بتاريخ ١١/ ١٠/ ١٤٤٤ هـ
لسماع المحاضرة صوتًا
( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )
لابد أنك قد دعوت الله -عز وجل- وسألته باسمه الوهّاب، فكنتَ تقول “يا ربّ هب لي”،وأنت تعلمأن بيده خزائن السماوات والأرض،
وأن الله قد يهب لك ما تُريد وإن لم تكن تستحقه. فالله -عز وجل- هو الوهّاب الذي لا يُعجزه شيء.
دعونا نتفيأ ظلال اسم الله”الوهّاب“..
ماذا يعني اسم الله الوهاب؟ وما الفرق بين الهبة والهدية؟
عادةً ما تهدي أحبابك رجاء أن يدوم الحب والوصل بينكم. وقد تعطي هدية لشخص في مناسبة معينة وتتوقع أنه سيردها لكفي مناسبة أخرى.
فغالبًا الإهداءات فيها أخذ ورد.إذن ما فرقها عن الهبة؟ الهبة هي العطاء بلا عوض ولا غرض. فتأتي لك الهبة من الله الغني وأنت إنسان فقير لا يحتاجه أصلًا.
فالله -عز وجل- وهب لك هذه الهبة وأنت لا تستحقها، وقد تكون لم تدعُ بها أصلاً، لكن الله يسرها لك.
اسم الله الوهاب في القرآن
قال تعالى:{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}(آل عمران :8)
وهذه واحدة من ثلاثة مواضع جاء فيها اسم الله الوهاب في القرآن.
لماذا قُرِنت الهبة بالرحمة؟ لأنك عندما ترجع لنفسك وحياتك وعباداتك وتضعها بكفة الميزان، وفي الكفة الثانية تضع ما أنعم الله -عز وجل- به عليك من نعم،
فسترى أنه لا يوجد مقابل لنعم الله -عز وجل- إطلاقًا! وأنك لن تستحق هذه الهبات وهذه النعم إلا برحمة الله -عز جل-.
قال تعالى:{ قَالَ رَبِّ ٱغۡفِرۡ لِی وَهَبۡ لِی مُلۡكࣰا لَّا یَنۢبَغِی لِأَحَدࣲ مِّنۢ بَعۡدِیۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ } (سُورَةُ صٓ: ٣٥)
وهذا الموطن الثاني الذي ذُكِر فيه اسم الله الوهاب. عندما نقرأ في قصة سليمان -عليه السلام- نرى أنه مر بابتلاءين اثنين، الجسد الذي أُلقي على كرسيه،
ثم الخيل التي استعرضت أمامه فألهته عن ذكر الله حتى توارت بالحجاب. فلما انتبه سليمان -عليه السلام- أن الشمس قد غابت وهو لم يذكر الله -عز وجل-،
ذهب ليتخلص من هذه الخيل التي هي حبه وهوايته وإدمانه. ومباشرة تحرك قلبه لعطاءات الوهاب.
فهنا وقف العلماء عند هذه الآية وقالوا كيف مر على سليمان أن يطلب المغفرة من الله -عز وجل- ويطلبه في نفس اللحظة أن يهب له ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده!
فقالوا لا يمكن أن تخرج إلا من قلبٍ مملوء بتقوى الله -عز وجل- وخشيته والخوف منه ورجاء كرمه وفضله والإيمان بأنه هو الوهاب. فماذا أعطاه الله -عز وجل-؟
سخر له الريح ومردة الجن والشياطين، وهذا الملك لم يكن لأحد إلا لسليمان -عليه السلام-.
لم يذكر الله -عز وجل- هذه القصص في كتابه لنتسلى بها فقط، وإنما لنتعلم ما هي عطاءات الله -عز وجل-ونستوهب الوهاب الذي وهب لسليمان وأيوب وزكريا وموسى.
الذي وهب لهم هذا الخير كله لن يعجزه أن يهب لك ما تريد. ولذلك استوهب الوهاب وانظر إلى عطاءات الله -عز وجل- كيف تكون.
رب هب لي من لدنك ذرية طيبة
عبارة “هب لنا” أينما تأتي في القرآن غالبًا ما تكون عن الذرية،وأحد هذه المواضع حينما قال زكريا في قوله تعالى:{رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}(آل عمران: 38).
ومن أكثر الأنبياء طلبًا للذرية إبراهيم -عليه السلام- ولم يُرزَق بها إلا على كبر، قال تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} (إبراهيم: 39).
إبراهيم خليل الله يدعوهومع ذلك لم يرزقه الله الذرية في بداية حياته، فبعض العطاءات قد تتأخر.
فلما جاء عطاء الله -عز وجل- ووهب له إسحاق وإسماعيل، طلب إبراهيم -عليه السلام- أن يكونوا ذرية صالحة.فلم يصبحوا ذرية صالحة فحسب،
بل رزقه الله -عز وجل-بنبيّين وجعل سلالات الأنبياء منهما. فهذه عطاءات الله -عز جل-، إذا أعطى أدهش.
وكان السلف يدعون بالذرية الصالحة لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال : “إذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، وعلمٍ ينتفع به، وولدٍ صالحٍ يدعو له”[أخرجه مسلم: صحيح].
فينقطع العمل، وتقف عند آخر صفحة من صفحات كتابك، فتبقى صفحة مفتوحة وهي ولد صالح ربيتَه،يبقى يدعو لك بعد وفاتك.
فأي عمل وأي صلاة يصليها وأي تهليلة يهللها تبقى لك في أجرك إلى يوم القيامة.
وأحد هذه الدعوات في قول الله -عز وجل- { رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا }(الفرقان : 74)
وهذه الدعوة مهمة جدًا لمن تزوج ولمن لم يتزوج بعد. فقد تجد زوج/ة بجميع المواصفات التي تتمناها، صلاح وخُلُق كريم،
ولكن لا تتوافقان!ولذلك الصالحين لم يقولوا ربنا هب لنا امرأة صالحة أو رجلاً صالحًا، بل قالوا زوج، وكلمة زوج تعني المواءمة والموافقة، وهذا الشيء ليس سهلًا.
فأن يكون الزوج والزوجة قرة عين لبعضهما فهذه هبة من الله -عز وجل-. والقر من الاستقرار،
فالزوج لا يرى سوى زوجته والزوجة لا ترى سوى زوجها وكأنه لا يوجد رجل غيره في هذا العالم.
ولكن لماذا هذا الأمر مهم؟ قرة العين؟
لأن استقرارك الأسري هو سبب في استقرارك الإيماني، فأنت تستقر إيمانياً عندما تكون أسرتك فيها جزء من هذا الاستقرار.
حينما يقول الله -عز وجل- في نهاية الآية{وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}لم يقولوا واجعلنا من المتقين، بل قالوا واجعلنا للمتقين إماماً!
يريدون أن يكونوا النموذج الذي يُحتذى به، يريدون أن يأخذوا أجر من حولهم.لماذا؟ تخيل عندما تتمنى مواصفات معينة في زوجتك أو زوجك ثم تتغير هذه الأحلام وتتمنى أن تكونا للمتقين إماماً.
هدف الزواج بات مختلفاً، الهدف من الذرية أصبح مختلفاً تمامًا. لم تعُد القضية مجرد إنجاب الذرية والتفكير في لباسهم ودراستهم،
بل أصبحت قضية ذرية صالحة تستكثر بها أمة محمد -عليه الصلاة والسلام-وتبقى لك بعد مماتك.
حافظ على هباتك من الفقد..
حتى لا تفقد هذه الهبات من الله -عز وجل-، فلابد أولًا أن تشكر الله -عز وجل- عليها، والشكر له خمسة قواعد:
*خضوع الشاكر للمشكور: فعندما تشكر الله -عز وجل-، لابد أن يكون فيك شيء خاضع لله -عز وجل-، فلولا عطاؤه لما حصلت على هذه النعمة.
*حبه له: أن تحب الله -عز وجل- على هذه النعم التي أنعمها.
*ثناؤه عليه
*اعترافه بهذه النعمة
*ألا يستعملها في ما يكره
هل توجد أشياء يفعلها الإنسان فتزول عنه الهبات بسببها؟
يقول الله -عز وجل- : { وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (الشورى: 30)
يقول ابن القيم: “من عقوبات الذنوب أنها تزيل النعم وتحيل النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب”.
وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يعطينا العلاج فيقول: “ما نزل بلاء إلا بذنب وما ارتفع إلا بتوبة”.
فإذا أنت غيرت طاعة إلى معصية أو أصبح عندك شيء من التقصير أو التفريط، فاعلم أنك إذا تغيرت تتغير نعم الله -عز وجل- عليك.
فإذا سلبك الله هبة أعطاك إياها، ماذا تفعل؟
استغفر من ذنبك، وتُب توبة نصوحًا واصبر، فلا زال هناك عطاءات قادمة.فهبات الله -عز وجل- لم تتوقف.
ولذلك يجب ألا تستغرقك لحظة الألم أو لحظة المصيبة طالما أن قلبك مسلم لله الوهاب، فكما وهب في المرة الأولى فهو قادر على أن يهب للمرة الثانية والثالثة.
فالله ليس الواهب يهب مرة واحدة فقط، بل هو الوهابليس هناك حد لعطائه.
وقد يسلبك الله هبة ونعمة اعتدت عليها لسنين طويلة ليختبر صبرك و إيمانك،فاصبر على هذا البلاء ولا تقنط من رحمة الله.
أقل نعم الله -عز وجل- المال
نحن لا نتحدث عن الهبات المادية فقط كالراتب أوالوظيفة، فهذه أبسط الهبات. فقد كانوا يقولون أن أقل نعم الله -عز وجل- هي المال.بل نتحدث أيضاً عن غيرها من النعم،
وهي أن يهبك الله الحياة ،ويهبك العافية،والصحة، والعقل.وعندما نتحدث عن هباتالله التي قد تضيعها من أجلذنب أو معصية،
فلا يخطر ببالك أنها هبات دنيوية فقط، بل قد تكون هبات أخروية والتي تبدأ من اللحظة التي تُقبَض فيها روحك،وفي قبرك،
وآلاف السنين التي قد تقضيها تحت الأرض والتي لا تعرف تفاصيلها وماذا سيحدث بها.فقد لا نعرف بماذا ندعو من الهبات الأخروية،
ولكن يجب ألا نترك شيء يحول بيننا وبين هذه الهبات، فكلما استطعت أن تقلل من الذنوب والمعاصي فقلل.
عش في كنف الوهاب
الله -عز وجل- يحب كل من يتشبه بصفاته، فهو رحيم يحب الرحماء، وكريم يحب الكرماء. فعندما تعرف أن من صفات الله -عز وجل- أنه الوهاب يهب ويعطي،
فاجعل العطاء من سجية نفسك واعطي بلا حدود.فالذي يعرف الوهاب ويعيش في كنف الوهاب لا يمكن أن يكون إنساناً عادياً، ولا يعيش بين الناس إنساناً سلبياً.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام”إن لله تعالى أقواما يختصهم بالنعم لمنافع العبادويقرها فيهم ما بذلوها فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم” [أخرجه الطبراني في معجمه وقال الالباني حسن]
فالله يختار أناس لينعم عليهم بنعمٍ كثيرة لأنهم يعطون الناس ويسعون في حاجاتهم. فيعطيهم مواهب أو مناصب أو أموال لأنهم يستغلونها في نفع الناس.
فإذا قرروا يومًا أن يتوقفون عن هذا العطاء، نزع الله منهم هذه النعمة وأعطاها لغيرهم.
من معاني اسم الله الوهاب أنه يعطي ما بالخواطر. فقد يكون هناك أمر ما بخاطرك ولم تدعُ به، أو استحييت أن تطلبه من الله -عز وجل- لأنك تعلم أنك لا تستحقه،
لكن الله -عز وجل- وهبك إياه.
أسأل الله أن يعطينا ما سألناه ومالم نسأل، وأن يجعلني و إياكم ممن يستمطرون هبات الله الوهاب.
* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.