بتاريخ ١٦ / ٣ / ١٤٤٢ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )


تُخفي المحن في طياتها منحا، فمن المنح التي تعيشها أمة الإسلام في الآونة الأخيرة اقترابها أكثر من سيرة النبي –صلى الله عليه و سلم-، وما حصل

من أحداث زاد شوق الأمة لنبيها –صلى الله عليه و سلم-

 حين يقوم أفراد باستبدال منتج بآخر ومقاطعة مكان معين, كل هذا يستحث فيهم البحث و الاهتمام أكثر بسيرة نبيهم صلى الله عليه وسلم وسنته ، و إن من أهم

ما نعرفه عن رسولنا –صلى الله عليه و سلم – علو أخلاقه وسمو تعامله، وقد مر بنا كثيرا قصص من هديه في تعامله، كرمه و شجاعته، متى يعفو

و متى يؤاخذ بالجريرة، رحمته بأمته –صلى الله عليه و سلم-.

وحين سُئلت  أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن أخلاق الرسول الكريم اختصرتها بهذه الكلمات :

“كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ”[أخرجه أحمد في مسنده، وقال الألباني: صحيح]

حين تقرأ أمة الإسلام كتاب الله تعالى  تمر بهم آيات الدعوة لمكارم الأخلاق   فتعلم أمة الإسلام علم اليقين أن رسولها الكريم كان له منها النصيب الأكبر .

لنسلط الضوء اليوم على هديه –صلى الله عليه و سلم –في مواطن الخلاف والنزاع و مواقف سوء الظن  أو سوء الفهم مع من يحب ، لمَ نسلط الضوء على هذه المواقف بالذات ؟

 وذلك لأنه من السهل أن تظهر محاسن أخلاقك في المسرات و يرى الناس منك الجانب الجيد، ولكن حين تقع الخلافات والنزاعات مع من نحب

وفي دائرتنا القريبة لن يظهر منا إلا معدننا وحقيقتنا في استجابتنا لتلك الخلافات وتعاملنا في النزاعات، ولأجل هذا لنلطع على تلك المواطن وكيف عاشها نبينا صلى الله عليه و سلم .


النبي صلى الله عليه و سلم و الأنصار :

 الأنصار هم من آوى ووفى لرسول الله ، بايعوه على نصرته وحمايته فوفوا بذلك، وتشهد لهم مواقفهم

في بدر  وأحد وسواها، فكانت دارهم للنبي نعم الدار، وعرضوا عليه جوارهم فكان نعم الجوار، ووضعوا أموالهم وأرواحهم بين يدي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ثم قالوا له:

“يا رسول الله خذ من أموالنا ما شئت ودع منها ما شئت وما أخذت منها أحب إلينا مما تركت”.


هدي النبي صلى الله عليه وسلم في مواطن سوء الفهم مع من يحب من الأنصار:

 بعد فتح مكة  وقعت غزوة حنين وقاتل فيها الأنصار  وكانت هي المرة الأولى التي يكون عدد صفوف المسلمين فيها  10 آلاف غازٍ

من بينهم جمع كثير من المسلمين الجدد منهم أبو سفيان رضي الله عنه وعيينة بن حصن والأقرع ابن حابس وغيرهم

ممن كان من أكابر قريش وساداتها ،انتصر المسلمين في ساحة حنين على الكفار فغنم النبي صلى الله عليه وسلم

في هذه المعركة غنائم لم يغنمها من قبل,  24 ألفا من الإبل و40 ألفا من الغنم وأوقيات من الذهب والفضة فهوازن

كانت قد خرجت بكل أموالها ونسائها لتقاتل قتال الموت, فأصبحت كل أملاكها غنيمة للمسلمين.

فأخذ النبي  عليه الصلاة والسلام يوزع الغنائم على المقاتلين ثم بقي قسم أخير منها ، هو لله ولرسوله, يتصرف فيه رسول الله كيف شاء

فالنبي أخذ هذه الغنائم ولم يكن بخيلاً ولا جباناً, فوزعها على المؤلفة قلوبهم التي لم ترسخ قلوبهم في الإسلام ولتوها رأت نوره, فأعطى أبا سفيان وبنيه 300 من الإبل

وأعطى الأقرع بن حابس 100 من الإبل وأعطى صفوان بن أمية 100 من الإبل ، وهذه الغنائم تُقارِب 500 ألف ريال  وأكثر, فعندما رأى الأنصار ذلك 

ورأوا النبي لم يقسم لهم من الغنائم شيئا، لم يفهموا  ذلك ؟

لمَ  يعطي رسول الله هؤلاء الذين للتو كنا نقاتلهم في فتح مكة؟ هؤلاء كلهم آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يعطيهم؟  

لا يملك الأنصار الاعتراض على رسول الله لكنهم قالوا كلمة “يغفر الله لرسول الله لقي والله قومه فأعطاهم وتركنا”، 

أرجعوا ذلك إلى أن رسول الله  لقي قومه فأحبهم وأعطاهم, يعني قدموا العذر لرسول الله قبل أن يعرفوا لماذا فعل هذا رسول الله وهذا من سلامة صدر الأنصار

فَبَلِغَ سعد بن عبادة زعيم الأنصار قولهم ، فبلغ سعد الرسول عليه الصلاة والسلام ما قد قيل “، لاحظوا كيف يتعامل النبي في الأزمات مع من يحب “

فقال رســـول اللـه – صلى الله عليه وسلم -:

«فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَنَا إِلَّا امْرُؤٌ مِنْ قَوْمِي، وَمَا أَنَا؟ قَالَ: «فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ،  فَخَرَجَ سَعْدٌ، فَجَمَعَ الْأَنْصَارَ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ،»”” هم  لوحدهم من دون الناس لاحظوا فعل النبي عليه الصلاة والسلام فلم يرجئ الموقف ساعة و لم يقل أنه غير متفرغ ولعلي أن التفت لأمركم لاحقاً بل عالج الأمر في حينه،  وكان سعد رضي الله عنه  واضحاً مع النبي لم يقل يا رسول الله إن الأنصار يحبونك ولكنهم لم يفهموا  , كلا بل تكلم بكل وضوح حتى تكون المعالجة واضحة ودقيقة , أراد سعد أن يكون كلامه عن الذين وجدوا حرجا في قلوبهم مباشرة ،”فَلَمَّا اجْتَمَعُوا أَتَاهُ سَعْدٌ فَقَالَ: قَدِ اجْتَمَعَ لَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالَ: فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، ثُمَّ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ….،”

أي هناك كلام سمعته فما هو ؟

هذه أول مراحل الإعذار قبل أن تقوم بأخذ أي موقف اسأل لم فعل كذا؟ جاء عن بعض التابعين قولهم:

“التمس لأخيك سبعين عذرًا فإن لم تجد عذرا فقل لعل له عذرًا لا أعرفه” ، فأول مراحل الإعذار أن نأخذ على أنفسنا عهداً فلا نغضب من أحد قط دون

أن نسأله لِم فعل ذلك ثم بعد ذلك نتخذ موقفنا ،

“«يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ مَا مقَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ، أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ؟

وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ؟ وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ؟»

قَالُوا: بَلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ…

رسول الله يذكرهم  يا معشر الأنصار ماذا كنتم قبل الإسلام؟

لم تكونوا سوى قبائل جاهلية تئِدون البنات، اليهود تتحكم بكم وبأموالكم ، دخل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وكانت حرب داحس والغبراء التي تقاتل فيها الأوس والخزرج

ما يقرب من ٤٠ عامًا، فجمعهم الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يؤلف بين قلوبهم إلا بهذا الدين، وكانوا فقراء إلى أن فُتحت خيبر فلما فُتحت

فُتحت عليهم الأموال، فرسول الله يذكرهم بتلك المواقف،

” قَالَ: «أَلَا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ» قَالُوا: وَبِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ”

الأنصار في هذه اللحظة شعروا أن كل شيء  رخيص أمام هذه المنن ماذا نقول يا رسول الله وأنت الذي ألف الله به بين قلوبنا، ماذا نقول

وأنت الذي أخرجنا الله بك من الظلمات إلى النور وأننا لم نذق طعم الحياة في المدينة التي كانت تعج بالحمى والوباء خرجت كلها ببركة رسول الله ودعا النبي ببرها ورزقها وفي صاعها فهي أرض مباركة إلى يومنا ببركة دعاء النبي صلى الله عليه ، لننظر لهذا العدل والإنصاف، كان باستطاعة النبي أن يوقف الكلام إلى هنا ويقول

أنا رسول الله وأنا من قاتل معكم وأخرج عدوكم كان باستطاعته أن يقول كلاماً كثيراً ، لكنه لم يفعل لأن من تمام العدل إعطاء صاحب النزاع أيضًا حقه،

“قَالَ: «أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ، أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ، وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَعَائِلًا فَآسَيْنَاكَ، أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا، تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا، وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلَامِكُمْ؟” 

لننظر لمعالجة رسول الله صلى الله عليه وسلم للموقف مع أحبابه الأنصار حين لم ينسَ لهم مواقفهم  :

لو شئتم لقلتم فصدقتم وصُدقتم يصدقكم الله يصدقكم رسول الله و يشهد لكم التاريخ , مع كل تلك البطولات

التي سطروها والمحفوظة عنهم، ومع ذلك لم يجيبوا رسول الله -عليه الصلاة والسلام ، وهذا من فقههم لأنهم يعلمون

أن المنة لله في اصطفائهم  لحب هذا الدين والهداية  و تحريك الإيمان في قلوبهم

حينما حُرم منه أقارب النبي -عليه الصلاة والسلام ، والنبي صلى الله عليه وسلم لايؤاخذهم بجريرة الموقف  ,لم تكن القضية عند الأنصار

قضية الدنيا وأموالها والغنائم، بل كانت قضيتهم  أنهم يريدون التأكد من مكانتهم

في قلب محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ,هل مازالت كما كانت بعد أن قدم قومه عليه مسلمين ؟

وذلك لعظم حب الأنصار لحبيبهم صلى الله عليه وسلم

“جئتنا طريدًا فآويناك”

خرج من مكة طريدًا فاستقبله الأنصار على مشارفها لشوقهم

“وعائلًا فآسيناك”

جاءهم رسول الله وهو لا يملك قطعة من المال فواسوه بأموالهم

“وخائفًا فأمناك”

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في بيته وسعد بن أبي وقاص وغيره من المهاجرين والأنصار يأتونه فيؤمّنون رسول الله

حول بيته خوفا عليه من اليهود ومن غيرهم، ولم يأمرهم بذلك رسول الله لكنهم يفعلونه لحبهم له

“ومخذولًا فنصرناك”

مخذولا من كل العالم فلم تكن هناك قبيلة واحدة آوت النبي عليه الصلاة والسلام ونصرته، فقالوا:

لله ورسوله المنة والفضل، فقال:

“أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألَّفتُ بها قومًا ليُسلِموا”، يعني صارت في أنفسكم تساؤلات وصارت في أنفسكم علي لمجرد أن أعطيت لعاعة من الدنيا,  وصف عليه السلام ما يقرب من 600 مليون بأنها لعاعة من الدنيا وإن هذه لا شيء في مقام ما سيحدثهم عنه الآن, “ووكلتكم إلى ما قسم الله لكم من الإسلام”

يعني هؤلاء الذين أعطيتهم الغنائم أعلم أن قلوبهم لم يرسخ إسلامها ولم ينضج فأعطيتهم شيئا من لُعاعة الدنيا أتألف بها قلوبهم , وذلك لأن من الناس

من مفتاحه المال عندما تعطيه يسكن قلبه ويعرف أن الدنيا لم تذهب من يده, هو لم يسلم من أجل المال لا, لكن هناك أناس ضعفاء  يثبتهم المال

“أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاة والبعير، وتذهبون برسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى رحالكم؟” 

يعني هؤلاء كل واحد منهم يأخذ معه الشياه والإبل  لكن أنتم ستأخذونني معكم إلى رحالكم فأنا منكم , أما يرضيكم أن يكون هذا قسمكم؟

“فوالذي نفسي بيده لو أن الناس سلكوا شُعباً، وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار!, الناس دثار والأنصار شعار ولولا الهجرة لكنت امرءًا من الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار! »

قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا بالله رباً وبرسوله قَسَماً”


مواقف النبي -عليه الصلاة والسلام- في حل المشكلات:

 أغلب المشاكل إنما مبدؤها

سوء الظن

فشيطانك يؤجج المشكلة بسوء الظن ، سنذكر موقفا من أصعب المواقف التي مرت على المسلمين  قبيل فتح مكة، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام-

في كل مرة يخرج يخبر بما سيفعل و أين  يتجه فلما كانت غزوة فتح مكة أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بكتم الأنباء بالتجهز، وأن لا يخرج خبر

من المدينة إلى أهل مكة لأنه يريد مباغتتهم، فعن علي رضي الله عنه قال:

بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ، وَالمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ، قَالَ:

«انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً، وَمَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا»

فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا أَخْرِجِي الكِتَابَ، فَقَالَتْ: مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ

أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ المُشْرِكِينَ

مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟»،

قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ

يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي

[ص:60]

ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ، أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا، وَلاَ رِضًا بِالكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«لَقَدْ صَدَقَكُمْ»، قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ، قَالَ: ” إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ”

[أخرجه البخاري، صحيح]

 بحثوا في الرحال فتشوا كل شيء ولم يجدوا الكتاب  وهم يعلمون يقينا أن الوحي

ما أخطأ وما كذب رسول الله، هو أخبرنا أن نذهب لهذا المكان فوجدناك هنا فقال لها علي:

تخرجين الكتاب أو لنجردنك حتى نأخذ هذا الكتاب فلما رأت عزمهم  قالت: تنحيا ثم خرجت ففكت جدائلها

فإذا بها تدفع  إليهم الكتاب، فجاء علي بن أبي طالب والزبير بن العوام إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وأعطوه الكتاب

فلما فتحه النبي –عليه الصلاة والسلام- وإذا به من حاطب بن أبي بلتعة إلى فلان وفلان من أهل مكة أن رسول الله قد تجهز بالخروج وأنه قد يقصدكم أو غيركم 

لم يقل سيأتيكم ولكنه تجهز ، هذا الموقف ليس بالسهل هذه خيانة عظمى وكأنه عمل تجسس أو  أو تسريب أخبار وفي العرف المعاصر يُقتل 

و يُعدم من فعل هذا، فلما قرأ النبي -عليه الصلاة والسلام- أن الكتاب من حاطب، وهو ليس منافقا بل من أوائل المهاجرين، حاطب من الذين قاتلوا مع رسول الله في بدر في أحد، فلما رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا الكتاب قال:

ادعوا لي حاطبا، وكان إلى جانبه عمر رضي الله عنه والصحابة قد تحفزوا فلما جاء حاطب قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-

يا حاطب ما حملك على هذا؟

وهنا تتجلى رحمة سيد البشرية صلى الله عليه وسلم  فلو كان غير النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف لقال لحاطب :

لامجال لك للكلام ولا للتبرير، فيقول حاطب -رضي الله عنه-:

مهلًا يا رسول الله أما والله إني مؤمن بالله وبرسوله ما غيرت ولا بدلت  ولكن كنت امرءا لصيقًا فيهم، ليس عندي فيهم ظهر ولا سند، وإنه ما من امرئ من

المهاجرين لو قدمنا لفتح مكة إلا  له أبناء عمومه يدافعون عنه أما أنا فلا، وإن لي في مكة  أهل وولد، وقيل كان عنده والدة يخاف عليها

فخشي أن يقتلوا أمه أو يقتلوا أولاده فأردت أن يكون لي عندهم يد، وإني والله لأعلم أن الله ناصرك.

كلماته لم تدفع عنه غضبة عمر رضي الله عنه فاستل سيفه وقال يا رسول الله دعني لأضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-

مهلًا يا عمر إنه من أهل بدر إنه شهد بدرًا ولعل الله اطلع على أهل بدر فقال لهم:

اعملوا ما شئتم فإنه مغفور لكم فبكى عمر لذلك ،هنا تتجلى أخلاق رسول الله ورحمته وحكمته  وحسن ظنه بأحبابه حيث لا تغيره المواقف .

ألمثل هذا الرسول -عليه الصلاة والسلام- يُستهزأ به، ألمثلِ هذا النبي يُهان، ألمثلِ هذا النبي لا يُغضب له، ألمثل هذا النبي لا يُنصر

ولا تتحرك فيك ذرة لنصرته، هذه الرحمة المهداة للعالمين والنور الذي أرسله الله عز وجل لهذا العالم

كيف لا تتحرك ولا يرجف قلبك من أجله، ومن لم يجد هذا الشيء في قلبه من الحب والشوق والغيرة لرسول الله -عليه الصلاة والسلام- فليتهم إيمانه

وليعلم  أن الدين غير قائم لا عليك ولا على نصرتك ولا مقاطعتك ولا موقفك أنت!

 نحن نتشرف  بأننا ننتمي إلى هذا الدين يقول الله عز وجل:

(وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)

ويقول الله عز وجل:

(من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم)

مالذي جعلهم يصلون إلى هذه المرحلة أن الله يحبهم وأنهم لا يخافون في سبيل الله لومة لائم الإجابة في الشطر الأخير من الآية

(ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم)

فهذا فضل الله ومحض فضله أن  يصطفيك لنصرة دينه وإلا فالله عز وجل يقول:

(إلا تنصروه فقد نصره الله)

فإن لم ننصره نحن فالله ناصره والله كافيه، لكن نحن فقط  نريد أن نبرهن على إيماننا

بأننا لا زلنا نحب رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ونحب هذا الدين ونفدي رسول الله -عليه الصلاة والسلام- بأنفسنا وأموالنا، ونصرة النبي -عليه الصلاة والسلام-

ليست فقط مادية وإنما أيضًا النصرة أن نتأسى بهديه وبسنته، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد


* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.

5 تعليقات

التعليقات مغلقة