بتاريخ ١٩ / ١ / ١٤٤٢ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط)




الملخص:

يقول النبي ﷺ: (الْعِبادَةُ في الهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إلَيّ). 

المصدر : صحيح مسلم

في كل مرة يشتد الظلام على المسلمين  ويشعروا بأن المشهد غير واضح فلا يعرف الحق من الباطل ولا المنكر من المعروف، في مثل هذه الأوقات التي تختلط فيها الأمور فإن المنهج الذي يحثنا عليه النبي ﷺ هو أن نتعبد الله.

في بدايات السيرة عندما كان المسلمون هم الأضعف وهم القلة، كان القرآن يتنزل على رسول الله ﷺ ليثبته والذين ءامنوا، وأنزلت توجيهات من الله عز وجل على نبيه ﷺ في كيفية تعامله مع المسلمين.

هذا الوحي السماوي علينا أن نتعاهده ونأخذ منه الدروس لسبب واحد؛ لأن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء!

لنتعلم من منهج القرآن كيف نتعامل نحن حين يختلط الحق والباطل؟ 

يقول الله عز وجل:

( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا * إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا* وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا* رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا )

[المزمل: 1-9]

الله تعالى يأمر نبيه ﷺ بأن يقوم الليل إلا قليلاً، فقاموا الليل فرضاً، وأخرت نهاية السورة بالتخفيف بعد عام كامل ليتربى فيه المسلمين على قيام الليل.

فلماذا أمر الله عز وجل هذا المدثر الخائف أن يقوم الليل؟!

حديثنا عن قيام الليل.. وسنأخذ مجموعة فوائد لتكون معالجة وإرشادًا لنا في زمن الاستضعاف وفي زمن الحيرة والتردد.


الفائدة الأولى في قيام الليل: أنها لأولئك الذين يبحثون عن الأمان وعن الاهتداء إذا احتارت قلوبهم في ظلام المعرفة.

عن عبدِاللَّهِ بنِ سَلاَمٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: “أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا باللَّيْل وَالنَّاسُ نِيامٌ، تَدخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ”. 

رواهُ الترمذيُّ وقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

ما الذي يمنعك أنت أن يكون لك نصيب من الليل ولو ركعتين أو ثلاث أو خمس ركعات؟!

فالنبي ﷺ  يقول تدخلوا الجنة (بسـلام) أي لا تدخلها دخول عادي!


الفائدة الثانية: إذا أردت أن تقرأ القرآن وأردت أن يزرع خوف الله عز وجل ورجاءه وحبه في قلبك فاقرأه بالليل.

عن جابر رضي الله عنه قال: سُئل رسول الله ﷺ: أي الصلاة أفضل؟ قال: (طول القنوت) متفق عليه.

القراءة  بالليل  لا تشبه القراءة  في الصباح.

قال أبو ذر رضي الله عنه: ” قام النبي ﷺ بآية حتى أصبح يرددها والآية (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)

حسنه الألباني

تخيّل معي أنه جلس قرابة الخمس أو أربع ساعات وهو يردد هذه الآية. قيام الليل يجعلك تتفاعل مع القرآن ولا تهذه هذّاً.

قال تعالى : ( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا)

[سورة المزمل ٥]

القول الثقيل هو القرآن، وسماه الله عز وجل القول الثقيل لغزارة المعاني والأحكام والتشريعات

قال عثمان بن عفان رضي الله عنه:

“لو طهرت قلوبنا، لما شبعت من كلام الله”.

الكلام هذا لا يخاطب به النبي خاصة، بل يخاطب به كل من سيقوم بأمر هذا الدين إلى قيام الساعة، فلو كنت تسعى لثباتك وللكمال الإيماني

فمن المفترض أن يكون لك نصيب من قيام الليل.


الفائدة الثالثة: في زمن الريبة والشبهات والشك وعدم الثبات، لا شيء يثبتك مثل قيام الليل.

 الدنيا تتغير والأيام تتغير والأحداث تتسارع وتتوالى الشبهات و المسلم يبحث عن الثبات في زمن الريبة.

 قال تعالى : (ِإنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا)

أي صلاة الليل ،يقول ابن عكرمة رحمه الله عن الآية:

( أي أكثر إخلاصاً وبركة فمن أراد الإخلاص في صلاته وفي عباداته فعليه بقيام الليل).

قال أحدهم: ( عبادات السر هي أصل الثبات) فإذا أردت الثبات والتسديد فاثبت بعبادات السر ومن أعظمها قيام الليل.


الفائدة الرابعة: إذا أردت القرب من الله تعالى فعليك بقيام الليل

قال الرسول ﷺ:(ثلاثةٌ يحبُّهمُ اللَّهُ ويَضحَكُ لهم ويستبشِرُ بِهِمُ : الَّذي إذا انكشَفت فئةٌ قاتلَ وراءَها بنفسِهِ للَّهِ عز وجل فإمَّا أن يُقتَلَ وإمَّا أن ينصرَهُ اللَّهُ عز وجل ويَكْفيَهُ ، ويقولُ : انظُروا إلى عبدي هذا كيفَ صبرَ لي بنفسِهِ ! ؟ والَّذي لَهُ امرأةٌ حسنةٌ وفراشٌ ليِّنٌ حسنٌ فيقومُ منَ اللَّيلِ فيقولُ يذرُ شَهْوتَهُ ويذكرُني ولو شاءَ رقدَ، والَّذي إذا كانَ في سفرٍ وَكانَ معَهُ رَكْبٌ فسَهِروا ثمَّ هجَعوا فقامَ منَ السَّحرِ في ضرَّاءَ وسرَّاءَ)

المصدر : الترغيب والترهيب- إسناده حسن

(يحبهم الله) : فالله عزوجل إذا أحبك فقد انتهت القصة، إذا أحبك الله باسمك وجعلك من عباده الذين يحبهم ويحبونه انتهى كل شيء. 

فعندما نقول (يحبهم الله) و(يضحك لهم) و(يستبشر بهم)

فهذا الحديث لا يمر عليك مرور الكرام، بل يجب أن نركز كيف يكون لنا نصيب من الثلاثة وليس واحدًا منهم فقط! 


الفائدة الخامسة: سبب النـجاة الأول من النار ودخول الجنة.

قال الله عز وجـل :

(إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)

[السجدة:١٥-١٦]

امتدح الله عزّ وجل الذين يؤمنون بآيات الله بأنهم تتجافى جنوبهم عن المضاجع.

عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما رأى في منامة رؤيا:

(كأن ملكين أخذاه وذهبا به إلى النار، فيقول: فوجدتها مطوية كطي البئر، عريضة من أسفل ضيقة من الأعلى وإذا لها قرنان وإذا فيها أُناس قد عرفتهم، يقول: فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار، فإذا بملك يأتي ويقول: لم ترع، ثم استيقظت).

وبعدما استيقظ حكى الرؤيا لحفصة رضي الله عنــها، فحـــكت حـــفصـــة لرســول الله ، فقــــال:

 نعم الرجل عبدالله لو كان يصلي من الليل.  لأن موطن النجاة كان واضحاً في الرؤيا، والنبي أرشده إليه (نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ)


الفائدة السادسة: لا شيء يقي من الفتن مثل قيام الليل.

تقول أم سلمة رضي الله عنها: (اسْتَيْقَظَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ وهو يقولُ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الفِتْنَةِ، مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الخَزَائِنِ، مَن يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُرَاتِ، كَمْ مِن كَاسِيَةٍ في الدُّنْيَا عَارِيَةٍ يَومَ القِيَامَةِ قالَ الزُّهْرِيُّ: وكَانَتْ هِنْدٌ لَهَا أزْرَارٌ في كُمَّيْهَا بيْنَ أصَابِعِهَا.)

 المصدر : صحيح البخاري
كان بسؤاله هذا يرشدنا إلى مكان النجاة، وكيف تثبت، وما هو العلاج لهذه الفتن.


الفائدة السابعة: طريق النصر لا يمكن أن يبدأ إلا من قيام الليل.

لا يمكن للإسلام أن يعود مجده وقوته، إلا إن كان جيل الشباب المسلم له نصيب من الليل!
عندما التقت الجيوش المسلمة بجيش هرقل ملك الروم كان جيش الروم أشد غلبة وأكثر عددا وأقوى أسلحة من المسلمين، فأرسل ملك الروم مجموعة من الجواسيس

ليدخلوا في جيش المسلمين فيعرفوا سر قوة المسلمين  وكيف يستعدون؟ فما رأوهم يشربون الخمر في ليلهم ولا يغنون كما كان يفعل الجيش الروماني، وإنما وجدوهم ما بين

قارئ يقرأ القرآن وما بين صاف قدمه يصلي لله، فرجع الجاسوس إلى هرقل وقال له:

لقد وجدناهم رهبان في الليل فرسان في النهار!!


ماهي الأمور التي تعيننا على قيام الليل؟ 

١- الإخلاص:

 أن تنوي أن تكون من قوافل القوامين في الليل، وهذه النية لا ترائي فيها أحد حتى أقرب الناس إليك ومن ينام معك في نفس المكان قال تعالى: “وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ”

[البينة:٥]

كلما كانت نيتك أعظم وأخلص وأصلح كانت همتك أكبر وكانت معونة الله لك أكبر وأكثر توفيقًا.


٢-أنك تستشعر نداء الله لك:

في الحقيقة أنت عندما تؤقت المنبه، فليس المنبه هو من يرن!

إنما هذا نداء الله لك

استشعر أن الله ينادي ويقول هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟


٣- اعرف فضل قيام الليل واقرأ به:

عندما تجد نفسك فاترًا، تاركًا لقيام الليل، لا ترض بذلك! ولا تفرط فيه. اذهب واقرأ في دأب الصالحين واقرأ في سير السلف و حبهم للطاعات. كيف كان حال ليلهم!


٤-انظر في حال السلف:

انظر في حال الذين حفظوا القرآن وعملوا به، وانظر كيف كان حال ليلهم! كان السلف يفرحون بالليل ويتلذذون به، قال عبد الله بن وهب- رحمه الله: “كل ملذوذ إنما له لذة واحدة، إلا العبادة، فإن لها ثلاث لذات: – إذا كنت فيها – وإذا تذكرتها – وإذا أعطيت ثوابها”. 


٥- النوم على جنبك الأيمن وعلى طهارة:

قال النبي صلى الله عليه وسلم:

(طَهِّرُوا هذِهِ الأجسادَ طهَّرَكم اللهُ ، فإِنَّهُ ليس عبدٌ يبيتُ طاهرًا إلَّا باتَ معَهُ ملَكٌ في شعارِهِ ، لَا ينقَلِبُ ساعَةً مِنَ الليلِ إلَّا قال : اللَّهمَّ اغفِرْ لعبدِكَ ، فإِنَّه باتَ طاهِرًا) 

أخرجه الإمام عبد الله ابن المبارك في الزهد (64 ) 


٦- التبكير في النوم:

( كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يستحبُّ أن يؤخِّرَ العشاءَ وَكانَ يَكرَه النَّومَ قبلَها والحديثَ بعدَها.)

المصدر: صحيح ابن ماجه


٧-حافظ على أذكار النوم


٨- القيلولة في النهار.

قال صلى الله عليه وسلم: (قِيلُوا، فإنَّ الشياطينَ لا تَقِيلُ.)

المصدر:  الجامع الصغير 

وهذه القيلولة إما قبل الظهر أو بعده، كل ما كانت ساعات القيلولة أقل كل ما كان أثرها أكبر. 


٩- جاهد نفسك على القيام

قال تعالى : (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)

[العنكبوت ٩٦]

فالله مع المحسن الذي يجاهد، كل ما جاهدت كل ما رزقك الله السبيل الحق.


١٠- جاهد في ترك الذنوب

جزء من قيام الليل أنك تصلح نهارك ليصلح لك الله ليلك. قال رجل للحسن البصري يا أبا سعيد:

( إني أبيت معافى وأحب قيام الليل وأعد طهوري، فما بالي لا أقوم؟  فقال الحسن: ذنوبك قيدتك، إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل وصيام النهار) . 

نسأل الله أن يجعلني وإياكم من أصحاب قيام الليل، وأن يمن علينا برحمته وعفوه وأن يعفو عن تقصيرنا.


* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.

8 تعليقات

التعليقات مغلقة