بتاريخ ١٦/ ١/ ١٤٤٦ هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )

غاية المنتهى وأقصى ما يتمناه العبد أن يحبه الله ويرضى عنه.

 والعبد يعيش بين أمر يريده الله -ﷻ- منا، فيحاول ويجاهد أن يعمل به، وأمر لا يرضاه الله -ﷻ- ولا يحبه منه، فنسعى لتركه، وهنا يجب أن نقرر حقيقتين:

الأولى: أن الله لا يقبل إيماناً بلا عمل، ولذلك كثيرا ما يقرن الله عز وجل بين هذين الاثنين: «الذين امنوا وعملوا الصالحات»،

قال الله -ﷻ-: ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( سورة النحل:٩٧

كما لا يقبل عملاً صالحاً بلا إيمان، ومن ذلك أنه قال عن المنافقين الذين يعملون الصالحات ظاهراً دون إيمانٍ صادق أنهم في الدرك الأسفل من النار. 

الثانية: أن الحسنات والسيئات ستوزنان بميزان حقيقي له كفة، لا نعرف حجمه ولا شكله،

ولا نعرف كيف ستوزن فيه أعمال العباد، فقط نؤمن بوجوده كما ذكره لنا الشارع سبحانه.

إذاً معرفة هذه الحقائق تدفعنا إلى الإكثار من العمل وإلى تجويده وإخلاصه لله جل في عُلاه! 

ماذا يحب الله؟

١- أن تنشغل بواجب وقتك، فلو كنت تقرأ القرآن وأذن المؤذن، أيهما أولى؟ مع أن قراءة القرآن هي أفضل الذكر،

لكن واجب الوقت عند سماع الأذان ترديده، فهو الأفضل. فأحب الأعمال إلى الله –تعالى- هي التي تنشغل فيها بواجب الوقت.

 ٢- أي عمل يداوم عليه صاحبه يحبه الله عز وجل وإن كان قليلاً. قال -ﷺ- : (أَحَبُّ العَمَلِ إلى اللهِ ما دَاوَمَ عليه صَاحِبُهُ، وإنْ قَلَّ) صحيح مسلم.

ومن عظيم فضل الله –سبحانه- أنك إن انقطعت عن تلك الأعمال التي داومت عليها لمرضٍ أو عارض،

أجرى لك أجور تلك الأعمال كأنك عملتها، جزاءً لمداومتك عليها.

٣- أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها، لماذا الصلاة هي أحب الأعمال التي من الممكن أن يتعبد الإنسان ربه بها؟

لأن فيها كل هيئات العبودية، ففيها الركوع والسجود والتسبيح والتحميد والتهليل والدعاء وقراءة القرآن،

كما أن كل العبادات في شرعنا نزل بها جبريل على النبي -ﷺ- إلا الصلاة التي فرضت عندما أسري بالنبي -ﷺ- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فصلى بالأنبياء،

ثم عرج به إلى السماء الأولى ثم السماء الدنيا إلى السماء السابعة إلى موطن لا يصله بشر، فارتفع النبي -ﷺ- حتى سمع صرير الأقلام بجريان القدر وكلمه ربه مباشرة. 

عندما سئل -ﷺ- أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قالَ-ﷺ-: (الصَّلاةُ علَى وقْتِها، قالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: ثُمَّ برُّ الوالِدَيْن) صحيح البخاري.

 لاحظوا أنه قدم بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله، نحن نرى المجاهد يقاتل بصدر عارٍ لا يملكشيئاً يحتمي به،

ومع هذا قدم الله بر الوالدين على الجهاد في سبيله، هذا يعني أن بر الوالدين شيء عظيم جداً،

وعند ذكر الوالدين أقصدهما بكل حالاتهما، وأحوالهما وأعمارهما. قال –تعالى-: (وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّیَانِی صَغِیرا) سورة الإسراء: ٢٤

٤- من الأشياء التي يحبها الله -ﷻ- : معالي الأمور، ويكره سفاسفها. قال -ﷺ-  : (إنَّ اللَّهَ يحبُّ معاليَ الأمورِ ويَكرَهُ سَفسافَها) حديث صحيح.

فالسؤال لك أنت: لماذا ترضى بأقل القليل؟ الله يحب معالي الأمور وأشرافها، والمقصود هنا ليس الشرف الذي يتنافس عليه الناس والمجد والشهرة،

بل العمل الشريف، كما يحب الله -ﷻ- من الناس القوة، قال -ﷺ- : (الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ)صحيح مسلم.

٥- العفو، قال -ﷺ-  : (إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ في الأمْرِ كُلِّهِ)صحيح البخاري.

وعنه   قال: (يا عائِشَةُ إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، ويُعْطِي علَى الرِّفْقِ ما لا يُعْطِي علَى العُنْفِ، وما لا يُعْطِي علَى ما سِواهُ(صحيح مسلم.

رفيق قيل أي: لطيف بعباده يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر، ويحب الله عز وجل العذر.

وقال -ﷺ-  : (ولَا أحدَ أحبَّ إليهِ العذرُ مِنَ اللهِ ، مِنْ أجلِ ذلِكَ أنزلَ الكتابِ ، وأرسلَ الرُّسُلَ) صحيح الجامع.

عفوك عن أخيك من معالي الأخلاق، وهو من صفات الله -ﷻ- أنه عفو ويحب العفو، ولو فتش كل منا سيجد أنه يخطئ لا محالة،

فكلنا بشر، ولذلك إن أردت أن يعفو الله -ﷻ- عنك، فاعف أنت عن خلقه.

٦- ويحب الله -ﷻ- الحلم والأناة، لأن الذي يعذر ويعفو، هو إنسان يتصف بالحلم والأناة، قالَ رَسولُ اللهِ -ﷺ- لِلأَشَجِّ، أشَجِّ عبدِ القَيْسِ: إنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُما اللَّهُ: الحِلْمُ، والأناةُ( صحيح مسلم.

 والأناة: التأني، فهو هادئ لا يتسرع، والحلم: أن تتمالك نفسك في لحظة الغضب. قال -ﷺ- : (ومَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ) صحيح البخاري.

٧- ويحب الله -ﷻ-الحياء والستر، عَنْ يَعْلَى، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ ‌الْحَيَاءَ ‌وَالسَّتْرَ… » ]أخرجه ابي داود، وقال الالباني : صحيح

[ نحن فُطرنا على الستر والحياء، فيفترض بنا أن نقيس الجمال بمقياس ما يريده الله -ﷻ- وما يحبه ويرضاه، في ملبسنا وشأننا كله.

٨- إن الله جميل يحب الجمال، لكن ما الجمال الذي يحبه؟ هل هو جمال الصورة فقط؟

قال رسول الله -ﷺ-: (إنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وأَمْوالِكُمْ، ولَكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ وأَعْمالِكُمْ)صحيح مسلم.

فالله -ﷻ- ينظر إلى جمال القلب، وإلى جمال الروح، وجمال الإيمان والأخلاق.


٩- يحب الله -تبارك وتعالى- أن تؤتى رُخَصُه، قال-ﷺ- : (إنَّ اللهَ يحبُّ أنْ تؤتَى رخصُه كما يحبُّ أنْ تؤتَى عزائمُه)حديث صحيح.

والرخصة: التخفيف في الحكم الشرعي لسبب، كإباحة ترك الصيام في السفر، قال : ( ليسَ منَ البرِّ الصِّيامُ في السَّفرِ)صحيح النسائي. المقصود هنا سفر الطاعة وليس سفر معصية.

١٠- يحب الله -ﷻ -إتقان العمل وإحسانه، قال -ﷺ-: (إنَّ اللهَ تعالى يحبُّ إذا عملَ أحدُكمْ عملًا أنْ يتقنَهُ )الجامع الصغير.

 وقال في الحديث الآخر-ﷺ-: (يُحِبُّ اللهُ العامِلَ إذا عَمِلَ أن يُحْسِنَ)الجامع الصغير.


١١- يحب الله -ﷻ- الغيرة في الريبة قال -ﷺ-: (إنَّ منَ الغَيرةِ : ما يحبُّ اللَّهُ عزَّ وجلَّ ، ومنها ما يُبغِضُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ )صحيح النسائي.

الإنسان الذي يوسوس بغير أسباب لا يحبه الله، أما الغيرة في الريبة فهذه من الغيرة التي يُشجَّع عليها الإنسان،

ويجب أن يكون يربّى الأولاد عليها وهي غيرة الفطرة أن يغار على انتهاك حرمات الله ولا تُقتل تلك الغيرة فيهم.

١٢- أيضا مما يحبه الله -ﷻ- أن تدخل السرور على مسلم، قال النبي عليه الصلاة والسلام:

“…وأحب الأعمال إلى الله عز وجل ‌سرور ‌تدخله ‌على ‌مسلم ….».[أخرجه الطبراني، وقال الالباني : حسن] 

 لا تستهينوا بشأن إدخال السرور على مسلم، تسعده بمكالمة، بابتسامة، بترحيبٍ حار، أحيانا نحصر معنى السرور في هدية أو في شيءٍ كبير،

لا.. قد يكون بشارةً أو خبراً مبهجاً، شأن هذا الأمر عظيمٌ عند الله تعالى ونحن في أمسّ الحاجة إليه.


١٣- يحب الله -ﷻ- أن تلح عليه في الدعاء. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ ‌يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي ” [أخرجه البخاري ، صحيح ]
أستاذة تهاني الحزيمي قالت ذات مرة: “كونوا دعّائين” جميل هذا المصطلح، دعائين أي ملحّين في الدعاء،

لا أن تدعو من طرف لسانك، أو مرة أو مرتين، بل تقف على الباب تدعو ولو استحال الأمر أو انتفت الأسباب، فالله -سبحانه- إن قال كن سيكون، فيلزم الإنسان الإلحاح على الكريم الوهاب.

١٤- ومن أحب الأعمال إلى الله أن تموت ولسانك رطبٌ من ذكر الله -ﷻ-، سُئل النَّبيَّ -ﷺ-: أيُّ الأعمالِ أحَبُّ إلى اللهِ تعالى؟ قال: (أن تموتَ، ولِسانُك رَطْبٌ مِن ذِكرِ اللهِ)حديث حسن.


١٥- أريد أن أختم بهذا الحديث عن رسول الله-ﷺ-: (أنَّ رَجُلًا زارَ أخًا له في قَرْيَةٍ أُخْرَى، فأرْصَدَ اللَّهُ له علَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أتَى عليه، قالَ: أيْنَ تُرِيدُ؟ قالَ: أُرِيدُ أخًا لي في هذِه القَرْيَةِ، قالَ: هلْ لكَ عليه مِن نِعْمَةٍ تَرُبُّها؟ قالَ: لا، غيرَ أنِّي أحْبَبْتُهُ في اللهِ عزَّ وجلَّ، قالَ: فإنِّي رَسولُ اللهِ إلَيْكَ بأنَّ اللَّهَ قدْ أحَبَّكَ كما أحْبَبْتَهُ فِيهِ) صحيح مسلم.

وعنه -ﷺ-عن رب العزة-ﷻ- أنه قال: (وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، وللمتجالسين فيَّ، وللمتزاورين فيَّ)إسناده صحيح.

الله يحب من يتزاورون فيه، ويتواصلون فيه، ويتباذلون فيه، ويتجالسون فيه، فلا تستهِن حتى بمشاعر حبك حينما يكون هذا الحب خالصا لله -ﷻ-.

 أسأل الله أن يجعلنا من المتجالسين فيه، والمتزاورين فيه و المتواصلين فيه، وأن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يزِدنا علما. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد -ﷺ- وعلى أله وصحبه أجمعين.


* تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.