بتاريخ ٥/ ٩/ ١٤٤٤ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )

الدعاء من أعظم وأكرم أنواع العبادات.

ولكن، لماذا نقول أنّ الدعاء عبادة؟  لأن هذا ما قاله النبي ﷺ: «الدعاء هو العبادة» ]أخرجه الترمذي، قال الألباني :صحيح[.

من أين أتى بها النبي ﷺ؟ من قول الله -عز وجل-: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(سورة غافر : 60)

لاحظوا قول الله -عز وجل في بداية الآية: {ادْعُونِي}ثم قال: {إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي}

إذن الذي يستكبر عن دعاء الله -عز وجل- هو الذي يستكبر عن عبادته -عز وجل-، فكأن العبادة هي الدعاء والدعاء هو العبادة. 


ادخل على الله من باب الافتقار

من أخصّ أوصاف البشر أنهم فقراء! محتاجون إلى الله -عز وجل-، فأنت لا تملك لنفسك ضرًا ولا نفعًا.

فلا تظن أن أفعالك اليومية التي تمارسها هي بقوتك أنت! بل هي بقوة الله، ولولا الله لما فعلت شيئًا منها.

ومن أخصّ أوصاف الله -عز وجل- الغنى الحقيقي.  

قال ابن عطاء الله: “تحقق أيها العبد بأوصافك، يتحقق الله بأوصافه”. 

تحقق بأوصافك من فقر وذل واحتياج إلى الله -عز وجل-؛ يحقق الله -عز وجل- أوصافه لك: من الكرم والغنى والعطاء. 

أن تشهد غنى الله -عز وجل- في فقرك، تشهد قوته في ضعفك، تشهد قدرته في عجزك، وتشهد لطفه في انكسارك؛ فأنت المنكسر الضعيف وهو ذو الجبروت القوي. 

لا يمكن أن يُرفع الدعاء من مستغنٍ عن الله -عز وجل-، إنسان يدعو بطرف لسانه من غير اضطرار وحاجة!

إن الإجابة قريبة ممن يدعو الله وهو ذليل فقير، داخل على الله -عز وجل- بكامل فقره وحاجته إليه،

قال الله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (سورة فاطر : 15)


كيف نصل إلى معنى الافتقار لله -عز وجل-؟ 

١- أن تعرف الله -عز وجل-: تعرفه بأسمائه وصفاته، لأنك لا يمكن أن تعبد من تجهل!

هذه الأسماء والصفات إن غاب عنك معناها وسبب نزولها ومواضعها في القرآن، وما هي مواضع الدعاء بها، والأحاديث التي نصّت على فضلها؛ إذن كيف ستحب الله -عز وجل-؟

عندما تتعلم أسماء الله الحسنى تجد أنك تحتاج إلى كل اسم من أسمائه سبحانه في حياتك،

وترى نفسك مجبولاً على حب الله -عز وجل-، فتبدأ بالبحث عما يرضي الله لتفعله.

أن تعرف أسماء الله لا يعني أن تفتح أمهات الكتب وتقرأ منها! بل يكفيك القرآن.

افتح القرآن وانتبه لأوصاف وأسماء الله  -عز وجل-، فالله يتجلى لعباده في كتابه.

٢- أن تعرف نفسك: من أنت؟ أنت الضعيف الفقير، أنت الذي عجزت عن الثبات على ما يأمرك الله به خوفًا من نفسك ومن الناس.

هي لحظة واحدة.. لحظة من لحظات الذل والافتقار تدعو الله فيها بقلب صادق قد يكتب الله -عز وجل- فيها لك سعادة الدنيا والآخرة. 


لماذا نحتاج الدعاء؟

إن الدعاء هو باب الاصطفاء، وهو باب الدخول على الله. الزم باب الدعاء؛ فالله لا يوقِفُ عند بابه إلا من يريده.

فعندما تجد فتح الله عليك بالدعاء اعلم أن الله يريدك ويريد أن يحقق سؤالك، قال الله عز وجل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ} (غافر: 60).

كيف يستجيب؟ متى يستجيب؟ أين يستجيب؟ ليس هو المهم، المهم أن الله سيستجيب بأعظم وأكرم مما تتخيل. 

ولذلك قال عمر-رضي الله عنه-: “إني لا أحمل همّ الإجابة ولكن أحمل همّ الدعاء” وهذا هو اليقين. 

عن أبي سعيد، أن النبي ﷺ قال: «ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته،

وإما أن يدّخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها» قالوا: إذا نكثر، قال: «الله أكثر» [أخرجه أحمد في المسند، حديث صحيح].

إذن أنت في ربح في كل مرة ترفع يديك لله، فإما أن: 

١- يستجيب الله لك دعوتك مباشرةً. 

٢-يخبئها لك في الآخرة. 

٣-يصرف عنك سوءاً بها.

فلا يحزن قلبك عندما تدعو الله ولا ترى الإجابة! لأن الله يكون له تدبير آخر أجمل مما تتمناه أنت، فعطاءات الله تختلف عن تصورك وعلمك القاصر الصغير.

فالله -عز وجل- الواسع يعلم السر وأخفى ويعرف قصة حياتك كلها إلى آخر عمرك، ولذلك يعرف ما الذي ينفعك وما الذي يضرك. 


ما هي شروط الدعاء التي لا يقبل الدعاء إلا عند اكتمالها؟

١- عدم الاستعجال: عن أبي هريرة: أن النبي ﷺ قال: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي» [أخرجه البخاري في صحيحه].

٢- حسن الظن واليقين بالإجابة: ما هو اليقين؟ قال أحدهم: “اليقين أنك أثناء الدعاء لا يخطر في بالك قط أن الله يردك”.

أي أن تدعو الله دون أي يخطر في بالك أن دعوتك قد تُردُّ أصلًا. يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ: «يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، ….» [أخرجه البخاري في صحيحه  ].

يقول القرطبي، ما هو ظن عبدي بي؟ قال: “أن يظن الإجابة عند الدعاء”. 

وعن أبي هريرة، قال: قال النبي ﷺ: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه» [أخرجه الترمذي، حديث حسن].

فالقلب الغافل اللاهي عن عظمة الله وجبروته ليس كمثل القلب الخاشع الحاضر الذي يدعو بتذلل وفقر لله -عز وجل-. 

٣- إطابة المطعم: الأكل الحرام حجاب غليظ عن قبول الدعاء.

فالأشخاص الذين يعملون في البنوك المحرمة الربوية، أو يتعاملون بالأقساط والفوائد، أو يدخل في مالهم شيء من الحرام،

هذا يجعل بين دعائهم وبين الله -عز وجل- حجاب. فلا تستهن بفكرة أكل الحرام، انتبه لها ونبّه من حولك.  


ماهي آداب الدعاء؟ 

١- البدء بالدعاء بالحمد والصلاة على النبي ﷺ: عندما تريد أن تحمد الله -عز وجل- تعلم أن تحمده كما علمنا النبي ﷺ، 

من ضمن الصيغ التي قد تحمد الله فيها: 

*اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن،

ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق ووعدك حق والجنة حق. 

*اللهم ربي لك الحمد حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما تحب وترضى. 

*اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا. 

احمد الله -عز وجل- بهذه المحامد، ثم احمد الله بحمدك أنت، بالنعم التي أكرمك الله بها عليك.

ابدأ بحمد الله حتى يرجف قلبك، ويرى الله مدى امتنانك له على ما أنعم به عليك. لا تبدأ بالدعاء قبل أن يرق قلبك لله، ثم صلِّ على النبي ﷺ وابدأ في دعواتك. 

٢- الطهارة واستقبال القبلة: استشعر فعل النبي ﷺ لذلك، فإنه إن كان بين الناس وطلبوا منه الدعاء، كان يقوم فيتطهر ويستقبل القبلة ثم يدعو. 

٣- الإلحاح في الدعاء: في غزوة بدر حينما كان النبي ﷺ يرى كفار قريش وهم تجاوزا الألف نفر، وصحابته لا يتجاوزون الثلاث مئة نفر،

ولا يملكون السلاح الكافي، فالعقل والمنطق يقول إنها معركة خاسرة. لكن النبي ﷺ وقف واستقبل القبلة وألحّ على الله،

حتى سقط رداؤه من كفيه ورأوا بياض إبطيه، فجاءت الاستجابة والنصر من الله -عز وجل-.

قال النبي ﷺ: «إن الله حيي كريم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين» [أخرجه الترمذي، حديث صحيح].

٤- شكاية الحال: اشكِ حالك إلى الله -عز وجل-، كما اشتكى يعقوب عليه السلام إلى الله عندما قال: “إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله”.

وعندما نادى أيوب عليه السلام ربه وقال: “أنّي مسني الضر وأنت أرحم الراحمين”. 

اشكِ حالك له وضعفك وانكسارك ولا يخطر ببالك أن الله لن يجيبك!


هل سيتركك الشيطان إن وصلت إلى هنا؟ لا، سيأتي لك بحبلين من حباله وهما: 

١- يضعف يقينك بالله -عز وجل- ويجعل سوء الظن يتسلل إلى قلبك، كيف؟ بأن يجعل قلبك مشغولًا بصعوبة ما تطلبه من الله.

يكون هناك صوت داخلي أثناء دعائك يقول أن الله لن يستجيب لك ولن يغير حالك، انتبه منه! ادعُ الله وأنت موقن بالإجابة، لأنك تعلم أن ربك رحيم عظيم، رب المستحيلات.

٢- أن يأتيك بسيئاتك وذنوبك كلها أمامك، كيف؟ يبدأ الشيطان بأن يوسوس لك أنه لا يمكن أن يجيب الله من هم أمثالك.

إذا بدأت تشعر بالقنوط من رحمة الله فاعلم أن هذا من حديث الشيطان والنفس الأمارة بالسوء. لا تيأس من نفسك ولا تظن أن الله -عز وجل- لن يستجيب.

فالله لن يوقفك عند بابه ويصطفيك للدعاء ثم يمنع عنك الإجابة، الله -عز وجل- لن يرد يديك صفرًا.


ما هي الحكمة من المنع والعطاء؟  

١-أن الله عز وجل قد يعطيك إجابة أهم من إجابتك لسؤالك الذي طلبته:

فالاستجابة قد لا تأتي بحصول المطلوب لكن تأتي بالمقصود من المطلوب.

ماذا نعني بذلك؟ تخيل سعيك إلى وظيفة مرموقة ذات راتب عالي، تأمل الحصول عليه حتى تحسّن من وضعك ووضع أهل بيتك وتكرمهم،

فتدعو الله بهذه الوظيفة. لكن الله قد يبدلك خيرًا منها، بأن يبارك لك في رزقك وإن كان أقل من الوظيفة التي ترجوها، لكن الغاية التي ترغبها قد تحققت لك ببركة المال وليس بكثرته.  


٢- أن الله -عز وجل- هو الحكيم، فيعطي لحكمة ويمنع لحكمة، قد لا نعرفها نحن:

ومن هذه الحكم أن الله -عز وجل- قد يؤخر عنك الإجابة لأنه لو أعطاك ما دعوت الآن لكان فيه ضرر لك، لربما طغيت! تجبرت! 

إذن قد يؤخر الله عنك الفرج لما فيه خير لك. فالله يعلم أن المريض لو شُفي سيطغى ولذلك يمد له في المرض،

فيأتي الشفاء في الوقت الذي يريده الله -عز وجل-، وتأتي الهداية في الوقت الذي يريده الله -عز وجل-، ويأتي عطاء الله -عز وجل- في الوقت الذي يريده.

ولذلك لو أعطاك الله -عز وجل- ما تريد قد لا يكون ذلك مناسبًا لك في هذه الفترة من حياتك! كل ما عليك هو أن تسلم أمرك لله -عز وجل- وتعلم أن اختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه.

يقول أحد الصالحين: “إني لأفرح إذا تأخرت الإجابة، فأنا أريد التعجيل والله يريد التأخير، وما يريده الله أحبّ إليّ مما أريده”.

ويقول الشيخ السعدي: “يظل العبد كارهًا، ولو عرف أن الله عز وجل صرف عنه ما يضرّه لشكر الله على ذلك”. 

إذا أردت أن تدعو فتحقق من هذه المعاني كلها، وكل ما تكلمنا عنه من أسرار الدعاء فإن الله -عز وجل- إذا أراد بعبده خيرًا أذن له بها.

أسأل الله ألا يحرمنا جوده وكرمه، ولا يحرمنا خير ما عنده بسوء ما عندنا، وأن يعطينا سؤلنا ويرضى عننا ويرضينا.


* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.