بتاريخ٤/ ٥/ ١٤٤٤ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )

عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله عليه وسلم- قَال:

«بَينمَا رجُلٌ يَمشي بِطريق اشتَد بِه العَطشُ فَوجَد بِئراً فَنزلَ فِيها فَشرِبَ ثُم خَرج فَإذا كَلبٌ يَلهَثُ يَأكلُ الثَرىَ مِن العَطَش فَقال الرَّجل:

لَقد بَلغَ هَذا الكَلبَ مِن العَطشِ مِثل الَّذِي كَان بَلغَنِي فَنزلَ البِئرَ فَمَلأَ خُفهُ ثُم أَمسَكَها بِفِيهِ فَسقى الكلبَ فَشكَرَ اللهُ لَه فَغفرَ لَه،

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وإِنَّ لَنا فِي البَهائِم أَجْرًا؟ قَالَ: فِي كُل كَبدٍ رَطبَةِ أَجر» [أخرجه البخاري: صحيح]

حدث هذا الفعل البسيط في صحراء لا يعلم عنه أحد إلا الله -عز وجل-، حيث نزل هذا الرجل ليشرب، ولما رأى الكلب يكاد يموت من الظمأ،

نزع خفه ونزل البئر وملأه بالماء، ثم رجع للكلب وأعطاه، ثم رجع مرة أخرى ونزل وملأ الخف بالماء، وصعد فأعطاه الكلب حتى ارتوى.

لم يعلم الرجل أن هذا الفعل سيخلّد في التاريخ، وأن أمة من الأمم ستأتي بعده بآلاف السنين ويتحدثون بما فعله في هذه الصحراء الشاسعة.

لم تسجله آلة تصوير، ولم يره أحد، ولكن الله -عز وجل- خلَّد له هذا الفعل حينما نظر إليه فشكر الله له

لنتحدث عن هذا الشكر، كيف يشكر الله عز وجل عباده؟ وماذا يعني اسم الله الشكور؟ وماذا يعني اسمه جل وعلا الشاكر؟

نحن نعلم ما تعني صفة الشاكر والشكور، ونعرف ماذا يعني الشكر، ولكن كيف تكون كل تلك المعاني حينما تكون في حق الله -عز وجل-؟ 

قال الشيخ السعدي -رحمة الله عليه-: “هو الذي يشكر القليل من العمل الخالص، ويعفو عن الكثير من الزلل، ولا يضيع أجر من أحسن عملاً، بل يضاعفه أضعافًا مُضاعفة بغير عدٍّ ولا حساب”.

وهذا ما نراه ونستشعره في الأعمال التي لا عدَّ ولا حساب لثوابها، مثل الصيام والصبر، فهؤلاء يوفون أجورهم بغير حساب.

ولا يستطيع المرء تخيل ذلك الأجر أبداً، فالصبر على البلاء من فقد عزيز أو مرض ابتلاك الله به، والحمد والرضا به والتصبر عليه،

وهذا الألم اللي تجرعته والغيظ الذي كتمته، لن يذهب عند الله سدى، وستأتي يوم القيامة فتنهل من الأجور بغير حساب.

فالله -عز وجل- عليم، يعرف كل ما تقوم به ويجازيك عليه. وهو شاكر، فلا يمكن أن يجحد من معروفك شيئاً، بل يثيبك على العمل اليسير بالثواب الجزيل. 

أسماء الله الحسنى متجذرة في حياتنا، ولا يمكن للإنسان أن يمضي في حياته دون أن يستشعر كل اسم منها،

فكيف تكون الحياة حينما نؤمن باسم الله الشاكر الشكور؟ وما الذي يتغير عند استشعاره؟ 

قال العلماء: “أول أثر من معاني اسم الله الشكور، أنّك تستشعر هذا الاسم بكمال منّته وإحسانه لك.

” فالله عز وجل هو الشاكر بكمال إحسانه، ويقبل من عباده الشكر، مع أنه لا يضره كفر الكافرين ولا جحود الجاحدين. 

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أطَّتِ السَّماءُ ويَحِقُّ لَها أنْ تَئِطَّ والذِي نَفْسُ محمَّدٍ بِيَدِهِ مَا فِيها مَوْضِعُ شِبْرٍ إلا وفيه جبهة ملك ساجد يسبح لله بحمده» [أخرجه السيوطي في الجامع الصغير وزياداته، وقال الألباني: صحيح]

الله عز وجل ليس بحاجة لسكان الأرض، ففي السماوات السبع لا تجد موضع شبر واحد إلا وفيه ملك راكع أو ساجد، فالله غني عنا، وإنما جعل التكريم لمن آمن وعمل صالحاً فقط. 


كيف يشكر الله الذي عمل صالحاً؟ 

من شكر الله -عز وجل- لعبده، ثناؤه عليه في ملأ أو مجلس كما ذكره العبد وأثنى عليه في مجلس،

يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي،

وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خيراً منهم» [أخرجه البخاري: صحيح]

ومن شكر الله -عز وجل- أنه إذا أحب عبداً ألقى محبته في العباد، إذا أحب الله -عز وجل- عبداً نادى باسمه في السماء، فأحبه جبريل،

ثم أهل السماء، ثم تُلقى له محبة في الأرض. ولذلك هناك من يكون محبوباً من الجميع، ويخترق حبه كل الحجب والحواجز،

لأن الله -عز وجل- إذا أراد المحبة لعبده، جعلها في قلوب العباد.

ومن شكر الله -عز وجل- لعباده أن يوفقهم للخير، ويعينهم عليه، ثم يشكرهم على ذلك، كأن يكون لديك قرار بالتوبة من ذنب،

فتدعو الله أن يعينك على إتمام هذا الأمر، فلما أعانك الله وسددك واستطعت، أثابك الله -عز وجل- شكراً وأجراً عظيماً، مع أنه هو من أعطاك القوة وساندك.

ومن فضله -عز وجل- أن العمل يُكتب بمئة ضعف إلى سبعمئة ضعف، وهذه ليست النهاية، بل يضاعف الله لمن يشاء.

فلا تعلم ما العمل لذي يتقبله الله منك بإخلاصك ويقينك، فيكتبه لك بأجور مضاعفة.

قال الله عز وجل: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ} (البقرة: 261)

ومن شكر الله -عز وجل- أنه لا يجزي السيئة إلا بسيئة واحدة فقط، قال تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} (الأنعام: 160)

أيوجد شكر أعظم من هذا! الله يضاعف العمل الصالح بأضعاف كثيرة، وبالمقابل إن عملت سيئة يكتبها في الميزان سيئة واحدة فقط.

ومن شكر الله -عز وجل- لعباده أن يكتب لك الهمة بالحسنة، فلو هممت بحسنة ولم تقم بها لأي عذر كان، كتب الله لك هذا الإحسان الذي هممت به كاملاً. 

ومن شكر الله -عز وجل- أنه يغفر الكثير من الزلل بالقليل من العمل، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لَقَدْ رأَيتُ رجلًا يتَقَلَّبُ في الجنةِ في شَجرةٍ قَطعَها مِنْ ظَهرِ الطريقِ كانت تُؤذى الناسَ» [أخرجه مسلم: صحيح]

ومن شكر الله -عز وجل- لعباده إخراجهم من النار بأدنى مثقال ذرة من خير، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال،

قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «فأقول: يا رب أمتي، فيُقال: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل» [أخرجه البخاري: صحيح ] وهذا يعني أننا نتعامل مع رب شكور لا يضيع هذا الأدنى مثقال حبة من خردل، فكيف لنا أن نتأخر في عمل الأكبر؟

ومن شكر الله -عز وجل- أن يعوض عبده ما تركه له بخير منه، وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ، وَأَبِي الدَّهْمَاءِ قالا:

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا اتِّقَاءَ اللهِ إِلَّا أَعْطَاكَ اللهُ خيرًا منه» [أخرجه أحمد في مسنده، وقال المحقق شعيب الأرناؤوط وآخرون: صحيح ]

فنبي الله سليمان -عليه السلام- كان يحب الخيل كثيراً، فلما رأى أن تلك الخيول تلهيه عن ذكر الله -عز وجل-، عقرها، فأبدله الله تعالى بالريح التي تجري بأمره.

فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيراً منه.

وهناك شكر خاص يكون للأعمال خاصة، ومنها: 

1-الإيمان: يقول الله عز وجل: {مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} (النساء: 147) 

2-قراءة القرآن: يقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29)

لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)} (فاطر: 29-30)

3-الحج والعمرة: يقول الله عز وجل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 158)

4-الصدقة: يقول الله عز وجل: {إِن تُقْرِضُواْ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَٰعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَٱللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} (التغابن: 17)

    وهذا ما أتى في أجور العبادات بالمجمل، ولكن الله رتّب لكل عبادة أجوراً، وجعل لكل تفصيل فيها أجراً لوحده،

    فلو أخذنا الصلاة كمثال، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الصَّلوات الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ كَفَّارَةٌ لما بينهن ما لم تغش الكبائر» [أخرجه مسلم: صحيح].

    فالصلوات الخمس كفارة لما بينها من ذنوب مالم تكن كبيرة. ولكن بالإضافة لذلك فإن لكل جزء من الصلاة أجر،

    وهذا من تمام شكر الله لعباده، أنه جل وعلا لا يعطي الأجور جملة واحدة. فلإسباغ الوضوء للصلاة أجر خاص.

    ولخطواتك إلى الصلاة أجر خاص. وبكل سجدة يحط الله -عز وجل- عنك خطيئة، ويرفعك بها درجة عنده. وفي التسبيحات بعد انتهاء الصلاة غفران ذنوبك وإن كانت مثل زبد البحر.

    هذا كله في الصلاة، والأمر ذاته ينطبق على الصوم والحج وغيرها من العبادات.

    والأمر الأهم في موضوع الشكر، أن الكفر بنعم الله يؤذن بزوالها عمن كفر بها، فلا تبقى النعم إلا بالشكر.

    يقول الله -عز وجل-: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (النحل: 112).

    قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: “وهذه القرية هي مكة المشرفة التي كانت آمنة مطمئنة يأتيها الحجيج من كل مكان،

    فلا يُروَّع فيها القاتل الذي قتل أباه” أي أنها لشدة أمانها، لو رأى أحدهم قاتل أبيه لم يثأر منه، لأن مكة بلد آمن.

    ومعروفة بأنها بلد غير زراعية، ومع ذلك يأتيها رزقها من كل مكان لأنها بلد الله الحرام. فلما كفرت قريش برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكفرت بأنعم الله التي أرسلها إليها،

    أذاقها الله لباس الجوع والخوف. ولذلك كان مما يدعو به النبي -عليه الصلاة والسلام-: “اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك”،

    وهذه من أعظم الأدعية التي يدعو بها الإنسان ليحوط نفسه وعمله.

    عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس» [أخرجه البخاري: صحيح]

    الذي لا يشكر الناس على معروف صنعوه، لا يمكن أن يشكر الله، لأن الجاحد لنعم الناس، بالتأكيد هو جاحد لنعم الله -عز وجل-،

    فلا يشكر الله -عز وجل- من لا يشكر الناس، وهذا دليل على أن حقوق الناس مقدمة أيضاً. 

    وأولى الناس بالشكر هم الوالدين الذين يقدمون أعظم معروف لنا، ولا يمكن أن يجازى بأي معروف آخر،

    لذلك ربط الله -عز وجل- شكرهما بشكره، قال تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (لقمان: 14). 

    وعندما يكبر الآباء في السن أو يمرضون، يكونون بحاجة لأولادهم، وهناك من الآباء الأصحاء،

    ولكن كلما كبر في السن كانت حاجته إلى مراعاة نفسيته أكبر، فيصبح حساساً هشاً، لا يحتمل كما كان شاباً. وأما الولد فيكون في عز شبابه وتكوين أسرته وحياته،

    فلا يكون لديه ذلك الصبر والقدرة على تلك المراعاة التي يتطلبها الأبوين، ولكن عليه أن يتذكر أن هناك باب من أبواب الجنة الثمانية، اسمه باب الوالد للبار بوالديه.


    فضائل الشاكرين، وكيف نكون منهم: 

    1-الشاكرون هم أكثر المنتفعين بآيات الله، ففي سورة القلم وردت قصة أصحاب الجنة، الذين منعوا ما كان يخرجه والدهم من صدقة من هذه الجنة،

    لتنمو وتكثر أموالهم، فأغلقوا بفعلتهم هذه باباً من الأبواب التي كانت تنزل عليهم البركات بسببها، فطاف على جنتهم طائف من ربك، فأصبحت كالصريم.

    فكانت هذه عاقبة الكفر بنعم الله -عز وجل- وعدم شكرها.

    2-بقاء النعم منوط بشكرها، عن عبد الله بن -عمر رضي الله عنهما- قال: قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «إنَّ لله أقْواماً اختَصَّهُم بالنِّعَمِ لمنَافعِ العِبادِ، يُقرُّهُم فيها ما بَذلُوها،

    فإذا مَنَعُوها نَزَعها منهم، فَحوَّلها إلى غَيْرِهِمْ» [أخرجه الطبراني في الكبير، وقال الألباني: حسن لغيره]

    فاختص الله أناساً بأن أعطاهم من الخير والرزق لينفعوا به الناس، بالصدقات والمشاريع الخيرية، فإن قرروا إمساكها عن الناس والاستئثار بأموالهم لأنفسهم،

    استبدلهم الله -عز وجل- بغيرهم ممن يقيم حق الله بهذه النعم.

    3-الشكر من أعلى مقامات الإيمان، ولذلك لما أراد إبليس أن يفتن بني آدم قال كما جاء في قوله تعالى:

    {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} (الأعراف: 17) عرف إبليس حقيقة أن نسبة الفضل والنعمة للرب هي أعلى مقامات الإيمان،

    فبذل وسعه ليحجب رؤية حقيقة هذه النعمة عن الإنسان. فنرى من الناس من يرفل في نعيم الله -عز وجل-، من صحة وعافية وأهل ومسكن وغيرها من أنواع النعيم،

    ومع هذا نجدهم ساخطين على حالهم، وكأنهم أشقى أهل الأرض، ولا يرون هذا شيئاً يستحق الشكر.

    4-الشكر وسيلة لنيل رضى الله -عز وجل-، قال الله عز وجل: {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ۖ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ۗ} (الزمر: 7).

    5-وعد الله الشاكرين بأحسن الجزاء، قال تعالى: {وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ۚ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} (آل عمران: 145).


      أركان الشكر:

      وللشكر أركان إذا طبقها العبد دخل في قوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (سبأ: 13)، لأن تمام شكر الله لا يتم إلا بها، وهي:

      الشكر بالقلب: وهو الاعتراف بالنعمة باطناً، ويكون بمطالعة المنة، بأن الله أنعم عليك دون وجه استحقاق، ومشاهدة الجريمة بتأمل ما أذنبت من ذنوب.

      فتتأمل فتقول: أعصي الله -عز وجل- ليلاً نهاراً، سراً وجهراً، ثم أصحوا في اليوم التالي وأنا بتمام الصحة والعافية،

      وهذا هو اعتراف القلب. يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «من قال حين يصبح “اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر”

      فقد أدى شكر ذلك اليوم ومن قالها من ليلته فقد أدى شكر الليلة» [أخرجه ابن حبان في صحيحه، وقال ابن حجر: حسن]

      شكر اللسان: قال تعالى: {وأما بنعمة ربك فحدث} (الضحى: 11)، ويكون بالحديث عن نعم الله -عز وجل-، ولا يكون بقصد استعراض النعمة أمام الناس،

      بل أن تشكر الله على إنعامه عليك بلسانك، فتسدي النعمة لربك جل وعلا، وتثني عليه فهو الذي أنعم وأكرم.

      الشكر بالجوارح: وهو الاعتراف بالنعمة والقيام بالخدمة، فتخدم الله -عز وجل- بهذه الجوارح التي أعطاك إياها، فكل جارحة لها حظ من العبودية،

      فاشكر الله بعينك، ورأسك، ووجهك، وأذنك، وكل جارحة فيك بأن تستخدمها فيما يرضي الله.

      ولتفعيل هذه الأركان، إليك هذه الخطوات اليسيرة: 

      التفكر في نعم الله، واستحضارها، وتذكرها، قال الله عز وجل: {يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم} (فاطر: 3)

      وفي ضوء هذا ما يطغى على جيل اليوم من عدم الشعور بالنعمة وطغيان المادية على حياتهم، فإن لم يحصل طفل على اللعبة التي يريدها أصابته حالة غضب وعدم رضا!

      فلابد من زرع استشعار النعمة فيهم من وقت مبكر، وهذا ليس للأطفال فقط، بل للجميع.

      أن تدعو الله بأن تكون من الشاكرين، قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لمعاذ: «يا معاذ والله إني لاحبك والله إني لأحبك،

      فأوصيك: يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» [أخرجه أبو داود في سننه، وقال الألباني: صحيح].

      استشعار سؤال الله عن هذه النعمة يوم القيامة، يقول الله -عز وجل-: {ثم لتسألن يومئذٍ عن النعيم} (التكاثر: 8) 

      سيسألنا الله عز وجل عن النعيم، وعن الخير الذي نرفل فيه، هل شكرنا؟ وهل أدينا حق الشكر؟ وهل شكرنا الله بأعيننا وبأجسادنا، وجوارحنا؟ أم كان شكراً بارداً باللسان فقط! 

      قيل لأعرابي: إنك تموت غداً. قال: ثم إلى أين؟ قالوا: على الله. فقال: كيف الوفود على من لم نرَ منه إلا الخير!

      أسأل الله أن يجعلنا ممن يستشعرون نعمه، وأن يجعلنا من عباده الشاكرين الذاكرين.

      اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك. 


      * تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.