استمطار الرحمات

بتاريخ ١٦ / ٥ / ١٤٤٣ هـ

---

لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط)

في وسط حياتنا المادية التي نعيشها وهذا الزحام من الروتين اليومي سواء في وظائف أو أعمال أو أعمال المنزل نكاد لا نتلمس

بركة هذا الوقت ولانجد أنفسنا فيه، فنشعر بين فترة وأخرى أننا بحاجةٍ إلى قليل وكثير من الرحمة!

ونشعر أحيانًا بأننا نريد أن نقول للدنيا تريثي قليلاً لنلتقط أنفاسنا!

هذه الرحمة يحتاجها الأطفال، والكبار والأمهات ويحتاجها الأب الموظف الذي يكدح ليلًا و نهارًا..

فخلال هذا الاحتياج الملّح إلى رحمات من عند الله عز وجل. وحاجتنا إلى أن نستمطر رحمة الله عز وجل علينا دعونا نلتمسه من خلال القرآن الكريم. 

وحينما نتحدث عن الرحمة فلا بد لنا أن نستحضر اسم الله عز وجل (الرحمن)

ما هي أكثر سورة ورد فيها اسم الله الرحمن؟

سورة مريم، ستة عشر مرة.

السورة لم تتحدث عن فضائل مريم، ولم تتحدث عن ذلك الخير الذي اختصها الله عز وجل به، فآيات الاصطفاء

جاءت في سور أخرى، أما في سورة مريم لم يذكر الله عز وجل من القصة إلا ابتلاءها بالتفصيل وبالذي

حدث معها لحظة نفخ الرُّوح فيها، فرحمة الله عز وجل التي تكررت معنا في سورة مريم تعطينا درسًا في أن الابتلاءات التي قد

نمر بها والامتحانات والفتن قد تكون هي عين الرحمة لإنسان ما!

قال تعالى: “فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا”

(سورة مريم:23)

كانت تتمنى الموت على أن تعيش هذا الإحساس، ولكي تعرف معنى الابتلاء الذي مرت به مريم، أنها

لم تلد بشكل طبيعي، كانت فتاة صغيرة قيل كان عمرها ١٦ وقيل ١٣ وقيل ١٥سنة ، فتاة صغيرة تلد في مكان بعيد عن أهلها

“فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا”

(سورة مريم:22) 

ابتلت بامتحان أنها حملت من غير زوج!، من سيصدقها أن هذا الحمل لم يكن من علاقة محرمة. ومن امتحنت بهذا الابتلاء

هي مريم الطاهرة العابدة التي نذرتها أمها لله عز وجل ولخدمة المسجد، فتخيل هذا الكم الهائل من العذاب النفسي بالإضافة

إلى ألم الولادة نفسه الذي تعيشه هذه الفتاة لأول مرة وبعيدة عن أي أحد.

فكأن الله عز وجل يعطينا الدرس في هذه السورة أننا حينما نتحدث عن الرحمن، فنحن نتحدث  أن بعض الابتلاءات 

أحيانًا والامتحانات وبعض الفتن التي يمر فيها الإنسان هي عين الرحمة له!

لم تكن تعلم مريم أن ما كانت تحمله في بطنها هو عيسى ابن مريم، نبي الله عز وجل وهو النبي الأخير قبل نبينا ﷺ.

ولذلك قال الله عز وجل عن عيسى

“قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا”

(سورة مريم:21)،

 فابتدأت هذه السورة بالرحمة “ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا”

(سورة مريم:2)

 واختتمت بالرحمة “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا”

(سورة مريم:96)

أنت دون رحمة الله لا شيء!

أنت دون رحمة الله عز وجل لا تستطيع أن تحمل عودًا أو  أن تحرّك شيئًا، الله عز وجل لا يُطاع إلا بإذنه ولا يُعصى إلا بعلمه، فأنت دون رحمة الله ضعيف.

أحيانا لا تستطيع أن تحمل نفسك على صلاة الفرض، وتصبح العبادة ثقيلة على صدرك، لأن الله لم ينزل رحمته، وأما في أوقات أخرى

مثلاً في رمضان ترى أنك تستطيع أن تصلي حتى لو مئة ركعة في اليوم الواحد، فما هو الفرق؟، أنت هو أنت والقوة هي نفسها، الذي اختلف فقط هو رحمة الله تنزلت عليك هنا واختفت هناك.

ولا بد أن يلفتنا أن مطلع أول سورةٍ في المصحف هي: “الحمد لله ربِّ العالمين” 

وهذا الحمد متوسطٌ بين رحمتين، فنبدأ القراءة بالبسملة “بسم الله الرحمن الرحيم

” ثمَّ نتلو بعدها “الحمد لله رب العالمين” ونلحقها بـ “الرحمن الرحيم”

فلماذا تكرر معنا اسم الله الرحمن في أول سورة في المصحف؟

---

قيل لأن المؤمن دومًا بين رحمتين، فأما الرحمة الأولى فهي التي تُبلغك، وأما الرحمة الثانية فهي التي تقبلك وتثبتك. 

---

موجبات الرحمة:

تسعة أمور جاءت في الآيات والأحاديث لو فعلها الإنسان كان من أقرب الناس إلى رحمة الله عز وجل. 

---

الأولى: لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون

قال تعالى“قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ۖ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ”

(سورة النمل:46)

ولفظ (لعلَّ) في الآية موجبٌ لحصول الرحمة، فكل من يبحث عن رحمة الله عز وجل ويشعر أنه قلق ومتوتر

ولا يعلم أين الطريق فعليه بالاستغفار، فمن استغفر كان قريبًا من الرحمة.

---

الثانية: ارحم تُرحم

قال ﷺ “الراحمونَ يرحمهمُ الرحمنُ تبارك وتعالى ارْحَموا مَن في الأرضِ يرحمْكم مَن في السماءِ”

الراوي| عبد الله ابن عمرو، المحدث| الألباني، المصدر| صحيح الجامع. 

فمن صفات الله عز وجل أنه رحيم يحب الرُحماء.

هذه الكلمة مهمة ليست في الدنيا، وإنما في موقف عصيب، يوم القيامة، وتحديدًا متى؟

تحديدًا على القنطرة، وقت اقتصاص الناس بعضهم من بعض، هنالك يوم يكون المقابل حسناتٌ تؤخذ وسيئات تُضاف، لذا قد يُفلس الناس يومها لكن دون مال! 

عن أبى هريرة، رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال: (أتدرون من المفلس؟) قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال:(المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام، وزكاة ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار)

فلاحظ الآن المكاييل بالحسنات والسيئات فقط!

فقد يأتيك شخص أنت نسيته لاتتذكره ليقتص منك بسبب غيبة اغتبته فيها أو ظلمته، يقول السلف:

”يتغافرون التبعات بما استودعت في قلوبهم من الرحمات“

فهناك أُناس الرحمة التي كانت في قلوبهم على الخلق في الدنيا تنفعهم في الآخرة، فيؤدي الله عز و جل الحقوق عنهم، فعنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الرسول ﷺ:

“كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ” وفي رواية لمسلم: “قال اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ تَجَاوَزُوا عَنْهُ”.

(رواه البخاري ومسلم).

فيؤدي عن ذلك المظلوم الذي اغتابه، أو يضاعف أجر صيامه أو صبره، إلى أن يقتص من حسناتك دون أن تفنى

---

الثالثة: أن تمكث في المسجد أو ترابط من الصلاة إلى الصلاة.

من المواطن التي تستجلب الرحمات فيها أن تمكث في المسجد أو ترابط من الصلاة إلى الصلاة، فمثلًا صليت العصر

وجلست في مصلاك إلى المغرب تذكر الله عزوجل، فهذه المرابطة من الأماكن التي تستجلب الرحمات؛ لأن الملائكة

فوقك صافة وليس لها إلا أن تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه…

---

الرابعة: الصلاة على النبي عليه السلام

قال الله عزوجل: (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىِّ ۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا)

(الأحزاب، آية56)

الصلاة من الله على العبد هي الثناء والرحمة، وصلاة الملائكة على العباد أن تدعو لهم بالمغفرة والرحمة، فعند قولك لها تجعلك في رحمة الله.

---

الخامسة: أن تدعو بالرحمة

فتكثر من قول ”اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني“،  قال أنس بن مالك  رضي الله عنه :

(كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا كربَهُ أمرٌ قالَ: يا حيُّ يا قيُّومُ برَحمتِكَ أستغيثُ)

المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي

---

السادسة: الاستماع للقرآن

فلو كان من أهل بيتك أو صديق لك له صوت خاشع بالقرآن فاطلب من أن يقرأ عليكم شيء من القرآن، قال الله عزوجل:

(وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)

(الأعراف، آية204)

فعند قراءة وردك اليومي اجمع الآيات التي فيها الرحمة!واكتبها في ورقة جانبية

فسترى مجموعة من الأعمال التي تدخلك في رحمة الله واعمل عليها 

---

السابعة: أن تكون من أهل القرآن

فكل ما لصقت بالقرآن كل ما كانت الرحمة لك أقرب قال الله عز وجل: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)

الإسراء، آية82

---

الثامنة: الإحسان والإتقان

(إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ)

(الأعراف، آية56)

فأيُّ عملٍ كُلفت به يجب عليك أن تتقنه وتحسن فيه، فليس لك الخيار في الإحسان من عدمه، بل تتقن لكونك مسلمٌ يتعبد الله بأداءِ الأمانة الموكلة إليه.

---

التاسعة: مجالس الذكر

مثل هذه المجالس تقرب إلى الله عزوجل، قال رسول الله عليه السلام: “ما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوتِ اللهِ، يتلون كتابَ اللهِ، و يتدارسونه بينهم، إلا نزلتْ عليهم السَّكينةُ وغَشِيَتْهم الرحمةُ، و حفَّتهم الملائكةُ، و ذكرهم اللهُ فيمن عندَه”

الراوي : أبو هريرة، المصدر : صحيح الجامع 

قال العلماء: ”أي مكان يقرأ فيه كتاب الله عزوجل، أو يتدارس فيه العلم الشرعي إلا وقد يتفضل الله عليهم بهذا الفضل“.
غشيتهم الرحمة بمعنى أصبحوا أقرب الناس إلى رحمة الله عزوجل.

فكما أن هناك أمور تستوجب رحمة الله عز وجل، فهناك أمور تستوجب عقاب الله عز وجل وغضبه ونقمته، وقد جاء في القرآن

آياتُ المثاني التي يذكر فيها الشيء وضده، ووردت كثيرٌ من الآيات التي جمعت بين الرحمة وبين العذاب؛ لأن معرفتهما سرُّ الاتزان في جانبي الخوف والرجاء.

---

موجبات العقوبة:

الأولى: الظلم

الذي قال عنه لقمان لابنه. ﴿يا بُنَيَّ لا تُشرِك بِاللَّهِ إِنَّ الشِّركَ لَظُلمٌ عَظيمٌ﴾

[لقمان: ١٣]

فأول الأنواع هو ظلم النفس بعبادة غير الله أو الإشراك في العبادة، أي الإشراك أو الكفر بشهادة التوحيد (لا إله إلا الله)

ومن أنواع الشرك، شرك الهوى، وشرك المجتمع وشرك الناس قال الرسول ﷺ:

(تعِس عبدُ الدينارِ ، تعِس عبدُ الدرهمِ ، تعس عبدُ الخميصةِ ، تعس عبدُ الخميلةِ ، تعِس وانتكَس وإذا شيكَ فلا انتقشَ) 

الراوي : [أبو هريرة] | المحدث : ابن تيمية | المصدر : مجموع الفتاوى  

فهنـاك أشياءٌ كثيرة قد يصرف الفرد لها العبادة من دون الله، وليس الصنمُ فقط!

---

الثانية: المجاهرة بالذنب والمعصية

قال الرسولﷺ: “يكونُ في هذه الأُمَّةِ خسْفٌ ومسْخٌ وقذْفٌ، قيل: ومتى ذلك يا رسولَ اللهِ؟ قال: إذا ظهَرَتِ القَيْناتُ والمعازِفُ، واسْتُحِلَّتِ الخُمورُ”.

الراوي : سهل بن سعد الساعدي | المحدث : البوصيري | المصدر : إتحاف الخيرة المهرة

فإذا اجتمعت هذه الثلاثة المعازف والقينات أي المغنيات وشرب الخمر في مكانٍ ما، كلما كانت عقوبة الله عز وجل عليهم أقرب وأعجل.

قال ابن القيم رحمه الله عن هذا الحديث:أن المسخ على صورة القردة والخنازير واقع في هذه الأمة ولا بد، وهو في طائفتين:

1: علماء السوء الكاذبين على الله – جل وعلا- ورسوله- صلى الله عليه وسلم – الذين قلبوا دين الله وشرعه فقلب الله تبارك وتعالى صورهم كما قلبوا دينه.

2: المجاهرين المتهتكين بالفسق والمحارم ، من المغنين والمفتونين بهم وشربة الخمر والزناة.

---

الثالثة: عندما يُترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حينما يُفعل الشر ثم لا يجد فيها من إنسان ينكرهذا المنكر

قال الله عز وجل: “وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون”

(هود 117)

---

الرابعة: كفران النعم

قال الله عز وجل: “وضرب الله مثلًا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون”

(النحل 112) 

ما كفرت بالله، لكنها كفرت بأنعم الله بطرت وأسرفت وصار الإسراف والتبذير

فيما حل وما لم يحل، فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون.

---

الخامسة: الغفلة والإغراق في اللهو والعبث بسيل من الشهوات اللا منتهية

قال تعالى:” فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ“

(الأنعام:٤٤)

انصب عليهم الخير من كل مكان وانفتحت لهم الأبواب كأنها أبواب السماء كلها، حتى اغتروا أن الله راض عنهم، ولذلك قال النبي ﷺ :

” فَوَاللَّهِ ما الفَقْرَ أخْشَى علَيْكُم، ولَكِنْ أخْشَى علَيْكُم أنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا، كما بُسِطَتْ علَى مَن كانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كما تَنَافَسُوهَا، وتُلْهيكُمْ كما ألْهَتْهُمْ.” 

الراوي : عمرو بن عوف المزني | المصدر : صحيح البخاري

---

السادسة: أن ينتشر الفحش والزنا وكل سبب من فسق وفجور يؤدي إليها.

قال تعالى: “وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا”

(الإسراء:١٦)

---

السابعة: أن يعمل بالذنوب والمعاصي التي تزيل النعم وتحل النقم دون استحياء ولا ندم وتكون هذه على وجه المجاهرة

فلا تفسد على الناس حياتهم فقط، بل يفسد الماء والهواء والزرع وتمسك السماء المطر بذلك.

قال تعالى:” ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ”

(الروم:٤١).

ماذا يجب علينا أن نفعل إذًا؟

وما هي الأسباب التي تُرفع بها العقوبة؟

السبب الأول: الإيمان بالله وحده وأن نحرك الإيمان في القلب

فالإيمان ليس مجرد مشاعر، ولا حب فقط وانما هو ما وقر في القلب وصدقه العمل.

قال تعالى:” ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ”

(يونس:١٠٣).

---

السبب الثاني: أن تكونَ صالحًا مُصلحًا، لا صالحًا فقط

كما قال الدكتور إبراهيم الخليفي-حفظه الله-: ”لا تربي ابنك على أن يكون صالح، ربِ ابنك أن يكون مصلح“. 

المصلح يحمل همَّ إصلاح ما حوله ما استطاع، لذا لا أن يكون لدينا مشروع للإصلاح

قال تعالى:” فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ“

(هود:١١٦).

---

السبب الثالث: ألا تنسى وتغفل وتأمن مكر الله عز وجل

وأن تستحضر هذا دائمًا فلا يأخذك زحام الحياة وزخرفها، بل وتحمل همًّا حقيقيًا في أن تضيف إلى أعمالك عبادات تستنقذ بها نفسك من الهلكة والضياع والتضييع.

---

السبب الرابع: المسارعة بالإقلاعِ عن الذنوب

ما الذي لا زال يؤخرك وما الذي لا زال يرددك، وماذا نحتاج حتى نتغير ونقترب إلى ربنا ؟

هل نحنُ بحاجةٍ إلى آيات كونية ! أو أن نرى طوفان قادم أو أن تنشق السماء أمام أعيننا .. ما الذي يؤخرنا .. هل عندك ضمانات أن تعيش إلى الشهر القادم؟

الجواب لا فلماذا إذن لا زلنا متأخرين ولا زال دين الله هو الأضعف في نفوسنا. 

استدفع العقوبة بالتوبة والاستغفار والإقلاع عن الذنب، كلما رأيت الناس تتجه إلى باطل اتجه أنت إلى الحق واسترض الله.

---

السبب الخامس: الدعاء والتضرع لله عزوجل

ما نصيب الدعاء عندك؟ هل دعوت لبناتِ وشباب المسلمين؟ هل دعوت الله أن يبرم لهذه الأمة أمرا رشدا يُعَزُّ فيه فيه أهل طاعته ويهدى فيه أهل معصيته!

---

السبب السادس: أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر

الأمر بالمعروف ليس بالسوط ولا بجلد الناس، لكنك قد تؤثر بكلمة تتركها دون أن تلقي لها بالًا ولكنها تصل وتغير.

---

السبب السابع: هو أن نرفع الظلم عن كل مظلوم 

وهذا الرفع كما قلنا سواء كان ظلم الدين في الشرك أو كان ظلم العرض أو كان ظلم المال أو ظلمًا في حقوقِ الضعفاء، أو أيَّ ظلمٍ كان، لا ترضَ بهِ ولا تسكت عنه.

ما تُصاب أي أمة من الأمم ببلاء في دينها أو شبابها إلا بذنب سابق لم تأبه به ولم تتنبّه له.. لكن من رحمة الله بنا أنه ما نزل بلاء إلا بذنب وما رُفع إلا بتوبة!

وكل ذنب ولو امتدت ساعاته فسينقضي.. لكن كما قال السلف “رب شهوة ساعة أورثت حزنًا طويلاً” ..!

---

* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.