بتاريخ ٨ / ١١ / ١٤٤١ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط)


الملخص:

الطُرق ليست واحدة، وسالكُوها ليسوا متشابهين..

من الطرق مايكون قرار سلوكها ليس سهلاً،ففيها 

عقباتٌ تُفاجئ ، والقدمان عليها تحاولان الثبات 

في الصفحات التالية مثالاً لهذهِ الطرق 

في طريق العادات…عندما تحاول أن تغير شيئًا من عاداتك السيئة، أو تحاول أن تترك شيئًا من الحرام، أو فعل خير تريد أن تبدأ به، تشعر أحيانًا بأن التغيير قد لا يكون سهلاً.

فعندما تكون وحدك في منزلك قد تشعر بأن التغيير سهل، لكن بمجرد الخروج للعالم الخارجي ينتابك شعور بأنك لا تستطيع التمسك بالقرار الذي اتخذته، وأن كل المجتمع يفعله، فهل تتركه أنت الآن !!

هذهِ إحدى العوائق في الطريق إلى الله،  تسمى بـ

(سطوة الاستسلام للغلبة أو الكثرة)

إذاً كيف نتغلب على هذا العائق ؟

سنستعرض نموذجين لأشخاص عاشوا تحت سطوة المجتمع والغلبة

وُلد في مكة، في زمن قمة كفر وعتو أهل قريش، وصل بهم الكفر وسوء الأخلاق إلى أنهم لم يغيبوا عقولهم فقط عن رؤية الحق أو التوحيد الخالص بل أنهم غيبوا أيضا عقولهم عن قضايا الأخلاق وانتكاس الفطرة. 

وصلت الجاهلية بهم إلى وأد أطفالهم سواء كان خوفًا من الفقر أو من العار قال تعالى:

( وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا )

سورة الإسراء، آية 31

هذه الجاهلية مقتها الله عز وجل،  فقال النبي ﷺ:

( وإِنَّ اللهَ نظر إلى أهْلِ الْأَرْضِ، فمقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وعَجَمَهُمْ، إِلَّا بقَايَا من أهْلِ الْكِتَابِ )

المصدر : صحيح الجامع

أي كرههم الله لما يقومون به من الشرك وانتكاس الفطرة.

زيد بن عمرو نشأ في الجاهلية، كره كل ما كان قومه عليه ، كان يترقب الذين يأتون في موسم الحج ويأتي إلى القبائل فيسألهم عن دينهم ومعتقداتهم ومن أي أرض أتوا؟ يتلمس الحق لأن فطرته أبت أن تسجد لصنم أو تقتل الفتاة!!

فكان يقول : ( أنا لا أعلم دين الله عز وجل ولكنني على دين إبراهيم ) 

روى عبدالله بن عمر رضي الله عنه أن :

( أنَّ زَيْدَ بنَ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إلى الشَّأْمِ يَسْأَلُ عَنِ الدِّينِ، ويَتْبَعُهُ، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ اليَهُودِ فَسَأَلَهُ عن دِينِهِمْ، فَقالَ:

إنِّي لَعَلِّي أنْ أدِينَ دِينَكُمْ، فأخْبِرْنِي، فَقالَ: لا تَكُونُ علَى دِينِنَا حتَّى تَأْخُذَ بنَصِيبِكَ مِن غَضَبِ اللَّهِ، قالَ زَيْدٌ ما أفِرُّ إلَّا مِن غَضَبِ اللَّهِ، ولَا أحْمِلُ مِن غَضَبِ اللَّهِ شيئًا أبَدًا، وأنَّى أسْتَطِيعُهُ فَهلْ تَدُلُّنِي علَى غيرِهِ، قالَ: ما أعْلَمُهُ إلَّا أنْ يَكونَ حَنِيفًا، قالَ زَيْدٌ: وما الحَنِيفُ؟ قالَ: دِينُ إبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا، ولَا نَصْرَانِيًّا، ولَا يَعْبُدُ إلَّا اللَّهَ، فَخَرَجَ زَيْدٌ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ النَّصَارَى فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَقالَ: لَنْ تَكُونَ علَى دِينِنَا حتَّى تَأْخُذَ بنَصِيبِكَ مِن لَعْنَةِ اللَّهِ، قالَ: ما أفِرُّ إلَّا مِن لَعْنَةِ اللَّهِ، ولَا أحْمِلُ مِن لَعْنَةِ اللَّهِ، ولَا مِن غَضَبِهِ شيئًا أبَدًا، وأنَّى أسْتَطِيعُ فَهلْ تَدُلُّنِي علَى غيرِهِ، قالَ: ما أعْلَمُهُ إلَّا أنْ يَكونَ حَنِيفًا، قالَ: وما الحَنِيفُ؟ قالَ: دِينُ إبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا ولَا نَصْرَانِيًّا، ولَا يَعْبُدُ إلَّا اللَّهَ، فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ في إبْرَاهِيمَ عليه السَّلَامُ خَرَجَ، فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أشْهَدُ أنِّي علَى دِينِ إبْرَاهِيمَ، )

المصدر : صحيح البخاري

كان العرب في عهد الجاهلية ينظرون لليهود والنصارى بنوع من الرفعة لأنهم أهل الكتاب، أما العرب فلم يكن لديهم في ذلك الوقت كتاب سماوي ولم يأتِ منهم نبي ومع ذلك زيد لم يستسلم لسطوة الغلبة ورفض ذلك العرض. 

خرج في رحلة أخرى مع ورقة بن نوفل ابن عم خديجة بنت خويلد رضي الله عنها- يبحث عن الدين فلم يستسلم لقومه ولا لأول إجابة حصل عليها.

روى البزار والطبراني من حديث سعيد بن زيد -ولده- قال:

“خرج زيد بن عمرو، وورقة بن نوفل يطلبان الدين”يبحثان عن الدين الصحيح قبل البعثة”حتى أتيا الشام، فتنصر ورقة” دخل في دين النصارى، لكن على التوحيد، يعني تابع عيسى ابن مريم -عليه السلام-“فتنصر ورقة، وامتنع زيد، فأتى الموصل، فلقي راهباً، فعرض عليه النصرانية، فامتنع”

رواه الطبراني

هذا المعنى توصل إليه إنسان وهو لم ينزل عليه القرآن، ولا يعرف الجنة والنار، ولم يسمع حديث الرسول ﷺ، ومع ذلك فطرته السليمة جعلته يبحث عن الله! 

رجع زيد من هذه الرحلة ، فتقول عنه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها :

( رَأَيْتُ زَيْدَ بنَ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إلى الكَعْبَةِ يقولُ: يا معاشِرَ قُرَيْشٍ، واللَّهِ ما مِنكُم علَى دِينِ إبْرَاهِيمَ غيرِي، وكانَ يُحْيِي المَوْؤُودَةَ، يقولُ لِلرَّجُلِ إذَا أرَادَ أنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ، لا تَقْتُلْهَا، أنَا أكْفِيكَهَا مَئُونَتَهَا، فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قالَ لأبِيهَا: إنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إلَيْكَ، وإنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا ) 

المصدر : صحيح البخاري 

تأمل .. 

هذا الإنسان يعيش بين جاهلية قريش ومع ذلك عزل نفسه.. فتفكيره لا يشبه المئات من الناس في ذلك الوقت، وكان لا يسجد لصنم ولا يشرك بالله عز وجل، ولو ذبحت أي ذبيحة على صنم لم يكن يشاركهم في أكلهم، وإذا حج أو اعتمر معهم وسمعهم يرتجزون بتلبيتهم:

(لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك

فكان زيد يقول معهم (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك) ثم يقول كفى فإنه لا شريك له في ملكه. 

كان يتردد على الشام يتلمس في ذلك أين يجد الدين الحق، و في آخر رحلة لها ، قال له أحد الأحبار:

( عد إلى دارك ”ويقصد أرض العرب“ لأن النبي الذي تنتظره يظهر في أرضك )

وفي بعض الروايات قيل أن شيخ الأحبار قال لزيد: إنك لتسألني عن دين ما أعلم أحدٌ يعبد الله به إلا شيخاً بالجزيرة.

قال زيد: فقدمت عليه فقال: إن الذي تطلب قد ظهر في بلادك، فارجع إليه، وجميع من رأيتهم في ضلال ويقصد

{اليهود والنصارى}، فإنه يخرج من أرضك أو هو خارج فرجع فصدقه وأمن به.

قال زيد: فرجعت ولم أحس بشيء {أي أنه عاد لداره ولكن النبيﷺ لم يبعث بعد}. 

قال عامر بن ربيعة حليف بني عدو ابن كعب قال: قال لي زيد بن عمرو ذات يوم:

إنِّي خالفتُ قومي، واتَّبعتُ مِلَّةَ إبراهيم وإسماعيل وما كانا يَعبدان، وكانا يصلِّيان إلى هذه القِبلة، وأنا أنتظر نبيًّا من بني إسماعيل يُبعث، ولا أُراني أدركه، وأنا أومن به وأصدِّقُه وأشهد أنَّه نَبي، وإن طالت بك حياة فأقرِئْه منِّي السلام. فلمَّا أسلمتُ أعلمتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بخبره، قال: فردَّ عليه السلام وترحَّمَ عليه، قال: (ولقد رأيتُه في الجنَّة يسحب ذيولًا)

المصدر : تخريج سير أعلام النبلاء.

توفي زيد بن عمرو قبل بعثة رسول الله ﷺ بخمس سنوات.

وقد سأل سعيد بن زيد هو وعمر بن الخطاب- رضي الله عنهما- رسول اللهﷺ عن زيد، فقال:

( غفر الله له ورحمه، فإنه مات على دين إبراهيم)  

[فتح الباري: 7/143].

الباحث عن الحقيقة: سـلـمـان الفـارسي

يقول عن نفسه: كنت رجلًا فارسيًّا من أهل أصبهان من أهل قرية يقال لها جَيُّ، وكان أبي دهقان قريته، وكنت أحب خلق الله إليه، فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تُحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قَطِنَ النار -أي خادمها وخازنها- الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة، قال: وكانت لأبي ضيعة عظيمة، قال: فشغل في بنيان له يومًا، فقال لي:

يا بني، إني قد شغلت في بنيان هذا اليوم عن ضيعتي، فاذهب فاطلعها، وأمرني فيها ببعض ما يريد، فخرجت أريد ضيعته، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم، وسمعت أصواتهم، دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، قال: فلما رأيتهم أعجبني صلاتهم، ورغبت في أمرهم، وقلت:

هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه، فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس، وتركت ضيعة أبي ولم آتها، فقلت لهم: أين أصل هذا الدين؟

قالوا: بالشام، قال: ثم رجعت إلى أبي، وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله، قال: فلما جئته قال: أي بني، أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟

قال:

قلت: يا أبت، مررت بناس يصلون في كنيسة لهم، فأعجبني ما رأيت من دينهم، فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس، قال:

أي بُني ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خيرٌ منه، قال: قلت، كلا والله إنه لخير من ديننا، قال: فخافني، فجعل في رجلي قيدًا، ثم حبسني في بيته.

قال: وبعثت إلى النصارى فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم، قال: فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى، قال: فأخبروني بهم. قال:

فقلت لهم: إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم.

قال: فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم، فألقيت الحديد من رجلي، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام، فلما قدمتها، قلت: من أفضل أهل هذا الدين؟

قالوا: الأسقف في الكنيسة، قال: فجئته، فقلت: إني قد رغبت في هذا الدين، وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك، وأتعلم منك وأصلي معك، قال:

فادخل، فدخلت معه. قال: فكان رجل سوءٍ، يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا إليه منها أشياء، اكتنزه لنفسه، ولم يعطه المساكين، حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق. 

أسئلة سلمـان تدلّك على شخصيته، لا يريد أن يتلقى دين النصرانية من عوامّ الناس، بل سأل عن أفضل إنسان في دين النصارى!

قال: وأبغضته بغضًا شديدًا لما رأيته يصنع، ثم مات، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه، فقلت لهم:

إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئًا، قالوا: وما علمك بذلك؟

قال: قلت: أنا أدلكم على كنزه، قالوا: فدلنا عليه، قال: فأريتهم موضعه، قال: فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبًا وورقًا، قال:

فلما رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدًا، فصلبوه، ثم رجموه بالحجارة، وجاؤوا برَجُل آخر فجعَلوه مكانه 

لاحظ هذه أول تجربة لسلمان في دين النصارى، كان من الممكن أن يكتفي بهذه التجربة ويرجع لأبيه، لأن التجربة سيئة، ولكن هي من أقدار الله ليمتحن صدق إيمانه. 

هل اكتفى سلمان بهذه التجربة ؟

لا، بل أَكمَل.

يقول سلمان لابن عباس:

“فلا والله – يا بن عباس – ما رأيتُ رجلاً قط لا يصلي الخمس” يعني ليس مسلم “

أرى أنه أفضل منه وأشد اجتهادًا ولا زهادة في الدنيا منه، ولا أدأب ليلاً ونهارًا منه، وما أعلمني أحببتُ شيئًا قط قبله حبه، فلم أزل معه حتى حضرتْه الوفاةُ“

فلما حضرتهُ الوفاة، ” قلت: يا فلان، قد حضرك ما ترى من أمر الله، وإني واللهِ ما أحببتُ شيئًا قط حبك، فماذا تأمرني؟ وإلى مَن توصيني؟

فقال لي:

أي بُنَي، والله ما أعلمه إلا رجلاً بالموصل” -وهم الآن في الشام- “فأتِه، فإنك ستجده على مثل حالي، فلما مات وغيِّب لحقتُ بالموصل فأتيتُ صاحبها، فوجدته على مثل حاله من الاجتهاد والزهادة في الدنيا، فقلت له:

إن فلانًا أوصى بي إليك أن آتيَك وأكون معك، قال: فأقم أي بُنَي، فأقمتُ عنده على مثل أمر صاحبه حتى حضرته الوفاة“ 

فلما حضرته الوفـاة، “قلت له: إن فلانًا أوصى بي إليك وقد حضرك من أمرِ الله ما ترى، فإلى مَن توصيني؟ قال:

والله ما أعلمه أي بني، إلا رجلاً بنصيبينَ، وهو على مثل ما نحن عليه، فالحَقْ به، فلما دفنَّاه لحقت بالآخر، فقلت له: يا فلان، إن فلانًا أوصى بي إلى فلان، وفلان أوصى بي إليك، قال: فأقم يا بُنَي. فأقمتُ عنده على مثل حالهم حتى حضرتْه الوفاة“

الله يمتحن، والطريق قد لا يكون سهلًا، كان من الممكن أن يعيش مع واحد ويعيش ٣٠ أو ٤٠ سنة، لكن الله يجعل أحيانًا أمام العبد تلك العقبات ليمتحن فيها صدق إيمانه

فقلت له: يا فلان إنه قد حضرك من أمر الله ما ترى، وقد كان فلان أوصاني إلى فلان وأوصاني فلان إلى فلان، وأوصاني فلان إليك، فإلى من؟

قال: أي بني والله ما أعلم أحدأ على مثل ما نحن عليه إلا رجلاً بعمورية من أرض الروم فاتيه فإنك ستجده على مثل ما كنا عليه، فلما واريته خرجت حتى قدمت على صاحب عمورية فوجدته على مثل حالهم، فأقمت عنده، واكتسبت حتى كانت لي غنيمة وبقرات، ثم حضرته الوفاة، فقلت: يا فلان إن فلاناً كان أوصاني إلى فلان، وفلان إلى فلان، وفلان إليك، وقد حضرك من أمر الله ما ترى، فإلى من توصيني؟

قال: أي بني والله ما أعلمه بقي أحد على مثل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث من الحرم، مهاجره بين حرتين إلى أرض سبخة ذات نخل، وإن فيه علامات لا تخفى، بين كتفيه خاتم النبوة، يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، فإن استطعت أن تخلص إلى تلك البلاد فافعل، فإنه قد أظلك زمانه. فلما واريناه، أقمت على خير حتى مر رجال من تجار العرب من کلب.

فقلت لهم: تحملوني معكم حتى تقدموا بي أرض العرب، وأعطيكم غنيمتي هذه وبقراتي؟

قالوا : نعم. فأعطيتهم إياها، وحملوني حتى جاؤوا في وادي القرى ظلموني فباعوني عبدا من رجل من يهود بوادي القرى –

فيقول: فوالله لقد رأيت النخيل، وطمعت أن تكون البلد الذي نعت لي صاحبي عندي، حتى قدم رجل من بني قريظة، من يهود وادي القرى، فابتاعني من صاحبي الذي كنت عنده، فخرج بي حتى قدم المدينة. فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفت نعتها، فأقمت في رق.

-وهو عبد بعد أن كان ولد السيد ورضي أن يكون عبدًا في هذه البلاد لأنه ينتظر هذا النبي-

يقول: فجلست في رق حتى قدم رسول الله قباء –يعني بعد 13 سنة من النبوة- ولم أكن أعلم به،

يقول :  فوالله إني لفي رأس عذق-أي نخلة-لسيدي أعمل فيه بعض العمل، وسيدي جالس، إذ أقبل ابن عم له فقال يا فلان: قاتل الله بني قيله –الخزرج والأوس- والله إنهم الآن لفي قباء مجتمعون على رجل جاء من مكة يزعمون أنه نبي, فسمع سلمان كلمة نبي وهو فوق النخلة فبمجرد سماعه للكلمة وهو حلم تحقق بعد 18 سنة تقريبًا – والله ما هو إلا أن سمعتها، فأخذني العرواء- يقول الرعدة- حتى ظننت لأسقطن على صاحبي، ونزلت أقول ما هذا الخبر، ما هو؟

فرفع مولاي يده فلكمني لكمة شديدة وقال: ما لك ولهذا، أقبل قبل عملك، فقلت: لا شيء إنما سمعت خبراً، فأحببت أعلمه.

يقول :  فوالله إني لفي رأس عذق-أي نخلة-لسيدي أعمل فيه بعض العمل، وسيدي جالس، إذ أقبل ابن عم له فقال يا فلان:

قاتل الله بني قيله –الخزرج والأوس- والله إنهم الآن لفي قباء مجتمعون على رجل جاء من مكة يزعمون أنه نبي ،فسمع سلمان كلمة نبي وهو فوق النخلة فبمجرد سماعه للكلمة وهو حلم تحقق بعد 18 سنة تقريبًا –

والله ما هو إلا أن سمعتها، فأخذني العرواء- يقول الرعدة- حتى ظننت لأسقطن على صاحبي، ونزلت أقول ما هذا الخبر، ما هو؟

فرفع مولاي يده فلكمني لكمة شديدة وقال: ما لك ولهذا، أقبل قبل عملك، فقلت: لا شيء إنما سمعت خبراً، فأحببت أعلمه.

فلما أمسيت وكان عندي شيء من طعام، فحملته وذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بقباء، فقلت: إني بلغني أنك رجل صالح، إن معك أصحاباً لك غرباء، وقد كان عندي شيء للصدقة فرأيتكم أحق من بهذه البلاد به، فها هو هذا فكل منه، فأمسك رسول الله ﷺ يده وقال لأصحابه:

كلوا ولم يأكل، فقلت في نفسي: هذه خلة مما ووصف لي صاحبي، ثم رجعت. 

فلما كان من اليوم الذي بعده رجعت إليه ومعي طعام فقلت: إني رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية وكرامة ليست بالصدقة، فأكل رسول الله ﷺ، وأكل أصحابه، فقلت هذه خلتان، ثم جئت رسول الله ﷺ وهو يتبع جنازة، وعلي شملتان لي وهو في أصحابه، فاستدرت به لأنظر إلى الخاتم في ظهره.

فلما رآني ﷺ استدبر عرف أني استثبت من شيء قد وصف لي، فوضع رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه كما وصف ل صاحبي، فأكببت عليه أقبله، وأبكي فقال:

تحول يا سلمان هكذا، فتحولت، فجلست بين يديه، وأحب أن يسمع أصحابه حديثي عنه، فحدثته يابن عباس كما حدثتك

زيــــــــد بـــــن عــــمــــــرو 

و ســـــلمـــان الـــفارســي

قــضوا أعـــمارهـــم بحــثًا عن الحقيقة.

 فـــلــنا منــهـا دروس وعـــبر: 

الدرس الأول : جاهد من أجل الوصول إلى الحق. 

عليك أن تبحث عن الحق وأن تجاهد من أجله، وهذه المجاهدة ليست فقط بالبحث عن الحق بأن تسمعه أو أن تراه بل أن تجاهد إلى أن تبحث عن هذا الحق الذي يحرك فيك شيئا 

قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)

 سورة العنكبوت 69


الدرس الثاني : الزم إذا عرفت

قال الله تعالى : ﴿إِنَّ الَّذينَ قالوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ استَقاموا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلائِكَةُ أَلّا تَخافوا وَلا تَحزَنوا وَأَبشِروا بِالجَنَّةِ الَّتي كُنتُم توعَدونَ﴾

[فصلت: ٣٠]

قال المفسرون: استقاموا لله بطاعته لم يروغوا روغان الثعالب، فإن عرفت الحق فالزمه، ولا تبحث أو تحاول إيجاد حلول رمادية، أو تساوم على الحق، فأنت الجماعة ولو كنت وحدك، وأنت الحق ولو كنت وحدك


الدرس الثالث : لا تستلم لسطوة الغلبة ولا الكثرة .. لا تستلم للباطل ولو انتفش!

فلا تغتر بانتفاشة الباطل، فالباطل له لجج ، فقد يكون صوته عاليًا ومزعج يصم الآذان، لكنه مؤقت. 

يقول الله عز وجل عنه: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ )

سورة الرعد (17)

انتهى 


* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.

6 تعليقات
  1. vorbelutrioperbir says:

    Good – I should certainly pronounce, impressed with your web site. I had no trouble navigating through all the tabs as well as related information ended up being truly easy to do to access. I recently found what I hoped for before you know it at all. Quite unusual. Is likely to appreciate it for those who add forums or anything, web site theme . a tones way for your client to communicate. Excellent task..

التعليقات مغلقة