بتاريخ ١٢/ ٦ /١٤٤٢هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )

الملخص


نداءات عالم الغيب

قال تعالى: ” الم*ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ  فِيهِ  هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ”(البقرة: ١-3)

حديثنا اليوم عن ركن من أركان الإيمان وهو من أعظم الأركان التي امتدح الله عز وجل بها عباده،

فامتدحهم الله بأول ركن من أركان الإيمان وهو: الإيمان بالله ورسله والملائكة والكتب وهو عالم غيبي لم نره،

وليست القضية هي الغيب المحض كالإيمان بالجنة والنار فهذا عالم غيبي نؤمن به؛ لأن الله أخبرنا به لكن الحقيقة ليست الإيمان بالجنة والنار فقط

إنما هناك مقدمات لما يحصل وراء ستار الغيب، فمنذ نصبح حتى نمسي هناك مجموعة من الحوارات والتعقيبات الإلهية والخطاب الملائكي

الذي يحصل بيننا وبين عالم الغيب فسنتحدث عن هذه الحوارات الغيبية إن صحت التسمية وعن الحوارات التي تحصل بين الله وملائكته.



النداء الأول:

يقول النبي ﷺ: “يُبعَثُ مُنادٍ عند حضرةِ كلِّ صلاةٍ فيقول : يا بني آدمَ قُوموا فأَطفِئوا عنكم ما أَوقَدتُم على أنفُسِكم،

فيقومون فيتطَهَّرون فتسقطُ خطاياهم من أعيُنِهم ، و يُصَلُّون فيُغفَرُ لهم ما بينهما، ثم تُوقِدون فيما بين ذلك،

فإذا كان عند صلاةِ الأُولى نادى : يا بني آدمَ قُوموا فأَطفِئوا ما أوقدتُم على أنفُسِكم ، فيقومون فيتطهَّرونَ و يُصلُّون فيُغفَرُ لهم ما بينهما ،

فإذا حضرتِ العصرُ فمثلُ ذلك ، فإذا حضرتِ المغربُ فمثلُ ذلك ، فإذا حضرتِ العتَمَةُ فمثلُ ذلك ،

فينامون و قد غُفِرَ لهم ، ثم قال : فمُدْلِجٌ في خيرٍ ، و مُدْلِجٌ في شَرٍّ” المصدر: السلسلة الصحيحة 

تسقط الخطايا من كل جارحة من هذه الجوارح، فهذا من النداءات الغيبية التي لابد أن نستحضرها عند كل صلاة،

حين تنادي الملائكة قوموا للصلاة وأطفئوا ما أرهقتم به أنفسكم.
الحديث القُدسي: 

يقول النبي ﷺ في الحديث القدسي، يقولُ اللهُ تعالى : “قسمتُ الصلاةُ بيني وبين عبدي نصفين ،

فإذا قال : { الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال اللهُ : حمدني عبدي ، فإذا قال : { الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ } قال : أثنى عليّ عبدي ، وإذا قال : {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ }

قال : مجدني عبدي ، وإذا قال : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } قال اللهُ : هذه الآيةُ بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل ،

وإذا قال : {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ }

قال : هؤلاءِ لعبدي ولعبدي ما سأل” المصدر : صحيح الجامع

عندما تصلي لن تكون نفسك في كل مرة على نفس الأهبة.. فأحيانًا نصلي ونحن منكسرين ومحبطين،

فمن كرم الله أنه يقول: أنت استعنت بي وأنا أعينك.. فحتى لو لم تصرح بما تريد، فالله يعلم ما بك وسيعينك عليه. 

تصوّر في كل مرة تقرأ سورة الفاتحة تستمد العون من الله، فيقول الله ولعبدي ما سأل. 


دعاء الملائكة لك: 

يقول النبي ﷺ :”إنَّ الملائكةَ تُصَلِّي على أحَدِكم ما دام في مُصَلَّاه الَّذي صلَّى فيه ما لَمْ يُحدِثْ : اللَّهمَّ اغفِرْ له اللَّهمَّ ارحَمْه” المصدر:  صحيح ابن حبان

نحن دومًا عندما نصلي نقوم بعدها فورًا، لكن لو هدأت قليلًا وقلت أذكار الصلاة،

وبدأت بالتسبيح والتحميد والتهليل، فتقول الملائكة: اللهم اغفر له اللهم ارحمه. 

 تخيل الآن أنت فقط تقول أذكار الصلاة في مصلاك والملائكة فوقك تدعوا لك، تصّور هذا الكم الهائل من أدعية الملائكة لك،

ألن تشفع لك عند الله عز وجل؟ تخيل فرحتك فقط بأحد يدعو لك فكيف بملائكة لم تتلطخ بخطيئة؟


حديث الملأ الأعلى:

يقول النبي ﷺ:”رجُلانِ مِن أُمَّتي يَقومُ أحَدُهما مِنَ اللَّيلِ فيُعالِجُ نفْسَه إلى الطَّهورِ وعليه عُقَدٌ، فيَتَوضَّأُ، فإذا وَضَّأَ يدَيهِ انحلَّتْ عُقْدةٌ،

وإذا وَضَّأَ وَجْهَه انحلَّتْ عُقْدةٌ، وإذا مسَحَ رأسَه انحلَّتْ عُقْدةٌ، وإذا وَضَّأَ رِجْلَيهِ انحلَّتْ عُقْدةٌ،

فيقولُ الرَّبُّ للذينَ وراءَ الحِجابِ: انظُروا إلى عَبْدي هذا يُعالِجُ نفْسَه، ما سألَني عَبْدي هذا فهو له” المصدر: تخريج المسند 

يقوم من الليل فيعالج نفسه، أي يجاهد نفسه، فيـــقول الله عز وجـل للــذين وراء الحــجاب الــذين لا تراهم،

انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه ما سألني عبدي فهو له، وأنت لم تصلي بعد فقط مجرد أنك جاهدت وقاومت نفسك لتقوم للصلاة في منتصف الليل،

هذه بمكان عند الله عز وجل يفاخر فيك الملأ الهائل من الملائكة ممن هم وراء الحجاب.


نداء الغفران:

عن أنس بن مالك-رضي الله عنه- عن النبي ﷺ قال:”ما من قومٍ اجتمعوا يذكرون اللهَ عزَّ وجلَّ لا يريدون بذلك إلا وجهَه؛

إلا ناداهم مُنادٍ من السماءِ: أن قوموا مَغفورًا لكم ، قد بُدِّلت سيئاتُكم حسناتٍ” المصدر: صحيح الترغيب 

 لو أن فقط ذنوبنا تكفّر فقط فهذا كرمٌ يكفي؛ لكن الله لا يكفرها فحسب، وإنما يبدل كل سيئة أنت فعلتها إلى حسنة فقط ثوابا لذلك المجلس الذي حضرته.

سواء كنت في بيتك، أو في مدرستك، أو في مكان عملك، أي جلسة يذكر فيها الله عز وجل، تُكتب لك جلسة ذكر ويغفر الله لك ذنوبك بعدها.

وليست القضية بالكَم، فلا يجب أن تكون ساعة قد تكون نصف ساعة أو ربع ساعة فيناديهم مناد من السماء: أن قوموا مغفورًا لكم، قد بدلت سيئاتكم حسنات.


النداء الإلهي:

قال النبي ﷺ:”يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فيَقولُ: مَن يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ له،

مَن يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له” المصدر: صحيح البخاري

تخيلوا كم الحرمان الذي ينحرم منه الإنسان حينما تضيع على نفسك هذه الفرصة ولا يكون لك نصيب،

ولو ربع ولو نصف ساعة قبل الفجر تدعو الله ما تريد وما تشاء عندك كل الدنيا ولكنك لا تملك الآخرة لازلت لا تملك الضمانات.


الدعاء بظهر الغيب

يقول النبي ﷺ:”ما مِن عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لأَخِيهِ بظَهْرِ الغَيْبِ، إلَّا قالَ المَلَكُ: وَلَكَ بمِثْلٍ” المصدر : صحيح مسلم  

الآن أنت في دعائك وطرأ عليك أحد ما، فهذا توفيق من الله؛ لأنه وأنت ترفع يدك تدعو له، يقال لك: ولك بالمثل ولك بالمثل. 

عطاءات الله عظيمة، والدعاء شيء من الأشياء البسيطة التي يفعلها الإنسان وهو لا يعلم ما هو التعقيب الإلهي له. 
دعاء المظلوم:

قال النبي ﷺ:”اتَّقوا دعوةَ المظلومِ، فإنها تُحمَلُ على الغمامِ، يقولُ اللهُ : وعزَّتي وجلالي لأنصرنَّكِ ولو بعدَ حِينٍ” المصدر: صحيح الجامع

كيف تضيق الدنيا على مظلوم،  وهو يعلم أن الله سيـــنصره ولـــو بعــد حـين؟

لو أخذ الله الظالمين في وقتها سيكون الألم بسيط ولكن عندما يأخذهم في قمة جبروتهم يكون أقوى،

لذلك يقال عندما تسقط في أول خطوتين عند صعود الجبل لا يكون السقوط مؤلم مثلما تكون قد وصلت إلى أعلاه وتظن أنك في القمة فقد يكون مؤلم وقد يكون مميت.

فلا يشعر المظلوم أن لا يوجد من يسمعه!

فإن أبواب السماء لا ترد مظلمته وسنصره الله ولو بعد حين. 

فالمؤمن بعالم الغيب لا يمكن أن ينكسر، أو يظن بأن لا أحد معه ألا يوجد حوله أحد،

فأنت لديك عالم غيبي يسندك وهذا فضل الإيمان بالغيب.


نداء للمبتلين:

انظر إلى هذا النداء من عالم الغيب، يقول النبيﷺ: “إذا ابتلى اللهُ العبدَ المسلمَ ببلاءٍ في جسدِه قال اللهُ اكتُبْ له صالحَ عملِه

الذي كان يعملُه فإن شفاه غسلَه وطهَّره وإن قبضه غفَر له ورحمَه” المصدر: إرواء الغليل 

وقال النبي ﷺ:”أنَّ العبدَ إذا كان على طريقةٍ حسنةٍ من العبادةِ ثمَّ مرِضَ قيلَ للملَكِ المُوَّكلِ بهِ

اكتبْ مثلَ عملِهِ إذا كان طليقًا حتَّى أُطْلِقَهُ أو أَكْفِتَهُ إليَّ” المصدر: صحيح الترغيب

الهدف من هذا الحديث ليس فقط أن تعلم أن الله  عز وجل يقول للملك اكتب صالح،

بل أن تشغل حياتك منذ الآن بالعمل الصالح حتى إذا جاءت أي لحظة وشغلتك عن هذا العمل الصالح

مثل:  المرض أو السفر أو إن حبسك حابس،  فالله عز وجل سيكتب لك  العمل الصالح الذي كنت تعمله قبل أن تترك هذا العمل الصالح

لأمر طارئ لك، فلا تبخل على نفسك من عملك للخير.


فضل الذكر: 

قال النبي ﷺ:”من قال:لا إله إلا اللهُ، واللهُ أكبر؛ صَدَّقَهُ ربُّه، فقــال:لا إلـه إلا أنَـا، وأنا أكبرُ، وإذا قـال:لا إله إلا اللهُ وحدَه،

قال: يقولُ:لا إله إلا أنَا وَحْدِي، وإذا قال:لا إله إلااللهُ وحدَه لا شَرِيكَ له، يقولُ اللهُ:لا إله إلا أنَا وَحْدِي لا شَرِيكَ لي،

وإذا قال:لا إله إلا اللهُ، له الملكُ وله الحمدُ، قال:لا إله إلا أنَا، لِيَ الملكُ ولِيَ الحمدُ،

وإذا قال:لا إله إلا اللهُ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ، قال:لاإله إلا أنَا، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بي” المصدر: تخريج مشكاة المصابيح 


الحـــب الإلــهي

قال تعالى في الحديث القدسي:”لا يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أحبَّهُ فإذا أحببتُهُ كنتُ سمعَهُ الَّذي يسمعُ بِهِ

وبصرَهُ الَّذي يبصرُ بِهِ ويدَهُ الَّتي يبطشُ بِها ورجلَهُ الَّتي يمشي بِها”المصدر:صحيح الفتاوى

فإذا أراد الإنسان أن يحسن علاقته مع الله عز وجل فليبدأ بالفرائض، وانظر إلى الحلال والحرام والأوامر والنواهي في حياتك،

وضعها في قائمة واعمل على تجويدها وأول ما يبدأ به العبد هو صلاته.


نداء القبول:

قال النبي ﷺ:”إذا أحَبَّ اللهُ عبدًا نادَى جِبريلَ : إنَّ اللهَ يُحِبُّ فلانًا فأحِبَّه ، فيُحِبُّه جِبريلُ ،

فيُنادِي جِبريلُ في أهلِ السماءِ : إنَّ اللهَ يُحِبُّ فلانًا فأحِبُّوه ، فيُحِبُّه أهـــلُ الســــماءِ ثمَّ يُــوضَعُ لهُ القَــبولُ فــي الأرضِ”المصدر: صحيح الجامع


هذا الإنسان في الدنيا لا يعلم أن هذا كله حصل في عالم الغيب، ولكن لما أحبه الله عز وجل أصبحت النداءات في عالم الغيب،

فعندما يحبه الله عز وجل وينادي جبريل إني أحب فلان فأحبه، فيحبه جبريل مباشرة،

ثم ينادى في السماوات السبع بكل ما فيها من الملائكة، فهل تستطيع تصور هذا؟ 

فارفع عينيك للسماء وانظر إليها وتخيل كم عدد الملائكة، والذي لا يخلو موضع أربع أصابع إلا فيه ملك ساجد أو ملك راكع،

كل هؤلاء يناديهم جبريل -عليه السلام- ،قال تعالى:”إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا” (مريم :٩٦)

اختم بخير: 
قال النبي ﷺ :”إذا أوى الرَّجُلُ إلى فراشِه أتاه ملَكٌ وشيطانٌ فيقولُ الملَكُ: اختِمْ بخيرٍ

ويقولُ الشَّيطانُ: اختِمْ بشَرٍّ فإنْ ذكَر اللهَ ثمَّ نام باتتِ الملائكةُ تكلَؤُه فإنِ استيقَظ قال الملَكُ: افتَحْ بخيرٍ

وقال الشَّيطانُ: افتَحْ بشَرٍّ فإنْ قال: الحمدُ للهِ الَّذي ردَّ عليَّ نَفْسي ولم يُمِتْها في منامِها الحمدُ للهِ الَّذي يُمسِكُ السَّمواتِ والأرضَ أنْ تزولا ( إلى آخِرِ الآيةِ )

الحمدُ للهِ الَّذي يُمسِكُ السَّماءَ أنْ تقَعَ على الأرضِ إلَّا بإذنِه فإنْ وقَع مِن سريرِه فمات دخَل الجنَّةَ” المصدر : صحيح ابن حبان

هذه فقط كانت طائفة من النداءات التي تحصل في عالم الغيب، وشيء من التعقيب الذي يعقبه الله عز وجل لأعمال فعلها العبد.

أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يُنادى عليهم بروح وريحان، وربِّ راضٍ غير غضبان.


تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.