بتاريخ ٥ / ١ / ١٤٤٢ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط)

الملخص:

( أفضلُ الصِّيامِ بعدَ شَهْرِ رمَضانَ شَهْرُ اللَّهِ المحرَّمُ، وإنَّ أفضلَ الصَّلاةِ بعدَ المفروضَةِ صلاةٌ منَ اللَّيلِ) 

المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود

رمضان الأفضل من الشهور مطلقاً ثم الأشهر الحُرم، و ما بين أشهر الحُرم أشهُر فُضلت بأعمال مخصوصة مثل شهر ذي الحجة ، وشهر الله الحرام ( محرم ) فُضل لما فيه من فضل الصيام.

رفع الأعمال و الصحائف يكون سنويًا في شعبان وفي ليلة القدر تنزل الأقدار وتكتب فيها الآجال في اللوح المحفوظ

نحن هنا سنستذكر فضل شهر الله المحرم كما ورد في الحديث.

أرّخ التاريخ الهجري أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذا التاريخ هو من صنع الله عز وجل للأمة فجعل ختامه ينتهي بطاعة ويبتدئ أيضاً بطاعة.

فلتحرص دائماً على بدايات الأعوام ونهايات الأعوام، كي تحاسب نفسك وتعرف كيف مرت عليك الـ ١٢ شهرًا.

في كتاب لطائف المعارف قال ابن رجب -رحمه الله-:

“فإنَّ من كان أول عمله طاعة وآخره طاعة فهو في حكم من استغرق بالطاعة ما بين العملين“.

 من ختم السنة بطاعة و ابتدأ السنة بالطاعة فيرجى أن تكتب له سنته كلها طاعة فالله أكرم وأرحم وأجلّ ونرجوا منه أن يغفر لنا ما بين البداية والنهاية.

ومعنى أن تبتدئ كما تنتهي وتنتهي كما تبتدئ أي أن قلبك معلق بالله، حتى لو أذنبت فيما بينهما فإنك لم تستسلم لذنبك ولم يجرك شيطانك بل كما ابتدأت عدت مرة أخرى لله عز وجل.

قال ابن المبارك -رحمه الله-:

”بلغنا أنّه من ختم نهاره بذكر الله كُتب نهاره كله ذكرًا“.

فإن لم نكن مع مرور السنوات نتغير إلى الأفضل والأجمل والأحسن، ولا نعلوا في علاقتنا مع الله عز وجل، فهذه علامة أو مؤشر على الخسارة. قال الله عز وجل عن صفات المنافقين ( أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ )

سورة التوبة (126)

هنا التفاتة لمراقبة نفسك فلا يمر عامك من غير أن تعرف ماهي نقاط ضعفك، وأين زلت قدمك، وما هو العمل الذي فرطت فيه، وكيف هي علاقتك مع الله عز وجل. فالله يمتحن المنافقين المرة تلو الأخرى وهم مع ذلك لا يتوبون من جهة ولا يذكرون من جهة أخرى، ولذلك بداية الأعوام ونهاياتها لها أثر في نفس المؤمن.


و لنا في مراقبة النفس وقفات ودروس:

الوقفة الأولى : أن الدنيا إلى زوال

قال الله تعالى: ( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )

سورة يونس 24

هذه الدنيا لن تدوم لك، بالتالي لا تتردد في قرارات تقربك من الدار الآخرة. دنيانا هذه إلى زوال وإلى فناء، وهناك دار أخرى باقية وفيها خلود أبدي، فمن له عقل وتفكر يعمل لدار الخلود!

 تأتي الآية التي تليها فيقول فيها الله عز وجل ( َواللَّهُ يَدْعُو إلى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم )

سورة يونس 25

ففي مقابل هذه الدنيا التي ستصبح حصيداً، فإن الله يدعوك إلى دار السلام، إلى الدار الباقية ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. 

وهذا هو الدرس الأول الذي نأخذه في بداية هذا العام، أنه كما انتهت سنة، ستنتهي الأيام وستنتهي هذه الدنيا جمعاء.


الوقفة الثانية:

قال عمرُ بنُ الخطَّابِ رضِي اللهُ عنه: “حاسِبوا أنفسَكم قبل أن تُحاسَبوا“

حاسب نفسك قبل أن تحاسب، قال الحسن البصري: “إن المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه لله وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر على غير محاسبة حتى أخذوا على غفلة “

ومحاسبة النفس ثقيلة فهي تريك مواطن الضعف في نفسك، و لكن فكرة الحساب تربيك على ضبط دنياك، فلا يكن عامك هذا مثل سابقه.

 انظر فيما أحسنت وانظر فيما قصرت فقد يكون سبب تقصيرك هو فقط سوء إدارة الوقت. 

 قال الله عز وجل: ( وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)

سورة الكهف 28

ومشكلة الأمر الفرط أن يصبح المرء لا يعيش يومه إلا للملذات ولا ينتظر غده إلا لأجلها.

وقد يكون المفرط أشد الناس اكتئاباً لأنه متّع جسده فقط، ولم يمتع قلبه، وهذا القلب لا يمكن أن يصلح إلا بشيء واحد ذكره ابن القيم -رحمه الله- حينما قال:

(إن في القلب شعث، لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته، وفيه حَزَن، لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق، لا يسكنه إلا الاجتماع على الله والفرار إليه منه، وفيه نيران حسرات، لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه طلبٌ شديد، لا يقف دون أن يكون الله وحده هو المطلوب، وفيه فاقة، لا يسدها إلا محبة الله ودوام ذكره والإخلاص له ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الحاجة أبدًا)


الوقفة الثالثة:

خلال هذا العام; أن تعتبـر بما جرى.

ولابد أن تلتفت لما يجري من أحداث وتتأمل في تصريف الله للأمور. والقضية ليست فقط فيما جرى لك أنت وأين كنت فيها ولكن المهم هو استشعارك لزحام النعم التي حولك ولم تلتفت لها يوما. 

متى كانت آخر مرة تفكرت بأن تشكر الله على الهواء الذي يدخل رئتيك ويخرج بسلاسة وأنت لست بحاجة إلى الأجهزة؟

هذه نِعمة، لا يلتفت لها إلا من يعتبر بمـا جرى.

 قال الرسول ﷺ: “عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له”

[صحيح مسلم]

فنحنُ طوال الوقت، نتقلب بين هاتين النعمتين، بين نعمة السراء ونعمة الضراء، ولكلّ منها عبوديتها الخاصة.


الـوقفة الـرابـعـة:

أن تـحـسّـن عـمـلـك إذ طــــالَ عُـــمــــرك.

وفي الحديث، “أنَّ رجلًا قال: يا رسولَ اللهِ أيُّ الناسِ خيرٌ؟ قال: “من طالَ عمُرهُ وحسُن عملُه”، قال: فأيُّ الناسِ شر؟ قال: “من طال عمُرهُ وساء عملُه“

سنن الترمذي، حسن صحيح

وإن كنت ممن منّ الله عليه بمزيد عمر فالسؤال المهم لمَ تشكر الله أنك لا زلتَ حيًا؟ وعلى ماذا تريد أن تعيش؟ ولمَ أنت حريص على طولِ العُمـر؟

معاذ بن جبل -رضي الله عنه- حينَ حضرته الوفاة، قال: ”اللهم إنك كنت تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيـا لكري الأنهار (أي حفرها ) ولا لغرس الأشجار، ولكن لصيام الهواجر وقيام الليل، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر“

ابن الجوزي -رحمه الله- أيضًا تمنى طول العمر، عاش سبعًا وثمانين سنـة، وكان يُسمَع في دعائه يقول: ”اللهم إنك تعلم أني لا أريد طول الحيـاة إلا لأزداد من العلمِ بك، وبأسمائك وصفاتك“، ولذلك كان هوَ  صاحب المؤلفات المعروفة.


الوقفة الخامسة:

أن تخـطـط لحياتك

استشعر أن الذي بقي قد لا يكون أكثر من الذي 

مضى، فاستثمر فيما بقي.

في خطتك لاتنسَ ..

١- في الجانب الإيماني اشمل القرآن حفظاً وتلاوة وانظر في الصيام كم وكيف تود توزيعه في أيامك وعامك هذا؟ واشمل أيضاً صلاتك هل أنت راضٍ عنها؟ صلاحها .. خشوعها .. تمامها راجع في خطتك هذا كله وحقق في الأسباب واصنع لنفسك خطة كأن تقرأ كتاب الخشوع في الصلاة أو تشاهد برنامج “كيف أتلذذ بالصلاة”..

٢- وفي الجانب الذاتي  انظر في صفاتك وعيوبك ولا تجعلها من المُسلمات.. ولا تقبل هذا على نفسك ولكن أصلح من نفسك. وضع هذه الصفات في قائمتك وتعلم كيف تبنيها في نفسك.

٣- في الجانب العلمي والثقافي  حدد كم كتاب تريد أن تقرأ وما الفائدة والنفع من نوعها. هل ستجعلك ترى الدنيا بمنظار آخر أم هل ستقربك من الله أكثر!

٤- في الجانب العملي اسأل نفسك ما الذي ميزك الله به؟ وما القدرة التي أعطاك الله إياها وبوسعك أن تنفع الناس بها فتجعلها مشروع حياة تطوره وتحيا به . 

اجمع أبناءك وأهل بيتك ليضع كل منهم خطته، فينظر بها ويعتاد استثمار أيامه وعمره. 

تخطيطك لحياتك هي دعواتك في يوم عرفة، لمّا تعاهدنا على ثلاثة في ِثلاثة، فكان الدعاء لنفسك ولأهلك ولأمتك وأن تدعو لدينك ودنياك وآخرتك فهذه الأمور اجمعها في خطتك وانظر ما هو مشروعك في كلٍّ منها؟

هذه الخطة لا يُعذر أي إنسان ألا يعيش عليها ولا يعذر أي إنسان أن يعيش حياته همل! قال عمر رضي الله عنه ”أكره أن أرى الرجل هملا! ”يعني ليس لديه شيء يعيش عليه، فقط يأكل يشرب مع الناس وليس عنده هدف في حياته ولا رسالة كبرى.

ربما لا يكفيك سنة ولا سنتان لتنفذ هذا كله ولكن يكفيك شرف المحاولة!


الوقفة السادسة: 

أن تتفاءل وتستبشر بالخير 

والرسول ﷺ كان يعجبه الفأل ويكره الطيرة التي هي التشاؤم.

ففأل النبي ﷺ كان في لحظات قاتمة والتي يصعب على أي شخص أن يتفاءل فيها!

وعن عائشة رضي الله عنها أنَّها قالتْ لرسولِ اللَّهِ – صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ – : هل أتَى عليكَ يومٌ كانَ أشدَّ مِن يومِ أحدٍ ؟ فقالَ : لقد لقيتُ مِن قومِكِ ، وَكانَ أشدَّ ما لقيتُ منهُم يومَ العقبةِ إذ عرضتُ نفسي على ابنِ عبدِ ياليلَ بنِ عبدِ كلالٍ ، فلَم يجبْني إلى ما أردتُ ، فانطلقتُ وأَنا مَهْمومٌ علَى وجهي ، فلَم أستفِقْ إلَّا وأَنا بقرنِ الثَّعالبِ ، فرفعتُ رأسي ، فإذا بسحابةٍ قد أظلَّتني ، فنظرتُ فإذا فيها جبريلُ عليهِ السَّلامُ ، فَناداني فقالَ : يا محمَّدُ ، إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ ، قد سمِعَ قولَ قومِكَ لَكَ ، وما ردُّوا عليكَ ، وقد بعثَ اللَّهُ ملَكَ الجبالِ لتأمرَهُ بما شئتَ فيهِم قالَ : فَناداني ملَكُ الجبالِ : فسلَّمَ عليَّ ، ثمَّ قالَ : يا محمَّدُ : إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قد سمِعَ قولَ قومِكَ لَكَ ، وأَنا ملَكُ الجبالِ ، وقد بعثَني ربُّكَ إليكَ لتأمرَني أمرَكَ ، وبما شئتَ ، إن شئتَ أن أُطْبِقَ عليهِمُ الأخشبَينِ فعلتُ ، فقالَ لَهُ رسولُ ﷺ: بل أرجو أن يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصلابِهِم مَن يعبدُ اللَّهَ ، لا يشرِكُ بِهِ شيئًا

| المحدث : ابن خزيمة | المصدر : التوحيد

عن أولئك الذين يقتلون أوقاتهم، كتب أحدهم:

إن من يقتل وقته إنما يقتل نفسه فهي جريمة انتحار بطيء ترتكب على مرأى ومسمع من الناس ولا يعاقب عليها أحد!

وقال ابن القيم رحمه الله:

“إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها..”

الفوائد (صـ31) 

ختامًا..

”لابدّ للعمرِ النفيس من الــفنـــا 

فاصرف زمانك في الأعزّ الأفخرِ


* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.

4 تعليقات
  1. zoritoler imol says:

    Nice post. I learn something more challenging on different blogs everyday. It will always be stimulating to read content from other writers and practice a little something from their store. I’d prefer to use some with the content on my blog whether you don’t mind. Natually I’ll give you a link on your web blog. Thanks for sharing.

  2. Sage Auch says:

    I think that is one of the such a lot vital information for me. And i am satisfied studying your article. However want to observation on some normal issues, The web site style is perfect, the articles is really excellent : D. Just right process, cheers

التعليقات مغلقة