بتاريخ ٥ / ٦ / ١٤٤٢ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )


يريد الله بكم اليسر

العالم خلال العشر سنوات الماضية كان قدرًا يغلي على نار، تثور فيه الأحداث والقضايا والتعليقات وهجوم الناس طوال الوقت، فلا يقوم مبدأ

ولا يصل أحد إلى أي استنتاج، ويتحدث الكبير والصغير والعاقل وغير العاقل كلٌّ يكتب ما شاء

دون أن تظهر حقيقة مؤهلاته أو عمره،فمن أواخر القضايا الظاهرة، هي قضية تقديم حرية الإنسان أم الشريعة الإلهية في الحياة، ماذا يُقدم على الآخر؟

الحرية؟ أم التوحيد والشريعة؟ 

ونجد الجواب السريع هو أن الحرية مقدمة على كل شيء، ولكن من يعلم حقيقة هذا الدين، يعلم بأن هذه الحرية لا يمكن أن تؤخذ على وجهها الحق إلا

إذا حقق الدين والتوحيد في حياة المرء ، الدين الإسلامي لا يمنح الحرية السطحية، بل تتحقق الحرية الأسمى من هذا، وهي أن دين الإسلام

يحرر الإنسان أصلاً من نفسه ومن هواه. ونلاحظ مثالا مشابهاً لهذا في التربية، حيث ذكر الدكتور أسامة الجامع

بضرورة تربية الطفل على القوة والصلابة النفسية، حيث لا يعطى ما يريد في الوقت الذي يريده، بل يتعود على ضبط النفس

والتحكم بالغضب والانفعال أو الهوى الذاتي، فمثلاً ضع أمام طفل قطعة من الحلوى، وقل له بأننا سنخرج للعب غداً بشرط

ألا تأخذ هذه الحلوى، وراقب هل سيأخذها أم سيؤثرها من أجل الخروج غداً. ضبط النفس هذا للأطفال هو حقيقية يربينا عليها الدين

حتى ونحن كبار، ترك الشهوات الحاضرة لموعد غيب لم نره، يقول السلف:

(طوبى لمن ترك شهوةً حاضرة، لمَوعد غيبٍ لم يرَه)

فتكمن الحرية هنا في الارتفاع عن شهوات وأهواء النفس، فكل القوانين الأرضية تحكم ما بين الناس، لكن هذا الدين يحكم بينك وبين ذاتك، ويقدم لك حرية الارتفاع عنها. 

وحديثنا هنا عن هذا الشرع، ماذا فعل بالناس ولمن الحق في الحكم على حياة الناس؟ وهل الدين يعني بالضرورة التشدد والتعسير على الناس وسلب حرياتهم؟


الدين والدنيا

القرآن الكريم خاتمة لكل الكتب السماوية، قال الله عز وجل: (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ)

(ال عمران: 3)

فهو مصدق للكتب السماوية ومهيمن عليها، لأن الكتب الباقية تعرضت للتحريف، ويبقى القرآن محفوظاً بحفظ الله عز وجل

إلى قيام الساعة، وهو ليس كتابا يُقرأ وحسب، إنما منهج نعيش به، ووحي نحتكم إليه.

لذلك فشرعة القرآن فيها الدين والدنيا، ليس فيها انفصال الدين عن الحياة كما

يدعو أهل العلمانية بانفصال الدين عن الدولة ، لأن هذا الدين يعيش معنا كل تفاصيل حياتنا دون أن ينفصل عن دنيانا وواقعنا.


حريتي وحرية الآخرين

يقول الله عز وجل: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)

بماذا وعدهم الله عز وجل؟

(لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا)

(النور: 55)

ما هو هذا التمكين؟

شرحه الله عز وجل في آية أخرى: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)

(الحج: 41)

صورة الشريعة السماوية ليست أنها عبارة عن مواعظ وأخلاق أو ممارسات فردية وحسب، وليست في أن حريتي

تنتهي عند حرية الآخرين، حقيقة هذا الدين هو تمكينه في الأرض

بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، أي شريعة الأحكام، ثم يأتي بعد ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا الأمر يجب أن يكون حاضراً

في ذهن المسلم، فلا يتقوقع على نفسه ويظن أن صلاحه الذاتي كاف، لا يبالي بأحد، بل ما يربينا عليه الإسلام

هو أن نكون مجتمعا واحداًمصلحا يأمر بالخير وينهى عن المنكر.


ما هو الدين ولمن يكون؟

في بدايات الدعوة في مكة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدور على القبائل في موسم الحج ويقول:

من يؤويني لأبلغ دين ربي، وكان صلى الله عليه وسلم يدخل في مفاوضات مع قبائل أخرى ، فكان يعجبهم قول النبي صلى الله عليه وسلم، فيأتونه

ويستمعون إليه ويستمعون إلى القرآن، ويتفاوضون مع رسول الله:

إذا تبعناك وآزرناك فهل لنا من ملكك ونبوتك؟   

فيدخلون في نقاشات من هذا القبيل، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يرد قولهم، فالدين ليس مقتصراً على المصالح المادية، فلا يصح

أن يُؤمن ببعض الكتاب ويُكفر ببعض، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يبحث عن مأوى يحميه أو عن علاقات شخصية و منافع، بل كان يبحث

عن مكان يحتكم فيه إلى شرع الله ويطبقه فيه، وكانت قريش تعلم ذلك بالضبط: فعن ابْنِ عَبَّاسٍ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا – قَالَ:

صَعِدَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الصَّفَا ذَاتَ يَوْمٍ ، فَقَالَ: يَا صَبَاحَاهْ ، فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ ، قَالُوا: مَا لَكَ؟ قَالَ:

أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ الْعَدُوَّ يُصَبِّحُكُمْ أَوْ يُمَسِّيكُمْ، أَمَا كُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ:

تَبًّا لَكَ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟

[أخرجه البخاري، صحيح]

لماذا غضب أبو لهب؟

لأنهم يعرفون أن لا إله إلا الذي هو موجود في السماء، هم أصلا يطوفون بالبيت وهو رب البيت، ولكن القضية

ليست مجرد كلمة تقال، لكن أن نقول لا إله إلا الله أي لا مشرّع إلا الله،و العمل بمفتضاها فتذهب التقاليد والعادات التي كانت تشرع لهم

وهذا ما تغضب منه قريش، وما تقف ضده ، وعندما منعت بعض القبائل الزكاة بعد

وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، أمر أبو بكر رضي الله عنه بقتالهم، ، فواجهه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال يا أبا بكر

أنقاتل قوما يقولون لا إله إلا الله؟، كيف نقاتلهم وهم يقولون الشهادة؟  

ولكن عندما نتذكر جواب النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما قال:

يَا رَسُولَ اللهِ، عَلَى مَاذَا أُقَاتِلُ النَّاسَ؟ قَالَ: قَاتِلْهُمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ.

[أخرجه مسلم، صحيح]

(إلا بحقها)، ودخلت تلك القبائل التي منعت الزكاة في هذا الٍاستثناء، فهذا محاربة لشرع الله عز وجل. فالدين ليس مجرد مواد تدرس، وإنما هو منهج حياة.


الحرية المطلقة بين الجنسين:

يدعو كثير من الناس إلى الحرية المطلقة بين الجنسين، فلا يؤمنون بالحدود بين المرأة والرجل، بل ولماذا

نُشيطن المرأة أو الرجل لا يمكن أن يحدث شيء بينهم وإلى آخره. فاحتكم الناس هنا إلى أهوائهم ولم يدركوا أن الشرع هنا لا يضبط المرأة

ولا يضبط الرجل فحسب، إنما هو يضبط ما يمكن أن يحصل، ويضبط حقوق أشخاص آخرين خارج هذا الإطار يصيبهم الضرر، فالآن لو أخطأ الرجل

والمرأة وحصل بينهم ما حصل، فإن الإسلام يحفظ حق هذا الطفل المولود من علاقة محرمة،  فلا يجوز للأم أن تقتل

ما في بطنها ثمنًا لغلطة ارتكبتها، فلأي نسب يرجع هذا الطفل؟ لأي ذمة؟

كل هذا محفوظ في الإسلام، ولكن بالنسبة للأهواء البشرية كما يحصل في الغرب، يرمى الأطفال في القمامات أو في النهر، وبسبب كثرة

ذلك تصرفت كنائس أوروبا بوضع نافذة صغيرة  في كل كنسية يوضع فيها المواليد غير الشرعيين المتخلى عنهم،  كي لا يرمى الأطفال

في الشوارع ، فأي علاقة تطور في حرام لابد أن يكون لها ثمن، وهذه ممارسات لا يعرفها المجتمع المسلم، لأن الإسلام يحفظ

حق هذا الطفل الصغير، ويحفظ حق المجتمع في ألا يكون منزوع الضمير، منزوع الأخلاق، مختلط الأنساب، وهذا لا نجده في القوانين الأرضية أو الحريات الموجودة.


حرية استعمال الربا في تطوير المال :

هناك من يطالب باستعمال الربا وبأن من يريد أن يرابي فليفعل ، ألا يعقل أنه عندما يحرم الإسلام شيئا فلابد

من أثر اجتماعي له، هناك العديد من المساوئ التي تحصل،  عندما تتراكم

الفوائد على الناس ويصبح المال دولة بين الأغنياء فيتحول المجتمع إلى مجتمع رأسمالي، طبقة باذخة الثراء

وطبقة مدقعة في الفقر، وكلما تقدمنا في الزمن نقول بأننا نتقدم في الحضارة والرفاهية، ولكن مع هذا التقدم

انفصل المجتمع وتمايز بالطبقية، المجتمع الذي كان أفراده في تلاحم قوي.


لماذا نتكلم عن التحكيم بشرع الله؟

لأن هذا التحكيم محارب، محارب بافتعال معارك وهمية غير موجودة أصلا فالناس مع موجة الثقافة الحاصلة والقراءة

والتعرف على فلاسفة القرن الثامن عشر و التاسع عشر كأرسطو ورسو وغيرهم،  بدؤوا يتحدثون عن القرون القديمة

وأعوام التنوير والثورة الفرنسية وغيرها، ويظنون أن الذي حصل في الغرب هو الذي يتكرر عندنا والأمر ليس كذلك، الأمر عندهم

أن الكنيسة استبدت وهي على دين محرف غير قائم على أسس صحيحة، استبدت الكنيسة مع طبقة من النبلاء

والملوك إلى درجة أن المزارعين وطبقة الفلاحين كانوا يزرعون حقول كاملة، ثم في موسم الحصاد عند وقت بيعها والانتفاع منها إذ

إنها كل رزقهم، تأتي الكنيسة لتأخذ كل المحصول دون استثناء وتبقي الفلاح بملابسه هو وأهله وتقول له

هذا من أجل الرب والكنيسة وغيره وليس له الحق في الاعتراض وإذا اعترض صلب في قريته ،ولذلك لما فتح المسلمون البلدان

ما فتحوها عنوة بالسيف، فقد كانت هناك معارك، ولكن ما الذي جعل أهل البلاد كلهم يدخلون في الإسلام؟ ما الذي أدخل طاجكستان والصين في الإسلام؟

كان العدل الذي رآه النصارى وغيرهم في هذه الشرعة السماوية، هذا العدل السماوي الذي لمسوه في الحياة الاجتماعية وبين علاقاتهم، هو ما أدخلهم الإسلام.


 ما الذي حصل عندما ثار الناس في فرنسا؟

الإنجاز الذي فعلوه أنهم نزعوا الحكم من الكنيسة وأعطوه للشعب ولم يكن الانتقال من حكم الأرض لحكم السماء، وإنما نقلوها

من بشر إلى بشر ولذلك الآن حديثًا أصدرت فرنسا قانون منع تعدد الزوجات -طبعا للمسلمين-  

لكن ليس هناك منع للجنس الجماعي ولا لتعدد العشيقات لا مانع أبدًا لتعرفوا كيف ينتكس العقل البشري ، فأيهم أضر للصحة و المجتمع؟

لاحظوا كيف يحرم الحلال و تحلل الدناءة والسفالة، وهذا وفق مفهوم الحرية لديهم، وهذا حكم البشر للبشر، لذلك جاء القران

(وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ)

(المائدة: 49)

وذلك لأن البشرية تشقى عندما يكون مرجعها الأهواء .


ما هي مميزات الشريعة الإسلامية؟

ما هو الذي لدينا ويجب أن نفخر به ؟ ما الذي يميز هذا الدين والاحتكام لله عن الاحتكام للعقول والأهواء؟

١. أن هذا الشرع إلهي المصدر :

لم يكتبه فيلسوف ولا أديب ، هو شرعة من السماء، منهج إلهي رفيع المنزلة ولا تدانيه كل القوانين الأرضية

التي شرعها البشر لأنفسهم، ولذلك قال الله عز وجل:

(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ۖ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)

(الأعراف: 194)

أي كيف تستندون في القوة على أناس هم أمثالكم، أنت مسلم مؤمن

فالمفترض أن ترفع رأسك إلى السماء، احتكامك إلى شرع الله عز وجل المعصوم من الخطأ والزلل.


٢ . أن هذا الشرع شامل لكل مصالح العباد:

في هذا الشرع من الرحمة واليسر ، فهذا الدين ليس مجرد علاقتك بربك، فالإسلام وضع قواعد لكل شيء، من الطعام واللباس والمشي

والكلام إلى التجارة والأموال والحكم والحرب.


٣ . أنها شريعة وسطية :

قال الله عز وجل: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)

وسطًا بين كل الأمم وكل شعوب العالم، فليس لنا غلو اليهود ولا ضلال النصارى، نحن دين الوسطية يؤلف بين الكمال البشري والواقعية.


٤ . ثابتة إلى قيام الساعة:

مثال لو أن امرأة اشتكت من زوجها إلى القاضي، أنه بخيل ولا يعطيها حقها هي وأولادها، نعود إلى

قول الرسول صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الحالة قبل ألف سنة، أعطى قاعدة شرعية بمثابة حكم قضائي يعمل به حتى اليوم:

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدٍ خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ …”

[أخرجه البخاري، صحيح]

قد نظن أن هذه كلمة عادية ولكنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى ، فكلمة (بالمعروف)

صار عليها كتب في الأحكام القضائية، فبالمعروف في ذلك الزمن يختلف عن بالمعروف في هذا الزمن، فلا تُطبق الآن

نفس العشرة دنانير التي تكفي المرأة سابقًا، فكلمة (بالمعروف) شملت كل الأحوال والزمان والمكان، فالأحكام في شرعنا لا يملك أحد حق الانتقاص منها.


٥ . هذه الشريعة تخاطب القلب والعقل معا:

انظر إلى كل لوائح القانون في العالم، وإلى كل المواد كيف كتبت، المادة رقم 6 من القانون رقم 3، وانظر إلى كيفية كتابة القرآن، تسرد الأحكام الشرعية

(وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُوٓاْ أُوْلِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينَ وَٱلْمُهَٰجِرِينَ فِى سَبِيلِ ٱللَّه)

ثم تختم بـ (أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ)

(النور: 22)

كان أبو بكر رضي الله عنه ممتلئًا بالغيظ من صحابي آخر ويريد قطع النفقة عنه، حيث آذاه في ابنته وفي عرضه

ولكن مجرد ما سمع هذا التشريع، وهو يملك الخيار ولكن هذه الكلمة (ألا تحبون أن يغفر الله لكم)

جعلته يقول بلى والله نحب أن يُغفر لنا، فلا تخاطب هذه الشريعة العقل وحسب، وإنما تخاطب القلب والوجدان.


٦ . هذه الشريعة تأمنك في دنياك وآخرتك وبعد موتك :

الصحابي رُبعي رضي الله عنه لخص وصف الشريعة عندما سأله رستم: ما جاء بكم؟

فقال: الله جاء بنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد

ومن جور الدنيا إلى فسحة الإسلام، من الظلم إلى العدل، هذا ما جاءت به الشريعة، فالقضية ليست فتح البلدان وتوسيع الأراضي، إنما قضيتنا

إبلاغ دين الله عز وجل

فميزة هذه الشريعة أنها تُصلح الدنيا والآخرة.


الأوقاف الإسلامية وأثر حكم الشرع على الناس :

الأوقاف في الشرع ليست ملزمة ولكن ندب إليها الإسلام بشكل كبير، أن توقف سهمًا في أي مشروع دون أن تستفيد منه ماديًا وإنما يكون لله، صحيح أ

ن الأوقاف بصورتها الكبيرة ليست حاضرة في دنيانا الآن، ولكن الحضارة الإسلامية كانت تبنى المستشفيات الوقفية ،قبل أن تعرف فرنسا وبريطانيا

المستشفيات بأكثر من 900 سنة، ولم تكن كمستشفيات عصرنا الحالي إطلاقا، بل أكثر رعاية وخدمة، وسطرت

في كتب المدونين والرحالة كابن بطوطة، وذكرها التاريخ، لمستشفى في الشام أو في الأندلس، كان يأتي المريض فيحممونه 

و يطعمونه ،ثم يفحصونه، ولم يقتصر الأمر على وجود المستشفيات، كانت هناك أوقاف للمطلقات والمهجورات، حتى لا تضطر إلى الخروج

في الشارع وعمل الحرام، وغيرها من الأوقاف فلكل من ينظر إلى هذا الدين بنوع من الدنو، فليعلموا ما فعله هذا الدين.


  قبل توحيد المملكة العربية السعودية

كان طريق الحج من العراق والشام إلى مكة والمدينة مليئًا بقطاع الطرق، قبل أن تتوحد البلاد كانت هذه الطرق كلها تُقطع وتُنهب، إلى درجة

أنه في بعض السنوات كان الحج شبه متوقف، فلما جاءت هذه البلاد بالشريعة، وذكر ذلك في الوثائق التاريخية، خلال أول أربع وعشرين سنة

قطعت ست عشرة يد من قطاع الطرق، طبعا خلال فترة طويلة  و عدد كبير من اللصوص، فقطع اليد من الأحكام الكبرى

التي لا تطبق عبثًا، فما هي النتيجة ؟

أننا الآن نسافر من الرياض إلى جدة ونحن في أمن وأمان،  قال الله عز وجل: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ)

(البقرة: 179)

القصاص قطع رقبة إنسان، ولكنه حياة كيف؟

في حياة البقية، فلو أن هذه الست عشرة يدًا ما قُطعت، لقطعت غيرها آلاف من رقاب الأبرياء، وسرق الكثير من الحجيج، وتقطع بهم السبل.


واجبنا تجاه الشريعة الإسلامية:

١ . أن تجعل هذا الدين هو مرجعيتك الذاتية قبل أن تقرر أي شيء في حياتك

يجب أن يكون أول ما تفكر فيه بخصوص أي قرار، هو هل يرضي الله أم لا؟ لو عرضت عليك وظيفة فهل هي ترضي الله؟

كل القرارات المصيرية في حياتك عليك تحكيمها إلى هذه الشرعة، وليس قراراتك وحسب، بل ما تربي عليه أبناءك، تعودهم على قضية

أن الأمر ليس مربوطًا بالعيب أو سمعة العائلة، بل أن الأمر يعود للشرع،


٢ . أن تتعلم الشرع وتعلمه للناس فهذا من أوجب الواجبات.

في زمننا ومع تقليل مناهج الشريعة والمتطلبات العالمية لا يعد هناك تعلم للعلم الشرعي،  ولكنها ورغم ذلك لا تز

ال مسؤوليتك أنت كمربي أن تحث الأجيال على تعلم شرع الله، وألا نكون مجتمعًا متخلفًا دينيًا

يخرج فينا الأطفال لا يعرفون الحلال من الحرام ، فلا يظن الأهالي أنهم بمأمن إذا علمت ابنك وخرج بأعلى الدرجات، ولكنه لا يعرف سورة تبارك

ولا يحمل في جوفه شيئًا من القرآن، أو يكون أفشل الناس دينا؟

أيرضيك هذا كمربي؟

لو رأيت ما قد يحدث له في الآخرة، قد يؤذيك الأمر وأنت فقط تتخيله الآن، ولا تظن أنك لن تسأل عن رعيتك، فعن عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ:

سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، ….  وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا، وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، …”

[أخرجه البخاري، صحيح]

فلا بد أن تربى الأجيال على أن تنظر إلى هذه الشريعة بكل فخر، وأن يرفع المسلم رأسه عاليَا، وأن يعلم أن العالم الآن

يعيش في سوداوية وانحراف بسبب البعد عن شريعة الإسلام، فالمسلمون الأوائل لم يقبلوا على العالم بنفسية محطمة، وإلا لما انتصروا

على حضارة الرومان والفرس، ولم يقولوا انظروا إلى الغرب، أين وصلوا وإلى أين وصلنا  ،لديهم ناس وتكنولوجيا والاختراعات والاكتشافات، بل كانوا ينظرون

إليهم وحضارتهم الدنيوية التي لا قيمة لها بدون شرع الله عز وجل، قال تعالى:

(يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)

(الروم: 7)

ما ينفعك أن تعلم شيئا عن الدنيا وأنت غافل عن الآخرة، ولذلك كان المسلمون يفتحون البلدان مرفوعي الرأس

يذهبون إلى تلك الحضارات وفيهم ذلك الشموخ بأننا نمتلك شرعًا سماويًا لا تملكونه !.



* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.

3 تعليقات

التعليقات مغلقة