بتاريخ ١٤/ ٨/ ١٤٤٤ هـ
لسماع المحاضرة صوتًا
( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له
ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد
فهل مرت فيك لحظات شعرت فيها أنك تململت من حياتك؟
وأنك ترفض الواقع الذي تعيش فيه؟
وأنك تريد أن تتغير فلا تستطيع؟ وهل تشعر أحيانًا أنك ترى النور لكنك لا تستطيع الوصول إليه، وكأنه يحول دونك ودون هذا النور حائل؟
وهل عرفت يومًا ما هو الصواب وما هو الحق ثم لم تستطع أن تكون من أصحابه ومن أهله؟
وفي المقابل أخذت الطريق الخطأ وأنت تعرف أنه هو الخطأ؟
فأحيانًا يكون كما قال ابن القيم: يعرف الإنسان الحق ويعرف الصواب لكنه لا يرزق العزيمة على العمل به
ولو رُزِق العزيمة فلا يرزق الإرادة، ولو رُزقهما فلا يرزق العمل نفسه، ولو رُزق العمل لم يرزق الثبات عليه.
فالإنسان ضعيف يحتاج إلى معونة الله سبحانه في كل لحظة من هذه اللحظات.
ولحلّ هذا الواقع نحتاج أولًا أن نعلم الصواب ونعرف الطريق، وبعد ذلك تأتي خطوة ثانية سنحكي عنها هذه الليلة وهي تأتي بعد معرفة أين الصواب.
هذا الإنسان الذي هو أنا وأنت كائن عجيب، ليس بالضرورة إذا عرف الحق اتبعه، وليس أيضًا بالضرورة إذا عرف أن هذا الشيء يضره فإنه يتركه.
من هذا التصور المبدئي سندخل في هذا المعنى العميق:
فما الذي يحول دون الإنسان؟ كيف لإنسان في قواه العقلية يعرف أن هذا هو الحق وأن هذا الشيء هو الذي ينفعني وأن هذا الشيء
هو الذي سيصلح أمري في الدنيا وفي الآخرة ومع ذلك لا يفعله، وأن الشيء الذي أفعله الآن وطريقة حياتي التي أنا أعيش فيها ستضرني عاجلًا
وآجلًا وكأنه جالس في هذه الحياة ينتظر العقاب، ويعلم أنه لو مات سيعذب عليه! ما الذي يجعل الإنسان يحيا هذه الحياة؟
كان من دعاء السلف رحمهم الله: (اللهم أرني الحق حقًّا وارزقني اتباعه وأرني الباطل باطلًا وارزقني اجتنابه)
وكما في حديث علي -رضي الله عنه- قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :” قل اللهم اهدني و سددني …” أخرجه مسلم في صحيحه.
والرزق هنا هو هذه المعرفة أن تعرف الحق وتعرف الباطل، كثير من الناس لديهم المعلومات، وبإمكانهم إعطاؤك معلومات
أحسن من التي عندك، لكن ليست قضية المعرفة، إنما هي هل تحول هذا العلم إلى عمل مطبق في واقع وحياة أم لا؟
ولذلك فاليوم سنتحدث عما يحول بين الإنسان وبين أن يفعل هذا الصواب؟
باختصار هناك مفاتيح وهناك مغاليق، والذي سنتحدث عنه في هذه الليلة هو ما الذي يجعل الإنسان يهدى إلى الطريق الصحيح
ويستنير قلبه للنور، وما الذي يجعله أحيانًا يغلق دونه ودون هذا النور ويغلق دونه ودون هذه الهداية؟
حديثنا اليوم عن عشرة مفاتيح، يمكننا أن نسميها مفاتيح الهداية أو مفاتيح التوفيق، وهذه المفاتيح إذا تخلفت في الإنسان تخلف الهدى عنه وتخلف النور عنه.
مفاتيح الهداية:
التخلص من موانع الهداية:
أول مفتاح من هذه المفاتيح هو أن تتخلص أساسًا من موانع الهداية، فقد يكون في حياتك ما يمنع الهدى من أن يصل إليك، وموانع الهداية تختلف من شخص لآخر
مثل الكبر وكثرة الذنوب، والعمل على إزالة ما يمنع القرب من الله.
الإنابة:
الرجوع المستمر إلى الله في كل الأوقات، سواء بعد ذنب أو شعور بالوحشة. قال تعالى: “وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ”.
الاعتصام بالله والتوكل عليه:
في لحظات الابتلاء والفتن، يكون الاعتصام بالله مصدر القوة والهداية. قال تعالى: “وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ”.
الاستهداء بالدعاء:
طلب الهداية من الله بإلحاح وتضرع. مثل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك”.
في سورة الفاتحة (اهدنا الصراط المستقيم) نقولها أكثر من 16 مرة في اليوم، وتزيد مع السنن، لماذا نكررها كثيرًا؟
لأن لا معنى للحياة لو عشت تأكل وتشرب لكنك منعت من الهداية، ما قيمتك لو لم يكن لك منزلة عند الله عزوجل وقد بلغت من العمر ما بلغت!
المجاهدة:
مجاهدة النفس والهوى والشيطان للوصول إلى الحق. قال تعالى: “وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا”
نجاهد ماذا؟ هناك من يجاهد نفسه، وهناك من يجاهد هواه، وهناك من يجاهد شيطانه، وهناك من يجاهد منصبه، وهناك من يجاهد الحرام.
كل واحد منا لديه نوع من أنواع المجاهدة التي عليه أن يجاهدها، ولو أن إنسان قال أنا أستسلم ما أستطيع أجلس طول حياتي في جهاد، فإنا نقول
أن الإنسان خلق في كبد، فهذه الحياة ما خلقت لتكون نعيمًا هي خلقت حتى يختبرنا الله عز وجل فيها كيف نكون
إذًا نحن في هذه الحياة نحتاج إلى الكثير من المجاهدة، ونحتاج إلى اللجوء إلى الله ليساعدنا على أنفسنا، فيقوي عزمنا.
الإخلاص:
أنك لا ترجو هذه الهداية من أجل الناس، ولا ترجوها أيضًا لتسعد نفسك، وتغير من نمط حياتك
التي مللتها فقط، بل تكون تريد الهداية ليرضى الله عنك ولتقترب من الله، لأن الله سبحانه لو رضي عن عبده فكل شيء ثانٍ في الحياة
سوف يكون أسهل، فمن وجد الله فماذا فقد؟ ومن فقد الله فماذا وجد؟ هذا المفهوم إذا استقر في ذهنك ستعرفين أني أنا لو فقدت الله في حياتي فماذا وجدت؟
من الناس الذين سيملؤون هذا الفراغ؟ وإذا وجدتِ الله عز وجل و كان هو الأهم في حياتك إذًا كل ما فقدتيه من الدنيا فهو معوض
ولذلك الإخلاص لله عز وجل أن ترجو ما عند وجه الله عز و جل، والدليل ذكرناه مسبقًا وهو قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) وكيف تدل هذه الآية على الإخلاص؟
(والذين جاهدوا فينا) فلم يكن يجاهد لأي أحد، إنما يجاهد نفسه إرضاءً لله عز وجل ولوجه الله، ولذا كان الوعد له (لنهدينهم سبلنا).
اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم:
إذا أردت أن الله سبحانه يهديك، فابحث عن منابع الهدى، وأكبر المنابع هي سنة النبي عليه الصلاة والسلام.
قال تعالى: “وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ”.
الاستهداء بالقرآن:
قراءة القرآن بروح الباحث عن الهداية وحلول المشكلات، فهو مصدر النور. قال تعالى: “هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ”.
التقوى:
التقوى هو عمل قلبي يوصلك للهدى، ودليل أن التقوى مفتاحٌ للهداية في قوله تعالى: (الم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)البقرة
فهذا الهدى ليس لأي أحد ولا يعطى لأي أحد وإنما هو هدى للمتقين، ولنرجع لكلمة التقوى بمعناها اللغوي وهو الاتقاء، ما معنى الاتقاء أي أنك حين تخاف من شيء فتتقيه.
خشية الله:
وخشية الله ليست نتيجة، يقول الله تعالى: (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ ۖ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) [يس 11]
فالذي ينتفع بهذه الهداية هم الذين يخشون ربهم، والمؤمن يطير إلى ربه بجناحي الخوف والرجاء
فكما ترجو الله أن يهديك لا بد أيضًا أن تخاف من الله وتخشى عقوبته.
فكلاهما جناحين لا يغلب أحدهما الآخر فلا الخوف يغلب ولا الرجاء يغلب ورأس الطائر أو ذيله المحبة.
هذه الأعمال القلبية يجب أن يتفحصها الإنسان في قلبه: الخشية من الله، المجاهدة والإخلاص والإنابة، وأن تتخلص
من كل موانع الهداية وأن تستهدي بالدعاء وبالقرآن وبسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخيرًا خاتمة هذا كله أو إن شئت جعلته المفتاح الحادي عشر، وهو موجود في قول الله
(وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (68) (66)النساء)
فلو كان الإنسان يريد أن يُهدى لهذا الصراط المستقيم إذن فليحرك العلم إلى عمل.
أسأل الله أن يجعلني وإياكم من المهتدين بهداه وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه وأن يجعل خير أعمالنا خواتمها
وخير أيامنا يوم نلقاه. هذا والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.