بتاريخ ١١/ ٥ /١٤٤٤هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )


“لا إله إلا الله” حديثنا عن هذه الكلمةِ التي لم تَقُمِ السّماواتُ والأرضُ إلّا بها، ولم تُفرَضِ الفرائضُ إلّا من أجلِها،

ولم يُقَمْ سوقُ الجهادِ ولا أُرسِلتِ الرُّسلُ إلى العباد إلّا من أجلها، كما أنّها خيرُ الكلمات وأعظمُها وأنفعُها وأجلُّها.

فقال شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وفضائلُ هذه الكلمةِ وحقائقِها وموقعِها من الدّينِ فوق ما يصفه الواصفون ويعرفه العارفون وهي رأسُ الأمرِ كلِّه”.


فضلُ (لا إلهَ إلّا الله):

أولًا: فضلُها في القرآنِ الكريم:

*كلمةُ التّوحيد: إنّ معنى كلمةِ (لا إلهَ إلّا الله) أنَّه لا معبودَ بحقٍّ إلّا الله،

فهو وحدَه سبحانه المستحقُّ بأنْ تُصرَفَ له جميعُ العباداتِ،

وتكونَ خالصةً له دون سواه، قال تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ (البقرة: 163) 

*العُرْوَةُ الوُثقى: إنّ العبدَ المُوحِّدَ يَثبتُ ويستقيمُ على الطريقة المُثلى، ويستمسكُ من الدّين بأقوى سببٍ لا انقطاعَ له،

وبالتّالي تكونُ كلمةُ التّوحيد تلك الحاجزُ بين الكفرِ والإسلام، قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا﴾ (البقرة: 256)

*أصلُ الدِّين، وأساسُه، ورأسُ أمرِه: قال تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(آل عمران: 18) .

*الكلمةُ الطّيّبةُ: قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24)

تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ (إبراهيم: 24_25). فالشّجرةُ هي المؤمن الذي يبلغ بفضلِ (لا إلهَ إلّا الله) عنانَ السّماء.

*الشّفاعةُ: فهي المُحرِّكُ الأوّلُ لشفاعةِ الشّافعينَ يومَ القيامة، قال الله عزّ وجلّ: ﴿لَّا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا﴾ (مريم: 87).

*كلمةُ التّقوى: قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا(الفتح: 26)

*القولُ الثّابت: ختمَ الله تعالى به حياتَك، قال عزّ وجلّ: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ (إبراهيم: 27).

يقول البراء -رحمه الله-: “نزلتْ هذه الآيةُ في عذابِ القبر؛ فيُسأَلُ: مَن ربُّك؟ مَن نبيُّك؟ ما دينُك؟ فإذا تكلّمَ بـ (لا إلهَ إلّا الله) وأنّ محمّدًا رسولُ الله، وأنّ الإسلامَ ديني، فقد نجا”.

*النّجاةُ: وهذا ما حدثَ مع مؤمنِ آلِ فرعون عندما دعا قومه بها، قال جلّ جلاله: ﴿وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ﴾ (غافر: 41) .

فهذا مؤمنٌ لم ينزلْ عليه كتابٌ سماويٌّ، ولكنّه فهِمَ كيفيّةَ العيشِ السّليم، وسبيلَ النّجاة من الأعداء ومن عذابِ يوم القيامة.

*القولُ السّديد: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ (الأحزاب: 70).

*كلمةُ السَّواء: فهذه الكلمةُ التي أمرَ الله تعالى نبيَّه محمّدًا -صلى الله عليه وسلم- أنْ يدعوَ أهلَ الكتاب إليها.

يقول الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَينَنا وَبَينَكُم ألَّا لَا نَعبُدَ إلَّا الله وَلَا نُشْرِكَ بهِ شَيئاً﴾ (آل عمران: 64).

*كلمةُ الاستقامة: قال الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ (فُصِّلَتْ: 30).


ثانيًا: فضلُها في السُّنِّة:

*أفضلُ شُعَبِ الإيمان: روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النّبي عليه الصّلاة والسّلام أنّه قال:

“الإيمانُ بضعٌ وسبعون أو بضعٌ وستّون شعبةً؛ فأفضلُها قول لا إلهَ إلّا الله، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطّريق، والحياءُ شعبةٌ من الإيمان” (أخرجه البخاري في صحيحه).

شُعَبِ الإيمان في هذا النّص تشمل الصّدقات، الصّيام، برُّ الوالدين، الجهاد، الإيثار، والحج، فكلُّ هذه الطّاعات أعلاها (لا إلهَ إلّا الله).

*خيرُ دعاءِ عرفة: روى عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أنّ النبي عليه الصّلاة والسّلام قال:

“خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عرفة، وخيرُ ما قلتُه أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير” (أخرجه التّرمذي في سننه، وقال الألباني: حسنٌ ثابتٌ بمجموع الشّواهد)

*غافرةٌ للذّنوب: عن أبي فروة -شطب- أنّه أتى رسول الله ﷺ فقال: “أرأيتَ مَنْ عملَ الذنوبَ كلَّها، ولم يتركْ منها شيئًا، وهو في ذلكَ لم يتركْ حاجةً ولا داجةً إلّا أتاها،

فهل لذلكَ من توبةٍ؟ قال ﷺ: فهل أسلمتَ؟ فال: “أمّا أنا فأشهدُ أنْ لا إله إلّا الله، وأنّك رسولُ الله، قال:

“تفعلُ الخيراتِ وتتركُ السيّئاتِ، فيجعلهنَّ اللهُ لكَ خيراتٍ كلّهنَّ”، قال: وغدَراتي وفجَراتي؟

قال: نعم، قال: اللهُ أكبرُ، فما زالَ يكبِّرُ حتّى توارى” (أخرجه الطّبراني في معجمه الكبير، وصحّحه الألباني) فمِن أفضال هذه الكلمةِ أنّها تغفرُ الذّنوب، بمجرّد أنْ ينطقَها الإنسان متيقّنًا.

*أفضلُ الحسناتِ الماحيات: عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: يا رسول الله! أوصِني، قال: “إذا عملتَ سيئةً فأتبعْها حسنةً تمحُها”،

فقال أبو ذر: قلتُ: يا رسول الله! أمِنَ الحسنات قول لا إله إلا الله؟ قال: ” هي أفضلُ الحسناتِ”(أخرجه أحمد في مسنده)،

فاحرص على اغتنام هذه الحسنة الماحية، واجعلْها بقلبك وعلى لسانك ما استطعتَ.

*أجرٌ يوميٌّ: قال صلى الله عليه وسلم: “مَنْ قال (لا إلهَ إلّا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له، له المُلك، وله الحمد، وهو على كلّ شيءٍ قديرٍ)

في يومٍ مائة مرّةً كانتْ له عدلُ عشرِ رقابٍ، وكُتِبَتْ له مائةُ حسنةٍ، ومُحِيَتْ عنه مائةُ سيّئةٍ، وكانت له حرزًا من الشيطان يومَه ذلك حتّى يُمسي،

ولم يأتِ أحدٌ بأفضلَ ممّا جاء به إلّا رجلٌ عمل أكثرَ منه”(أخرجه البخاري في صحيحه)

*تفريجُ الكرب: فهي الكلمة التي أنجتْ سيّدنا يونس -عليه السلام- حين ظلّ يردّد: “لا إلهَ إلّا أنتَ سبحانك إنّي كنتُ من الظّالمين”. 

وعن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقُولُ، عِنْدَ الْكَرْبِ: ” لا إله إلَاّ اللهُ، الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إِلهَ إِلَاّ اللهُ،

رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا إِلهَ إِلَاّ اللهُ، رَبُّ السَّموَاتِ، وَرَبُّ الأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ” (أخرجه البخاري في صحيحه ).

*استجابةُ الدّعاء: عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ – رضي الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:

“مَنْ تَعَارَّ  [أي: شَعَرَ بالأرق] مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاتُهُ” (أخرجه البخاري في صحيحه )

*فاتحةٌ لأبوابِ الجنّة: يقول النبي عليه الصّلاة والسّلام: “ما منكم مِن أحدٍ يتوضّأُ فيبلغُ أو يُسْبغِ الوضوءَ ثمّ يقول:

أشهدُ ألّا إلهَ إلّا الله وأنَّ محمّدًا عبدُه ورسولُه، إلّا فُتِحَتْ له أبوابُ الجنّةِ الثّمانية، يدخلُ مِنْ أيّها شاء”.

وقال النبي عليه الصّلاة والسّلام: “ما قال عبدٌ لا إلهَ إلّا اللهَ قطّ مُخلِصًا إلّا فُتِحتْ له أبوابُ السّماء حتّى تفضي إلى العرش ما اجتنب الكبائرَ” (أخرجه التّرمذي في سننه، وقال حديثٌ حسن)

*شفاعةُ الرسول: “عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قيل: يا رسول الله! مَنْ أسعدُ الناسِ بشفاعتِك يومَ القيامةِ؟

قال رسول الله صلى الله عليه سلم: لقد ظننتُ يا أبا هريرة أنْ لا يسألَني عن هذا الحديث أحدٌ أوّلُ منك لمّا رأيتُ من حرصِك على الحديث؛

أسعدُ الناس بشفاعتي يوم القيامة مَنْ قال (لا إله إلّا اللهُ) خالصًا مِن قلبه أو نفسه” (أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما )

*مُثقِلَةٌ للموازين: ومن فضائل هذه الكلمة العظيمة أنّها ترجُحُ بصحائفِ الذّنوب، كما جاء في حديث البطاقة،

فعن عبد الله بن عَمْرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

“إنَّ اللهَ سَيُخَلِّصُ رجلاً مِنْ أُمَّتي على رؤوس الخلائق يومَ القيامةِ [واحدٌ فقط سيُنادَى باسمه يوم القيامة في أرض المحشر فلانٌ بن فلانٍ فيأتي]،

فَيَنْشُرُ عليه تسعةً وتسعينَ سِجِلّاً، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ البَصَرِ ، ثُمَّ يقولُ: أتُنْكِرُ مِنْ هذا شيئاً، أظلمَك كَتَبتي الحافظونَ؟

فيقولُ: لا يا ربِّ، فيقولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فيقولُ: لا يا ربِّ. فيقولُ: بلى إنَّ لك عِنْدَنَا حسنةً،

فإنه لا ظُلمَ عليكَ اليومَ، فتُخْرَجُ بطاقةٌ فيها: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله، وأشهدُ أنَّ محمّداً عبدُه ورسولُه،

فيقول: احْضُرْ وزنَكَ. فيقول: يا ربِّ ما هذهِ البطاقةُ مَعَ هذهِ السجّلاتِ؟ فقال: إنّك لا تُظْلَمُ. قال: فتوضع السجّلاتُ في كِفّةٍ،

والبطاقةُ في كِفّةٍ، فطاشتِ السجلّاتُ، وَثَقُلَتِ البطاقةُ، فلا يَثْقُلُ مَعَ اسمِ اللهِ شيءٌ” (أخرجه التّرمذي في سننه، وقال: حديثٌ حسن، وأخرجه النّسائي والحاكم، وقال صحيحٌ على شرط مسلم )

*مُنجِيَةٌ مِنَ النّار: عن عتبانَ بن مالكٍ -رضي الله عنه- قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام:

“فإنّ اللهَ قد حرَّمَ على النّار مَنْ قال (لا إله إلّا اللهُ) يبتغي بذلك وجهَ اللهِ” (أخرجه البخاري في صحيحه ).


شروطُ (لا إلهَ إلّا اللهُ):

 (لا إله إلا الله) لا تُقبَلُ من قائلِها ولا يَنتفعُ بها إلّا إذا أدّى حقَّها واستوفى شروطَها الواردةَ في الكتاب والسّنة وهي: 

*العِلمُ بمعناها نفيًا وإثباتًا: فعندما نقول (لا إلهَ إلّا الله) أي لا رازقَ، ولا واهبَ، ولا مُحيِي، ولا مُميتَ،

ولا مُحقِّقَ لأيٍّ منى الأسماء الحسنى إلّا اللهُ عز وجل، فلا بدّ أنْ تنفي جميعَ أنواعِ العبادةِ عن كلِّ من سوى الله وتُثبِتَ ذلك لله وحدِه.

عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ” (أخرجه مسلم في صحيحه)

*اليقينُ المُنافِي للشّكِّ والرّيب: ومعناه أنْ يكونَ قائلُها مُوقِنًا بهذه الكلمة يقينًا جازمًا لا شك فيه،

كما قال تعالى في وصف المؤمنين: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ

وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ (الحجرات: 15)، [لَمْ يَرْتَابُوا: أيقنوا ولم يشكُّوا].

*الإخلاصُ المُنافِي للشّركِ والرّياء: وذلك بإخلاصِ النيّة في جميعِ العبادات لله تعالى وحده.

قال تعالى: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ (الزمر: 3). وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:

“أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ ” (أخرجه البخاري في صحيحه )

*الصِّدقُ المُنافِي للكذب: وذلك بأن يقولَ الإنسانُ هذه الكلمة صادقًا من قلبه، يواطئُ قلبُه لسانَه،

قال تعالى: ﴿الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ (العنكبوت: 1_3).

*المَحبّةُ المُنافِيةُ للبُغضِ والكُره: وذلك بأنْ يُحِبَّ قائلُها اللهَ عزّ وجلّ ورسولَه والمسلمين القائمينَ بأوامرِ اللهِ تعالى،

وأنْ يُبغِضَ مَن خالفَ كلمةَ (لا إلهَ إلّا الله) وأتى بما يناقضُها وذلك عَملاً بقوله صلّى الله عليه وسلّم:

“أوثقُ عرى الإيمانِ: الحبُّ في الله، والبُغضُ في الله” (أخرجه أحمد والطّبراني والحاكم والبزّار)

 *الانقيادُ المُنافِي للتّرك: فلا بدَّ لقائلِ (لا إلهَ إلّا الله) أنْ ينقادَ لشرعِ الله تعالى وأوامرِه ونواهيه، ويذعنَ لحكمه،

ويُسْلِمَ وجهَه لله جلّ جلاله، قال تعالى: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ (الزمر: 54).

وقال أيضًا: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ (النساء: 125)، [معنى أَسْلم في الآيتين: انقاد وأذعن].

*القَبولُ المُنافِي للردّ: إذْ لابدّ من قَبولِ هذه الكلمة قَبولاً حقًّا بالقلبِ واللّسان،

وقد قصَّ الله -عز وجل- علينا في القرآن الكريم أنباءَ السّابقين ممّن نجّاهم لقبولهم لـ (لا إلهَ إلّا الله)،

ومنِ انتقمَ منهم وأهلكهم لِعدم قبولِهم إيّاها. قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ (الصافات: 35_36)

إنّ كلمةَ (لا إلهَ إلّا الله) تُدخِلُ الإنسانَ الجنةَ، أو تدخلُه النارَ، فإنْ كنتَ تريد الجنّة فعليكَ أنْ تجعلَ الله تعالى ورسولَه أحبَّ إليك ممّا سواهما،

حتّى ولو كانت نفسُك، فهنا يتّضح الإيمان. وتيقّنْ أنّ لا حياةَ من دونِ التّوحيد،

بل إنّ الحياةَ تقتضي أنْ تصرِفَ نفسَك وعملَك وحياتِك لله -عزّ وجلّ-، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ (آل عمران: ٢٦١_٣٦١).

فلو عشنا بـ (لا إلهَ إلّا الله) ستختلف حياتنا تمامًا، وسنكونُ نِعمَ الأمّة؛ فمعَ (لا إلهَ إلّا الله) نِعمَ العاملِ، ونِعمَ التّاجرِ، ونِعمَ الفقيرِ، ونِعمَ الغنيِّ، ونِعمَ الأمِّ التي تربّي أبناءَها عليها. 

فلا إلهَ إلّا الله ملءَ أصواتنا، لا إلهَ إلّا اللهُ عِلمًا ويقينًا وإخلاصًا وصدقًا وحبًّا وانقيادًا وقبولًا، لا إله إلا اللهُ في السّرّاء والضّرّاء، لا إلهَ إلّا الله قولًا، وعملًا، واعتقادًا.


* تنويه: جميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.