بتاريخ ٢٣/ ١/ ١٤٤٦ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )

حديثنا اليوم حول اسم من أسماء الله عز وجل، كثيرًا ما ندعو به في دعواتنا وصلاتنا وفي المواسم الفاضلة.. 

وقد نتساءل لماذا هذا الاحتفاء بأسماء الله وصفاته؟ وهل من الممكن أن نتعرف على الله عز وجل؟

الجواب على هذا موجود في أصول الإيمان، فلما جاء جبريل عليه السلام إلى النبي ﷺ وقال له ما الإسلام،

ما الإيمان، ما الإحسان، في الحديث المعروف، فلما سأله عن الإيمان قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وأن تؤمن بالقدر خيره وشره.

فأول أصل من أصول الإيمان أن تؤمن بالله. فكيف تؤمن بالله وأنت لا تعلمه ولا تعرفه، وكيف تعبد إلها وأنت لا تعرف ما صفاته؟!

يقول ابن القيم رحمة الله عليه في الجواب الكافي: (فإن حياة الإنسان بحياة قلبه وروحه، ولا حياة لقلبه إلا بمعرفة فاطره ومحبته وعبادته وحده،

والإنابة إليه والطمأنينة بذكره والأنس بمحبته والقرب منه، ومن فقد هذه الحياة فقد فقد الخير كله، ولو تعوض عنها بما تعوض من الدنيا)

البعض يسافر في كل مكان لكن الحزن والكآبة تصحبه، لأن القضية في تغيير القلب من الداخل وتغيير الروح،

قال: (فمن كل شيء يفوت عوض) كل شيء ممكن يعوّض في هذه الحياة (وأما إذا فاته الله فليس من دونه عوض وإذا فاتك الله ومحبته وعبوديته فقد فاتك الخير كله).

فلا حياة للقلب إلا بمعرفة الله عز وجل. ولذلك بين الفينة والأخرى نأخذ اسم من أسماء الله عز وجل نتفيأ في ظلاله ونروي القلب بهذه المعاني.


القادر القدير المقتدر

هذه الأسماء الثلاثة تحكي عن شيء واحد وهو قدرة الله عز وجل، لكن كل اسم من هذه الاشتقاقات الثلاث فيه معنى زائد:

فأما القادر فهو اسم فاعل، والقادر أي المتمكن الذي له القدرة الكاملة.

القدير: صيغة مبالغة، أي أنه سبحانه ليس فقط قادر بل هو قدير على ما يشاء ولا يعجزه شيء البتة، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

المقتدر: قالوا صيغة كلفة، أي صيغة زيادة عن اسم الله القدير فهو المقتدر، والمقتدر هو لما يأتي في اللغة العربية زيادة المبنى ففيها زيادة المعنى، فمعناها هناك زيادة في القدرة. 

وهذه المعاني كلها تدور حول معنيين اثنين:

الأول: أنه سبحانه له القدرة الكاملة فلا يعجزه شيء، وأنه عز وجل هو الذي يقدر الأقدار. قال الله عز وجل  ﴿فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ﴾

  23 المرسلات

الثاني: معنى التسليم لقدر الله وقدرته التي لا يعجزها شيء في الأرض ولا في السماء.

وقدرته سبحانه مبنية على علم في خلقه، فالله عز وجل يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون، هذا العلم الآن الشاهد والحاضر وما سيكون في المستقبل، ويعلم الغيب،

ويعلم ما لم يكن لو كان كيف سيكون. لذلك فإن اسم الله القدير مرتبط كثيرًا باسم الله العليم، فالملك لا يكون ملكا إلا لو اجتمعت له العلم والقدرة..

ولو عدنا إلى القرآن نجد الله عز وجل كثيرا يقرن بين هذين الاسمين، قال الله عزو جل: ﴿أنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ 44 سورة فاطر

فالإنسان يسلم لقدرة الله وقدره، لأنه يعلم أن كل شيء يجري عليه هو بقدر الله وحكمته، والله هو الرحمن الرحيم الذي له الحكمة البالغة.


دائرة المستحيلات تتحول دائمًا إلى دائرة الممكنات إذا ربطها الإنسان بقدرة القدير.

ولذلك نقول في دعائنا يوم عرفة -وهو أعظم ما قلته أنا والنبيون من قبلي-: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير”.

لاحظ أن هذه الدعوة هي أعظم ما يمكن أن يدعو الإنسان به في ذلك اليوم، أنت تدعو بقدرة القدير.


اسم الله القدير هو دواء لمرض الإحباط الذي يعاني منه الكثير.

قد لا يوجد شيء منتشر في الناس أكثر من فكرة الإحباط، ولو كان الإنسان يضحك فالإنسان مستمر في حياته لكن في داخله ستجد شعرة هذه الإحباط موجودة،

فهذا الإحباط يجعل الإنسان لا يجاوز الخطوة التي أمامه. وتسأل نفسك هو الله قادر أم لا؟ هو قادرٌ على أن يغيرني أم لا؟

وقلبي أقسى أو من الشيطان الذي استجاب الله له؟ متى ما وضعت مع هذا الإحباط فقط كلمة واسم الله القادر واسم الله القدير واسم الله المقتدر تلاشى هذا الإحباط،

ويخنس الإحباط إلى قدره الطبيعي، على الأقل أدعو الله باسمه القادر وأقول يا ربي أنا لم أقدر لكنك أنت القادر فغير لي. فلذلك لو آمنت فقط باسم الله القادر تتغير هذه النظرة للحياة. 


هو القادر حينما يريد شيئاً يكون.

ولذلك انظر لقدرة الله سبحانه إذا أراد بعبده خيراً سخر له ما في السماوات وما في الأرض،

يقول الله عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ سورة فاطر – 44   

يرتبط اسم الله عز وجل القدير بالقدر.

قال النبي ﷺ ((الإِيمانُ : أنْ تُؤمن بِاللهِ ومَلائِكتِه ، وكِتابِهِ وبِلقائِهِ ؛ وبِرُسُلِهِ ، وتُؤمن بِالبَعثِ الآخِرِ))

 جاءت لفظة الإيمان مرة ثانية مع القدر.. ولذا لما نأتِ لاسم الله القدير وارتباطه بالقدر، فلابد من استحضار مراتب هذا القدر، وهي أربعة مراتب، العلم والكتابة والمشيئة والخلق:

العلم: يجعل للإنسان نوع من الثبات والطمأنينة، أنه لا يوجد في هذه الدنيا ما يحصل فجأة أو أن فيه شيء حصل لم يعلمه الله سبحانه..

كمية الأمان بالعبد المؤمن أول ما يحدث أي حدث مهما كان مؤلم مهما كان مفاجئ تشعرين أن هذا الشيء ما يمكن أنه يتحمله الإنسان مباشرة يجعل القلب يطمئن ويثبت، لأن الله سبحانه الذي علمه وقدّره.

الكتابة: فهو لا زال يتخلق في بطن أمه لا زال علقة ومضغة، والملك نزل من السماء يا ربي ذكر أم أنثى ذكر أنثى يا ربي شقي أم سعيد…

أربعة أسئلة يكتبها والملك يسأل ربه، وهذي العلقة والمضغة قدرها يتخلق معها ومكتوب.

ولذلك العلم هو أول شيء يثبت به الإنسان، ثم يثبّته أنه مكتوب أنه قدر وأن الله علمه وأنه كتبه..

المشيئة: ثم أن الله سبحانه شاءه.. الذي شاء ليس عدوًا، ولا الذي شاء أمك أو أباك على الرغم من كونهم أرحم الخلق بك.. الذي يشاء هو الله عز وجل والذي هو أرحم بنا من أمهاتنا..

واللوح المحفوظ مكتوب عند الله عز وجل ولا أحد يعرفه، لا ملك ولا جن ولا إنس ولا نبي ولا مُرسل.

تنزل منه الأقدار: أقدار سنوية تنزل في ليلة القدر، وأقدار يومية تنزل بها الملائكة الذين يتعاقبون علينا،

فإذا نزلت هذه الأقدار اليومية مثلاً بأن فلان يمرض المرض الفلاني فينزل الملك بأمر هذا القدر أن فلان يمرض،

وإذا بهذا العبد قعد بعد الفجر بمصلاه يقرأ أذكاره ويقول “اللهم إني أسألك العفو والعافية، اللهم عافني في بدني اللهم عافني في بدني..”

يأتي الملك النازل بالقدر ويأتي الدعاء فيرتفع له فيتعالجان أي يتصارعان، فيغلب الدعاء.. قال النبي ﷺ: ((لا يردُّ القضاءَ إلَّا الدُّعاءُ ، ولا يزيدُ في العمرِ إلَّا البر))

فلا يرد القضاء إلا الدعاء، فينزل هذا القضاء فيرتفع القدر بالبلاء وينزل القدر بالعافية فتنزل عليه العافية، وهذا كله تحت مشيئة الله عز وجل، وكله مكتوب أساساً في اللوح المحفوظ أنه سينزل البلاء بالعافية لكنه سيرتفع بدعائه وأن الله عز وجل سيُبدل هذا البلاء بعافية والعكسُ بالعكس.

يقول الله عز وجل: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ سورة لقمان ـ 28

هل رأيتم الملايين في أي مشهد من مشاهد الحج أو غيره، عندما نندهش من كيفية تسيير الناس وإدارة هذه الحشود ونحس بعظمة التعامل مع هذه الملايين!

الله عز وجل يقول عن كل هؤلاء بعيشهم وتدبيرهم: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ يعني كأنه سبحانه يتعامل مع شخص واحد مو ملايين ولا مليارات وهذا من تمام قدرة الله عز وجل،

ولذلك حينما خلق السماوات والأرض قال: ﴿وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ سورة ق ـ 38 أي ما شعرنا بتعب ولا نصب.


هو الله هو القدير.. يقلب القلوب في لحظة

-فضالة بن عمير كان مشركاً وجاء في يوم الفتح وكان مغتاضاً على مكة لأنها فتحت على يد النبي ﷺ فجاء يريد أن يغتال النبي ﷺ

فالآن النبي ﷺ عفا عنهم جميعاً فذهب يطوف رسول الله ﷺ في البيت فجاء فضالة بن عمير ومعه سيفه على جنب تظاهر أنه يطوف حتى يقتل النبي ﷺ

ويثأر لمكة فلما طاف التفت له النبي ﷺ فلما رأى فُضالة وضع يده على صدرهُ فنظر له فضالة ينظر فيه وجه النبي ﷺ بحركة غير متوقعة اطلاقاً فهو جاي بيذبحه فرآه النبي ﷺ

بوجهه الأنور فوضع عينهُ في عينه ثم وضع يده على صدره ولم يتكلم النبي ﷺ ولا بكلمة ولكن وضع عينه بعينه ووضع يده على صدره

ثم نزعها النبي ﷺ فقال فضالة : وقد ثارت في قلبه ثورة تغيير الإيمان قال يا رسول: والله ما كان وجه أبغض إلي في هذا الأرض من وجهك

فوالله ما رفعت يدك حتى لم يكن على الأرض وجه أحبّ إلي من وجهك أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .

-جاء ثمامة بن أثال إلى النبي ﷺ وجلس معه وسمع كلامه وأسلم ثم قال له يا محمد: والله ما كان أحد أبغض إليّ منك

وإنك اليوم أحبّ إلي مني وما كان من دين أبغض إلي من دينك وإنه والله الآن أحب إلي من نفسي وما كان بلد أبغض إلي من بلدك فوالله إنه الآن لأحبّ البلاد إلي.

هذا التغيير الذي يحصل في القلوب لا يمكن لإنسان أن يشعر بنفسه أنه هو الأقسى أو هو الأسوأ والله عز وجل القادر لحكمة والقادر بقدرته غير تلك القلوب إلى ما يحبه الله عز وجل ويرضاه.

لذلك لما حدّث النبي ﷺ بهذا الحديث: يحشر الناس يوم القيامة مشاة وركبان وعلى وجوههم فالصحابة مشوا مشاة وركبان

فقالوا الصحابة يا رسول الله وكيف يمشون على وجوههم فقال النبي الذي أمشاهم على أقدامهم قادراً على أن يمشيهم على وجوههم والله إنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوكة كما تتقون بأقدامكم.


قدرة الله عز وجل ليس لها حد.

مرّ رجل على قرية وهي خراب، يعني أرض سوداء محروقة لا شيء فيها، فيوثق القرآن هذه اللحظة لهذا الرجل في سورة البقرة

فقال هذا الرجل حينما مرّ: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ

كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ

وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[البقرة:259].

لما أراد الله عز وجل أن ينقذ موسى عليه السلام جعل ما ليس سبباً في النصرة سبباً في النصرة،

فحرم عليه المراضع وردّه إلى أمه. لا يمكنك تخيّل هذه الأسباب إلا عندما تتوكل على القدير سبحانه.

ورسول الله ﷺ علمنا باسم الله القدير أن ندعو وأن نستقدره بقدرته بدعاء الاستخارة (اللهم إني استخيرك بعلمك واستقدرك بقدرتك فإنك تعلم

ولا اعلم وتقدر ولا اقدر انك انت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن الأمر الفلاني خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي

وإن كنت تعلم أن في هذا الأمر الفلاني شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني واقدر لي الخير حيثما كان ورضني به).


كيف ندعو الله عز وجل باسمه القدير؟

 1- تدعو الله بدعاء المسألة أن تستقدره بقدرته، تذكر دعاء الاستخارة ودائماً استقدر الله بقدرته بأي أمر تريده وقل يا ربي بقدرتك أكتب لي الخير

حيثما كان أو مثلا استقدرك بقدرتك أن توفقني إلى مراضيك، فدائمًا اجعل قدرة الله حاضرة في دعاءك.

2- الإكثار من الحوقلة (لا حول ولا قوة إلا بالله) فكل ما قلت لا حول ولا قوة إلا بالله أنت تعلن أنك عبد ضعيف عاجز، وإن يا ربي لا حول لي ولا قوة إلا بقدرتك أنت وبقوتك أنت.

3- الإكثار من الترضي والرضا، (رضيت بالله ربًا ..) احيانا نكتفي برضيت بالله ربًا إما مع دعاء الاذان وفي أذكار الصباح والمساء،

أكثر من الترضي والرضا وقل يا ربي رضيت بالله ربًا، كل ما ذكرت الله في الرخاء، يذكرك الله بالشدة، فلما تأتِ لحظات الشدة يكون لديك مخزون من الرضا في لحظات السراء.

4- من ضمن اسم الله القدير هي آية ﴿إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ -سورة الفاتحة آية 5-

قالوا إياك نعبد فيها علاج للكسل، وإياك نستعين علاج للعجز، وكلاهما تعوذ منهم النبي ﷺ (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل)،

وكثير من مشاكلنا هي العجز والكسل.. أما علاقة ذلك باسم الله القدير فمن الذي يعينك إلا القادر ومن الذي يعطيك هذه القوة إلا القدير ومن الذي سيقدر لك الأسباب إلا هو القادر،

ولذلك قال النبي ﷺ : اسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ، وإنْ أَصَابَكَ شَيءٌ، فلا تَقُلْ: لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ؛ فإنَّ (لو) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ. 

5- توكل على الله عز وجل (فاعبده وتوكل عليه) وكل ما صعب عليك مطلوبك واستحال في عقلك تذكر قول الله عز وجل حينما رد على زكريا ومريم لما سألوه يا ربي انَّى لكِ هذا؟

يا ربي أنَّى يكون لي غلام؟ فقال الله عز وجل ﴿هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ -سورة مريم آية-21

6- تعزز بالقدير.. تعزز واشعر بالعزة إنك تعبد القدير. فلما ترى سطوة المشركين وسطوة أعداء الله عز وجل بأولياء الله وترى ما يفعلون فيهم من القتل والإحراق والتدمير والجروح وكل هذا الافتراء؛

تعزز بالقدير واعلم أان كل قدرة هؤلاء الكفرة إنما هي تحت قدرة الله وأن الله يعلم ما يحصل وأن الله شاءه

وأن الله يلطف بهذه الأمة، بهذا الشر الحاصل وهذه الدماء الزكية النازفة فوالله عز وجل يريد بهذه الأمة خيراً علمناه أو لم نعلمه

شهدناه في عصرنا أو لم نشهده لكن الله لم يقدره إلا لحكمة عليَّة ولأمر يريده الله عز وجل لهذه الأمة.

ومتى ما تعززت بالقدير وعرفت أن كل سطوة هذا العالم الكافر الذي يبطش بعباده المؤمنين إنما هو تحت قدرة القدير

وأن الله لو أراد أن يهلكهم في لحظة أهلكهم ولا يعجزه شيء لكن الله لحكمة يقدر المقدور، فلا يكون المؤمن في لحظة أذل أمام الكافر ولو كان هو الذي يعذبه ولو كان هو الذي يقتله وهو معتز بالقدير.

7- يجعلك القدير أنك لا تظلم ولا تظلم احدًا.. قال عمر بن عبدالعزيز لأحد الأمراء يرسل لهم هذه الرسالة ”

لقد أعطاكم الله القدرة على العباد فإذا هممت بظلم أحد فاذكر قدرة القدير عليك وأعلم أن عذابك عليه زائل وعليك باقٍ “

يعني لو عذبته وسجنته فإن عذابه زائل سيموت او ينتهي، لكن الشيء الذي أنت فعلته سيبقى عليك، فعذابه زائل وهو عليك باقٍ.

وهذا مثل ابن مسعود لما مر عليه النبي ﷺ وهو يضرب غلاماً خادم له فقال له اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك عليه 

فقال له ابن مسعود رضي الله عنه يا رسول الله : هو حر لوجه الله فقال له النبي ﷺ أما لو لم تفعل للفحتك النار” فقدرة القدير تجعلك لا تظلم لأنك تعلم أن الله عز وجل فوقك .

8- إذا قدرت فاعفو متصفا بصفة الله عز وجل وهي العفو عند المقدرة فإذا قدرت أنت عبد من عباد الله عز وجل فقدره

9- ابن القيم -رحمه الله- يقول: ” لو توكل العبد حق التوكل على الله فلو أراد أن يزيل جبل من مكانه لأزاله ”

ابن القيم لما قال هذه الكلمة لم يبالغ هو يعلمها يقينًا أن العبد لو توكل على القادر القدير حق توكله فلو أمر أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله لأنك تتوكلين على الله عز وجل.

10- تحقق بأوصافك يتحقق الله عز وجل بأوصافه.. تحقق بأوصافك أنت من الذل ومن العز ومن الفقر تتحقق بأوصافه،

فالله عز وجل يعاملك بالغنى ويعاملك بالكرم ويعاملك بالقوة، ولذلك إذا دعوت يا رب أنا العبد أنا الضعيف أنا الفقير أنا العاجز

أسألك بغناك عني وذلِّي إليك وبفقري إليك بغناك عني أو بذلِّي إليك وعزتك وبضعفي وبقوتك وبعجزي وبقدرتك..

فكل ما أعلنت هذه الثنائية كلما كانت الإجابة إليك أقرب، وكلما تحققت بأوصافك يمدك الله عز وجل بأوصافه جلّ جلاله.

أسأل الله أن يمدنا بأوصافه وأن يجعلنا من عباده الذين يحبهم ويحبونه وأن يجعل خير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم نلقاه.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آلة وصحبة أجمعين.


* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.