، بكيفية استشراف المستقبل، وهي استشرافه من واقع السنن الكونية، فهناك سنة الله

في الظالمين، فهو يمهلهم ولا يهملهم، والله يمهل للظالم حتى إذا أخذه لم يدعه، وهناك سنة الله في المترفين، الذين بطروا وتكبروا، حتى ظنوا

ألا أحدًا أقوى منهم، وأن ما هم فيه، سيدوم أبد الأبدين، نسوا أنها لو دامت لغيرهم لم تصل إليهم، فكما غيرنا فنوا، فلا شك أن الدوائر ستدور علينا أيضًا، وهناك سنة الله في المؤمنين بأنه سينصرهم في الدنيا والآخرة، وأن الله معهم، مهما طالت مدة تمكن الباطل فهو زائل بالتأكيد.


دعونا نبدأ بالقران والسنة، ونرى كيف يربينا الإسلام، وكيف يعدنا لمجابهة المستقبل، حيث نبدأ بقصة يوسف -عليه السلام- مع الملك وحلمه المستقبلي، سبع بقرات سمان

يأكلهن سبع عجاف، ففسرها يوسف -عليه السلام- بأنه ستأتي سبع سنوات من الرخاء والطفرة في المال، ولن يبقى فقير، ثم تأتي سبع شداد

يأكلن ما قدمتم، وهذي السبع شديدة الفقر، إلى درجة أنها ستأكل مخزون السبع سنوات الماضية، وبعده عام يغاث فيه الناس، فما كان

رد فعل الذين سمعوا هذا الكلام، هل قالوا نعيش هذا الفقر حتى يأتي عام الإغاثة؟ بل أعدوا له خطة محكمة، بتخزين الحبوب، كما قال يوسف:

فما حصدتم من سنوات الرخاء فذروه في سنبله، فلا تستهلكوا جميعه، ودعوا شيئًا منه إلا قليلًا مما تأكلون، وهذا مما يجب تطبيقه على ردود أفعالنا

سواء حيال خروج المهدي، أو الدجال، فلا ننتظر فرجًا سماويًا، بل نعد لهذا المستقبل القادم وهذه السنوات العجاف، حتى نستمطر رحمة الله عز وجل.

قوم لوط طردوا نبيهم لأنه خالفهم، وكان يزوج بناته فقط ليعفَّهم عما كانوا يفعلون، وقوم شعيب حينما أمرهم بالوفاء بالكيل، فقد كانت لديهم

ممارسات اقتصادية من أكل الربا وجرائم في حقوق الناس، وقوم ثمود لما دعاهم صالح هود فاستكبروا، وتعالوا بالبنيان، فلم يأتي

نبي بالإصلاح إلا وعانى الأمرين، وهذه سنة الله، ثم ينجي الله أنبياءه والذين آمنوا معهم، فنجى قوم موسى من طوفان الماء

الذي أهلك فرعون وقومه، وأهلك مدائن صالح بصيحة بالصوت، ونجى قوم نوح وهودًا وشعيبًا وغيرهم، ولذلك هيأ النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه لما سيقع، فقال حذيفة

كنا مع رسول الله، فقال لي أحصوا لي من يلفظ الإسلام، فاستغرب الصحابة السؤال، وقالوا يا رسول الله

أتخاف علينا ونحن ما بين السبعمائة، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: [إِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ لَعَلَّكُمْ أَنْ تُبْتَلَوْا]([1])

وحينما أوصى النبي -عليه الصلاة والسلام- أصحابه بأن يستعدوا لأيام الصبر القادمة، قالوا: يا رسول الله كيف بنا؟ قال:

[تَأْخُذُونَ مَا تَعْرِفُونَ، وَتَذَرُونَ مَا تُنْكِرُونَ، وَتُقْبِلُونَ عَلَى أَمْرِ خَاصَّتِكُمْ، وَتَذَرُونَ أَمْرَ عَامَّتِكُمْ]([1])

فأمرهم بأخذ ما يعرفون، وما تربوا عليه من الدين، وما تعلموه في الكتاب والسنة، أما ما نسمع عنه الآن من برامج فتاوى، تفتي بالهوى

وحسب ما يريده الجمهور، كإجازتهم سفر المرأة وحدها، وهذا يعارض ما تعلمناه من سنوات طويلة، أن المرأة لا تسافر إلا مع ذي محرم، قال النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:

[لاَ تُسَافِرِ المَرْأَةُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ]([2]) وقد تغيرت هذه الدنيا وأصبحت دنيا لا نعرفها، فتسافر المرأة مع صديقاتها بحجة الخلاف الفقهي، وهو اختلاف بالزمن حقيقة، فعلينا أن نعرف

ما الذي يتغير، حتى لا نتغير نحن، فخذ ما تعرف، ودع ما تجهل من أي شيء جديد يشتهر بين الناس، من موضات لا يعرف هي حلال أم حرام

فالأصل أن تقف حتى تعرف حكمها، ولا تخوض مع الخائضين، وهي من صفات أهل النار الذين يخوضون بما يجهلونه، وأقبل على البقية الخاصة من المؤمنين

ودع أمر العامة، لأن غالب عامة الناس يسير في ركب الخائضين.

إن ساعات يوم في عصرنا، هي ذاتها ساعات يوم في عصر من سبقونا من الصحابة والتابعين، ولكن الزمان اختلف، والتحديات كبيرة، فلا يشغلنا

هذا التغير وهذا الاختلاف واللهث وراء هذه الدنيا، عن الاستعداد واستثمار الوقت ما أمكن للاستعداد لما هو قادم. 


كيف نستعد؟

نتكلم عن استعداد إيماني وعقدي قوي، وسأوجز كلامي في الحديث عن موقف واحد، في تلك اللحظة التي يوضع بها

الإنسان في قبره، ويسأل الأسئلة الثلاثة، التي تختزل كل حياته، ربما خمسون أو ستون أو مئة عام، مثل تلك الامتحانات التي يجرونها

في نهاية المراحل المفصلية في الجامعات والمدارس، فتقرر مصيرك، وتمتحن بها بكل ما لديك من معرفة، وهذه الأسئلة كذلك، فيسأل من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟

ما استعدادك الشخصي للإجابة عن هذه الأسئلة؟

المهندس أيمن عبد الرحيم، في محاضرته عن هذا الموضوع، ذكر أنه حين علم بهذه الأسئلة، شرع في دراسة كل ما يمكنه: القرآن، التفسير، الحديث، والسير، وحتى العلوم الدنيوية. هذا يدل على أهمية الإعداد الجاد للإجابة.

تحقيق التوحيد وشروط “لا إله إلا الله”

“لا إله إلا الله محمدًا رسول الله” هي مفتاح الجنة، لكنها تحتاج لتحقيق شروطها السبعة، ومنها الولاء والبراء:

موالاة المسلمين ومعاداة الكافرين. يقول الله: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ}

[المائدة: 73].

هذه الحدود العقدية يجب أن تُرسَّخ في نفوس الأبناء. للأسف، نجد اليوم ذوبان الحدود بين المسلمين والكافرين، مما يضعف الولاء للدين.

ومن الأشياء التي ينبغي الإعداد لها إيمانيًا وعقديًا، أخذ العدة، وجزء منها في

أن نُربي الرجال ليكونوا رجالًا، والنساء ليكن نساءً، بعيدًا عن تشوه الهوية. يقول الله:

{وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [الأنفال: 60].

هذا يتطلب إعداد رجال أقوياء بدنيًا وروحيًا، قادرين على الدفاع عن أنفسهم وأمتهم. يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

“اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم”.

ومن الإعداد العقدي، العلم أن ما يحصل من شر في هذا العالم ليس شرًا محضًا

يقول الله: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140]. الابتلاء يميز المؤمنين عن المنافقين، ويُبلي الله عباده ليرى صدقهم.

من المهم أن نبشر لا أن ننفر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا”.

ومن الأشياء المهمة في الإعداد الإيماني والعقدي أيضًا، أن هذا الشر لا يدوم مهما اشتد ظلام ليله، فلا بد له من زوال

حين اشتد العذاب على الصحابة في مكة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكرهم بأن النصر قادم، قائلًا: “ولكنكم تستعجلون”.

الابتلاء يُعدنا ويُصلب عودنا للإيمان، كما قال الله: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}

[آل عمران: 139].


الخطوات العملية للاستعداد الإيماني والعقدي

1. تحقيق التوحيد

تحقيق التوحيد من خلال فهم “لا إله إلا الله” وشروطها، والاستذكار الدوري للأصول الثلاثة: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟

2. الاعتصام بالكتاب والسنة

قال النبي صلى الله عليه وسلم: “تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي”. الاعتصام بهما يُعصم من الفتن ويُوجه للأصول الصحيحة.

3. العبادة والعمل الصالح

العبادة في أوقات الفتن والهرج تعادل أجر الهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. يجب زيادة العبادات في الأوقات الصعبة لتكون سلاحًا يدفع العذاب.

4. التضرع لله عز وجل والإكثار من الاستغفار والتسبيح

البلاء يجعل الإنسان يرجع إلى الله. يقول الله: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} [الأنعام: 43].

التضرع والاستغفار ضروريان لتليين القلوب.

5. التزود بالعلم الشرعي

العلم الشرعي يحصن من الفتن. قال ابن تيمية: “إذا انقطع الناس عن نور النبوة وقعت الفتن”. العلم يجعل الدين مبنيًا على قناعة راسخة.

الجماعة ليست بالكثرة، بل من كان على الحق. قال ابن مسعود: “ولو كان واحدًا على رأس الجبل على حق لكان هو الجماعة”.

6. تحقيق مبدأ الأخوة في الله

قال النبي صلى الله عليه وسلم: “المسلم أَخُو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره”. الأخوة قوة، والتعاون يعزز الإيمان.

8. التحلي بالأخلاق في الأوقات الحاسمة

الرفق، الحلم، الصبر، والتأني ضرورية في أوقات الشدة. قال الله: {إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6].

لا نخوض مع الناس دون تحقق، ونتحلى بالصبر على البلاء.

9. الثقة بنصر الله عز وجل

قال النبي صلى الله عليه وسلم: “بشر هذه الأمة بالسناء، والرفعة، والنصر، والتمكين في الأرض”. السناء يعني العلو والرفعة. النصر حتمي للمؤمنين إذا تمسكوا بدينهم.

 ومن الفأل الحسن والاستبشار، قصة المؤذن الذي عندما حدثوه عن ساعة بق بن، قال: “يا رب اجعلني أركب وأؤذن فوقها”

حلم بسيط، وقد يراه البعض ساذجًا، لكنها من الأحلام التي يبشر الإنسان فيها نفسه، أن الإسلام سيدخل كل بين مدر أو وبر، والمدر بيوت الطين، والوبر

تلك التي من قماش الوبر أو القطيفة، وهذا معناه أن الإسلام سيدخل كل بيت بعز عزيز أو ذليل.

 وآخر ما نعد به أن أنفسنا ألا نستعجل النتائج، فما يحدث إنما يحدث بحكمة، والوقت جزء من الحكمة، فالله يمهل ولا يهمل، وأمرنا

أن نستعيذ من الفتن، أعوذ بالله عز وجل من الفتن، وأسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وينفعنا ما علمنا، وأن يجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاه، وأن يجعلنا ممن نصر دينه، وكتابه، وسنة نبيه.


* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.