من أنوار النبوة

بتاريخ ١٥ / ١١ / ١٤٤١ هـ

---

لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط)

---

الملخص:

نورُ النبوة نهجُ سيرٍ وضّاء 

أحاديثه ﷺ نورٌ السالكين، وأمانُ قلبِ العارفين 

سنتناول أحاديثه ﷺ.. ولنا فيه اهتداءٌ وضياء 

الحديث الأول:

قال رسول الله ﷺ: يقولُ اللَّهُ: (إذا أرادَ عَبْدِي أنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً، فلا تَكْتُبُوها عليه حتَّى يَعْمَلَها، فإنْ عَمِلَها فاكْتُبُوها بمِثْلِها، وإنْ تَرَكَها مِن أجْلِي فاكْتُبُوها له حَسَنَةً، وإذا أرادَ أنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْها فاكْتُبُوها له حَسَنَةً، فإنْ عَمِلَها فاكْتُبُوها له بعَشْرِ أمْثالِها إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ).

المصدر: صحيح البخاري

هذا الحديث من قوله تعالى على لسان نبيه.

يقول الله أن من همّ بعمل حسنة ولم يعملها فاكتبوها له.. بر بوالدة، ابتسامة، معروف، لا تكتب واحدةفقط! تكتب حسنة واحدة إلى سبعمائة ضعف .

ولو الإنسان همّ فقط! 

كأن تنوي قبل نومك أن تعمل من غدك كذا وكذا من العمل الصالح، مباشرة تكتب لك حسنة وإن لم تعملها .

---

الحديث الثاني:

عن محمود بن لبيد الأنصاري إنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: إنَّ أخْوَفَ ما أخافُ عليكم… فذَكَرَ مَعْناه. [أي مَعْنى حديثِ: إنَّ أخْوَفَ ما أخافُ عليكم الشِّركُ الأصغَرُ. قالوا: وما الشِّركُ الأصغَرُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: الرِّياءُ، يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ لهم يَومَ القيامةِ، إذا جُزِيَ الناسُ بأعْمالِهِم: اذْهَبوا إلى الذين كُنتُم تُراؤونَ في الدُّنيا، فانْظُروا هل تَجِدونَ عندَهم جَزاءً!]

 المصدر: حديث حسن أخرجه أحمد والبيهقي.

فأحدهم عمل خيرًا لأجل الناس ولنظرة الناس، لا نتحدث عمن عمل سوء فذلك ذنبه أعظم، حديثنا عمن فعل الخير لأجل الناس، ليس حياءاً من الناس ولا لأجل الفعل ذاته، بل حتى يقال عنه أن هذا إنسان مؤمن، هذا إنسان مُصلّي.. حتى يزكونه!

---

الحديث الثالث : 

 قال النبي ﷺ: “يقولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَن جَاءَ بالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ، وَمَن جَاءَ بالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا، أَوْ أَغْفِرُ وَمَن تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ منه ذِرَاعًا، وَمَن تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ منه بَاعًا، وَمَن أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً، وَمَن لَقِيَنِي بقُرَابِ الأرْضِ خَطِيئَةً لا يُشْرِكُ بي شيئًا لَقِيتُهُ بمِثْلِهَا مَغْفِرَةً.”

و مصداق هذا الحديث ما يقوله عز وجل في الحديث الآخر عن النبي عليه الصلاة والسلام: “قال الله تعالى: ( يا ابنَ آدمَ! إِنَّكَ ما دعوتَني ورجوتَني غفرتُ لكَ على ما كان منكَ ولا أُبالي، يا ابنَ آدمَ! لو بلغَتْ ذنوبُكَ عنانَ السماءِ ثُمَّ استغفرتَني غفرتُ لَكَ ولَا أُبالِي، يا ابنَ آدمَ! لَوْ أَنَّكَ أَتَيْتَني بقُرابِ الأرضِ خطايا ثُمَّ لقيتَني لا تُشْرِكُ بي شيئًا لأتيتُكَ بقُرابِها مغفرةً ) 

أخرجه الترمذي

إذًا الشاهد هنا ليست كثرة الذنب! ولا كثرة الخطايا!  فالله عز وجل يقول “لو أتيتني بقراب الأرض خطايا” بمعنى ليس لديك شيء من العمل إلا ملئ الأرض من الذنوب والخطايا، لكنك لقيت الله عز وجل لا تشرك به شيئا، فكل هذه الذنوب يغفرها الله عز وجل طالما أنك لا تشرك به شيئا.

عن أبي سعيد الخدري أن الرسول عليه الصلاة والسلام: ( إنَّ إبليسَ قال لربِّه عَزَّ وجَلَّ وعِزَّتِك وجلالِك لا أبرَحُ أغوي بني آدَمَ ما دامتِ الأرواحُ فيهم فقال له ربُّه فبعِزَّتي وجَلالي لا أبرَحُ أغفِرُ لهم ما استغفَروني).

المصدر:  مجمع الزوائد

فإن كنا نعلم أن تلك وظيفة الشيطان، فعلّك ألّا ترضى بأن تغرب شمس أو تشرق شمس اليوم التالي إلا وقد ملأت صحيفتك استغفارًا، فلا تنتظر أن يكبر بك العمر أو أن تقع في الذنب الكبير حتى تستغفر، استغفر حتى من الذنوب الصغيرة وفلتات اللسان وما يُرى في المتصفحات و مواقع التواصل الاجتماعي.

الله أقسم بأنه سيغفر لعباده ما داموا يستغفرون، وفيه إشادة بأن على الإنسان ألا يكلّ ولا يمل، ولا يحيد عن الاستغفار. 

---

الحديث الخامس : 

روت عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال : (مَن أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَن كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ فَقُلتُ: يا نَبِيَّ اللهِ أَكَرَاهيةُ المَوْتِ؟ فَكُلُّنَا نَكْرَهُ المَوْتَ، فَقالَ: ليسَ كَذَلِكِ، وَلَكِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا بُشِّرَ برَحْمَةِ اللهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ، أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، فأحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وإنَّ الكَافِرَ إِذَا بُشِّرَ بعَذَابِ اللهِ وَسَخَطِهِ، كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ)

 المصدر : صحيح مسلم 

إذاً الأعمال ليست فقط بالخواتيم، ولكن يوجد شيء في آخر لحظة والتي يرى فيها الإنسان الحياتين، فيرى الناس من حوله وكذلك أيضاً يرى الناس الذين أمامه.

قيل أن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- كان في مرض موته، وفي آخر لحظاته ويجلس حوله بعض الأشخاص، وقد أحدّ النظر ( أي: أنه رأى أشخاص أمامه}. فقال له ابنه: يا أبتي إنك تُحد النظر. فقال عمر: إني رأيت خلقاً لا هم إنسٌ ولا هم جن. ولم يلبث حتى مات.
فلما تأتيك لحظة الموت ،فمن سوف ترى؟
ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب!
ملائكة الرحمة يأتون بوجوههم النيرة الوضاءة معهم قطع الحرير من الجنة ليكفنوه فيها، ويأتي الملك حتى يقول له في أذنه: ( يا أيتها النفس المطمئنة أخرجي إلى ربٍ راضٍ غير غضبان).  

فتخيل ..وأنت تسمع النداء الأخير، وأنت ترى فوزك ولست بخائف من الموت وتعلم في تلك اللحظة أنك نجحت وفزت ولم تخسر في الامتحان، وتعلم لو أنك الآن أغمضت عينيك و ذهبت روحك، فذهابها سيكون عبارة عن عرس تزف من سماء إلى سماء،
إذاً من الذي سوف يخاف في هذه اللحظة؟!  هذا ما كان يقصده النبي ﷺ حين قالَ اللَّهُ تعالى  ( إذا أحَبَّ عَبْدِي لِقائِي أحْبَبْتُ لِقاءَهُ، وإذا كَرِهَ  لِقائِي كَرِهْتُ لِقاءَهُ)

المصدر : صحيح البخاري

---

الحديث السادس : 

مُرَّ بجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَمُرَّ بجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا، فَقالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، قالَ عُمَرُ: فِدًى لكَ أَبِي وَأُمِّي، مُرَّ بجَنَازَةٍ، فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرٌ، فَقُلْتَ: وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَمُرَّ بجَنَازَةٍ، فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرٌّ، فَقُلْتَ: وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ؟ فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: مَن أَثْنَيْتُمْ عليه خَيْرًا وَجَبَتْ له الجَنَّةُ، وَمَن أَثْنَيْتُمْ عليه شَرًّا وَجَبَتْ له النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ في الأرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ في الأرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ في الأرْضِ. 

الراوي : أنس بن مالك | المصدر: صحيح مسلم.

فلا تقل  لايهمني أحد وسوف أفعل ما أريد ولا يهمني رأي الناس، فإن لنبي عليه الصلاة والسلام يقول : أنتم شهداء الله في الأرض.

فتخيل.. أن الله يشفع للميت من ثناء  الناس له!

الحديث السابع: 

عن حذيفة بن اليمان ، قال النبي عليه الصلاة والسلام: {تَلَقَّتِ المَلائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ، فقالوا: أعَمِلْتَ مِنَ الخَيْرِ شيئًا؟ قالَ: لا، قالوا: تَذَكَّرْ، قالَ: كُنْتُ أُدايِنُ النَّاسَ فَآمُرُ فِتْيانِي أنْ يُنْظِرُوا المُعْسِرَ، ويَتَجَوَّزُوا عَنِ المُوسِرِ، قالَ: قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: تَجَوَّزُوا عنْه}.

المصدر : صحيح مسلم.

أي كان يأمر من يعملون لديه في جمع الأموال أن يتجاوزوا عن -المعسر- الذي لا يستطيع قضاء دينه، والموسر أيضاً يسروا عليه فلا تأخذوا كل ما لديه من مال.

لذلك لا تحقر من المعروف شيء قط!

هذا الرجل لم يعمل خيراً قط إلا أنه يملك هذه الصفة، يُنظِر الناس يعطيهم ولا يشدد عليهم. 

---

الحديث الثامن: 

يقول النبي ﷺ: قالَ اللَّهُ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولَا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ، فَاقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ {فلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لهمْ مِن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} 

المصدر : صحيح البخاري 

---

هذا حديث قدسي وله شواهد: 

قال النبي ﷺ: إنَّ في الجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ في ظِلِّهَا مِئَةَ سَنَةٍ، واقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة: 30] ولَقَابُ قَوْسِ أحَدِكُمْ في الجَنَّةِ خَيْرٌ ممَّا طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ أوْ تَغْرُبُ..)

المصدر صحيح البخاري

قاب قوس: الانحناء في القوس الذي نراه مابين القوس والخيط الذي يشده 30-40 سم يقول عنها ﷺ عن هذه المساحة َوقَابُ قَوْسِ أحَدِكُمْ في الجَنَّةِ خَيْرٌ ممَّا طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ أوْ تَغْرُبُ .

---

الحديث التاسع: 

عن عقبة بن عامر ،قال النبيَّ ﷺ: “[ يقومُ ] الرَّجلُ مِن أمتي منَ اللَّيلِ يعالجُ نفسَهُ إلى الطَّهورِ وعليهِ عُقدٌ فإذا وضَّأَ يديهِ انحلَّت عُقدةٌ، وإذا وضَّأَ وجهَهُ انحلَّت عقدةٌ، وإذا مسحَ رأسَهُ انحلَّت عقدةٌ وإذا وضَّأَ رجليهِ انحلَّت عقدةٌ، فيقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ للَّذين وراءَ الحجابِ: انظروا إلى عَبدي هذا يعالجُ نفسَه يسألُني ما سألَني عبدي هذا فَهوَ لَهُ، [ ما سألَني عبدي هذا فَهوَ لَهُ ]“

المصدر : صحيح الموارد 

مجرد قيامك من نومك و وضوؤك وقيامك لتصلي ركعتين من أجل الله، لن يُذهبه الله هباءً، فسل الله ما شئت في صلاتك لأن الله سيستجيب لك إذا دعوته. 

إذا كانت لديك حاجة لا تفوت الفرصة عليك؛ لأن الله في ذلك الوقت سيعطيك ما تريد. 

---

الحديث العاشر : 

عن أبي سعيد الخدري قال النبي ﷺ: “إنَّ الرَّجُلَ لَيَتْبَعُه يومَ القيامةِ أمثالُ الجبالِ مِنَ الحسناتِ، فيقول: أَنَّى هذا؟! فيقولُ: باستغفارِ ولدِكَ لكَ مِن بَعْدِكَ“

 المصدر : الضعفاء الكبير 

الإنسان إذا مات انقطعت جميع أعماله ولكن بسبب دعاء ابنه يرتفع درجات في الجنة 

لمثل ذلك فأعدوا أبناءكم، التربية لا تكون بأن تلبس أولادك أحسن ملابس، ولا أن تدرسهم في أحسن المدارس، لكن التربية تكون لأجل أن يرتفعوا ويرفعوكم في الجنة. 

---

الحديث الحادي عشر: 

روى أبو هريرة أن رسول ﷺ عادَ مَريضًا ومعه أبو هُرَيرةَ مِن وَعكٍ كان به، فقال له رسولُ اللهِ ﷺ: أبشِرْ، إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يَقولُ: ناري أُسَلِّطُها على عَبدي المُؤمِنِ في الدُّنيا، لِتَكونَ حَظَّه مِن النَّارِ في الآخِرَةِ”

المصدر : تخريج المسند

إذًا عندما يأتيك مرض لا تتأفف وتجزع على الله، قد يكون مؤلم ومتعب، لكن تذكر أن هذه الحمى هي نصيبك من نار الآخرة، فيخفف عنك من نار الآخرة بنار الدنيا.

ومصداق ذلك أحاديث كثيرة منها ما  قال رسول الله ﷺ: “ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ“

المصدر : صحيح البخاري 

هذا غيض من فيض الأحاديث القدسية التي جاءت على لسان النبي ﷺ

أسأل الله أن يحشرنا مع نبيه ﷺ وأن يرزقنا فعل الخيرات وترك المنكرات

---

* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.