بتاريخ ١٩/ ١٠/ ١٤٤٢ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )

ما أخبارك بعد رمضان؟ ما أخبارك مع قيام الليل؟ ما أخبار ختماتك؟

أعمالك الصالحة؟ دعائك؟ كيف هي علاقتك مع الله -عز وجل-؟

دعونا نعود إلى بنائنا الذي بنيناه في رمضان وما قبل رمضان ولنتفقد أحواله. فلا يوجد شيء نفعله لمرحلة وقتية ثم نتركه لوقت آخر لنعود من حيث ابتدأنا.

دعونا نتفحص متانة بناءنا وعملنا ولنتساءل عن علامات قبوله، هل قبله الله عز وجل أم لم يقبله؟

فهناك مجموعة من العلامات التي يجب أن نتفقدها في أنفسنا، فإن كانت موجودة نفرح بها وبأن عندنا شيء من علامات قبول العمل. وإن لم نجدها نخاف أن عملنا لم يقبل،

وهذا الخوف ليس خوف إحباط أو يأس، بل حتى نرجع إلى ربنا مرة أخرى ونستسمحه ونستعتبه ونستغفره من تقصيرنا ونعود مرة أخرى إلى العمل الصالح.

يقول علي رضي الله عنه: “يُنادَى في آخر ليلة من رمضان: ليت شعري من المقبول فنهنّيه، ومن المحروم فنعزيه” ولذلك كان اهتمامهم بقبول العمل كبيرا جدًا،

لم يكن همهم متى ينتهي رمضان، بل يا رب كما وفقتنا للعمل هل وفقتنا للقبول؟ فما رمضان بصفحة وانطوت،

بل نريد أن نعيد النظر إلى أعمالنا في رمضان هل تقبلها الله عز وجل منا؟


أول علامات القبول أن يمن الله عليك بنعمة الشكر،

أن تشعر بالامتنان والشكر لله عز وجل بأن يا رب لك الحمد أن بلغتنا رمضان وأن بلغتنا تمامه وأن وفقتنا إلى صيامه وقيامه،

فعلنا ذلك بقلوب ترجو وتخاف. فأول علامات القبول أن يكون عندك هذا الشعور بالشكر والامتنان لله -عز وجل-. شعورك هذا ليس شيئاً عادياً،

وهذا الشكر لبلوغ رمضان وإتمامه من أشد أنواع الشكر التي يجب أن يقوم بها الإنسان.


العلامة الثانية من علامات القبول: أن يرد القلب نوع من التقصير،

فيتذكر الإنسان الأخطاء التي فلتت منه، كنظرة حرام أو سماع حرام أو كلمة حرام، فهذه الأمور التي يندم عليها الإنسان فيشعر أن صيامه قد ثلم وجرح.


العلامة الثالثة وهي: توبة المقصر،

أن تتوب إلى الله عز وجل من التقصير، وتستسمح الله وتطلب منه أن يكفر عنك تقصيرك وتهاونك.

قال أحد العلماء لابنه: “يا بني عوَّد لسانك الاستغفار، فإن لله ساعات لا يرد فيهن سائلاً”، ف

توبة المقصر هي أن يكون استغفارك وتوبتك حاضرة طوال الوقت، تستغفر الله لأنك لا تعرف متى تتنزل الرحمة.

لماذا نتحدث عن توبة المقصر؟ لأن ختام كل عمل صالح يجب أن يكون بالاستغفار، ولذلك أول أذكار ما بعد الصلاة أن تستغفر الله ثلاثًا.

ولذلك من علامات القبول بعد رمضان أن يكون لك توبة كما سماها العلماء بتوبة المقصر.

فكيف خرجنا من رمضان ونحن نظن أنه ليس لدينا ذنب واحد ولا خطيئة واحدة؟ وكيف خرجنا ونحن نظن أنها صفحة وانتهت؟


العلامة الرابعة من علامات القبول: وجل القلب،

قال -عز وجل-: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60]، وجل القلب هو أن تجتهد في العمل ثم يدخلك هذا الهم هل قبل الله عز وجل منك هذا العمل أم لا؟

لأن القبول إنما يكون للمتقين. عن فضالة بن عبيد -صحابي رسول الله- قال: “أن أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبةٍ من خردل، أحب إليَّ من الدنيا وما فيها؛

لأن الله -عز وجل- يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}”.

إذاً قبول العمل لا يكون إلا من المتقي حق التقوى، فهذا العمل يجب أن يكون خالصًا لله -عز وجل-، فعلته وأنت متقٍ عذاب الله وراجيًا ما عند الله -عز وجل-.

تحسن الظن بالله وبكرمه وفي نفس الوقت تخاف من نفسك ومن ذنبك وتخاف أن ما فعلته دخلته شعرة من الرياء أو شعرة من الإعجاب بالنفس، فإذا حققت هذا قُبل منك العمل.


العلامة الخامسة من علامات القبول: الاستمرار على الطاعة بعد رمضان،

حين يمتنع الإنسان عن نوع من الذنوب أو المعاصي أو شيء من الفسق والفجور أو النظر لها أو مشاركتها خلال رمضان،

فعلامة القبول أنه لا يعود لهذا الذنب وأن يستمر في طاعاته التي ابتدأ بها، وهذا الاستمرار هو من أكبر علامات القبول.

وصف الله -عز وجل- عباده بمجموعة من الصفات في سورة المؤمنون في قوله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (المؤمنون:1-2)،

خاشعون في رمضان فقط؟ لا، في مواسم الطاعات فقط؟ لا، خاشعون: أي هم دائمًا خاشعون.

قال الله -عز وجل-: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} (المؤمنون:4)، يفعلونها في رمضان فقط؟ لا، وإنما كلما دار الحول على أي نوع من أموالهم المعينة أقاموا فيها الزكاة.

قال الله -عز وجل-: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} (المؤمنون:5) يحفظونها في رمضان فقط؟ لا، وإنما يحافظون عليها طوال حياتهم.

ولذلك عندما نشرح الحديث عن النبي ﷺ: «…للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه…» [أخرجه البخاري، صحيح]،

فرحة عند فطره؛ لأنه انتهى فيها من صيامه المحدود. فربط النبي عليه الصلاة والسلام بين صيامك المحدود عن الطعام والشراب لمدة 12 ساعة تقريبًا،

بالصيام الأكبر وهو صيام الحياة وأن تصوم عن المحرمات التي حرمها الله -عز وجل-.

فيكون فطرك عند لقاء الله -عز وجل- هو الفرحة الكبرى عندما تبشر بـروحِ من اللَّهِ وريحانٍ وربٍّ راض غيرِ غضبانَ.

ومن أكبر الصور التي يستدل بها الإنسان على القبول هي الطاعة بعدها، كصيام الست من شوال بعد انتهاء رمضان،

وصيامها سنة أخبر عنها النبي ﷺ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» [أخرجه مسلم، صحيح].

ومن علامات القبول في رمضان كذلك أنك لا تستمر على الطاعة وحسب وإنما تصبح تحبها.

ربما في بداية رمضان كنت تستثقل القرآن، وتمل منه، ثم يصبح القرآن جزءًا منك وتترنم به ويصبح هو حبك الأول.

ومن علامات القبول أيضاً أن يكرهك الله -عز وجل- في المعصية.

المعصية التي كنت متردداً حتى أن تدعو الله أن يزيل حبها من قلبك من شدة حبك لها،

فمن فضل الله -عز وجل- وكرمه عندما يتقبل منك العمل أن الشيء الذي ظننت أنه جزء منك وأنه لا يمكنك أن تتركه، يبعدك عنه ويثقله عليك وييسر لك الخير،

قال الله -عز وجل- في سورة الليل: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)}.

واليسرى هي طريقه للجنة، فالله -عز وجل- يهيئ له الدرب إليها، لماذا؟ لأن الله -عز وجل- قبل منه تلك الطاعة.  

حين نتكلم عن الاستمرار في العمل الصالح يتساءل الإنسان، ماذا أفعل بعد رمضان وقد أغلقت المصليات وليس هناك مساجد تختم القرآن؟ ماذا أفعل الآن؟ 

في البداية تكلمنا عن متانة البناء، وهو العلم. لا عذر للإنسان أن يعمل على متانة نفسه،

فالمستقبل القادم لن يصبر عليه الضعفاء وأصحاب النفوس المهزوزة. فاعمل على متانة بنائك الداخلي:

-اقرأ كتبًا في العقيدة، ابحث عن حلقات تعلم العلم الشرعي الصحيح، وابحث عن معلم الناس الخير، واثنِ ركبك في حلق العلم، والعقيدة، والتفسير، والسنة.

-اجعل لك نصيب من القرآن فتشتغل على متانة علمك من القرآن، فالآن نحن أحوج من أي وقت مضى إلى أن يكون القرآن في صدورنا،

وأن نستحضر آياته في كل موقف يمر علينا. فالآيات عندما يستحضرها المؤمن وتكون في قلبه فهي ما يوقفه عن الحرام.

فالصدر المملوء بالقرآن كيف تزاحمه معصية؟ لن تمر عليه معصية إلا على استحياء شديد.

ثم يتحول كل هذ العلم إلى عمل، قال -عز وجل-: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (الكهف:107)،

فلا يوجد في ديننا إيمان قلبي فقط. فعندما نتحدث عن الإيمان فهو اعتقاد في القلب وتصديق باللسان وعمل بالجوارح.

فعملك في رمضان عليه أن يمتد معك العمر كله. صيامك في رمضان ما نصيب بقية الشهور منه؟

إذا لم تستطع صيام الإثنين والخميس فلتصم ثلاثة أيام من كل شهر. ولا يجب على يومك أن ينقضي دون قيام الليل والوتر ودعاء الله عز وجل، فالوتر سنة مؤكدة،

فكان النبي عليه الصلاة والسلام يوصي أصحابه بصوم ٣ أيام من كل شهر والوتر كل يوم سفرًا أو حضرًا. 

ولتنظر إلى علاقتك بالقرآن، فلو كنت تقرأ جزءاً في اليوم حاول قراءة جزئين، ولو كنت تقرأ جزئين حاول قراءة ثلاثة،

حاول أن تختم في الشهر مرة ومرتين. استكثر من العمل الصالح، ولا تأخذ نفسك بالأقل.


العلامة السادسة هي: استصغار العمل وعدم استكثاره

فمهما قمت به من أعمال صالحة، لا تظن أنك عملت عملاً كثيراً. لا تستكثر عملك على الله، لا تظن أن ذلك كثير في طاعة الله -عز وجل-.

قال الإمام ابن القيم: “كلما شهدت حقيقة الربوبية وحقيقة العبودية عرفت من الله وعرفت من تكون أنت،

تبين لك أن ما معك من البضاعة لا يصلح للمليك الحق ولو جئت بعمل الثقلين خشيت عاقبته، وإنما يقبله الله بكرمه وجوده وتفضله ويثيبك عليه أيضًا بكرمه وجوده وفضله”.

ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث: «لَوْ أَنَّ رَجُلًا يَخِرُّ عَلَى وَجْهِهِ، مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إِلَى يَوْمِ يَمُوتُ، هَرَمًا فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ، لَحَقَّرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [أخرجه أحمد في مسنده، وقال الألباني: حسن]،

هذا رجل أفنى عمره في سبيل الله ولكنه احتقر عمله يوم القيامة، فكيف بالإنسان الذي يخجل أن يقابل الله بما لديه من عمل يوم القيامة؟


العلامة السابعة هي: أن تداوم على الطاعة،

فتثبتها وتستمر عليها، فتكون دائماً معك، إلى أن تكون معك في النهايات فتكون سببًا في حسن خاتمتك.

وكان هدي النبي عليه الصلاة والسلام إذا عمل عملاً أثبته، وليس كالذين يعبدون الله حسب أهوائهم.

عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الجَنَّةَ، وَأَنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ» [أخرجه البخاري، صحيح].

ومن كرم الله -عز وجل- أن من داوم على طاعة ومنعه عنها مرض أو سفر كُتِب له أجرها وكأنه قام بها.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» [أخرجه البخاري، صحيح].


العلامة الثامنة: عدم الرجوع إلى الذنب،

غالب من يستمر في الطاعة ويشعر بوجلٍ في قلبه لا يجد في نفسه رغبة في الرجوع إلى الذنب مرة أخرى.

لذلك من علامات قبول العمل هي عدم الرجوع إلى الذنب، لأن الإنسان الذي يمر بمواسم الطاعة ثم لا يتغير فيه شيء البتة،

لا يترك ذنباً ولا يتوب إلى الله -عز وجل- يجب أن يتفقد نفسه تفقداً شديداً ويخشى أن يكون قد رد عليه عمله، لأن علامة القبول ألا ترجع لذنبك أبداً.

وليس شرطاً في كل الذنوب، لكن أن تتوب عن أغلبها أو بعضها توبة نصوحاً، فلا ترجع نفسك إليها أبداً.

المهم ألا تخرج بنفس السواد الذي دخلت به ولا يرجع قلبك بنفس ذنوبه ومعاصيه. ولذلك من يدخل في رمضان ولم يورثه توبة ولا إقلاعاً عن معصية فهذا يجب أن يسائل نفسه هل عبدت الله حقاً؟

لأنك لو عبدته حق عبادته ما طابت نفسك أن تعصيه مباشرة ومن أول يوم.


العلامة التاسعة والأخيرة: محبة الصالحين وكره أهل الشر والمعصية،

من أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله،

فحب من يحب الله -عز وجل- وكره من يكره الله علامة من علامات القبول.

ومهم أن تتفقد قلبك إلى من يميل ومن يحب وإذا رأيت قلبك يميل إلى أناس وأشخاص أو ممثلين أو مغنين، فتفقد قلبك، لأن هذا الحب ستجازى عليه خيراً بخير وشراً بشر. 

نحن في العيد نقول “من العايدين ومن الفايزين” لو تأملت هذه المعايدة وسألت نفسك من هم الفائزون؟ وبماذا فازوا؟

فائزون بالقبول وبالعتق وبالمغفرة، يقول الله -عز وجل- في سوره الحشر: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۚ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} (الحشر:20)،

فكل من هم ليسوا بأصحاب الجنة فما هم بأصحاب الفوز. وقال الله -عز وجل- في سوره التوبة عن أهل الجنة: {خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة:89)،

ولا يأتي الفوز العظيم إلا في ذكر الجنة وأهلها، فهؤلاء حقًا هم الفائزون الذين فازوا في رمضان.

نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن فازوا بمغفرته وعتقه وغفرانه وأن يجعلنا الله -عز وجل- ممن أحبهم وأحبوه وممن رضي عنهم وأرضاهم ونسأله رحمة من عنده تجعلنا بعد هذا الشهر خيرًا منا قبله.


* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.