بتاريخ ١٢/ ١١ /١٤٤٥هـ


لسماع المحاضرة صوتًا

( كرمًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط )

الملخص


لا ترض بالنقص 

هل يمكن أن يملك الإنسان شخصية إسلامية؟ حديثنا اليوم حول صفات شخصيتنا الإسلامية،

وهل يمكن للإنسان أن يملك هذه الشخصية؟ الجواب نعم

فبمجرد أن يكون الإنسان مسلمًا فلا بد أن يتحلى بمجموعة من الصفات التي تحدد أنه ذو شخصية مسلمة أو شخصية إسلامية.

لماذا نتحدث عن الشخصية الإسلامية؟

لأننا نعيش في عصر غير مستقر، في اليوم الواحد يمر على الإنسان ألف حدث ويشعر أن الدنيا تتقلب وأن هناك تغييرات عظام وكبار،

وكل ما يحصل وما سيحصل قد أخبرنا عنه النبي عليه الصلاة والسلام إلماحات في قضايا آخر الزمان وأشراط الساعة.

إذاً نحن نحتاج إلى هذه الشخصيات الإسلامية التي ربّت نفسها على القوة،

وعلى هدي النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة رضوان الله عليهم الذين كانوا مصاحف يمشون على الأرض،

ومعنى هذه الكلمة أن صفات شخصية الصحابة تغيرت بعد إسلامهم عمر مثلاً كان القوي، وأبو بكر الأسيف انظم لصفاتهم صفات أخرى

لكونهم مسلمين أصبحوا يتطبعون بالأخلاق التي أمر بها القرآن ينتهون عن المناهي التي نهاهم عنها القرآن،

والقرآن ما هو؟ هو شريعة الله عز وجل المنزلة من عنده.


لا ترض بالنقص 

حديثنا اليوم عني أنا وأنت نعلم أن لدينا صفات لا نرضى بها ولا نحبها ولا يسرنا أن نلقى الله عز وجل وهذه الصفات لازالت فينا. 

هل سيصل الإنسان إلى مرتبة الكمال؟ الجواب لا،

لكن أن تعيش وأنت تعمل على تغيير نفسك ولا ترضى بالخطأ خيرٌ لك من أن تعيش متعايشاً مع ذنبك الذي يغرقك.

نحن لا نتكلم عن نقص بجمال ظاهري، فتعايشنا في هذه الحالة هو تمام الرضا، لكن اليوم نتكلم عن نقص بالشخصية الإسلامية

ويجب أن نعرف أن الإنسان مجبول على النقص لكن أن ترض بهذا النقص فهذا نقص آخر.. 

آخر آية نزلت في حجة الوداع: اليومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (المائدة 3) إذًا نحن نتبع أكمل دين وأكمل شرع

فلابد أن نقترب لهذا الكمال وأن نتمسك بما أنزل الله عز وجل على خلقه.

قال النبي عليه الصلاة والسلام :إنّما بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَق ( أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وقال الألباني: صحيح).
وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه أبو نعيم لا يقوم بدين الله إلّا من حاطه من جميع جوانبه ( أخرجه أبو نعيم، وقال الألباني: ضعيف).

ولذلك أمرنا الله عز وجل أن ندخل في السلم كافة فما ندخل نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض، أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ (البقرة 85)


كيف تكمل الشخصيات؟

على الإنسان أن لا يجعل مجال من مجالات العمل الصالح ولا سهمٍ من سهام الخير إلا وقد جعل لنفسه نصيبًا منها،

ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام كان يتفقد هذا الكمال في الصحابة في الحديث المعروف

عندما جاء يوم من الأيام النبي عليه الصلاة والسلام فجلس مع الصحابة ثم سألهم فقال : مَن أصْبَحَ مِنْكُمُ اليومَ صائِمًا؟

قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن تَبِعَ مِنْكُمُ اليومَ جِنازَةً؟ قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن أطْعَمَ مِنكُمُ اليومَ مِسْكِينًا

قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن عادَ مِنْكُمُ اليومَ مَرِيضًا قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، تخيلوا خمسة من خصال الخير كل وحده منها باب،

  يتصدق على مسكين، تبع جنازه، وقطع جزء من وقته عاد مريضًا وأصبح في نفس هذا اليوم هو صائمًا خمس خصال من خصال الجنة.

قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( ما اجتمعت في امرئ إلا أدخلته الجنة) أخرجه مسلم : صحيح.

ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام  : ( إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ) أخرجه الدارقطني في الأفراد، وقال الألباني حسن. 


قال الإمام ابن بطه في كتابه الايبان الكبرى عن صفات المؤمنين: «فأما أخلاق المؤمنين فهي قوة في الدين وحزم في لين»

أي هو لين لكنه حازم و «إيمان في يقين وحرس في علم وقصد في غنى» فما يبطر حتى لو كانت لديه أموال الدنيا

«وتجمل في فاقه» حتى لو كان أفقر الناس لا يعني هذا أنه لا يتجمل

« ورحمة للمجهود» أي حين يرى شخصاً متعباً لا يزيده وإنما يرحمه

« وعطاء في حق ونهي عن شهوه وكسب في حلال وتحرج عن طمع» فما يطمع بما عند الآخرين

«ونشاط في هدى وبر في استقامة لا يحيف على من يبغض» حتى لو كره لا يظلم أو يبهت أو يساعد الناس على ظلمه

«ولا يشمت بالمصاب ولا يضر بالجار ولا يهمز في الصلاة متخشع وإلى الزكاة متسرع إن صمت لم يغمه صمته» فما يتضايق أنه جلس في مجلس ولم يتكلم إن صمت لم يغمه صمته

وإن ضحك لم يعلي صوته الضحكة بالقهقة بالصوت العال.

«في الرخاء شكور وفي الزلازل وقور، قانع بالذي له لا يجمح به الغيظ ولا يغلبه الشح يخالط الناس ليعلم أو ليعلم ويصمت ليسلم

و ينطق ليفهم إن كان مع الذاكرين لم يكتب من الغافلين وإن كان مع الغافلين كتب من الذاكرين وإن بغي عليه صبر حتى يكون الله هو الذي ينتقم له يوم القيامة.»

إذاً مهم أن نربي أنفسنا والأجيال من بعدنا على مثل هذه الأخلاق وأن نسموا إلى ما يريده الله عز وجل. 


إمام أهل السنة: الإمام أحمد ابن حنبل – رحمه الله-

«ثبّت الله أهل السنة بأبي بكر يوم الردة وبالإمام أحمد يوم الفتنة». 

الامام أحمد رحمة الله عليه قال أن القران هو كلام الله ليس بمخلوق، ثبت على هذا أكثر من ١٦ سنة صبر حتى انقشعت تلك الفتنة ..


شيخ الإسلام: ابن تيمية -رحمة الله-

شيخ الإسلام ابن تيمية نشأ في واقع ربما أفسد بكثير من الواقع الذي نعيشه، كان عصر الفلاسفة والمتكلمة والرافضة

وكان التتر على الأبواب والصوفية في زمنهم كانت هي المذهب الدارج، وفي وسط هذا كله يثبت الله عز وجل هذا الدين بشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.


الإمام محمد بن عبدالوهاب

 والمثال القريب لنا فيما حصل بالسعودية في بدايات القرن عام ١٣٠٠هـ نتحدث عن الإمام محمد بن عبدالوهاب

دعوته جاءت على أناس كانت تطوف على القبور وكانت مقبرة البقيع كلها عبارة عن قباب تعبد من دون الله

ويتمسحون في القبور ويدعون من دون الله عز وجل، فجاءت هذه الدعوة من بعدها تنقية لهذا الدين،

هل كان الطريق سهلا؟ لا، كتاب الشيخ عمر الأشقر عن سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب توضح كم طرد الشيخ محمد بن عبد الوهاب من مدينة إلى مدينة

وكيف حورب حتى من أهله في وسط نجد الى أن حصل ما حصل.

لكن هذه الدعوة لم تكن لتنتشر لولا أن يكون هناك أناس ثابته تحمل هذا الدين بهذه القوة.

كيف تربوا؟ وكيف صنعوا؟ كيف صبروا كل هذا الصبر؟ ونحن لا نصبر على أدنى من هذا بكثير.


كيف نربي أنفسنا؟ 

*نربي أنفسنا كما نُربي الصغار. نخوفها مرة ونرغبها مرة، قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي

عن الله عز وجل: (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه)

كلمة تقرب فيها نوع من التربية، أنّي إذا أردت أن أقرب من الله عز وجل،

ابدأ بما افترضه الله عز وجل علي كما جاء في الحديث وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه). أخرجه البخاري : صحيح.

* أن نربيها على التأثر والتفاعل. كيف تكون إنسان متفاعل؟ أحدهم كان يقول «صحبت ابن عون عشرين سنة ابن عون من أئمة الحديث،

يقول صحبته صيفا وشتاء، ليلا ونهارا، يقول فما وجدته في يوم إلا وهو زائد عليه بالأمس»

هؤلاء لا يعيشون حياتهم بطريقة باردة و إنما يتفاعلون فيها مع الأحداث.

شيخ الإسلام ابن تيمية يحكي عن أهل الإيمان وأهل الطاعة يقول: «وأنت ترى وجوه أهل الطاعة إذا تقدموا بالسن وكبروا ازدادوا نظرة وجمالا

وعليها نور وأتى أهل المعصية والشر والبدعة ، يكون أحدهم في مقتبل العمر ، شابا ، وسيما لكن لا يزال يواقع الفواحش

ويقع فيها وبألوان المنكرات ويستمر فيها على البدع فيقبح وجهه في الكبر فتراه قبيحا ذميما.»

ولذلك عمرو ابن حمم يقول كان لدي ثلاث تمرات أريد أن آكلها لأتقوى بها على حرب،

يقول فلما سمعت جنة عرضها السماوات والأرض قلت بخ بخ (قال له النبي ما يحملك على قولك بخ بخ )قال: لا والله ! يا رسول الله!

إلى رجاءة أن أكون من أهلها قال فأنك من أهلها ، فأخرج تمراتٍ من قرنه ، فجعل يأكل منهن (أخرجه مسلم : صحيح )

فلما جاء يأخذ هذ التمرة قال لإن عشت حتى آكل هذه التمرات إنها لحياة طويلة ورمى بالتمرات وقال حتى قتل)

فإذا إن كنا نريد أن نكمل شخصياتنا فنحن نحتاج إلى هذا النوع من التفاعل.


هناك صفات مهم أن تراعيها وتتعاهدها:
(١) عندما تعرف أن هناك أكثر من2000 مليون من البشر يعبدون الأوثان و600 مليون منهم فقط يعبدون البقر

ستعرف إذا أن من أهم الصفات التي لابد أن يربى الإنسان عليها هي الإيمان بالله.

هذا الإيمان هو الذي يجعلك جبل ثابت أمام كل الفتن وكل المتغيرات. سحرة فرعون لما وقفوا أمام فرعون في ذلك الموقف الذي خوفهم فيه قالوا

{قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَٰتِ وَٱلَّذِى فَطَرَنَا ۖ فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ} [طه ٧٢.

(٢) الصفة الثانية هي صفة الصدق. والصدق، أن يكون صدقك القلبي بنفس صدقك اللساني بنفس صدقك العملي،

فأنت تعيش في توافق بين هذه الثلاث، فما تؤمن به هو الذي تتكلم به، وما تتكلم به هو الذي تفعله في جوارحك،

ولذلك نعلم يوم القيامة أول من يتكلم عن العبد شاهدًا عليه من الجوارح هو فخذه {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت ٢١] 

وقال النبي عليه الصلاة والسلام:{ وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا}. أخرجه مسلم : صحيح.

(٣) والصفة الثالثة : الثبات. أن تثبت على دين الله عز وجل يقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( بادروا بالأعمال، فتناً كقطع الليل المظلم، 

يصبح الرجل مؤمناً، ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا) أخرجه مسلم : صحيح،

إذًا بادرو بالأعمال واثبتوا عليها. ستأتي فتن يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً لم يقل ويمسي عاصياً بل كافر ملحد مشرك،

يعني الفرق أقل من ٢٤ ساعة تقريباً هذا ما هو شي هين هذه فتن قد تعم الناس ولذلك لابد للإنسان أن يمرن نفسه على الثبات.

مشكلة الثبات تأتي من شيئين أنت لا تثبت ورجلك تهتز إما لأنك لا تعلم فالواجب علينا أن نعلم وإما أنك لا تصبر

فالواجب عليك أن تتصبر ومن يتصبر يُصبره الله عز وجل{  إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر } [ العصر ٢-٣ ]

قالو فيها ثلث الدين، لأن فيها كل الأصول الأربعة «فتواصو بالحق» أي أنهم علموا الحق «وتواصو بالصبر» ولذلك من يريد الثبات يثبته الله.

(٤) وأيضاً أن يكون الإنسان عالي الهمة. أن تكون همتك في الحياة عالية فما ترضى بالسفاسف ولا ترضى بالدون وتحدد هدفك،

(إن الله يحب معالى الأمور وأشرفها  ويكره سفاسفها)  أخرجه الطبراني في الكبير، وقال الألباني: صحيح.

  وحينما قال الله عز وجل محفزاً لعباده : { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ } [ سورة الواقعة ١١ ]

ولما أنزل الله الكتب والألواح على موسى قال : { فَخُذْها بِقُوَّةٍ وأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأحْسَنِها} [ سورة الأعراف ١٤٥ ]

كلها حسن لكن أمره الله عز وجل أن يأخذ معاليها وأن يأخذ أحسنها.

أسأل الله أن يُحسن أخلاقنا وأن يُعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يجعل شخصياتنا في ما يُحب ويرضى وأن يجعل خير أعمالنا خواتمها

وخير أيّامنا يوم نلقاه .. هذا والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..


تنويه: مادة المحاضرة جمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.