لسماع المحاضرة صوتًا:

فضلًا المحاضرة الصوتية للنساء فقط

الملخص:

[ كيف نعيش عرفة ؟ ]

لهذا اليوم شرف عظيم شرّفه الله به، وفضائل عدة خصّت به، منها:

الفضيلة الأولى: أنه يوم إكمال الدين وإتمام النعمة

عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن رجلًا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آيةٌ في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا. قال: أي آية؟ قال: {اليومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ علَيْكُم نِعْمَتي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَامَ دِينًا}، قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلت فيه على النبي ﷺ، وهو قائمٌ بعرفة يوم جمعة.

لماذا أُكمل الدين في هذا اليوم؟

لأن النبي ﷺ حجّ حجة الإسلام أول مرة  فأتمّ ركنه الخامس، كما أن النبي ﷺ بهذه الحجة أعاد الحج على منسك إبراهيم عليه السلام؛ لأن قريش والعرب قبله في الجاهلية غيروا المناسك، فأعاد النبي ﷺ الحج على ما كان عليه زمن إبراهيم عليه السلام، وأكمل الله- عز وجل- هذا الدين وأتمّ النعمة بِغُفران الذنوب.

يقول النبي ﷺ: “يومُ عرَفةَ، ويومُ النَّحْرِ، وأيَّامُ التشريقِ: عيدُنا أهلَ الإسلامِ، وهي أيَّامُ أكلٍ وشربٍ” إذن عيدنا يبدأ من يوم عرفة، ثم يأتي يوم العيد، وتليه أيام التشريق، فكل هذهِ الأيام الخمسة هي أيام عيد، تتعبد الله فيها بأمرين: بالشكر والفرح.

الفضيلة الثانية: أنه اليوم الذي أخذ الله فيه الميثاق على بني آدم

هذا اليوم بالذات فيه مزية حصلت قبل آلاف السنين، فيوم عرفة يوم ثقيل ليس كأي يومٍ عادي تمرّ به، في هذا اليوم أظهر الله – عز وجل-  ذرية آدم مثل الذرّ، وأخرجهم من ظهر آدم وأخذ عليهم الميثاق، والميثاق هو أن لا إله إلا الله، هذا الميثاق هو الفطرة الموجودة في الداخل، لذلك النبي ﷺ يقول: “كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ” ما معنى يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجّسانه؟ معناه أن ما بداخلك هو فطرة فطرك الله عز وجل عليها، هذه الفطرة هي لا إله إلا الله، وهي الشعور بالحاجة إلى ربك.

فحاجتك إلى الله- عز وجل- هي حاجة أساسية أهم من حاجتك لأنفاسك؛ لذلك الذين لا يؤمنون بالله بطريقة صحيحة، هؤلاء يعيشون طوال الوقت في قلق.. هو يبحث عن شيء ولا يجده، فطرته انتكست، تلوّثت وتشوّهت، فهو يعيش حياة غير متناغمة مع الفطرة التي غرسها الله في داخله.

عندما نقول أن هذه الفطرة هي التي جعلها الله -عز وجل -فينا، فافرح بأن الله لم يضعك في مكان تحتاج فيه للبحث عن الإسلام، لم يجعلك تشعر بالقلق وأنت تبحث عن الله، احمده على أنه لم يوجدك في بيئة أخرى بعيدة عن الهدى؛ لأنك قد تصل للحق وقد لا تصل إليه، قد يهديك عقلك إليه وقد لا يهديك، فاحمده على هذه المنّة وهذه النعمة العظيمة وكن من الشاكرين.

الفضيلة الثالثة: أن الله -عز وجل- أقسم به في كتابه

أقسم الله بيوم عرفة في موضعين من كتابه، والعظيم لا يُقسم إلا بعظيم.

ففي سورة الفجر قال تعالى: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ}، والليالي العشر هي عشر ذي الحجة في أصح التفاسير، {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} الشفع يوم النحر والوتر يوم عرفة.

وفي سورة البروج يقول سبحانه: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} الشاهد: يوم الجمعة والمشهود: يوم عرفة.

الفضيلة الرابعة: تكفير السيئات والعتق من النار

    يقول النبي ﷺ في هذا اليوم: “صيامُ يومِ عرفةَ، أحتسِبُ على اللهِ أنْ يُكفِّرَ السَّنةَ الَّتي قبْلَه والسَّنةَ الَّتي بعدَه” فصيام عرفة، أربع عشرة ساعة أو ست عشرة ساعة ستصومها يُكفّر سنتين، سنة قبلها بذنوبها وكدرها، وسنة قادمة أيضًا بذنوبها وكدرها. هذا إن أخلصته لله وحده، وتقبله الله منك، قال تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.

يروي ابن عباس -رضي الله عنه- عن النبي ﷺ أنه قال في هذا اليوم: “إنَّ هذا يومٌ من مَلَكَ فيهِ سَمْعَهُ وبَصَرَه ولسانَهُ غُفِرَ لهُ”. نحن نتحدث عن يومٍ يُكفر الله بصيامه سنتين، فلا بد أن تحفظ فيه سمعك وبصرك ولسانك حتى يُغفر لك. اثنتا عشرة ساعة تقريبًا لو ملكت فيها حواسك غُفر لك.

و عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنه- يقول النبي ﷺ فيه: ” … فإذا وقَف بعرَفةَ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ ينزِلُ إلى السَّماءِ الدُّنيا فيقولُ : انظُروا إلى عبادي شُعْثًا غُبْرًا اشهَدوا أنِّي قد غفَرْتُ لهم ذُنوبَهم”.

لهذا نحن نعيّد بعد يوم عرفة، اليوم الذي نرجو الله فيه أن يغفر لنا ويُعتق رقابنا من النار؛ فلذلك كان لنا عيدًا.

[ هل نحن نحتاج إلى يوم عرفة؟ ]

نعم نحن نحتاج عرفة، وحاجتنا له أكثر من حاجتنا للأكل والشرب، أكثر من حاجتنا للأنفاس، نحن نحتاجه لعظَم ما فيه من المَكرَمات، إذ أن الله -سبحانه وتعالى- يعتق فيه عباده من النار، يجيب دعواتهم، ويعطيهم سُؤلهم، فلا يبقي لهم مسألةً إلا أجابها، ولذلك قال ابن عبد البر: “دعاء يوم عرفة مُجابٌ كله في الأغلب”، فدعوات عرفة غالبًا تأتيك مثل فلق الصبح.

نحن نحتاج إلى عرفة أيضًا، لأن النبي ﷺ يقول : “إنَّ الإيمانَ لَيَخْلَقُ في جَوْفِ أحدِكُمْ كَما يَخلَقُ الثّوبُ، فاسْألُوا اللهَ تعالَى أنْ يُجَدِّدَ الإيمانَ في قُلوبِكمْ”، “كما يخلَق الثوب” يعني مثل الثوب المهترئ الذي أصبح رقيقًا لكثرة استخدامه، فيتشقّق ويتقطّع لأدنى سبب، فهذا يعني أن الإيمان ليس كتلةً صلبة موجودة في داخلك، بل هو شيء يتغير مع مرور الأيام، يزداد وينقص، والمشكلة ليست في الزيادة والنقصان، بل المشكلة فيما سيُختم لك! ولذلك من المهم في يوم عرفة أن تسأل الله أن يجدّد الإيمان في قلبك.

هذه العشر تتميّز أنها في آخر العام، وبعدها تستقبل بدايةَ عام جديد، لذلك أنت تحتاج إلى دفعات إيمانية في يوم عرفة، أنت تحتاج إلى غذاء روحي يبقي قلبك حيًّا سائر الأيام.

لاحظ نفسك، قبل خمسة أعوام كيف كنت؟ والآن كيف أصبحت؟ آراؤك ومعتقداتك، والمسلّمات التي تؤمن بها كيف تغيّرت؟ أمورٌ ما كنتَ تجرؤ على فعلها أو حتى التفكير بها، واليوم المجتمع كلّه يفعلها بما فيهم أنت! كيف أصبحنا نرى الأسود أبيض والأبيض أسود؟ كيف صارت الألوان رمادية ولم نعد نعرف الحلال من الحرام!

بدايةً أنتَ أنكرت، غالبت، ثم لما رأيت الكلّ يفعل فعلتَ مثلهم، ذاب شعور أنَفة المنكر، وصار الإنسان يألف الذنب ولا يأنف منه، فأنت تحتاج أن تسأل الله في عرفة أن يجدد الإيمان في قلبك، واجعل هذا ضمن أولوياتك في الدعاء.

في حديثٍ ترويه أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن النبي ﷺ أنه يقول: “ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمِ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟”، الله عز وجل يباهي بهم الملائكة، يُباهي بأعمال قلوبهم، ويقول “ما أراد هؤلاء؟” فلما تعلم أن الله في هذا اليوم سيُسائل قلبك عمّا أراد، لا بد أن تحرّك في قلبك هذا السؤال منذ استيقاظك صبيحةَ عرفة، ماذا أريد في هذا اليوم؟ فالله -عزّ وجل- يسأل هذا السؤال؛ لعظَم ما في القلوب من رجاءِ رحمته ومغفرته.

إذن نحن نحتاج إلى عرفة حتى نُجدد الإيمان في قلوبنا، نحنُ نحتاج عرفة لقرارات الإصلاح المؤجلة، لوعود التغيير التي لم نفِ بها، ولخَطونا المتعثّر عبر السنين، أنت تدعو الله في عرفة أن يقيل عثرتك، أن يتجاوزها عنك، فلطالما تعثّرت وسقطت وتلطّخت، ارجُ مُقيل العثرات أن يقيل عثراتك ويغفر زلّاتك، تلك التي حدثت دون قصد منك، وتلك التي سرقها الشيطان منك في لحظة ضعف، ولْتُرِ الله صدق توبتك، وشدة حاجتك لغفرانه والعتق من نيرانه.

ابدأ من هذهِ الأيام التي تسبق عرفة وأخرج الدنيا من قلبك؛ لأن الله في يوم عرفة يُباهي بمن جاؤوه شُعثًا غُبرًا، وقد أخرجوا كل الدنيا من قلوبهم، يقول النبي ﷺ : “من كانت الآخرةُ همه، جعل اللهُ غناه في قلبِه، وجمع له شملَه وأتتْه الدُّنيا وهي راغمةٌ”، فلو كان أفقرَ الناس، يشعر أنه أغناهم، “وجمع له شملَه ” تفرّق الشمل ليس في أن أبناءك متفرقون متناثرون وكلٌّ في واديه، بل شملك أنت وحدك، عقلك المشتت الذي يفكر في كل شاردة وواردة. “وأتتْه الدُّنيا وهي راغمةٌ” هذا غناه في قلبه، لا يُريد الدنيا لكن الدنيا تركض خلفه وهي راغمة أي مقهورة ذليلة، تأتيه دون أن يطلبها.

إذن قلنا أننا لابد أن نستحضر هذين الأمرين: نستحضر سؤال الله – عز وجل- “ماذا أراد هؤلاء؟” والأمر الآخر أن نخرج الدنيا من قلوبنا.

الآن دعونا نجيب على هذا السؤال:

 كيف نفوز في عرفة؟ كيف نعيش عرفة؟

أولًا: الذل والانكسار

لمَ علينا الانكسار في هذا اليوم ؟ لأن المقام الآن هو مقام رغبة ورهبة ورجاء وخوف، ولا شيء يحرّك هذه المشاعر مثل أن تأتي إلى الله وأنت منكسر ذالٌ له خاضع. أنت تنكسر؛ لأنك أتيته بأيدٍ خاوية إلا من قليلِ عملٍ صالح، لأنك أتيته مُثقلًا بالذنوب والخطايا. ترفع يديك وتدعوه أن يا رب اغفر  لي، وعلى عاتقك آلاف الخطايا التي ترجو أن يغفرها لك.

يقول الله تعالى لك {وَاسْجُد وَاقتَرِبْ}، فلا بد أن تذلّل له، عفّر وجهك في التراب، اسجد له وادعُه وإن لم تكن في صلاة، أنت تحتاج هذه الدعوات وهذه الساعات.

ثانيًا: شابه الحجيج في قلوبهم

الذين يفوزون في يوم عرفة هم الذين شابهوا الحجيج في قلوبهم، الحاج أول ما يدخل في منسكه يحرم ويلبّي، والتلبية أن يقول: “لبّيك اللهم لبّيك” يعني يا رب أجبتك إجابة بعد إجابة وحبًا بعد حب. فكلمة (لبيك) لا تقال لأي أحد، بل تقال لمن تحبه.

استيقظ في هذا اليوم بلبّيك اللهم لبّيك، شعورًا لا لفظًا فقط، يا رب جئتك إجابةً وحبًا، يا رب أنا وافد عليك، يا رب أحييتني إلى هذا اليوم فمُنّ عليّ بالقبول والمغفرة.

مشاعر الحجيج و هم يقفون في هذه الساعات من الظهر إلى المغرب، واقفين عند الأبواب كمن يطرق الباب بشدّة وقوة أنْ يا رب افتح لنا يا رب، يقفون على صعيد عرفات وهم يطلبون حاجاتهم من الله- عزّ وجل-.

أنت في بيتك استشعر أنك واقفٌ بالباب ترجو من الله أن يفتحه لك، واستشعر أن الباب مغلق لا يُفتح لأي أحد. فما الدعاء الذي ستدعوه؟ وما هيئة يديك وأنت ترفعها؟ وكيف سيكون حال قلبك حتى يستجيب الله لك؟

بقي الرسول ﷺ راكبًا على دابته من بعد الزوال أي من صلاة الظهر إلى المغرب رافعًا يديه، حتى عندما فلت خطام ناقته لم ينزل يديه ليأخذه، بل أبقى يدًا مرفوعة وتناوله بيده الأخرى، ثم رفع يديه كلتيهما، لا يريد أن يفوّت لحظة واحدة من هذه الدقائق الغالية، فماذا كان يسأل رسول الله ﷺ؟ وبماذا كان يثني على ربه؟ وماذا كان يريد؟ ولذلك يجب أن تكون حاجاتك واضحة في هذا اليوم، واسأل الله -عزّ وجل- في هذا اليوم أن يمنّ عليك بالقبول.

 إذن يفوز بعرفة من يشابه الحجيج في التلبية، في ابتهالاتهم إلى الله، وحتى في رميهم للجمرات لاحقًا، هؤلاء لماذا يرمون الجمرات؟ نتذكر إبراهيم -عليه السلام- حينما أُمر بذبح ابنه فذهب مباشرةً لينفذ أمر الله سبحانه، فأتاه الشيطان يقول له: يا إبراهيم أتقتل ابنك؟ أتقتله بعد أن كبر؟ عُد إلى ربك واسأله، فلا يلتفت إليه إبراهيم بل يأخذ حصيات ويرميه بها، فأنت عندما ترمي هذه الجمرات أنت لا ترمي حصى فقط، أنت ترمي شياطينك التي بينك وبين الله، أنت ترمي كل القرارات المؤجلة، أنت ترمي هذه الدنيا التي تحول بينك وبين الله، ففي كل مرة ترمي فيها المفترض أن هناك حاجزًا وعائقًا يفصل بينك وبين الله -عز وجل- ينكسر.

حينما تعرف هذا وأنت في بيتك لا تؤدي المناسك، اعلم أيضًا أنك مُطالب بأن ترمي شياطينك، أنت مُطالب بأن تكسر تلك الحواجز والعوائق بينك وبين الله، لا بد أن تفتّش وتعرف ما الذي يحول بينك وبين الله. استحضر هذا العائق أمامك في يوم عرفة وقُل يا رب هذا ما يحول بيني وبينك، يا رب إني مغلوبٌ فانتصر، الجأ إلى الله واستعن به على تلك العوائق، واحذر أن تلتفت إلى أهوائك ورغباتك الشخصية، لا تقل أخشى أن يُستجاب لي وأنا لا أريده الآن! لا أريد الهداية الآن، لا أرغب بالتغيير الآن .. بعد ثلاث سنين! بل اشكُ نفسك إلى الله؛ لأنك تعرف في قرارة نفسك أنك حائد عن الصواب، فلأهوائك لا تلتفت.

ثالثًا : أن تشتري نفسك

كيف نشتري أنفسنا في عرفة؟

كان السلف يتحرون يوم عرفة بأعظم الصدقات فيتطهرون بتلك الصدقات أمام الله -عزّ وجل-، ولذلك خلال العشر عليك أن تتحرّى في كل يوم أن يكون لك صدقة ولا تنسَ أن الصدقة في السر تطفئ غضب الرب. فلو فعلت أمرًا أغضب الله -سبحانه وتعالى-، بادر بإخراج الصدقات سرًا حتى تطفئ غضبه -عزّ وجل-، ولا تبخل على نفسك بذلك.

رابعًا: احفظ جوارحك في هذا اليوم.

ذكرنا الحديث الذي رواه ابن عباس -رضي الله عنه-عن النبي ﷺ: “إنَّ هذا يومٌ من مَلَكَ فيهِ سَمْعَهُ وبَصَرَه ولسانَهُ غُفِرَ لهُ”. فلو استطعت في هذا اليوم ألا تنظر إلى صورة وألا تفعل أيّ محرّم فافعل، هي اثنتا عشرة ساعة أو أقل، فحاول أن تصوم لا عن الأكل والشرب فقط، بل صُم عن كلّ ما يخدش قلبك. وتذكّر أن من علامات قبول الطاعة التوفيق للعبادة بعدها، فالمفترض أنك تخرج من عرفة بروحانية يمتد أثرها، فاحرص على حفظ جوارحك في هذا اليوم.

الأمر الخامس والأخير : اليوم هو يوم التسبيح والتهليل والتكبير والدعاء.

لن تفعل شيئًا في هذا اليوم سوى التسبيح والتهليل والتكبير والدعاء، حتى الحاجّ في عرفة سيكون إما قائمًا أو قاعدًا أو ساجدًا يدعو الله، ويسبّح ويكبّر ويهلل، فاستعد من الآن لذلك.

حاول أن لا يفوتك قيام تلك الليلة بالذات؛ لأن من أحسن في ليله كُوفئ في نهاره.

فرّغ نفسك، صلَّ الضحى صلاة هادئة، ولتكن أربع ركعات، ست ركعات، ثمان أو حتى اثنتا عشرة ركعة، اقرأ فيها ما تريد، اسجد فيها، ادعُ بما تريد، اذكر الله وسبّحه، ثم صلِّ صلاة الظهر، ولا تفوّت الركعات الأربعة قبلها وبعدها، فمن فعل ذلك حرّم الله – عز وجل- وجهه على النار. وإن استطعت أن تستمع لخطبة عرفة فافعل؛ لتشاركهم الشعور ويتحرك قلبك معهم. 

بعدها تبدأ في دعائك، وإن شئت استرح نصف ساعة أو ساعة لا أكثر؛  لأن هذه الساعات هي الساعات الذهبية، من قبل العصر إلى المغرب هي الساعات التي يُرجى فيها قبول الدعاء، ولو غُلبت على ما بين الظهر و العصر فلا تُغلبنّ على الدعاء ما بين العصر والمغرب، اذهب لمكان تستطيع أن تنفرد فيه وتختلي بنفسك وادعُ الله -عز وجل- بما شئت.

بماذا أدعو؟

في دعائك لا تنسَ ثلاثة أمور:

دينك، ودنياك وآخرتك.

ولا تغفل عن ثلاثة!

في دعائك لا تغفل عن ثلاثة أمور: نفسك، أهلك وأرحامك، وأمتك.

 أخيرًا حينما تنتهي من دعائك وتنصرف اجعل قلبك معلّقًا بالله -عز وجل-، وقل يا رب أنت أكرم من أن تردّنا خائبين، يا رب أنت أكرم من سُئل، وأجودُ من أعطى، فلا تردنا خائبين ولا عن بابك مطرودين، فأنت تحرّك الرجاء في لحظاتك الأخيرة وتعرف أن الله لا يرد عبدًا رفع يديه إليه.

هذا وأسأل الله أن يغفر لي ولكم ولوالدينا وجميع المسلمين، وأن يجعلنا وإياكم من عُتقائِه من النار وأن يمنّ علينا في هذا اليوم بالتوفيقِ للعمل صالح، وأن يُبارك لأهلِ الحج حجهم ويجعل سَعيهم مشكورًا وحجهم مبرورًا وذنبهم مغفورًا، وأن يجبر قلوب من لم يكتب له الحج، ويجعل خير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم أن نلقاه، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


* تنويه: مادة المحاضرة جُمعت من مصادر عدة وجميع المحاضرات في المدونة ليست كتابة حرفية لما ورد في المحاضرة؛ إنما تمت إعادة صياغتها لتُناسب القرّاء وبما لا يُخلُّ بروح المحاضرة ومعانيها.

4 تعليقات
  1. 바카라사이트 says:

    Please visit my site because it will help to relieve stress
    카지노사이트 ACE21에서 안전한 카지노 사이트만을 추천합니다.카지노, 바카라, 온라인카지노, 순위 , 라이브카지노, 해외카지노, 사설카지노, 호텔카지노 등 각종 인터넷 게임을 제공하는 신뢰할 수 있는 통합사이트와 함께 다양한 이벤트에 참여하세요!” />

    https://8mod.net/baccaratsite/

  2. 아리아카지노 says:

    you can definitely be sure of the quality of my site
    카지노사이트 게임토크에서 각종 온라인 바카라, 슬롯머신, 룰렛, 스포츠토토, 바둑이, 릴게임, 경마 게임 정보를 제공합니다! 안전한 카지노사이트추천 과 각종 이벤트 쿠폰을 지급합니다!” />

    https://main7.net/aria/

التعليقات مغلقة