بتاريخ ٢٣/ ٨ /١٤٤٢هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )

الملخص


رمضان مودع

مرَّت سنة ومن رمضانٍ إلى رمضانٍ آخر، عشنـا وعاصرنا أحداث مختلفة، فقدنا أعزَّاء وأحبة خلال سنةٍ غير عادية على العالم أجمع..

وبعد أيام سنبلغ رمضانًا آخر -بإذن الله-.

شهرٌ ليس كأي شهر، فلهُ من الخصوصية ما يجعلنـا نستعد لقدومه منذ شهرين أو أكثر..

حين دخل شهر رمضان بشّر النبي ﷺ أصحابه -رضوان الله عليهم-فقال: “أتاكم شهرُ رمضان شهرٌ مباركٌ فرض الله عليكم صيامه،

تفتحُ فيه أبواب السماء، وتُغلقُ فيه أبواب الجحيم، وتُغلُّ فيه مردةُ الشياطين، لله فيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهر من حُرم خيرها فقد حُرِم” المصدر: الترغيب والترهيب

٣ أمور من حصلها في شهر رمضان غُفر له ما

تقدم من ذنبه:
قال النبيﷺ:”مَن صَامَ رَمَضَانَ، إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ”المصدر:صحيح البخاري

وقال النبيﷺ:”مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ”المصدر:صحيح البخاري 

هذه من الثلاثيات التي اختص بها هذا الشهر، والتي لا تأتي في أي مكان آخر.

(١) من صام شـهر رمضان!

(٢)  من قام شـهر رمضان!

(٣)  من قام ليـلـة الـقـدر!

في كل الثلاثة، غفر له ما تقدم من ذنبه، أي كأنه جزاء يوافق ذلك الجزاء الذي يقف عليه الحاج في يوم عرفة،

فيغفر له ما تقدم من ذنبه ويخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.

هل ينتهي كرم الله تعالى عند  ذلك في رمضان؟

لا! الله عز وجل يعطي المزيد والمزيد في هذا الشهر الكريم..

 يقول النبي ﷺ: “إنَّ للهِ عُتُقاءَ مِنَ النَّارِ في كلِّ يومٍ وليلةٍ ولكلِّ مسلمٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ دَعوةٌ مُسْتَجابةٌ”المصدر: مجمع الزوائد


ترفع كل يوم قائمتين من العتقاء: قائمةٌ في النهار وقائمةٌ في الليل.

 وفوق هذا العتق، والذي بذاته جزاءٌ عظيم، جعل ربنـا الكريم لكل عبدٍ أُعتق منهم دعوةٌ مستجابة.

أمور لابد أن نراجعها قبل دخول رمضان  علينا..



أولًا: أن تعظم أمر شهر رمضان.

ما كان يمرُّ هذا الشهر مرورًا عاديًا على النبي ﷺ ولا صحابته -رضوان الله عليهم-؛ لأنه عظيمٌ في قلوبهم،

ومعنى التعظيم: أن تكون مرعوبًا من أن يدخل عليك رمضان وأنت لم تستعد له بعد.

ثانيًا: أن تطهّر قلبك.

أن تكون محبة الله تعالى مقدمة على كل محبة، فلا تقدم أي خطوة دون أن تكون قاصدًا وجه الله عز وجل فيها.

اسأل نفسك هذه الأسئلة لتعرف إن كان قلبك طاهرًا حقًا أم لا؟

1- كيف مضت عليك هذه السنة بحلوها ومرها؟هل أنت راضٍ عن نفسك خلالها؟

2- كيف كانت محاسبتك لنفسك؟أم أنك لم تحاسب نفسك ولم تفكر في ذلك! 

3- ما الذي آلمك هذه السنة؟ خلال  11 شهر ما الذي آلمك و أوجعك! لترى الأقرب منها لقلبك.


راجع نفسك.. هل شبعت من حب الدنيا؟ هل شبعت من المال؟ هل شبعت من الذنوب والشهوات؟ وإذا كانت الإجابة لا، فمتى ستشبع؟

حين تكتمل إجاباتك؛ ستعرف بأي قلبٍ ستدخل رمضانك.

قال النبي ﷺ : “اللهم إني أعوذُ بكَ من علمٍ لا ينفعُ ومن قلبٍ لا يخشعُ ومن نفسٍ لا تشبعْ ومن دعاءٍ لا يسمعُ”المصدر : صحيح النسائي


ثالثًا: أن تطبق وصية الرسول ﷺ.

حين قال النبي ﷺ:”أَلِظُّوا بياذا الجلالِ و الإكرامِ” المصدر : صحيح الجامع

“ألظّوا”:ألحّوا إلحاح المستغيث المستيقن أن لا أحد سيعطيه إلا ربّـه سبحانه.

لمَ “ياذا الجلالِ و الإكرامِ”؟ لأن الله إذا أكرمك أعطاك، وإذا أعطاك فقد أحبّك، وإذا أحبّك فهو معك، وما الذي تريده أكثـر من ذلك في رمضـان؟ 

رابعًا: أن تستحضر خطوات تطهير قلبك.

طهّر قلبك قبل أن تدخل على الله -عز وجل-بأربع خطوات: لا تذر ثقبًا، ولا تهمل عيبًا، ولا تبقي خطأ، وخفف الحمل فإن العقبةَ كؤود.

لا تذر ثقبًا: ابحث عن الشيء الذي يجرح إيمانك ويثقبه، ولا تذر ثقبًا يدخل منه الشيطان على قلبك.

ولا تُهمل عيبًا: اسأل ما العيوب التي بك؟ ما الذي يحول بينك وبين الله؟الفتور؟ التردد؟ سَل الله أن يدبّر أمرك. 

ولا تبقي خطأً: لا تستصغر الخطأ وتقول أنا لدي عيوب أكبر لو أصلحتها فأنا بخير،

يقول النبي ﷺ لعائشة -رضي الله عنها-:”يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالباً”المصدر : المعجم الأوسط

وخفف الحمل فإن العقبة كؤود: ذكر الله آيةً يبين فيها حال هؤلاء المثقلين بأوزارهم وأحمالهم،

قال تعالى: “قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ ۚ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ” (الآنعام:31) خفف الحمل أي: خفف ذنوبك.

خامسًا: أن تستعد للأعمال الصالحة.

 جهّز جداول لختماتك، كم كنت تختم في العام الماضي ضاعفها، لا ترضَ أبدًا بالأقل،

قال تعالى: “وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ” (المطففين:26) أنشئ لك جدولًا سواء ورقيًا أو إلكترونيًا وحدد فيه عدد الصفحات

التي يجب أن تقرأها يوميًا ووقت القراءة، كذلك يمكنك أن تضع منبهًا بهاتفك حتى يذكرك خلال يومك.

سادسًا: أن تعرف أجور العبادات وتستحضرها دومًا.

جدد نيتك أثناء صومك واستحضر هذه النوايا:

1- منزلة التقوى، قال تعالى:”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (سورة البقرة، 183)

2- ينقذك الله من آفاتك؛ لقول النبي ﷺ:”الصَّومُ جُنَّةٌ” المصدر: حلية الأولياء

3- ينقذك من شدة الحساب يوم القيامة.

4- رفعة الجزاء الأخروي من الصيام؛ لقول النبيﷺ:”كلُّ العملِ كفَّارةٌ إلَّا الصَّومَ.

الصَّومُ لي وأنا أجزي بِهِ” المصدر: فتح الباري لابن حجر

5- يأتِ الصيام والقرآن ليشفعان لك يوم القيامة، فلا يكن همك في رمضان فقط غذاء البدن،

لا تنسَ غذاء الروح، فالروح إذا لم تتغذَ وَهَنَتْ وصارت ضعيفة، فلابد من تغذيتها.

عوّد نفسك على استحضار الأجور، فحين تستحضر قول النبي ﷺ:”مَن مَشَى إلى صلاةٍ مكتوبةٍ في الجماعةِ،

فهي كَحَجَّةٍ، ومَن مَشَى إلى صلاةِ تَطَوُّعٍ، فهي كعُمْرَةٍ” المصدر: صحيح الجامع

ستستحضر أجر المشي إلى الصلاة، سواء أكانت مكتوبة أو تطوع، وسيكتب لك الأجر بذلك.

سابعًا: الصبر. 

اصبر ولا تيأس! قف عند باب الله، وابكِ عند بابه عز وجل إلى أن تعتد نفسك.

 اعلم أنك  حين تنوي أن تصلح نفسك وتقرر أن تعود إلى الله ستضطر أن تتخلى عن أشياء كثيرة..

فحين تكون معتادًا على مشاهدة التلفاز، أو معتادًا على سماع الأغاني أو النظر للمحرمات ..

أو أي أمرٍ آخرٍ اعتادت نفسك عليه، فسيصبح عندك مساحةٌ فارغة من وقتك، وسيحاول الشيطان دومًا أن يذكرك بالمعصية

لتنكسر حصونك فتعود إليها من بعد التوبة، لذلك عليك أن تلزم الصبر والدعاء لله بأن يثبتك على توبتك،

واحرص أن تردد هذا الدعاء: يا رب ما زويت عني مما أحب فاجعله فراغًا لي فيما تحب ، وما أعطيتني مما تحب فاجعله عونًا لي فيما تحب.



ثامنًا: أن تلزم باب الملك.

هل لديك الاستعدادٍ لأن تقف عند باب الملك إلى أن يشفي الله روحك وقلبك؟

 قف عند باب الملك ولا ترضَ أن تجاوزه، استحضر أجور العبادات التي تفعلها وتذكر أن ليلك في رمضان مختلف؛

لأنه يبدأ بساعةٍ مهمة وينتهي  أيضًا بساعةٍ مهمة.

الساعة الأولى: قبل أذان المغرب بساعة، هذه اللحظات  لا تفوتها، مهمـا أحاطت بك المُشغلات وقتها،

احرص أن تدعو الله من قلبك وقل: “يا رب لا تغيب الشمس وأنت لم تعتقني من النار يا رب”

أما الساعة الثانية:  قبل أذان الفجر- وقت السحر- وهذا الوقت ينزل الله تعالى إلى السماء، فتستجاب الدعوات وتُقضى فيها الحاجات،

في هذه الساعة تبتّل إلى الله عز وجل وإياك إياك أن يؤذن الفجر وأنت لم تسلِ الله أن يعتقك من النار.


قاعدةٌ أخيرة تعينك على الاستعداد لرمضان.. 

لا تنشغل في رمضان بأي شيء سوى الله تعالى..

صبَّ كل أهدافك في وعاءٍ واحد، حتى لا تضيع منك لحظة من هذا الشهر، واستحضر دومًا نيتك الصالحة.

لا متعتك ولا لذتك ولا أهوائك ولا غيرها، ضع هذا كله في الجانب المُهمل، وانشغل بالله وحده، يا رب هل أنت راضٍ عني أم لا؟

هناك كلمة للشيخ إبراهيم بن صالح الدحيم -رحمه الله-، كتب هذه المقالة فقال:”لو كشف لك من علم الغيب عن خفي أجلك،

فأخبرت أن ما تدركه من رمضان هذه السنة هو آخر رمضان لك في الحياة.. ثم أنت لا تدري أتتمه أم تنقطع بالموت دونه،

لو قيل لك ذلك.. كم سيكون الخير فيك؟ وكم ستجتهد في استغلال أيامه ولياليه، وتحقيق الإخلاص والصدق فيه؟وكم هي أعمال البر التي ستقوم بها؟

تصور أنك تصلي صلاة تنتظر بعدها الموت، كم ستخشع فيها ويحضر قلبك؟ وكم ستتمها وتحقق الإخلاص فيها؟…


لماذا لا نستحضر روح الوداع في عبادتنا كلها؟ ونستشعر أننا نصوم رمضان هذه السنة صوم مودع؟

وننظر إلى إقبالة رمضان هذه السنة على أنها إقبالة ملوح بالوداع”.

كتب هذه المقالة -رحمه الله- وتوفي بعدها اثنا وعشر يومًا!

حديثنا بعنوان: رمضان مُـودِع، حتى يكون جزمًا كرمضانٍ أخيرٍ لنا.. لا تنتظر المفاجأة ثم تقول يا ليت!!

صم شهر رمضان هذا و كأنه رمضانك الأخير، أخرج كل ما عندك وتبتل إلى الله عز وجل بكل ما تستطيع.

 عش رمضان هذا وكأنه رمضانك الأخير..


ننصحك بالنقر على الرابط للاستفادة من المواد المُرفقة:  https://cutt.us/cbx7s


اسأل الله أن يبلغنا وإياكم بلاغ عتق وقبول وتوفيق نحن ومن نٌحب.. وكل عام وأنتم بخير()

بإمكانك متابعة وقراءة محاضرات رواء الاثنين، من خلال زيارة مدونة رَوَاء : https://rawaa.org/



تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.